|
للأهل والأقارب والأصدقاء تأثيرهم على فكر الإنسان وتحديد توجهاته، وهذا التأثير يتولد بدافع الإعجاب أو المحاكاة، لذلك يكون للأخ الأكبر تأثيره على أخوانه، وللوالد تأثيره على أسرته، وقد يمتد هذا التأثير ليغير الكثير من مسارات حياة الإنسان، ويدفعه لولوج دروب لم يفكر بها في يوم من الأيام، وعن هذا الطريق جرى كسب الكثيرين لصفوف الحزب بتأثير من أقاربهم أو أهلهم أو زملائهم، وخصوصا إذا كان لهؤلاء تأثيرهم الاجتماعي والفكري، لذلك كان للرفيق مهدي صالح الزيادي تأثيره المباشر على توجهات أبن خالته الرفيق المربي عبد المولى جليل، فقد أتخذه مثلا أعلى في السيرة والسلوك والمبادئ، فكان منذ نعومة أظفاره متأثرا بالفكر الاشتراكي والشيوعي اقتداء به وتأثرا بأفكاره، وكان لشدة اندفاعه أثره في تطلعاته الثورية التي لا تتناسب وطالب في المرحلة المتوسطة، فقد حاول أن يكون تنظيما وطنيا في متوسطة الحلة يوم لم يكن بعمر يؤهله لدخول المعترك السياسي، لكن محاولته لم يكتب لها النجاح لعدم إلمامه بكيفية قيادة التنظيم، وما أن عرف بوجود تنظيم شيوعي حتى أنتظم فيه وهو في الثالث المتوسط، ولنشاطه المتميز منح شرف العضوية في العام التالي، وفوجئ ذات يوم بخبر إلقاء القبض على مجموعة من الرفاق في وكر حزبي في مدينة الحلة، منهم الرفيق حسين سلطان، وأوامر بالركون إلى الهدوء، والتأني في العمل الحزبي، والخلود إلى الراحة لحين أنجلاء الأوضاع ومرور العاصفة، فأقترح على هيئته تشكيل مجموعة مسلحة لمهاجمة مركز الشرطة وإنقاذ المعتقلين، وكان اندفاعه الثوري مرفوضا في تلك المرحلة لابتعاد الحزب عن الكفاح المسلح وانتهاجه الطريق السلمي لتغيير الأوضاع وتحقيق مطالب الجماهير ، رغم القسوة المفرطة التي يواجهها الحزب من قبل السلطة الملكية العميلة، وكان ليساريته المندفعة أثرها في بلورة أفكار لا تنسجم وسياسة الحزب، فقد أقترح ذات يوم تشكيل مجاميع مسلحة لإسناد الحركة الوطنية فرفض الحزب، وعرض أفكاره على الفقيد حمزة محمد الغركان وهو من الشيوعيين الأوائل العاملين مع الخالد فهد، فقال له"إذا طبقت الفكرة فاعتبرني جنديا عندك" وأمام أفكاره المتطرفة التي لا تماشي أفكار الحزب جاءه أحد أعضاء لجنة الفرات الأوسط والتقى به في دار المرحوم (هادي حميد طخه) في محلة المهدية، وحاول أثناءه عن أفكاره التي لا تتلاءم وطبيعة المرحلة الراهنة، التي تتطلب نضالا سلميا يهيئ الظروف لحركة مسلحة تتمكن من تغيير الأوضاع، لأن الوضع الحالي لا يحتمل وجود تنظيم مسلح، لعدم توفر الظروف الذاتية والموضوعية لمثل هذه الأمور، وبسبب أفكاره المتطرفة وروحه الهجومية كانت علاقاته متوترة مع مدير الإعدادية، وأثر مشادة كلامية فصل من المدرسة لتطاوله على مديره، فحاول البعض التوسط له، ولكنه رفض هذه الوساطة، وأبلغ المدير برفضه لأي وساطة لأن التعليم حق مشروع للجميع، لذلك أضطر لترك مدينته والذهاب إلى بغداد