|
النفط العراقي.. القوانين والاستثمار
احمد جويد/ مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث تشكل الثروة النفطية العمود الفقري للاقتصاد العراقي وان أغلب صادرات العراق هي من مادة النفط، الذي يعتبر من بين أهم مصادر الطاقة في العالم، وعلى مدى السنوات السابقة التي تم اكتشافه فيها يسمع أبناء العراق إن بلدهم هو من البلدان الغنية في المنطقة وهو صاحب ثاني أكبر احتياطي نفطي في العالم، وحينما ينظرون إلى تقدم ورخاء البلدان المنتجة للنفط وبخاصة الخليجية منها يرون معظم أبناء العراق يعيشون في مستوى الفقر أو دون ذلك، ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل ويتعدى إلى معاناة المواطن العراقي في الحصول على مشتقات هذا المادة وهو يعيش في ظل أزمة دائمة لفقدانه مادة أساسية تمثل عصب الحياة بالنسبة له. وبما إن الاقتصاد أصبح الركيزة الأساسية التي تقوم عليها جميع دول العالم باعتباره القوة التي تتفوق على جميع القوى ومنها العسكرية، فلابد للعراق أن يحذو حذو دول المنطقة والعالم في استثماره لموارده الطبيعية وفي مقدمتها النفط. وحيث إن ذلك الاستثمار لا يتم إلا بتشريع قوانين خاصة بالاستثمار وبالإنتاج فلابد من أن تأخذ الجهات المختصة بتشريع القوانين على عاتقها صياغة وسن قوانين من شأنها أن تصل بالمواطن العراقي إلى درجة الاستفادة الكاملة من ثرواته الطبيعية عن طريق استخراج تلك الثروة الكامنة تحت الأرض، كما تفعل بقية الدول دون إفراط أو تفريط بها بتسليمها إلى شركات احتكارية تتحكم بالاقتصاد العراقي وبالتالي تؤثر على الواقع السياسي فيه. ومع بروز حالة جديدة في الواقع السياسي العراقي وهي حالة التوافقات السياسية، يجب على المشرع أن يأخذ بنظر الاعتبار مصلحة الشعب أولاً وليس مصلحة الكتل والأحزاب السياسية التي قد تخضع تلك القوانين إلى تأثير البعض منها من أجل مصالح خاصة. القوانين الخاصة باستثمار النفط الثروة النفطية ذات أهمية خاصة للشعب العراقي الذي يعتبر صاحب الحق في استثمارها وحرية التصرف بها من الثوابت الوطنية ومؤشراً لسيادته، وقد مرت استثمار النفط في العراق بعد مراحل هي: 1. العهد الملكي، كان الاستثمار والإنتاج بيد الشركات البريطانية، وبقية تلك الشركات هي صاحبة الامتياز في إنتاج النفط حتى بعد نهاية العهد الملكي في العراق وتأسيس النظام جمهوري. 2. النظام الجمهوري، أصدرت حكومة عبد الكريم قاسم قانون 80 الذي الغي بموجبه جميع امتيازات الاستكشاف والتطوير للشركات الأجنبية فيما عدا الحقول المنتجة في حينها، كما عقد في بغداد في تلك المدة أول اجتماع لمنظمة الدول المصدرة للنفط الذي كان العراق احد الأعضاء المؤسسين فيها.(1) 3. عهد عبد السلام عارف، تأسست شركة النفط الوطنية ومنحت لها جميع امتيازات الاستكشاف والتطوير وفي جميع أنحاء العراق ولكن لم تمارس الشركة نشاطها وذلك لعدم وجود الاستقرار السياسي في العراق وكثرة الانقلابات العسكرية التي شهدتها تلك الحقبة. 4. عهد نظام البعث، وبعد انقلاب عام 1968م تمت المباشرة باستثمار حقل الرملية الشمالي الذي أعقبه إنهاء عمل الشركات الأجنبية في العراق 1972 ـ 1974 واندماجها بشركة النفط الوطنية. 5. فترة الحصار وفرض العقوبات الاقتصادية على العراق، فبعد اتهام نظام صدام الكويت بإغراق السوق بكميات إضافية واتخاذها ذريعة للدخول في حرب أتت هي الأخرى بعد حربه على إيران، وما تبعها من حصار على تدمير ما تبقى من البنية التحتية ومن اقتصاد منهك، لم تقتصر سوء الأحوال على ذلك ولكن تداعت للحد الذي كاد النظام أن يرهن جزءاً كبيراً من النفط العراقي لشركات فرنسية وروسية بمنحها امتياز تطوير اكبر حقول النفط المكتشفة في محاولة لإغراء دولهم في الوقوف إلى جانبه في فك الحصار كونهم أعضاء في مجلس الأمن، كما استغل النظام مذكرة التفاهم والتحايل عليها في إغواء كثير من الشخصيات السياسية والإعلامية والشركات وحتى بعض الدول لمساندة حملته في فك الحصار والإبقاء على النظام، إلا أن جميع هذه المحاولات وغيرها من أساليب الخداع بالترهيب والترغيب باءت بالفشل وسقط النظام وسقطت المراهنات عليه. 6. بعد سقوط نظام البعث في العراق على يد القوات الأمريكية والمتحالفة معها، واجه العراق جملة من المشاكل ومن أهمها التركة الثقيلة التي تركها له النظام السابق من اقتصاد متردي وتحطيم للبنى التحتية، لقد زامن سقوط النظام وعن طريق الصدف ارتفاعاً كبيراً في أسعار النفط لم يحدث بسبب ظروف طارئة ولكن بسبب نقص ملموس في الإمدادات النفطية في حين لم تحاول الولايات المتحدة تغطيته باستعمال خزينها الاستراتيجي العالمي في محاولة لتشجيع الشركات على اكتشافات جديدة وتعزيز المخزون العالمي لمواجهة الزيادة في الطلب التي تبلغ سنوياً معدل إنتاج مليون برميل يوميا إضافة إلى توقعات انخفاض الإنتاج من روسيا وبعض الدول المنتجة. إن من أهم المصادر المعول عليها لسد النقص العالمي من مادة النفط وإبقائه بأسعار معقولة هو تطوير مخزون النفط العراقي الذي ما زالت كلفة استخراجه منخفضة، وكمياته كبيرة حيث يمكن للعراق أن يزيد إمكانية إنتاجه من 2 مليون برميل يومياً حالياً وبمعدل زيادة سنوية نصف مليون برميل يومياً لتصل إلى 10 ملايين برميل يومياً ، وطبقاً لبعض الدراسات فإن هذه الكمية من الإنتاج أي الـ10ملاين برميل يوميا يمكن أن تصل إلى مدة 90سنة قادمة.(2) وبحسب رؤية أحد الخبراء الاقتصاديين فان تدفق النفط العراقي سوف يستمر لما يتجاوز 250 سنة قادمة حتى ولو ارتفع الإنتاج إلى ما بين 3 ـ 5 ملايين برميل في اليوم، ويؤكد د.عبد الجبار عبود الأستاذ في جامعة البصرة، انه من الممكن زيادة الطاقة الإنتاجية الحالية البالغة أكثر من مليوني برميل يوميا إلى خمسة ملايين برميل في اليوم عند وضع سياسة نفطية ذات شفافية عالية وإرساء اطر قانونية وإدارية واضحة مع الشركات العالمية وتطوير حقول غرب وجنوب العراق وزيادة المعرفة الجيولوجية للمكامن النفطية وتقوية الوحدات البحثية وزيادة الطاقات الإنتاجية وإيجاد منافذ تصديرية جديدة.(3) دواعي اللجوء إلى الاستثمار الأجنبي من المعلوم إن البنية التحتية العراقية تم تحطيها خلال فترة النظام السابق ثم جاءت العمليات التخريبية لتطال ما تبقى من شيء يمكن الاعتماد عليه من أجل النهوض بالواقع المتردي للاقتصاد العراقي، ومن بينها، البنية التحتية للمنشآت النفطية التي يحتاج إلى تطويرها والنهوض بها ردحا طويلا من الزمن، وبما إن النفط هو عمود الاقتصاد العراقي والشريان الحيوي لإنعاش الواقع المعيشي المتردي، أصبح من الضروري رسم سياسة جديدة للقطاع النفطي تقوم على أساس الاستثمار الأجنبي كحل لرفع المستوى الإنتاجي بما يتناسب والاحتياطي النفطي للعراق، من خلال الشركات التي تمتلك التكنولوجيا الحديثة في الاستكشاف والإنتاج للنفط العراقي. قانون استثمار النفط والغاز يعتبر إعادة إحياء الشركة الوطنية لنفط العراق وإنشاء صندوق مشترك لعوائد النفط أبرز محاور هذا القانون، إلى جانب التقسيم الجديد لأبار النفط، حيث سيتم منح حقوق الإنتاج في 52 بئراً نفطياً عاملاً إلى الشركة الوطنية، فيما ستتنافس الشركات الأجنبية على حقوق استثمار 26 بئراً غير منتجة بعد إلى جانب نيل رخص الاستكشاف. صادقت الحكومة العراقية في الفترة الماضية على قانون استثمار النفط والغاز من قبل الشركات الأجنبية، والذي بالرغم من الفوائد الكبيرة والتي سوف يأتي بها تطبيق هذا القانون على الاقتصاد العراقي إلا أن عدداً من الجهات والتكتلات والأحزاب وبعض النقابات والاتحادات عارضت مسودة هذا القانون معارضة قوية وصلت إلى اعتباره يشكل وصمة عار في جبين السياسيين العراقيين. وبرغم وجود بعض التحفظات على الصياغة القانونية لهذه المسودة والتي تتمثل في بعض اللبس والغموض في صيغ العقود التي إلى الآن لم تعرف ماهيتها، إلا انه كبادرة في استثمار خيرات العراق تعتبر جيدة، بيد أن الرفض الحاصل من بعض الجهات السياسية هو غير مبرر كون الاعتراض عليه ينطلق من منطلقات سياسية حزبية وليس مبنياً على مخاوف وطنية ومصالح عامة، وفي المقابل توجد هناك مخاوف حقيقية تقف وراء رفض هذا القانون من قبل جهات أخرى. الخوف من الاستثمار الأجنبي استثمار النفط العراقي والوصول به إلى أعلى مستوى إنتاجي هو الحل والمخرج للكثير من الأزمات التي يعاني منها أبناء الشعب العراقي وهو كفيل بحل أكثر من 80% من مشاكل الدولة العراقية، إلا أن هناك خشية كبيرة من استثمار النفط العراقي لدى الكثير من السياسيين العراقيين، وهذه الخشية أو الخوف مفادها: 1. عدم وجود الثقة بين الأطراف السياسية التي تعمل على الساحة السياسية العراقية، وعدم الثقة ليس في مسألة استثمار النفط فقط ولكن في أغلب القضايا المطروحة ومن أهمها الفدرالية وتوزيع ثروات العراق النفطية. 2. الدعوات المستمرة لبعض الأطراف السياسية للإسراع بتطبيق الفدرالية في العراق، والذي تخشى منه أطراف أخرى من عدم التوزيع العادل لعائدات النفط بين الأقاليم أو المحافظات التي لم تدخل في إقليم. 3. الخشية من تحكم الشركات الأجنبية بالسوق النفطي أو الاقتصاد العراقي وبالتالي تأثيرها على صنع القرار السياسي في حال عدم وجود ضوابط قانونية تحدد وبشكل لا يقبل اللبس ولا الغموض عمل تلك الشركات ومدى نفاذ القوانين والأنظمة العراقية عليها أو مدى خضوعها لسلطة القضاء العراقي. 4. الخشية من استئثار بعض الأحزاب المؤثرة في تمرير القرارات داخل البرلمان العراقي للحصول على بعض الامتيازات المالية من قبل الشركات التي تسهل لها مهمة الحصول على عقود استثمار داخل العراق، خصوصاً وإن مسألة الفساد المالي والإداري لازالت تطال العديد من الشخصيات السياسية، والتي وصلت إلى رأس مفوضية النزاهة. 5. اضطراب الوضع الأمني وعدم الاستقرار في المحافظات المنتجة للنفط والتي تعيش أزمة أمنية مستمرة. 6. البنية الإدارية الضعيفة لوزارة النفط العراقية وكثرة الفساد المالي والإداري فيها يحول بينها وبين تشكيل هيكلية مناسبة للتطور المطلوب في حال إقرار قانون استثمار النفط والغاز الجديد. 7. الحنين في العودة إلى الحكم المركزي من قبل بعض الجهات السياسية والذي يجعل جميع موارد البلد بقبضة الحكومة المركزية للاستئثار به من قبل رجال السلطة ومن يرتبط بهم، كما كان في عهد النظام السابق. الدول التي لا تريد لنفط العراق أن يستثمر من المعلوم الدول الإقليمية المنتجة للنفط ومنها المملكة العربية السعودية التي وقفت مع نظام صدام وبشدة أثناء حرب الثمانينات من القرن المنصرم هي صاحبة المصلحة الأولى إقليمياً في تعطيل أي مشروع للاستثمار في العراق وبخاصة في قطاع النفط، وبعد أن عاد العراق إلى الحظيرة الدولية مرة أخرى بسقوط سلطة صدام وبوجود النية في استثمار النفط العراقي بما يتناسب والاحتياطي الكبير الذي يمتلكه العراق وحجم الدمار الذي تعرض له جراء ثلاث حروب وسرقة مستمرة طيلة العهود السابقة، عادت الدول المستفيدة من تعطيل استثمار النفط العراقي إلى عرقلة أي مشروع أو قانون من شأنه أن ينافس تلك الدول في صادراتها النفطية. وهذا ما تم ملاحظته من خلال: 1. حجم العمليات التخريبية التي تعرضت لها آبار النفط وخطوط الأنابيب الناقلة له إلى موانئ التصدير، وذلك من قبل جماعات كانت تعبر الحدود بموافقة ومباركة تلك الدول. 2. التحريض المستمر لضرب أنابيب النفط العراقي وحرق الآبار عبر وسائل الإعلام التي تمتلكها تلك الدول. 3. تحريض بعض الساسة العراقيين وتزويدهم ودعمهم بالأموال من أجل الوقوف أمام أي مشروع لاستثمار النفط في العراق. المقترحات إن الحاجة الكبيرة والملحة لإعادة النمو الاقتصادي للعراق والنهوض بالواقع الخدمي والمعيشي للشعب العراقي يتطلب منه استثمار موارده الطبيعية كغيره من الدول الأخرى، ومن هنا يمكن لصانع القرار الأخذ بنظر الاعتبار المقترحات التالية: 1. العمل على مناقشة قانون استثمار النفط والغاز بصورة جدية من قبل لجان مهنية ومختصة وذلك لعدم التفريط بثروة العراق النفطية، وطرح القانون للتصويت في البرلمان في أقرب وقت ممكن. 2. التأكيد على كون العقود التي تبرم مع الشركات هي عقود خدمة وليست عقود استثمار، الأمر الذي يفرض هيمنة الحكومة العراقية في مراقبة الشركات المنتجة والمستثمرة وإنهاء عقودها في حال الإخلال أو عدم الالتزام بما تم الاتفاق عليه. 3. ضرورة وضع سياسة نفطية ذات شفافية عالية وإرساء اطر قانونية وإدارية واضحة مع الشركات العالمية، لضمان عدم تكرار تجربة الاحتكارات للنفط العراقي أو تسلله إلى الأسواق العالمية بطريقة مبهمة. 4. العمل على تطوير الشركة الوطنية لإنتاج النفط وإعادة هيكلة وزارة النفط بفصل قطاع الاستخراج تحت مظلة شركة النفط الوطنية التي تعنى بالإنتاج وتطوير الحقول. 5. تهيئة كوادر وطنية في مجال النفط يعطى لها حق الأولوية في العمل مع الشركات المنتجة، من أجل تطوير خبراتها وتوفير الفرص لها بدلاً من العمالة الأجنبية. الهوامش: 1. السياسة النفطية في العراق وآفاقها المستقبلية فـي ظل الدستور الجديد، طارق عبد الرزاق العاني، الصباح. 2. المصدر السابق. 3. جريدة الشرق الأوسط، 30 سبتمبر 2004 العدد 9438.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |