العولمة هي العملية التي من خلالها تصبح شعوب العالم متصلة ببعضها البعض في كل أوجه حياتها من خلال حركة وانتقال الأفراد ورؤوس الأموال والبضائع والسلع ووسائل الإنتاج والمعلومات والثقافات والسلوك عبر حدود الدول وإنشاء الشركات الاستثمارية وتملك العقارات في دول أخرى بحرية تامة دون قيود أو حواجز . مما يتيح للدول القوية التي تحكمها الطبقة الثرية التدخل المباشر في شؤون الدول الضعيفة تحت شعارات ظاهرها براق وجذاب وباطنها هيمنة على كل شؤون تلك الدول وطمس للهويات الوطنية والدينية والقومية التي قد تشكل حافزا لمقاومة مثل هذا التدخل لتحقيق مصالح لا مشروعة على حساب مصالح الدول الصغرى دون اعتبار لسيادة أو لحدودها أو لخصائص شعوبها الدينية أو القومية أو لمصالحها الاقتصادية ولا تستثني أي مجال من مجالات الحياة ولا سيما الاقتصاد ، والثقافة ، والسلوك . ويتحقق ذلك عن طريق الانقلابات العسكرية أو الاعتصامات الجماهيرية أو حتى الاحتلال من قبل الدول الليبرالية الكبرى إذا سمحت الظروف الدولية واقتضى الأمر ومن ثم إشاعة ديمقراطية مزيفة تسمح بتأسيس أحزاب ليبرالية وتضمن استمراريتها في السلطة ، وهذه بدورها تربط تلك الدول بعجلة الدول الليبرالية الكبرى التي تتزعمها الولايات المتحدة الاميركية . أما الأممية التي دعت اليها الشيوعية فلا تختلف كثيرا عن العولمة ، فهي تقوم على تأسيس أحزاب شيوعية في جميع الدول وهذه بدورها تقوم بالاستيلاء على السلطة عن طريق الانقلابات العسكرية أو الثورات الشعبية ومن ثم تتحد الدول الشيوعية في دولة واحدة كان من المقرر أن تقودها روسيا لأنها منطلق الثورة الشيوعية . وقد ساعدت التقنية الحديثة في خدمة هذا الهدف بالنسبة للعولمة التي تقوم الولايات المتحدة بتجذيرها مستغلة انهيار الاتحاد السوفيتي وهزيمة الشيوعية أمام الليبرالية ومن ثم أفول نجم الأممية حيث اتاحت الأقمار الصناعية جعل العالم وكأنه قرية واحدة من خلال الانترنيت والتلفزيون والهواتف الجوالة . وتأتي منظمة التجارة العالمية وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي التي تهيمن عليها الشركات المالية والاقتصادية عابرة القارات في مقدمة المؤسسات التي تقود عملية العولمة لربط دول العالمين الثاني والثالث بدول العالم الأول الصناعية الغربية التي تتزعمها الولايات المتحدة الاميركية والواقعة بقبضة أثرياء العالم الكبار أصحاب الشركات العملاقة وهم غنيون عن التعريف . أما الأممية التي تتخذ من شعار" يا عمال العالم اتحدوا" فلا تختلف كثيرا عن مثيلتها العولمة التي تتبنى شعار"يا أثرياء العالم اتحدوا "إلا من ناحية الشكل . فالأممية التي سعت الشيوعية لتحقيقها والعولمة التي تسعى الليبرالية لتحقيقها ولدتا في رحم المجتمع الغربي إبان الثورة الصناعية . حيث ساد أصحاب رؤوس الأموال في أوربا ومارسو أبشع أنواع التعسف والاضطهاد ضد الطبقة العاملة مستغلين جهودهم المضنية مقابل دراهم معدودة حققوا بها أرباحا طائلة وهو ما دفع المفكرين الصهاينة ومن اجل الهيمنة على كلا الطبقتين – طبقة العمال وطبقة الأثرياء أرباب العمل – إلى وضع تلك النظريتين المتناقضتين في الأسلوب والمتفقتين على الأهداف وهي تعظيم ثرواتهم وتوسيع وترسيخ هيمنتهم على اكبر عدد من الشعوب والأمم تحت شعارات فضفاضة وهدامة للأخلاق الحميدة والقيم الفاضلة والسلوك الصحيح من اجل صراع طبقي وتنافس أيديولوجي بينهما أدى في النهاية إلى انتصار الليبرالية على الشيوعية مطلع تسعينات القرن المنصرم . ولذلك سيقتصر بحثنا لاحقا على العولمة فقط ، فهي سلاح ذو حدين ، ولو إستعرضنا سلبياتها وإيجابياتها لوجدنا إنها تمثل اكبر خطر يداهم الدول الضعيفة والمتخلفة لأنها بوضعها الحالي المخطط له وجاري تنفيذه تسمح بعبور المنافع إلى الدول القوية الكبرى وعبور الأضرار والمساويء إلى الدول الصغرى الضعيفة ولا تسمح بالمرور المعاكس ، ولو كانت تسمح بعبور المنافع لكلا الطرفين بتوازن وعلى قدم المساواة ومنع الأضرار من العبور لكنا من المنادين بها، أما والأمر كما هو عليه الآن حيث تنتقل المواد الأولية والأيدي العاملة الماهرة والكفاءات العلمية بأسعار زهيدة إلى الدول القوية فيما تصبح الدول الضعيفة سوقا للسلع والبضائع بأسعار باهضة وموقعا لإقامة مشاريع استثمارية تكون حصتها من أرباحها متدنية وجعل أرضها مدفنا للنفايات الضارة وشعوبها مسرحا لنشر الفساد والثقافات المنحرفة فإننا نعتقد أن على شعوبنا مواجهتها والمطالبة بتصحيح مسارها . وندعو جميع الشعوب المماثلة لنا بالتعاون لمناهظة العولمة أو تعديلها بما يخدم الجميع .

 

 

 

 

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com