للبحث عن عمل بعد أن ضاقت بوجهه المسالك، ومر بظروف صعبة وأوقات عصيبة، ولحسن حظه التقى مصادفة برفيقه وصديقه (عزيز القيم) الذي تمكن من أيجاد عمل له في معمل زكريا ناصر شاشا ، الإنسان الطيب الذي وفر له ما يعينه على مواجهة أعباء الحياة، ولم ينقطع عن التنظيم في تلك الفترة فكانت علاقته فردية، لعدم انتظامه في خلية بسبب أفكاره المتطرفة التي لا تنسجم مع سياسة الحزب، وقد أوقف عدة مرات، ,استدعي مرات ومرات، وأهمها عندما أعتقل مع جماعة أنصار السلام، مع الشيخ الجليل الراحل عبد الكريم الماشطة، وحوكم أمام المحكمة العسكرية في بغداد، وأمام حاكم الجزاء في الحلة، وله موقف يذكر مع مدير الأمن أنور ثامر عندما هاجمه في ساعة غضب بتهور، ولكن مدير الأمن أمتص غضبه ولم يحاسبه على ما تفوه به من كلمات رغم وحشيته وحقده على الشيوعيين. وقد ذكر الدكتور عدنان الظاهر في ذكرياته عن أيام الدراسة معه"دخلنا في عام 1948 الصف الأول في متوسطة الحلة للبنين سوية وكان معنا ضمن مجموعة الصف الأول(أ) المرحوم هادي حميد طخة، والمربي والصديق فاهم حسين سرحان، الذي تفضل الأخ العزيز ذياب آل غلام وذكره في مقالة سابقة، والطبيب نعمة العكام ، والمحامي طارق الحلي والدبلوماسي قيس نايف الكرخي، وغيرهم ممن مارس التعليم وكان عبد المولى منهم، وكان معروفا بصوته الجهوري المخيف، وبعينيه الواسعتين جد، وشاربيه الكثين، ومتانة جسده، وقامته المربوعة، وكان يشعر أنه ذو ميزة على باقي زملائه في المدرسة لأن عمه مختار محلة الجامعين وربما الطاق أيض، وكان لمخاتير ذلك الزمان صولات على الصعيدين الأهلي والحكومي، وكان جريئا جسورا لكنه ما كان عدواني، ولم تعتد على أحد من زملائه، وكان عبد الحميد الفلوجي هو مدير المدرسة وكان على خلاف معه. وعندما أكمل دراسته وقدم طلبا للتعين في السلك التعليمي، لم يستطع الحصول على شهادة حسن السلوك، وهي وثيقة مهمة لطالبي التعيين، وتشاء الأقدار أن يحدث كسر في أنبوب الماء المجاور لداره مما أدى إلى سقوطه، فضاقت في وجهه السبل وعاكسته الأقدار، فهيأ طلبا لوزير الداخلية لإسقاط الجنسية عنه وإخراجه من العراق، ولكن تمكن بعض الطيبين من أكمال شهادة حسن السلوك من بغداد بدلا من مدينته الحلة، وعين معلما في مدرسة ابتدائية، وكانت علاقته بالتنظيم شبه مشلولة، وارتباطه فردي، بسبب اندفاعه وثوريته التي لا تناسب المرحلة، وبعد ثورة 14 تموز 1958 أتصل به الرفيق (حمد الله) للتداول في العمل الحزبي في ظل التغييرات الجديدة، ولكن الانفراج والشعبية الكاسحة للحزب الشيوعي أظهرت العجب، فشعبية الحزب وجماهيريته أوسع من مقدرة وكفاءة القيادة، بحيث غرقت القيادة في بحر الجماهيرية، وأرتبك الضبط، وظهرت تصرفات لأناس بعيدين عن الحزب سابق، حملت في طياتها الكثير مما يسيء للحزب، وظهرت تصرفات غير متزنة لأشخاص تسوروا الحزب من بابه الخلفية وأصبحوا في المقدمة من الجماهير، دون أن يكون لديهم الأهلية في السيطرة على الوضع، بل أن هؤلاء أخذوا يسيئون للحزب بتصرفاتهم البعيدة عن المثل الشيوعية، فكتب رسائل عديدة لمعالجة مواطن الخلل، ولكن دون جدوى، مما جعل صلته ضعيفة بالحزب، وانقطعت صلته التنظيمية أواخر عام 1959 على أثر انفلات تنظيمي يتحمل مسئوليته، دون أن يسيء للحزب بشيء وظلت علاقته الطيبة بالحزب، ومشاركا فاعلا في النشاطات المهنية للنقابة ، وكان من الناشطين في نقابة المعلمين، وشارك في معاركها الانتخابية بما عرف عنه من جرأة واندفاع، وقد ذكر الدكتور الظاهر"كلفني الرفيق والصديق عدنان أحمد دنان الاتصال بعبد المولى جليل للاشتراك في القائمة المهنية المتحدة، ، ذهبت إليه في محلة الجامعين حيث سكناه في بيتهم القديم، فالتقيت به في الشارع العام هناك مقابل مقهى الصديق"حسوني آل حجاب" أو مقهى صفي الدين كما كانت تسمى يوم ذاك، فاتحته بالموضوع ففوجئ ...ذهل..أغمض عينيه نصف أغماضة، شرد بعيدا عني ، وكنت أراقب بدقة حقيقة ما كان يدور في ذهنه وما فيه من خلجات وذكريات عزيزة عليه، سألني بلطف وبصوت جد خفيض مع شيء من الانكسار"هل صحيح أن الحزب كلفك بمفاتحتي بهذا الأمر" ما كان ليصدق أن مكانته لم تزل عالية في صفوف رفاق الحزب، وأن ثقة الحزب فيه مضمونة، قال موافق سجلوني معكم، ثم أضاف هل تدري كنت يوما مسئول لجنة مدينة الحلة الحزبية، وقد افتعلت السلطة صيف 1961 حادثا غير مسبوق، وقامت بحملة اعتقالات لمجموعة كبيرة من مرشحي قائمتنا وبعض أنصارنا دون أن توجه لهم أي تهمة، فلقد كان من بين من أتذكر منهم المدرس حميد جرس"من أهالي البصرة" والشيوعي المقدام المعلم عبد الوهاب غني القاضي(الصفار) والمعلم المعروف عبد المولى جليل، والكاسب الشيوعي السيد فاضل المرعب، وبعد أسبوعين حشر معهم المعلم الشيوعي المتفرغ للحزب المرحوم عباس مجيد البياتي، قلت لم توجه إليهم أي تهمة فأمضوا في معتقل مركز شرطة الحلة أكثر من شهرين من شهور الصيف القائضة، لم يعتد عليهم أحد، لكنهم تعرضوا جميعا لأنواع من الاستفزازات الكلامية، طيب ولكن ما ذنب رجل كاسب وما علاقته مع المعلمين ونقابتهم، ربما لأنه والد الشيوعي عباس المرعب الذي كان يوم ذاك طالبا في كلية التربية جامعة بغداد)عن مذكرات الدكتور عدنان الطاهر، وبعد انقلاب 8 شباط 1963 الأسود أوقف أكثر من سبعة أشهر، وسحبت يده من الوظيفة، وبعد خروجه بكفالة أعيد لوظيفته ونقل إلى الشطرة في محافظة ذي قار، ثم نقل إلى المدحتية، وظل محل مراقبة السلطة رغم علمها بعدم ممارسته لأي نشاط سياسي غير المشاركة في النشاطات المهنية للنقابة، وبعد قيام الجبهة أتصل به الشهيد فاضل وتوت وطلب منه العودة إلى الحزب، إلا أن معارضته للتحالف جعلته يبتعد عن التنظيم والنشاط المهني، ولكنه ظل لصيقا بالمبادئ التي آمن وناضل من أجله، وظل شيوعيا وأن كان خارج التنظيم.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |