في مثل هذه الذكرى سكنت حركة مدوية في تاريخ الشيعة حملت معها الكثير من الجدل والمتغيرات الحقيقية على الساحة الاسلامية بجميع اطيافها وتداخلاتها، لم تقف حركة الصدر عند حدود المذهبية بل تجاوزتها الى افتراض الحلول لازمات مستديمة في المحيط العربي والاقليمي والاممي كدعم القضية الفلسطينية وباقي الفصائل المسلحة والسياسية التي تمثل القيادة الفلسطينية او المدافعة عن حقوق الشعب الفلسطيني وافتاءه  لحزب الله بفتاوى جريئة في التشجيع على مواجهة  الاعتداء الاسرائيلي المتكرر عليهم كما انه  طرح مشروع حل للقضية الأفغانية ودعا الى رفع الاضطهاد السياسي والاستبداد الديني في باكستان  وتحميل السلطات كامل المسؤولية لانها  كانت تغض الطرف عن جيش الصحابة في مجازره البشعة بحق الشيعة هناك وتشجع بهذا الاهمال المقصود الجماعات التكفيرية الى الافتاء بالتطهير البطيء لباكستان من التشيع كله ولاننسى مخاطبته الحكومة السعودية بالسماح للحوزة العلمية في النجف ببناء العتبات المقدسة العائدة لرموز آل البيت في المدينة المنورة،  وذلك خارج إطار الحكومة العراقية، هذا في المحيط الاقليمي القريب والبعيد واما دوليا فقد وجه الازمة نحو المثلث الذي عبر عنه بالمشؤوم وهو مثلث اضلاعه امريكا وبريطانيا واسرائيل ما جعل اتباع الصدر ينظرون الى صدام على وحشيته اداةً تتوفر في كل عصر للاحتلال الذي يقف على رأس المشكلة، ومثل هذا التوجيه نحو الغرب يجعل الشيعة في العراق تضرب بمدافع بعيدة المدى مزدوجة الهدف فهي تصل الى واشنطن ولندن وتل ابيب وترمي من ذلك اسقاط نظام صدام من الاسياد هذه المرة، لاادري من اين جاءت هذه الفكرة السياسية الكبيرة لرجل دين مضطهد كمحمد الصدر ولكن من المؤكد انه كان يحمل مشروعا سياسيا ودينيا واجتماعيا متكاملا فمن الناحية السياسية هجم الصدر في البداية هجوما دبلوماسيا على نظام صدام  مستفيدا من هذه المرونة الدبلوماسية فرصة حرية الحركة في الساحة العراقية المليئة بالألغام البعثية، لقد جنبته هذه الدبلوماسية مأزق المواجهة مع السلطة حينما أكد أن: " على السياسة أن تستلهم الدين وان تعمل بوحي أحكامه عملا بالقاعدة القائلة- حلال محمد حلال إلى يوم القيامة وحرامه حرام إلى يوم القيامة-، ولكن هل يقتضي ذلك دمج القيادتين الدينية والسياسية؟ ليس بالضرورة، إذ ثمة معطيات سياسية لا يملكها رجل الدين ... إلى أن يقول وأنا مع مبدأ الفصل بين القيادتين شرط أن يجعل الحاكم السياسة في خدمة الدين، لا أن يسخر الدين في خدمة السياسة . وهذا مبدأ يجعل من السهل التكهن بموقف محمد الصدر لو كان حيا في هذه الايام وفي خظم العملية السياسية الجارية في العراق اعتقد انه سيتشابه من حيث الاتجاه مع موقف السيستاني في الابتعاد برجل الدين عن مزلق السياسي وله إن يشر من بعيد الى الخطا أو الصواب، وسيلاقي من الناس حينئذ في هذا الوقت مثل ما لاقاه في سياسته المرنة ابان النظام السابق لقد اتهموا الصدر بخيانة المذهب وانه يعمل مع البعث، لماذا لانه اصبح يمرر مشروعه بلا مواجه مباشرة مع النظام ؟ وعندما اعلن المعركة ضد النظام قالوا عنه لقد تسرع قليلا في هذه المعركة ! ربما كان من اسباب بروز هذا التناقض لدى مجتمع الصدر هو فشل الجهاز الاداري والتوعوي التابع له والذي لم يستطع إن يذيب الجليد بين النظرة القديمة للعالم في زمن البعث الذي لايمهله البعثيون إن يكمل محاضرته المسيئة للحزب حتى يتسامى في احواض التيزاب أو يندرج مع ذرات التراب في ارشيف الذكريات، وبين ظهور الصدر شامخ الهامة يعبر في بعض خطبه عن استاذه محمد باقر الصدر بوضوح أو ينتقد بعض طلبته الدولة بلاخوف كما وتنتشر كتب وبحوث عليها اسم الصدر في حين تحترق بنار عدي فتاوى السيستاني ..لم تكن تلك الحواشي قرب الصدر تتفهم حقيقة مرة هي انها تنعم بالرخاء والأمن المؤقت والصدر يتلقى السهام من بغداد موجعة كل يوم بسببهم وهو في ذات الوقت كان بوسعه إن يبرهن للناس إن هذه الحرية النسبية ماهي الا محاولة ليروا من خلالها الدين بعد ان ذهب بريح شيوعية واخرى بسموم بعثية كان بوسعه افهامهم وعندئذ يسترجع مافقد من سمعته كعالم مجاهد محل عميل خائن كما عبر عنه بعض الشيعة ! الا انه بهذا العمل لسمعته ومنزلته سيخسر مشروعه الاصلاحي الكبير الذي ما ان يسمع به صدام حتى يعجل بالتاريخ من الثالث من ذي القعدة الى شوال، والاعظم من هذا رغبة الصدر في ان يضحي فعلا من اجل رفع الخوف السميك عن العراقيين  ورعايته جيلا من الشباب يرى زيارة المبعث خير من الف بعث ! ووجوب المشي لقبر الحسين الشهيد تعدل منجزات الحزب بقائده الضرورة !، لم يشأ الصدر إن يخسر هذا الجيل المرتقب فقرر إن يضحي بسمعته وبدمه له حتى يكبر .....  و لعل صلاة الجمعة التي عملت كملتقى اسبوعي للصدر مع جيله الموعود عززت من هذه النظرة المستقبلية له فيهم وضاعفت الصلاة اللقاءات الى اللقاءات الصحفية وهي لم تكن معهودة سابقا مع المراجع الآخرين والسابقين .ذهب الصدر الى ابعد من  زيارة الى المدارس الدينية وممارسة الوعظ الديني والإفتاء كإجابات لمن يطلبها وقبض الحقوق الشرعية والتدريس في الحوزة العلمية والمدارس الدينية المحدودة هي أهم وابرز مهام رجل الدين المجتهد في العراق وذلك نتيجة الظروف السياسية التي يعيشها العراق والتي لا تشذ كثيرا عن غيرها من البلدان الإسلامية الأخرى التي تحكمها أنظمة حكم بيروقراطية . فدور رجل الدين يبقى في هذا الإطار بمعنى لا يتعداه في الأعم الأغلب إلى التأثير الاجتماعي وتوجيه حركة المجتمع.

ولكن نقرأ في مشروع الصدر الكثير مما تجده قد بدا إرهاصات لمشروع ودور بل أدوار تتعدى الدور الكلاسيكي المعتاد.

فمعروف أن الصدر قد تصدى للمرجعية عام 1984 ولكن لم يقلده الا نزر يسير جدا، ولكن الفرصة قد واتت بعد الانتفاضة بفترة ليكون المرجع الرسمي.ولكن ارجع الى نقاط أساسية هي ان الصدر كان يفتقر الجهاز المرجعي المسؤول (اعني به الحاشية) الذي ينهض به  والمدة الكافية التي تؤهل لمشروعه الدوام مع الجماهير اطول مدة زمنية ومع هذا فقد قام بتوسيع الحوزة العلمية أفقيا وعموديا، وذلك بتوسيع الصفوف الدراسية وزيادة أعداد الطلبة، وفتح جامعة علمية دينية بإسم (جامعة الصدر الدينية).و تحديث نظام التعليم فيها من حلقات منفردة إلى منفصلة وتحت مظلة واحدة وإشراف عام منه،وتقليص العطل لحساب الدوام الرسمي، وزيادة أعداد المقبولين ومن مختلف أنحاء العراق.ومع هذه الاصلاحات الجوهرية فقد تسللت اجهزة المخابرات لنظام صدام فالبست ضباط هذا الجهاز العمائم ليكونوا قادة المستقبل وحماة الدين وهذا ما جعل الصدر يشدد في اصدار الفتاوى بالتفسيق ليحد من هذه النماذج وليردع هذا الجهاز الماكر عمدة النظام السابق في بسط نفوذه على العراق عشرات السنين، ولكن ذهبت هذه الفتاوى بسبب كثرتها الى بعض لم يقصده الصدر وانما جاءت بفعل الوسائط المندسة وشراسة الهجمة عليه.. وعلى العموم كان للصدر اسهاما مذهلا في اسقاط اسطورة البعث اسطورة صدام قداسة صدام في عيون وقلوب اجيال عديدة خضعت لمعادلة إن صدام لايموت واذا مات انقلب العالم!!! لقد انتج الصدر قنابل تفجرت في وجه صدام في مدينة الصدر في بغداد واخرى بوجه الولايات المتحدة الأمريكية في النجف وجيشا يتحرك مابين الشمال والجنوب, ولكن يبقى سؤال هل كانت اهداف الصدر تقف عند الظاهرة الصدرية حاليا أو مايعرف بالتيار وهل كان همه إن يكون جيلا عسكريا صرفا؟ في تصوري ان مراده الاكيد إن يكون الجيل القادم يحمل فكر محمد باقر الصدر الذي اعجب به كثيرا ويقدس حركات التحرر اينما كانت، ويتعلم ولو من كاسب لايحمل أي وصف علمي كما تعلم الصدر مناهل العرفان على يد كاسب من اهل الكوفة غمره الزمان لولا انه استاذ الصدر في ارفع العلوم واصعبها !!الصدر يتالم عند كل فتى اراده يحيى متعلما سليما ورقما صعبا يسقط في معارك اليوم مجانا، الصدر يبكي عند كل يتيم شاء إن يرى اباه مجاهدا في اسرته لا عند اسلام السياسة ...اعتقد إن الصدر ثار على العالم المنحرف وانفجر على البعث وصدام ...

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com