|
ماذا جنى المغترب في يوم الاحتفاء باغترابه؟
عصام الياسري/ صحفي عراقي مقيم في برلين اعترافا منها بجهود المغتربين العرب في العديد من دول المهجر؟، أطلقت الجامعة العربية دعوة للاحتفال بيوم المغترب في ٢٢ نوفمبر/تشرين الثاني كل عام، وإذا كان احتفال هذا العام وهو الثاني من نوعه، على هذا النحو من سوء الإدارة والتنظيم، فكيف كان وضع المهرجان الأول الذي لم تسبقه تجربة تنظيمية وإدارية مشتركة، بين من ينظم حصرا، وهو بعثة الجامعة في برلين التي كان ينبغي أن تتحمل المسؤولية الأساسية لوضع آلية إنجاح المشروع إن صح التعبير، وتأطير برنامجه بالشكل الذي ينسجم مع الحدث منهجياً وموضوعياً، وبين أطراف الجالية العربية ومنظماتها على الساحة الألمانية، التي كان ينبغي أن توجه لها جميعاً دعوة حضور اجتماع يناط به تشكيل لجنة تحضيرية لإدارة الاحتفال بالشكل الذي يتوافق مع حق الجميع في المشاركة وتحمل المسؤولية، بهدف معالجة قضاياهم بشكل حرفي مع أصحاب الاختصاص عرباً كانوا أم ألمان، لما يمتلكونه من خبر وتجارب وعلاقات واسعة مع شخصيات ومؤسسات رسمية وغير رسمية ألمانية وأجنبية، كان من الممكن الاستفادة من وجهة نظرها في هذا المجال. وألا ترمى أسباب التقصير على كاهل ضيق الوقت وبحجة أن مكتب الجامعة يعاني من أزمة مالية، هذا الادعاء البائس الذي سئمنا سماعه في كل مناسبة ومقام، في حين الأموال تهدر هنا وهناك على مسائل لا تستحق العمل والاهتمام. التنظيم والإدارة أمران مختلفان لكنهما مكملان لبعضهما للوصول إلى أفضل النتائج المتعلقة بأي مشروع مهما كانت أهميته، وإذا لم يجر التوافق ومراعاة مهام كل طرف قائم عليه، سيؤثر على مجمل العمل وآفاقه، كان على رئيس البعثة أن يتحمل باسم الجامعة العربية مسئوليته كداعية ومنظم، وألا يترك للعاملين في مؤسسته التفرد بقرار ترشيح بعض الوجوه المقربة في كل مناسبة والاحتفاظ بحق الدعوة لهم فقط . بعثة الجامعة العربية ليس لديها الحق وهي مؤسسة لا تمثل دولة عربية بعينها، لان تهمش البعض وتحتضن الآخر، وليس لديها الحق لان تنصب لجنة تحضيرية لا حق لها لأن تتحدث باسم كل أبناء الجالية العربية على الساحة الألمانية، أو تضع التوصيات دون مشاركة جماعية واخذ وجهة نظر الأطراف المعنية. وكان لابد للبعثة أن تجري حوار مع شخصيات عربية معروفة بعلاقاتها وإمكانياتها، بالإضافة إلى ممثلي الجمعيات التي لها حضوراً متميزاً على الساحة، لتتاح لها فرصة التعرف على مختلف وجهات النظر التي تساعدها على وضع برنامج متكامل يستهدف من خلاله إحراز النجاح، فيما يترك للجنة تحضيرية منتخبة، إدارة المشروع، لا أن يتسلط عليه مجموعة تتحدث "باتخذنا وقررنا" وتوزيع الألقاب على هذا وذاك، فيصبح المكوجي مع احترامي للمهنة "دكتور" وحامل شهادة بسيطة أستاذاً "بروفيسور" دون أن توضع اعتبارات لقيمة مثل هذه الألقاب، لماذا ولأي مصلحة، لا نعلم؟، متى يا ترى نستطيع تجاوز أسلوب التقديس والتأليه والتمسيد على الأكتاف والضحك على الذقون؟ اللهم قنا شر أنفسنا. وأود الإشارة إلى إن تناولي بهذه الصراحة كل المعطيات والسلبيات، لا يأتي لاعتبارات شخصية أو الإساءة لأحد أو طرف، إنما بدافع الحرص والمسؤولية، مستهدفا كشف المستور الذي يراد أن يصور لنا جمالي المظهر، موضوعي المنهج والمضمون، وأضع المعنيين أمام الحقيقة على أن الإشكاليات تتكرر باستمرار، لكن ليس بسبب سوء فهم يحدث، إنما نتيجة أخطاء متراكمة لا زال البعض يلهث لتكرارها مع سبق الإصرار. بيد إن آثارها إن استمرت ستحدث تراكمات لا تؤدي بنا إلى نتيجة، إنما مدعاة للإثارة والجدل والتذمر كما نتج عنه الحفل الأخير، الأمر الذي اضطرني لتناول الموضوع بواقعية جدلية حتى وإن كان أثره شديدا على البعض، هكذا فقط نستطيع أن نغيّر ونستحدث نهضة جديدة وسط مجتمعاتنا العربية في المهجر. أما المواضيع التي كانت السند أو كما يقال متن الحدث التي تناولتها الندوة، فهي لا تتعدى عن كونها منهج نظري إحصائي، لا تمت من ناحية المتباين والمتطابق على أرض الواقع بصلة لجوهر القضية، كما أنها إنشائية بائسة لم تحدد شكل الأزمة وجذورها التي كان ينبغي مشاركة أصحاب الاختصاص لمعالجتها بشكل حضاري على أسس علمية ودراسات متعلقة بأوضاع المهاجرين العرب، مصائبهم وأسباب تركهم الوطن الأم، دون التقيّد المكثف بنمط الحديث الكثير وفي كل جملة عن أهمية "الاندماج في المجتمع الآخر"، الكذبة التي سقطت على عتباتها كل محاذير خطورة إهمال ثقافة "الانتماء" الذي هو ركن من أركان مرجعيتنا لثقافة وحضارة تجاوز عمرها أكثر من عشرة آلاف سنة.. وأتساءل كيف يفهم رواد "الاندماج" هذه المسألة، وما هي وجهة نظر صاحب العلاقة في البلد المضيّف منها؟ حسبي ضرورة الدخول للانترنيت والاطلاع على مواقف الأحزاب الحاكمة من هذه القضية، لنرى جميعها تتبنى منظوراً حزبياً قائماً على أساس المزايدات السياسية لأجل الدعاية الانتخابية، وليس إصلاح وضع المهاجرين والمغتربين. ولعل الجدير بالذكر بأن الحديث حول الاندماج من الناحية النظرية، مختلفاً عما هو على أرض الواقع إلى درجة بعيدة، حيث يعاني المواطن الأجنبي من التفرقة والتمييز وهدر الحقوق وعدم التمتع بصلاحيات القانون الذي من المفروض أن يكون سارياً بالعدل على الجميع دون تمييز. إننا ننظر وللأسف إلى مسألة " الاندماج " من زاوية خاطئة، حيث نفرض على ذاتنا الذهاب إلى صهر ثقافتنا وحضارتنا، تراثنا وتقاليدنا، ضمن الثقافة الألمانية بحجة حوار الثقافات، وفي الغالب لأجل الحصول على بعض المكاسب الوقتية. ولعب المثقف "المغترب" العربي، دوراً سيئاً في هذا المجال، لاعتبارات يفسرها، على أن لها علاقة بالعولمة التي لا تستطيع مجتمعاتنا هضمها أو التقرب منها حتى من باب الفضول، فجاء دوره ككشاف ينقل بدءً هذه المعالم الجديدة، ثم التحول لإنقاذ المهاجر من حالة الفوضى إلى حالة الاغتراب المستقر في ظل نظام ثقافي واجتماعي جديد، حاثاً إياه للانصهار الكلي بحجة الأصالة الغربية.. فيما يعتبر الأوروبيون ومنهم الألمان مسألة الاندماج باختصار، هو أن على الأجنبي أن يتحدث بلغتهم، ويتمكن من معرفة كيف يتفاهم مع محيطه الجديد. إذن نحن أمام أزمة حقيقية، اجتماعية وثقافية وإنسانية "فالاغتراب"هو نتيجة للتهجير والهجرة، الطوعية والقسرية منها، أو لأسباب سياسية واقتصادية قاهرة، آثارها بقيت عالقة في أذهان المغترب العربي ولاسيما من عانوا في أوطانهم من وطأة الضغوط السياسية وقمع سلطة الدولة أو جراء الحروب، كما حدث ويحدث في فلسطين ولبنان والعراق، أيضاً بسبب البطالة والقهر الاقتصادي والمعاشي، الذي تعاني منه مجتمعات وشعوب البلدان العربية، من هنا كان لابد فتح الباب على مصراعيه لتناول ظاهرة الاغتراب، لكن ليس بمعزل من وضع "المهاجرين"، أحوالهم وطموحاتهم. لا أن نرفع المنصوب وننصب المرفوع، نظرياً وفكرياً ونحمل أنفسنا مسؤولية قدرنا، نجعل من الفاعل لأزماتنا مفعولاً به مظلوما، ومن المفعول به "نحن" الفاعل الأساس للمعضلة وتراكماتها. المسألة في نظري سياسية وفكرية واجتماعية بجوهرها وحقيقتها، نعاني منها نحن هنا، ويعاني منها المواطن العربي هناك، كان ينبغي التعامل معها سياسياً بشجاعة حتى لو أزعج ذلك الجانب الرسمي العربي، لا أن نختفي وراء العباءة لأجل مصلحة هنا واعتبار هناك، نبجل هذا ونصمت عن حق لنا على ذاك، لدواعي خاصة لا شأن لها إلا من باب التملق والتعالي على الآخرين. لدينا جالية عربية كبيرة في المهجر ولا أقول الاغتراب لأن مفهوم المغترب الذي يحيي مناسبة يومه الجامعة العربية في الخارج، لا يتناغم مع مفهوم المهاجر والمهجر قسرا في أغلب الأحيان. كان من المفترض أن يعنون بيوم " المهاجر العربي " لأن من بدءوا الهجرة في أوائل القرن الماضي كان جلهم من تعرض لضغوط يتحمل النظام العربي وزرها، وليس لأسباب الترف أو الهجرة الطوعية بهدف التغرب. لكن ماذا قدم الجانب الرسمي العربي لمواطنيه في المهجر، آلاف المواطنين يشكون من عدم امتلاك أبسط حق لهم ألا وهو امتلاك جواز سفر دونه لا يستطيعون حل مشاكلهم القانونية أو التعليمية، يقفون أمام سفاراتهم ينتظرون عفواً "كالكلاب" رداً إيجابيا دون جدوى، أوراقاً ووثائق لمواطنين لا يتم تصديقها دون مرارات وإهانات، لا من يسأل عما جرى وكيف مات أو انتحر أو سجن هذا المواطن العربي أو ذاك؟، أي مؤسسة عربية هذه التي لا تجد فرصة لرعاية مواطنيها.. في أول صفحة من جواز السفر مادة وقعتها دول العالم ومنها العربية بموجب قرار دولي تنص على: على السفراء المعتمدين في الخارج احترام ورعاية مواطنيهم في الخارج والاهتمام بشؤونهم العامة ـ هات لي دليلاً على أن المواطن العربي راضياً يلمس كل خير من سفاراته. إذن لنكون واقعيين ونبدأ الحوار مع أنفسنا وندعو الجانب الرسمي العربي لأن يوفر جزءاً من وقته، يبحث مع أبناء جلدته معاناتهم واحتياجاتهم، كما يسهم فنياً ومادياً في تنظيم المهرجانات والندوات واللقاءات مع الطرف المضيّف وحل الإشكاليات التي يعاني منها المواطن العربي على أرض الواقع، وتوفير أجواء الحوار المثمر بين الطرفين. روى لي صديقاً صحفياً ألمانياً حادثة بمنتهى الروعة، قائلاً كنت في زيارة للسفير النمساوي لإجراء لقاء معه حول قضية آنية، وأنا مازلت أود الجلوس، دخلت عليه السكرتيرة تحمل رزم البريد " العادي والإلكتروني " ومعها قائمة للتوقيع بأنه استلم البريد لقراءته والاطلاع عليه، وبعد التوقيع سأل ما هو الاستثنائي في بريد اليوم، قالت رسالة خاصة من الجالية النمساوية، ورسالة من مواطن يسأل عن سبب تأخير معاملته، قال لها اكتبي لتحديد موعد لزيارتي، واتصلي بالخارجية للاستفسار عن سبب التأخير والرد عليه. بالمناسبة كل سفارات العالم تتعامل بهذا المنهج إلا السفارات العربية "لربما هناك بعض الاستثناءات لا أعلم"، فالسفير لا يطلع إلا على الرسائل الرسمية، شكاوى، رسائل مواطنين وجمعيات، بيانات ومواضيع أخرى، لا يهم السفير أمرها وحسب، إنما تذهب إلى سلة المهملات على يد مسؤول.. السفراء العرب معذورين لأنهم لا يستطيعون إلا عمل ما تمليه عليهم حكوماتهم، ولا أقول دولهم لأن الدولة عادة تمثل المجتمع وتدافع عن حقوق مواطنيها حتى في المهجر. إذن متى يستطيع المواطن العربي أن يفهم أن عليه ثمة مسؤولية تقع، هو لا غيره قادر على تغيير هذه الظواهر، إذا ما وضع أمره على محمل الجد وبحث عن من يمثله بشكل حقيقي، ليوفر لنفسه ومحيطه نوعاً من الاستقلالية والاحترام المتبادل. هذه حقيقة قائمة ينبغي عدم تجاهلها لفهم دورنا وقدرتنا لمعالجة قضايانا الاجتماعية والإنسانية والتعليمية في المهجر، من زاوية سياسية وليس ميكافيليه كما يراد لها أن تكون، وبذلك نستطيع إيجاد المعطيات المناسبة لتناول مسألة المغترب والاغتراب بشكل موضوعي يأخذ ظاهرة "الهجرة" بعين الاهتمام كونها أساس المشكلة التي فقد الكثيرون بسببها حياتهم من أجل نيل الحرية والعيش بأمان .
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |