|
كان الأجدر بقادة الجماعات السياسية والدينية العراقية رفض المحاصصة الطائفية السياسية التي فرضها المحتلون الأمريكان والعمل سوية على تقوية العراقيين جميعاً من خلال تمكينهم من ممارسة كامل حقوقهم وحرياتهم، ولكن الذي حدث هو أن الأكراد سعوا لتعزيز مواقعهم على حساب العرب، وقاتل السنة لاستعادة هيمنتهم السياسية، فيما حاول الشيعة الدفاع عن المكتسبات السياسية القليلة التي جنوها بعد سقوط النظام الطاغوتي، وبتقديري فإن معظم المكاسب الناتجة عن العملية السياسية أما وهمية أو مرحلية، والمثال على ذلك الانتخابات التي برأي الكثيرين جاءت للحكم –مع وجود الاستثناءات- بأكراد ساعين إلى الانفصال أو على الأقل شبه الاستقلال ضمن عراق ضعيف وبسنة طامحين لاستعادة هيمنتهم وبشيعة متنازعين غير أكفاء. من المؤكد بأن الشيعة هم الأقل ربحاً من سقوط النظام الطاغوتي واستبداله بنظام "شبهديمقراطي" مع الآخذ بالإعتبار غالبيتهم السكانية وأحقيتهم بالإنصاف بعد قرون من الاضطهاد السياسي والمذهبي، ويحمل البعض التيارالصدري ومواقفه السياسية المسئولية عن إضعاف موقف الشيعة، فهل هم محقون في ذلك؟ إن المكامن المحتملة لضعف الموقف الشيعي مقابل المكونات العراقية الآخرى ثلاثة: القيادة السياسية والمرجعيات الدينية وأغلبية الشيعة "الصامتة"، ولو بدءنا بغالبية الشيعة، فهؤلاء مارسوا الدور المرسوم لهم من القيادات الدينية والسياسية فأدلوا بأصواتهم في الانتخابات متحدين بذلك تهديدات الإرهابيين، وصوت غالبيتهم لصالح الائتلاف الشيعي، كما امتثل الشيعة لفتاوى وأوامر قادتهم بالامتناع عن الرد على ما حاق بهم من قتل جماعي وتهجير طائفي وتدمير لمقدساتهم الدينية، كما سكتوا على نقص وتدهور الخدمات الحكومية واستشراء الفساد في أواسط السياسة والإدارة، لذا فهم غير ملومين على شيء ماعدا صمتهم وتحملهم، وكان لزاماً عليهم إعلان العصيان على بعض قادتهم الذين تسلطوا على مقدراتهم، ووعدوهم فأخلفوا، وفرطوا بحقوقهم، وفشلوا في توفير الأمن لهم، ولعل يقظة غالبية الشيعة قادمة بإذن الله. أما المرجعيات الدينية فهي متعددة ومواقفها غير متجانسة، وقد استغل قادة سياسيون غموض مواقف بعض مراجع الدين من مستجدات الوضع السياسي وفسروها للناس بما يتفق مع مصالح أحزابهم وجماعاتهم، ولأن الانطباع السائد بين الشيعة هو أن بعض القادة السياسيين قد فازوا بمقاعدهم في البرلمان والحكومة بفضل مباركة المراجع فقد اتجهوا بشكاويهم للمراجع عندما لم يؤدي هؤلاء السياسيون الممثلون في الحكومة أدوارهم المتوقعة، ويبدوا بأن مشاركة هؤلاء المراجع في العملية السياسية من خلال استقبالهم الوفود السياسية وتقديم النصح لها تضاءلت في المرحلة الأخيرة، مما يؤشر عدم رضاهم عن استجابة هؤلاء الساسة لتوجيهاتهم ونصحهم، لذا يمكن الاستنتاج بأن دور مراجع الدين في العملية السياسية لم يكن فعالاً بدرجة ترضي هؤلاء المراجع أنفسهم لذا أثروا النأي بأنفسهم عنها. أما المكمن الثالث لضعف الموقف الشيعي فهم القادة السياسيون، وهنا ينبغي التمييز بين المكونين الرئيسين وقيادتيهما ضمن الائتلاف، أي المجلس الأعلى وحليفه حزب الدعوة من جهة والتيار الصدري من جهة أخرى، فالواضح أن مواقف الطرفين حتى قبل انسحاب التيار الصدري من الائتلاف كانت متباينة وأحياناً إلى حد التعارض، فهل نلقي باللوم عن إضعاف موقف الشيعة على المجلس الأعلى أم التيار الصدري أم الإثنين؟ بتقديري فإن ضعف الشيعة ناتج عن السياسات التي تبنتها قيادة الائتلاف والطرف المهيمن عليها، أي المجلس الأعلى، وخلاصة القول فإن من أوهن موقف الشيعة هو الذي أرتضى بالتالي: · بقاء قوات الإحتلال الأمريكي في العراق من دون سقف زمني مع العلم اليقين بأن نوايا الإحتلال تجاه الشيعة بصورة عامة خبيثة، فأهون على الأمريكان عودة الطغيان البعثي لحكم العراق من حصول شيعة العراق على كامل حقوقهم واستحقاقاتهم السياسية، وقد بذل الإحتلال الأمريكي كل جهد ممكن لإلغاء كل مكاسب الشيعة من العملية السياسية، وآخر الأمثلة على ذلك استهانتهم بالمالكي وحكومته في حادثة شركة بلاكووتر الأمنية ورفض السفير الأمريكي تسليم المدانين بجرائم الأنفال. · التفريط بالحقوق الدستورية للشيعة المستحقة لهم وفقاً للمحاصصة الطائفية المفروضة من الإحتلال الأمريكي وعلى كافة الصعد السياسية والإدارية والاقتصادية والجغرافية. · التهاون في حماية أرواح وممتلكات الشيعة ومقدساتهم من الهجمات الإرهابية الطائفية وعدم الاقتصاص من الإرهابيين المقبوض عليهم مما أدى إلى استشهاد مئات الألاف وتشرييد الملايين من الشيعة العزل. · التخلي عن اجتثاث البعث واستبداله بقانون المسائلة والعدالة، والذي يمنح أعضاء حزب الطغيان البعثي صكوك غفران عن الجرائم التي شاركوا في اقترافها بحق ملايين العراقيين. · تطبيق قاعدة توريث أفراد العائلة الواحدة قيادة الشيعة مما يخل بأصول الديمقراطية ويقضي تماماً على تطلعات الشيعة إلى بناء مجتمع عراقي حديث ومتطور تكون فيه الجدارة وأصوات الناخبين الأساس الوحيد لتسنم المنصب السياسي. · القبول بمبدء القيادة الجماعية الذي قوض دور رئيس الحكومة الشيعي في رئاسة السلطة التنفيذية وحوله إلى مجرد شريك مع الرئيس الكردي ونائبه السني، واليوم يحتج المالكي العاجز من تجاوز مجلس الرئاسة على صلاحياته وهو الذي تخلى بالأمس عن مستشارته السيدة مريم الريس لدفاعها عن هذه الصلاحيات. · توظيف الأقارب والمحاسيب في المناصب الإدارية والعسكرية القيادية، بحيث أصبح من المعتاد السماع بمحافظ ذي شهادة مزورة وقائد عسكري من دون أي معرفة أو خبرة عسكرية. · السكوت على تفشي الرشوة والفساد الإداري بين موظفي الدولة نتيجة ضعف القدرات الإدارية للمسئولين الإداريين المسيسين. من المؤكد بأن التيار الصدري براء من كل هذه السياسات والقرارات والممارسات التي أضعفت الشيعة، والواجب علينا أن نتذكر له مقاومته الباسلة للإحتلال الأمريكي والبريطاني ، وأن لا ننسى موقفه الصلب من الإرهابيين وتضحياته الجسام في الدفاع عن الأبرياء في الوسط والجنوب، ويستحق منا كل الثناء والتقدير لمعارضته السماح للمجرمين البعثيين بدخول العملية السياسية ورفضه تمرير مشروع الفدرالية الهادف لتقسيم العراق إلى مقاطعات طائفية وعنصرية، وأجزم بأنه لولا التيار الصدري لكان الشيعة أسوء حالاً، بل هو الضمانة الوحيدة المتبقية لحماية الشيعة في الوسط والجنوب من الاستبداد لذا ينبغي علينا الحرص عليه وإنصافه.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |