|
تيارات التكفير والتفجير والتي أزدهر سوقها وراجت بضاعتها في بعض مجتمعاتنا لم تأت من فراغ. ومع التسليم المطلق بخساراتنا الفادحة دولا ومجتمعات من تلك الظاهرة, إلا أن إغفالنا للمناخات التي ساعدت على نشأتها وللظروف التي هيأت لظهورها لن يزيد الأمر إلى ترديا والوضع إلا سوء وتدهورا. الشعور بالإحباط من المظالم التي تتواصل على بلادنا وأمتنا, المهانة والتبعية وغياب الأدوار السيادية, العبث بالثوابت وسقوط الأمل في التغيير السلمي إن كان على المستوى الداخلي أو الخارجي, بعضا من الأسباب التي أدت إلى انتشار ثقافة الرفض العنيف وأسلوب المواجهات الدامية. وبغض النظر عن التحليلات السياسية والتأويلات الإعلامية والتوقعات لمؤتمر انابوليس والنتائج المتوقعة منه والتبريرات التي ساقها المشاركون فيه من عبارات معادة ومكررة, فإن المواطن العربي ورجل الشارع العادي يرى في المؤتمر ما يزعجه تماما ويزيد من شعوره بالعجز والمهانة والألم. أليس من المؤسف أن نسمع عن إجماع عربي لحضور المؤتمر ولا نسمع صوتا عربيا رسميا يتحدث عن معاناة الفلسطينيين في غزة وعن حصارهم وتجويعهم في حين نسمع أصوات احتجاج إسرائيلية على ذلك وإن كانت محدودة؟ الرأي العام العربي لا يستطيع أن يقتنع برغبة إدارة بوش في السلام ولا بتفهمها لمعاناة الفلسطينيين بأي طريقة, لأسباب بديهية وواضحة, فالشارع العربي ملّ وسئم مؤتمرات ومبادرات السلام من مدريد إلى انابوليس وما بينهما, ولم يعد عنده ثقة ولو كانت هشة بوعود بوش ولا بدولته الفلسطينية المزعومة والتي كان من الموعود أن ترى النور عام 2005. الإدارة الأمريكية في الرؤية العربية مسؤولة عن تدمير العراق وأفغانستان وإعادة تدمير الصومال بالوكالة وعن معاناة الملايين من أبنائهم, وهي التي تنفخ في نار حرب جديدة في السودان وهي من وفر الغطاء السياسي لكل جرائم الدولة العبرية وتجاوزاتها. مقارنة عابرة بين مواقف حكام تركيا وإيران من الطلبات والرغبات الأمريكية وبين مواقف قيادات عربية تصيب المواطن العربي العادي بمشاعر كبيرة من الأسى والحسرة. وفي الوقت الذي يقفز مستشارو ومساعدو الرئيس الأمريكي من سفينته السياسية والتي تغرق في أوحال الفشل والخيبة, ويتساقط حلفاؤه الدوليون في بلادهم كما حصل لرئيس الوزراء الاسترالي, يهرع العرب إلى انابوليس لمساعدة الرئيس الأمريكي في تحقيق إنجاز موهوم للتغطية على إخفاقاته وهزائمه السياسية والعسكرية. هناك شعور شعبي عربي بالخوف الشديد والقلق الكبير بأن يكون مؤتمر السلام مقدمة لكوارث جديدة ولمصائب كبيرة. فالحديث الإسرائيلي عن يهودية الدولة العبرية على لسان رئيس الوزراء يهود اولمرت ووزيرة خارجيته ليفني تسيبي قبل المؤتمر خطير جدا. فأولمرت أعلن بأن اعتراف السلطة الفلسطينية بإسرائيل على أنها دولة يهودية سيكون شرطا لمواصلة المفاوضات, في حين تقول ليفني بأن الدولة الفلسطينية لن تكون فقط حلا للفلسطينيين الذين يسكنون في الضفة والقطاع, إذ يفترض بها أن توفر حلا وطنيا شاملا لهم ولمن في مخيمات اللاجئين وأيضا لأولئك الذين هم مواطنون متساوون في الحقوق في دولة إسرائيل. الأمر الأكثر إزعاجا أن راعي المؤتمر والداعي إليه كان أول من أعلن هذا الموقف وتبناه منذ أكثر من أربع سنين, ففي قمة العقبة، التي انعقدت في حزيران 2003، والتي شارك فيها أبو مازن وأرئيل شارون والملك الأردني وجورج بوش, أعلن بوش في خطابه أمام القمة: إن من شأن قيام دولة فلسطينية ديمقراطية تعيش في سلام كامل مع إسرائيل أن يدفع إلى الأمام أمن وازدهار دولة إسرائيل، باعتبارها دولة يهودية. مشاعر الخيبة والإحباط مع غياب الحريات الفردية والأحوال المعيشية الصعبة وفقدان الأمل مكونات لانفجارات سياسية واجتماعية مرتقبة ترفد تيار التطرف وتعززه. ولعل مؤتمر انابوليس وما يرمز إليه من انكسار سياسي وإجماع عربي رسمي للرضوخ للضغوط الأمريكية وعربدة للقوة الأمريكية الظالمة والتجبر الإسرائيلي وطغيانه يشكل إنزيما لأعمال عنف محتملة وحافزا لانتفاضات شعبية مرتقبة.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |