يظن الكثير من الناس أن قيمة الإنسان تكمن في ما تفضل الله عليه من علم ومواهب ونعم كالأموال والمواقع الاجتماعية والرسمية البارزة والشهادات العلمية ولذلك فإنهم يتعاملون معهم على هذا الأساس ويقدمون لهم كل آيات الاحترام والتمجيد بل يصل الأمر أحيانا لدرجة التقديس غير إن هؤلاء ينقسمون إلى فئتين فئة تقوم بذلك عن جهل معتقدين أن هؤلاء هم النموذج المحتذى بسبب الشعور بالنقص إزاء المستلزمات التي يمتلكونها وكانت سببا لتبوئهم تلك المواقع أما الفئة الأخرى فإنها تؤدي هذا الدور تملقا عن علم مسبق لتحقيق مصالح شخصيه وفي نفس الوقت قد يضمر بعض أفراد هذه الفئة لهم الحسد أو الحقد . وهذا المعيار لايمكن أن يحتذي به لأنه غير قائم على أساس علمي أو منطقي، فالعلم والمنطق يعدان أن قيمة الإنسان تكمن في مقدار المنفعة التي يقدمها للناس وعدد المستفيدين من هذه المنفعة وكذلك في مقدار الضرر الذي يرفعه عنهم وعدد المشمولين بذلك . ولذا فإننا نعتقد بان العالم سواء كان في العلوم الدينية أم في العلوم الدنيوية ليس له أية قيمة تذكر مهما بلغ علمه مالم يوظف هذا الخزين العلمي وهذه الموهبة الربانية في خدمة أبناء جلدته من خلال التصدي للمشاكل والمعضلات التي يواجهونها من اجل جعل حياتهم أفضل ودفعها باتجاه الازدهار والرفاهية بوتيرة متصاعدة ومستمرة وصولا إلى اكبر قدر من السعادة لأكبر عدد من الناس، وتكون القيمة اكبر كلما اتسعت دائرة الاستفادة إلى أعداد أخرى ومجتمعات أخرى، وإن لم يفعلوا ذلك فما هو فضلهم على الآخرين وما هو فرقهم عن الجهلة والأميين . والحقيقة أن ما يؤسف له ويبعث على المرارة والألم والحزن معا هو ما نعيشه كعرب ومسلمين من واقع مأساوي بسبب التخلف والانحطاط والتمزق والتناحر حد الحسد والحقد والكراهية فيما بيننا ما منح أعداءنا فرصة على طبق من ذهب لينفذوا مآربهم فأصبحنا مهزلة واضحوكه لهم ولعبة بأيديهم يتقاذفونها أنى ومتى شاءوا، دون وازع من أخلاق أو علم أو دين يردعنا، أو أدنى شعور بالمسئولية تجاه الوطن والأمة لإنقاذ هما من هذا الوضع المخزي اللهم إلا بالتفنن في تهميش وإقصاء بل وحتى القتل والتهجير بابشع الوسائل وأقساها لبعضنا البعض من اجل القضاء على الرأي الآخر واحتكار كل شيء ويا ليت القائم بهذا الفعل يجني شيء من ذلك غير خدمة العدو المشترك الذي يستهدف الجميع ويحرض الجميع ضد الجميع ليحصد الثمار في آخر المطاف. فيما يحمل البعض منا دون وجه صواب الأعداء مسؤولية ما أصابنا، ولا ندري كيف نطلب من عدو أن يرحمنا ولا نرحم نحن بعضنا البعض الآخر، وما ينسحب على العلماء ينسحب على الأثرياء والشخصيات السياسية والاجتماعية والحكومية البارزة إلا أن المسؤولية الأكبر تقع على العلماء لأنهم لا يستوون مع الآخرين لأنهم الطبقة المتعلمة والمثقفة وبالتالي القائدة في المجتمع . ولو القينا نظرة بسيطة على ما موجود في بلادنا العربية من علماء وشخصيات ومثقفين وأثرياء لوجدنا أعدادا تحسدنا كل الشعوب عليها ولو القينا نظرة أخرى على مشاكلنا وعلى ما نعانيه من تخلف وجهل ومرض وانتهاكات للحقوق والحريات الفردية والجماعية وتمزق خطير للنسيج الاجتماعي على كل المستويات في الجسد الوطني والقومي والديني لتوصلنا إلى استنتاج خطير ومثير يؤكد أن مجتمعنا خالي من أي مما ذكرنا بل على العكس من ذلك فقد تأكد لدى القاصي والداني أن ما نتوفر عليه هم علماء وأثرياء وشخصيات تمسك بالمعاول وتهدم بما تبقى من آثار لكيان ورقي اسمه وطن وأمة . وهذا الوصف التراجيدي لم ينبع من فراغ ولا ينم عن نظرة سوداوية فلا يجوز أن نيأس من رحمة الله عز وجل ولا يعني في كل الأحوال أننا عدمنا الأخيار ولكن للباطل عضلات قويه والأخيار أول المستهدفين وليس أمام شعوبنا من سبيل إلى النجاة إلا التوحد والتصدي للأشرار بأي لون أو شكل أو صفة جاءوا فقد تبين الرشد من الغي والخيط الأبيض من الخيط الأسود ولاعذر بعد اليوم لكل قادر أن يؤدي ما يقدر عليه ولتتوقف اختلافات العرب والمسلمين جميعا واقتتالهم على كل المستويات الوطنية والقومية والدينية وليدرك الجميع أن الذي يحدث بينهم الآن تنفذه أطراف ثالثه ضد هذا الطرف أو ذاك تاركة بصمات الطرف الآخر على الجر يمه لإشعال الفتنه وإيقادها وتغذيتها وليس للمواطنين يد به أو دور فيه عدا الأشرار ممن ذكرنا والمنحرفين وشذاذ الآفاق أو بعض من تنطلي عليه اللعبة ويبتلع الطعم فلا يتحمل حجم الضرر الكبير الذي يلحق به فينساق خلف عواطفه وشهواته دون رؤية أو رويه فيصدر عنه ردة فعل ضد إخوانه ومن دون أن يعي أو يدرك أن ما يفعله هو المطلوب وهو الذي يريده الأعداء مع إن ماتتناقله وسائل الإعلام في كل لحظة يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن ما يحصل يستهدف وحدة الشعب والأمة. وهكذا إذن فإننا يجب أن نقيم الإنسان على مقدار ما يصدر عنه من قول أو فعل يجلب نفعا أو يدفع أذى أو الاثنين معا وعلى مقدار هذا النفع أو الأذى المدفوع وعلى عدد المستفيدين من ذلك في حين تكون القيمة مساوية بالمقدار ومعاكسه بالاتجاه عند حدوث الفعل المناقض الذي يجلب الضرر ويمنع دفع الموجود منه بدلا من جلب المنفعة.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com