|
بزغ في سماء الأمة نجباء عرفوا بالمواقف والإباء، لم يرضوا لأنفسهم الضيم وعرفوا متى يطرحون المواضيع المهمة والحساسة المصيرية التي تخص مصير الوطن ومستقبله ومستقبل أجياله والدفاع المستميت عن قضية بني جلدتهم وشعبهم من على كل مجلس أو منبر أو لقاء، منهم هذا السياسي المحنك الذي أنار سماء العراق بالمواقف الأبية والهمة العلية، فسطر بمواقفه الوطنية أنشودة عذبة ورصع بمواقفه سماء العراق والتركمان بأنبل الوقفات، هذا الرجل ذو الحكمة وبعد النظر والذي يمتلك رؤية أستراتيجية مستمدة من قوة التاريخ ومعاصرته لكل مراحل العمل السياسي في العراق بما فيها القضية التركمانية منذ أوائل الثمانينات وقراءته الدقيقة لتأريخ العراق القديم والمعاصر، إنه الأستاذ عباس البياتي الذي ظهر في طليعة الرجال والذي يعد أحد أهم رموز العمل الوطني المعروف بأرائه الصريحة والسديدة في مختلف نواحي الشأن العراقي والتركماني وهو صوت جهوري واضح ومن الشخصيات العراقية الوطنية التركمانية الأسلامية والديمقراطية البارزة في الساحة السياسية. أردت من خلال هذه المقدمة الخوض في أطروحة السيد عباس البياتي لحلحلة قضية كركوك وإسقاط الذرائع والحجج لإيجاد حلٍ مبنيٍ على أسس وطنية عادلة يرضي جميع مكونات الشعب العراقي بدلاً من الضغوطات والمساومات السياسية التي تجري في ظل الظروف الأستثنائية وضعف الدولة العراقية، وإيجاد خطوات عملية لإعادة الإعتبار الإنساني لمن وقع الحيف والظلم عليه من كل الأطراف والقوميات، وإطلاق مبادرة في غاية الدقة والتشخيص لمشكلة كركوك لتجد لها المجال والفسحة الزمنية التي تحل بموجبها هذه القضية. ففي هذه الأيام التي يجتاز فيها بلدنا المنكوب العراق أدقّ مراحل وجوده التاريخي، أطلق البياتي مبادرته والتي من خلاله لا بدّ للإنسان العراقي ومختلف القوى والأطراف والقوميات في كركوك والعراق أن يعود للعقل والحكمة ليجدوا سبيلاً موضوعياًً مقنعاً بالإستناد الى النقاط التي حددها السيد عباس البياتي في طرحه للمشكلة من خلال منبر مجلس النواب العراقي أمام أعضائه وأمام الشعب العراقي بإعتباره ممثلا عن شريحة وطنية تعتبر ثالث مكونات الشعب العراقي وأمام العالم أجمع نحو الخروج من الأزمة الخلاقة حول مدينة كركوك . السياسات والممارسات الخاطئة التي أتبعت في كركوك في عه العراق الجديد تركت أثراً سلبيا في نفوس الناس ليس في كركوك فحسب بل في العراق أجمع وفي المنطقة كلها .. حيث إنهار الثقة المتبادلة بين مكونات كركوك بالذات، وبالتالي إنهار الأسس والقواعد التي كرست بناء تلك الكيانات في العراق. نقف أمام حلحلة طرحها السيد عباس البياتي أحد النواب التركمان في البرلمان العراقي من قائمة الأئتلاف العراقي الموحد لأزمة مصيرية تضرب عرض الحائط هويتنا التعدّدية التي لطالما شوهت، وتضع مستقبل البلد ومكوناته فيه على المحك وخاصة بعد التطورات المحلية والإقليمية الدامية والعالمية الضاغطة والمتناقضة حيث بقيت كركوك الساحة الوحيدة المفتوحة على كلّ الإحتمالات وحياكة المؤامرات والسياسات الظلامية يترجم في العراق تناقضاُ في الثقافات وصراع مفاهيم لا تتم معالجته بالحوار الحضاري المستقيم بل بالمهاترات كما نرى، والصراع بين الأحزاب الكردية والتركمانية والعربية والكلدوآشوريين في كركوك بالذات ينعكس تماماً وبوضوح في العراق المنهك بجراحاته المتعددة ليطبع الأزمة المتفاقمة بين أبناء تلك المدينة من مختلف القوميات . هذه الأزمة التي يصوّرها البعض وكأنها مجرد خلاف في وجهات النظر السياسية، نقول بكل صراحة أنها تتعدى الأطر الديمقراطية في الحكم والعدالة الأجتماعية لتكون وقوداً لنزاع مفتوح بين الطوائف المختلفة والمكونات الأساسية في كركوك الذين يتأثرون بلا شك بالإرباكات التي يعاني منها المحيط في ظل هذه المعادلة الصعبة والحرجة نرى أن مبادرة السيد عباس البياتي جائت لحل المشكلة والذي طرحه قبل سبعة عشرة عاما في نشرة الاتحاد الاسلامي لتركمان العراق والمطبوع عام 1991، فإن دل هذا الاستباق بحل مشكلة كركوك على شيئ إنما يدل على نباهته المبكرة وإستباقه الأمور ونضجه السياسي وقراءته المبكرة للمشاكل التي ستوجد في العراق بعد سقوط النظام الديكتاتوري الغاشم الذي يتحملً أسباب كل هذه المشاكل الذي أوجده ليس في كركوك فحسب بل في كل العراق لإجرائه تغييرات ديموغرافية وجغرافية في حدود المحافظات وتهجير أهاليها بين تلك المحافظات بالترغيب والترهيب، فلا يمكن حل المشكلة بسياسات الترغيب والترهيب وتضييع حقوق أكبر مكون لشعب كركوك وهم التركمان وإجبارهم لقبول سياسات الأمر الواقع بالانضمام على إقليم معين بذاته رغما عنهم، بل لابد من مراعاة كل المداخلات والظروف المحيطة بالبلد ومنطقة الشرق الأوسط والدول المجاورة التي نتجت من خلال هذه المشكلة، حيث أن المادة 140 لازالت موضع خلاف بين الكتل، وكل مادة دستورية تكون مورد الخلاف بين الكتل السياسية لا يمكن إجراؤها بحال من الأحوال دستوريا طبقا لمقررات الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي وان مشكلة كركوك تحتاج الى توافق وطني وسياسي تحل في اطار ثلاثة ثوابت حسب المبادرة الاول: الحفاظ على هويتها التعددية وتنوعها ثانيا: حفظ أدوار الجميع وحقوقهم بشكل متساو ثالثا: رعاية المصلحة الوطنية العليا لعموم الشعب في هذه المدينة وكذلك إقترح الأستاذ عباس البياتي وتبنى لحل هذه المشكلة إعلان كركوك اقليما قائما بذاته، والمادة 140 بسبب كونها مادة خلافية وتحتاج إلى توافق وطني قابلة للتغيير حسب التوافق الوطني، وقدم حلا وليست شكوى وشكوى مضادة، والحل الذي طرحه جاء في التوقيت والمكان المناسب وهو 1 ـ إعلان كركوك إقليما قائما بذاته 2 ـ إعادة رسم حدود كركوك إلى ما قبل عام 1976. ودعا الأستاذ عباس البياتي النائب التركماني في مجلس النواب العراقي الجميع الى التوصّل لحل توافقي يرضي الجميع وطالب بجلوس الأطراف المعنية في كركوك ومن أبنائها الحقيقيين على طاولة حوار مستديرة ليتوصلوا الى الحل المطلوب، لأن لمشكلة كركوك تداعيات على أكثر من صعيد داخلي وخارجي، وقد خصصت تقارير دولية حولها صفحات وفقرات ومنها تقرير بيكر - هاملتون وتقرير مجموعة الازمات الدولية والتقارير الدولية للأمم المتحدة، وقد حذرت من ان عدم حل عادل لهذه المشكلة سيؤدي الى حرب اهلية والى تداعيات، وشبهوها ببرميل من النفط. في ظل المتغيرات المحلية والأقليمية والدولية جائت هذه المبادرة وباركته جميع أبناء الشعب العراقي عامة في الداخل والخارج والمثقفين والأغلبية الساحقه في البرلمان العراقي والمرجعيات الدينية العظام من خلال وكلائهم الشرعيين في خطب الجمعة سنة وشيعة وأعضاء الحكومة العراقية وحتى المنظمات والجهات الدولية، وبعد دراسة حقيقية للواقع لحماية الصيغة العراقية من كل المحاولات التي هدفت إلى إسقاطها وتحويلها إلى وهم وأنقاذ مايمكن أنقاذه في كركوك والتي تصب في مصلحة الجميع وهم يساندون الدور الحازم لهذا الريادي النبه الأستاذ عباس البياتي للخروج من الأزمة وفرض الحلول لا للتعايش مع الأزمة ومشاريع الحلول. ومع إطلاق هذا الحل العقلائي والمنطقي العادل لمشكلة مدينة كركوك نتساءل نكون قد وصلنا الى بداية الطريق الذي يؤدي الى حفظ وحدة العراق أرضا وشعبا وسيادة بتوافق كل مكونات الشعب العراقي .. ونقول والحسرة تأكل قلوبنا ألم يكفي الشعب الكردي الشقيقً كل تلك المآسي والآهات والمذابح والقتل والتهجير والحرمان من أبسط مقومات الحياة الأساسية كالتي شهدها تأريخهم منذ أربعون عاماً على أيدي القوميين العرب الذين حكموا العراق بالحديد والنار، ليمارسوا نقداً ذاتياً ويحددّوا أولويات وجودهم الحرّ الكريم في العراق أسوة بجميع المكونات العراقية التواقة إلى الحرية والعيش الأخوي المشترك القائم بالاحترام المتبادل وتبادل المنفعة لبناء عراق حضاري متقدم يكون اسوة وقدوة لبقية الشعوب والبلدان في العالم، ويكون للشقاء الأكراد دورا وسهما صداقا في بناء هذا الصرح الجديد المتلون بكل الألوان الجميلة في الوجود؟
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |