|
المتأدلجون الجدد.. بالونات تنفيس إعلامي أم وسيلة لترويج سياسي؟
* عصام الياسري / صحفي عراقي مقيم في برلين وصلني مؤخراً من الصديق الفنان عماد الطائي عن طريق الانترنيت، نص بيان الحملة التي أطلقها الأخ الدكتور كاظم حبيب للتضامن مع مؤسسة المدى، نزولاً لنداء رئيسها، مستشار رئيس الجمهورية السيد فخري كريم زنكنه، الذي يناشد فيه المثقفين والمعنيين في مؤسسات المجتمع المدني العراقي والعربي للتضامن مع مؤسسته جراء تعرضها الى حملة مداهمات عسكرية قامت بها قوات الاحتلال الأمريكي ومن ثم القوات العراقية التي كان قد أستنجد بها للاستعانة والحماية. والحقيقة أنني لم أتردد في وضع اسمي للتوقيع والتضامن، حيث أعلنت موافقتي لسببين رئيسيين، أولهما أنني ارفض الاحتلال وأساليبه ضد أي مؤسسة أو فرد عراقي حتى وأن اختلفت معه فكرياً أو عقائدياً، وثانيهما أخلاقي يرتبط بإيماني بمبدأ الدفاع عن حقوق الإنسان وحرية الرأي والتعبير. وتجدر الإشارة الى أن الحملة ليست بجديدة فقد كثرت في الآونة الأخير الحملات لسبب أو دون سبب يذكر، كما أن ما حدث للمدى ليس بسابقة جديدة لم تحدث من قبل مع ما هو أهم وأخطر، لكنه يبقى عملاً مخالفاً لكل الأعراف والمبادئ التي تقرها القوانين والشرائع، ولا ينسجم بأي حال من الأحوال مع ما كان يعتقده البعض ومنهم السيدان حبيب وكريم، على أن الاحتلال جاء ليمنح ما لا يملكونه من حرية وأمان، كما يتعارض مع قواعد اللعبة الديمقراطية التي يتبجح ويروج لها الاحتلال وسلطة المحاصصة الطائفية منذ أكثر من أربع سنوات. يالها من مسرحية انخدع بها الكثيرون رغم معرفتهم بأن الاحتلال لا يعطي مثلما يأخذ، والسلطة بعقليتها الساذجة وطبيعتها الانتهازية تصوب ولا تصلح. كلاهما يقمع الإنسان والثقافة على حد سواء، يتحدثان عن حرية الرأي والتعبير، لكنهما يجسدان أعنف ماكنة تدمير لعقل الإنسان العراقي ومؤسساته المدنية والإعلامية، والمدى واحدة منها، يُِِشهد لدورها المتميز في نشر الثقافة العراقية.. الأمر الذي يجعلني أن أتساءل، لماذا لا تقوم المدى وسواها من أصحاب الحملات، منذ مجيء الاحتلال ولحد الآن، على نقد ما يجري في العراق من انتهاكات قانونية وجرائم وسرقات لأموال الدولة وموارد الشعب على يد قوات الغزو والمسؤولين العراقيين وعلى أعلى المستويات؟، ولماذا يصر الأيدلوجيين المتأقلمين الجدد على تعتيم الحقائق وتحرير أنفسهم من كل التزام يواجه الأطراف المتسلطة على رقاب العراقيين. ألا ما يتعرض له الوطن والحق العام من انتهاك لا يستحق أكثر من أن يرمى على الإرهاب فقط؟. تساؤلات أطرحها، أتمنى أن نسمع إجابات مقنعة لها. منذ غزو العراق واحتلاله على يد القوات العسكرية الأمريكية عام 2003 وحتى الآن، لم أطلع على أي حملة أو بيان صدر عن الأستاذين الفاضلين، كريم وحبيب، وغيرهم من المثقفين العراقيين الذين تفاءلوا بالخير الذي سيأتي بعد التحرير، حول ما يجري في العراق من تدمير لمؤسسات الدولة والعمار ونهب الخيرات والقتل على يد ميليشيات الأحزاب الطائفية والعرقية الحاكمة.. ألا من الأحرى بهم أن يسلطوا الضوء على معاناة العراق والعراقيين بمعزل عن المصالح الشخصية والفئوية، وهم من الشخصيات ذات التأريخ المشهود لها. إن ثقافة وحضارة بلاد الرافدين تستحق أكثر من حملة وموقف مسؤول لإنقاذها وإيقاف نهب ما تبقى من تحف وآثار، سرقت من مواقعها بما في ذلك المتاحف العراقية، لتركن في قصور المسؤولين العراقيين من مختلف مشاربهم الحزبية والطبقية والفكرية، أو للمتاجرة بها. كنت أتمنى من السادة نقد الغوغائيين بالعلن، والكف عن مناغمة المحتلين الولاة والحاكمين الجهلة الذين لا هم لهم إلا مصالحهم الشخصية والفئوية الضيقة.. القيام بحملة تضامن مع مؤسسة إعلامية شأن رائع، لكن ألا من الأهمية بمكان أن يصار الى حملة للدفاع عن مثقفاً عراقياً كبيراً، مثل سعدي يوسف، الذي عانى ويعاني من حملة هستيرية، كما يتعرض لهجوم عنيف على لسان أنصاف المثقفين الشحاذين هنا وهناك، فقط لموقفه الوطني الرافض للاحتلال والطائفية، بدل أن تشكل لجنة يرصد لها مبالغ طائلة للدفاع عن حقوق الأكراد التي لديهم منها أكثر من أي قومية أخرى، ولا أعرف عن أي حقوق يتحدث عنها السادة، في وقت لا يتمتع أي فرد عراقي آخر بأي حقوق أو ضمانات. فلماذا لا يشكلون أيضاً لجاناً للدفاع عن حقوق الصعاليك العرب أو حقوق إخوانهم من الازيدية والمسيحيين الذين يتعرضون للمهانة وهدر حقوقهم؟، الأمر الذي جعلهم يغادرون وطنهم العراق على شكل أفواج وجماعات. ولماذا لا يستجيبوا لنداء المؤرخ والمعماري العراقي الفنان إحسان فتحي لتأسيس لجنة عراقية ودولية لحماية الموروث الثقافي العراقي؟ وإخلاء بابل وأروك من قوات الاحتلال البولونية والأمريكية، وترك المراقبة والإشراف على آثارها وتحفها لهيئة الآثار العامة العراقية. أتساءل من باب الفضول وحرية التعبير أيضاً، لماذا لا يتعاطى البعض مع مصالح فئات المجتمع عامة، دون وضع اعتبارات لمصالحهم الفئوية الخاصة، ويطلقوا حملات لنجدة العراقيين المهجرين قسراً داخل وخارج وطنهم؟، أو مع الأرامل واليتامى والمعوقين الذين يتعرضون الى صنوف الإرهاب والقتل والجوع على يد قوات الاحتلال وأجهزة السلطة العراقية؟، أو إطلاق حملة لمكافحة مرض الكوليرا الذي بات يهدد حياة الآلاف، وخطر انهيار سد الموصل قبل وقوع الكارثة؟. إنه لمن المستغرب أن ينكسر جدار الصمت لدى البعض ممن تعاملوا مع السلطة الطائفية والاحتلال بحرص لأجل مكاسب وامتيازات آنية، بعد مضى وقتاً طويلاً على انجلاء صورة الاحتلال وحاشيته من زبانية متمرسة في النهب والقتل، بسبب تعرض "دار المدى" لفوهة البندقية بالصميم، فيما لم يصار سابقاً إلى اهتمام بشأن العراق وأهله. أما رد الفعل فكان لا يتعدى أسلوب المطالبة بإجراء تحقيق متواضع، باسم الدفاع عن الثقافة وحرية الرأي والديمقراطية "العاهرة" بدل أن يكون موقفاً منسجماً مع بداية النهاية لفك أي التزام مع قوات الاحتلال والتوظيفة الطائفية، اللذان لا سبيل تحت رحمتهما الوصول الى تغيير جذري للأوضاع في العراق ومستقبل أبنائه. أتصور على الاخوة أن يدركوا بأن الوضع بات مختلفاً ويحتاج الى صياغات جديدة تربط بين اساليب الدفاع عن الحقوق العامة ومسألة النضال من أجل حق الوطن والأمة كل الأمة وحضارتها؟. قلنا ولا نزال نؤكد القول بأن الاحتلال والطائفية سوف لن يوفرا لشعبنا ووطننا الراحة والتقدم، فعندما ينكشف المستور من الخبايا وتتضح الصورة أكثر وتسحق العجلة الحلم تلو الآخر، سيتضح ما سيخلفانه للعراق وشعبه، لا شيء سوى الخراب وأمة بلا حضارة ولا عمار وخيرات وفضائل، فصلاً دراماتياً لمأساة قضت لم تنساها الذاكرة العراقية بعد سنواجه، وتكون المصيبة على الجميع كبيرة، عندئذ سندرك بأن هؤلاء لا هم لهم كان، سوى الدفاع عن مصالح متبادلة خططوا لها بالخفاء والعلن طويلاً، وبالشكل الذي يتناسب مع فرض القوة وتجاهل القانون وأحوال المجتمع.. يبقى إذا كان هدف دعاة تأطير هذه الحملات لأجل التنفيس والمجاملة أو ترويض الذاكرة الذهنية سياسياً، للدفع باتجاه التعاطف مع هذا الحزب أو تلك الحركة، للهرولة وراء المكاسب الوقتية، وليس من باب التناغم مع مصالح الشعب وحرية الوطن، فعليهم أن يسترشدوا بالحكمة القائلة " إن القطار سوف يفوت مَن يأتي متأخراً ".
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |