|
قانون المساءلة والعدالة: بين الحقد والمصالحة
هادي فريد التكريتي/ عض,اتحاد الكتاب العراقيين في السويد منذأربعة أعوام ُشرع قانون "اجتثاث البعث"، ولم يكن تشريعه نابع من رغبة حقيقية لمعالجة الدمار والخراب الذي أوجده هذا الحزب القومي ـ الفاشي، في النسيج العراقي، بقدر ما كان شعارا طائفيا، حاقدا ومضللا، لتصفية حسابات طائفية، لقادة حزب قومي وفاشي، ورؤوس مجرمة لنظام دكتاتوري، هذا القانون أشعل جذوة التناحر العنصري والطائفي، وتستر، بنفس الوقت، على أشخاص وعناصر بعثية، عربية وغير عربية، من قوميات وطوائف مختلفة،"استبعثت" لأغراض مختلفة، وغيرت جلودها لحظة سقوط النظام، لتمتصها تنظيمات حزبية مختلفة، فبعض هذه العناصر"المستبعثة" لجأ ت لأحزاب وقوى مختلفة، قوميةـ عنصرية، وإسلاميةـ طائفية،كلها في الحكم، حيث شكلت ميليشيات للقتل والتفجير والتفخيخ، ومنظمات أخرى لاختطاف وإرهاب المواطنين، هذا بعد سقوط النظام، و قبل سقوطه، احتوى المجلس الأعلى الإسلامي، الكثير من الأسرى البعثيين إبان الحرب العراقيةـ الإيرانية،وكانوا بمستويات حزبية مختلفة، وبعد غسل أدمغتهم، أطلقت عليهم إيران اسم"التوابين"، واصبحوا يشكلون جزء كبيرا، من جيش بدر،وحتى الآن ينفذون مهام طائفية، بقيادة النائب هادي العامري، القيادي في المجلس الأعلى الإسلامي، واسم هذا الجيش، حتى اللحظة، يلقي الخوف والرعب في قلوب ونفوس العراقيين . ما تقدم من هؤلاء، كان بعض من تنظيمات حزب البعث وكوادره، فيهم من أجرم ونفذ عمليات إجرامية بحق أبناء وبنات الشعب العراقي، إلا أنه ظل بمنجى عن العقاب أو المساءلة القانونية، نتيجة لنزع جلده السابق، وأيضا لأنه بحماية الحكم ومؤسساته الأمنية والخدمية .. قبل الاحتلال الأمريكي للعراق، وقبل أن يسقط النظام، كان حزب البعث،هو الحزب الوحيد الذي يمارس نشاطه السياسي، ويمسك بمقاليد الحكم، عندما خلت الساحة من بقية الأحزاب السياسية العراقية، لهجرتها خارج العراق، بعد أن أوغلت قيادة النظام البعثي في تصفية الحركة الوطنية العراقية ومنظماتها، حيث تعاملت مع كوادرها وأعضائها سجنا وقتلا وتشريدا، واحتواء البعض ممن نشد السلامة،حرصا على سد رمق العائلة وعدم تشردها .. أعلنت قيادة حزب البعث متباهية بتفردها على الساحة العراقية ، مزهوة ببلوغ أعضاء الحزب ما يقارب سبعة ملايين عضو،من مجموع الشعب العراقي البالغ آنذاك حوالي خمسة وعشرين مليونا، وكما قال صدام كل :"العراقيون بعثيون وإن لم ينتمو"...على الرغم من أن إعلان هذا الرقم مبالغ فيه، إلا أنه في الواقع كان يعبر عن سيطرة مرعبة ومطلقة لحزب البعث، على أذهان الناس وضمائرهم ، حيث لوح بالجزرة لمن يتبعه ومهددا بالعصا لمن يخالفه، ولأنه يملك السلطة والمال والنفوذ، والسيطرة المطلقة على كل مؤسسات ودوائر الدولة، الاقتصادية والخدمية والأمنية، فلا غرابة أن تصبح قيادته وتنظيماته هي المسيطرة والموجهة لكل العاملين في هذه المؤسسات، ولأن الشعب العراقي تحت سيطرة هذا الحزب لمدة 35 عاما، فكل ما اعتمد في المجتمع من تنظيمات حزبية، واتحادات مهنية، عمالية وفلاحية، وروابط طلابية وشبابية ونسائية، ومجالس بلدية وشعبية، وغيرها من تنظيمات"ديموقراطية"أصبحت بعثية، شاء من شاء وأبى من أبى، وكل هذه التنظيمات تقول"نعم"، للقائد"الضرورة"فهي إذن تمثل كل الشعب العراقي، وبالمطلق ليس غالبيته، فأين الغرابة إن ادعت قيادة الحزب بأن كل الشعب العراقي"بعثي وإن لم ينتمي"أو أن عدد أعضائه جاوز الملايين، فهي ليست أكذوبة، إن اعتبرنا بعثيا واحدا في كل عائلة عراقية، المتكونة من خمسة أنفار، وإذا استثنينا منهم النصف، هم الأطفال ودون سن البلوغ، فالنتيجة مخيفة حقا، للحكم الحالي، ولكل قواه ومن يدعمه من قوات الاحتلال، فكل هؤلاء في مأزق مدمر ، إن لم يتمتع الحكم وحلفاؤه بالحصافة والحكمة، لأيجاد وسيلة وأساليب سياسية لحل هذه الواقع واحتوائه، خصوصا بعد أن فشلت كل حلولهم التي جربوها، بما فيها الحلول العسكرية ... القسم الأكبر من الأعضاء البعثيين في الحزب، ظلوا حتى الآن، خارج تنظيماتهم، وخارج وظائفهم أيضا،وهم يشكلون، مستقبلا، قوة احتياطية، ليس ل"المقاومة الشريفة"و لمن يحمل السلاح من البعثيين والقوميين ، بل وللمنظمات الإرهابية أيضا، وهذا ما تستشعره القوات الأمريكية وما تعانيه منه، في العديد من المناطق الغربية والشرقية من العراق، لذا طرحت الإدارة الأمريكية مشاريع للمصالحة الوطنية للخروج من هذا المأزق المعطل لكل أهدافها، التي جاءت من أجلها للعراق .. فالمصالحة لا بد من تحقيقها وبأي ثمن، حتى لو كان الثمن التضحية بحكومة المالكي ومن معه من الحلفاء في الحكم، فالفشل في العراق يشكل هاجسا مخيفا للإدارة الأمريكية، لم تحقق مشاريع المصالحة التي نفذت على شكل مؤتمرات، نجاحا يذكر، على الرغم من الدعم الأمريكي لها، بسبب تمسك أطراف النزاع، كل بطروحاته، المناهضة للسلم الأهلي وحرية الشعب العراقي، الجناح القومي البعثي وجبهة التوافق بكل أطرافها، من جهة، و الحكم وقوى الائتلاف المتمسك بمشروع"اجتثاث البعث"من جهة أخرى، وفي ذهنهم مفهوم خاطئ عن المصالحة الوطنية، يتبناه أصحاب مشروع"الاجتثاث"، فهم يرون أن المصالحة تكون بين مكونات الشعب العراقي، وليست بين الخصوم أو الأعداء، وهذا مفهوم مراوغ، ولا مصلحة للشعب فيه، يداعب عواطف العامة و البسطاء من أبناء الشعب، لترسيخ الفتنة والتناحر بين مكونات الشعب العراقي . لا أحد ينكر أن النظام الساقط فاشي النزعة، وجل قيادته حاقدة وتكره الشعب ، تسببت بكل ما جرى ويجري حاليا في العراق، وبالجانب الآخر،على الدولة بكل مؤسساتها أن تعيد بناء العراق المخرب مهما كان الثمن، لذا يجب أن تحسم كل ملفات الجرائم التي ارتكبها النظام السابق، وبأقرب وقت وبأقصر طريق، ولكن كيف ؟ وما هو الوقت اللازم لها ؟ هل نبقى سنين طويلة نفتح ونغلق ملفات لمئات الآلاف من الأشخاص الذين أجرموا وأساءوا بحق الشعب والوطن،إن لم يكن لملفات الملايين ..؟ ثم أن العراق لم يكن الوحيد والفريد في عالمنا المعاصر، بما ابتلي به، فأوطان وشعوب كثيرة حكمتها أحزاب قومية وفاشية، ألحقت بأوطانها وشعوبها الخراب والدمار، فبما تملك هذه الشعوب من حب لأوطانها، والقيادات السياسية بما تملك من حكمة في تجاوز الخسائر التي لحقت بشعوبها،استطاعت أن تبني، وتعيد البناء من جديد، متجاوزة للصعوبات عن فهم وإدراك لمسؤولياتها، جاعلة من القانون الفيصل والحل، لكل المآسي والأحزان التي ارتكبها الحكام السابقون، الحل إذن، محاكم عادلة وعقوبات بعمق ما أحدثته الجريمة في المجتمع والوطن، لتلك الرؤوس التي تسببت في الجرائم، فاليابان وإيطاليا وألمانيا وجنوب أفريقيا، وغيرها من البلدان، شعوبها عانت من جرائم حكامها، ففوضت القانون لملاحقة من أجرم، وأسدلت الستار على تلك الجرائم وتجاوزتها، وانطلقت للبناء، فالشعوب لها تجارب غنية بهذا المجال، يمكن دراستها واستخلاص العبر منها ... مصلحة الشعب العراقي، تكمن في مصالحة جادة وحقيقية، والتصالح أصبح ضرورة، لكل هذه الأطراف مع بعضها ، بعد أن جرب الجميع، واستنفذ كُل طرف ما بجعبته من أسلحة، لتدمير الوطن وأساليب لترويع الشعب، دون أن يحقق أحد نصرا على الآخر، الكل فشل في تحقيق أهدافه، عن طريق الحرب والإرهاب، وما عليه سوى أن يجرب الصراع السلمي والديموقراطي، عن طريق البرلمان، فهو الخيار المجرب والأجدى، كما هو الأنسب لتحقيق أهداف مشروعة يقرها ويدعمها الشعب .. كل القوى الشعبية والسياسية الوطنية تعارض الاقتتال بين الفصائل العراقية ،مهما كانت طائفتها وقوميتها، وكل قوى الشعب الوطنية، تدعم التوجه السلمي لتحقيق مصالحة حقيقية، بين الفصائل المتناحرة ، وترى ـ القوى الشعبية والسياسية الوطنيةـ في مشروع قانون"المساءلة والعدالة"المطروح على المجلس النيابي لمناقشته وإقراره بديلا مناسبا، عن قانون"اجتثاث البعث"الذي فشل في تحقيق الأهداف التي شرع من أجلها، ومشروع القانون الجديد، يضمن الحد الأدنى لنزع سلاح الإرهاب، ويمهد لنجاح مصالحة مقبولة بين القوى المتصارعة، فتشريعه أصبح ضرورة، لإحلال الأمن والسلم والطمأنينة للشعب العراقي، ولحصر الجرائم التي ارتكبها النظام السابق، بحق الشعب العراقي، في الرؤوس القائدة والمنفذة لذلك النظام، ويفسح في المجال لحل جذري وفعال للاحتراب، فالخاسر هو الشعب والمواطن، أيا كانت الضحية، والحقيقة التي يقرها كل عاقل، هي، ليس كل من انتمى لهذا الحزب أو من خدم ذاك النظام، هو مجرم تجب محاكمته أو عزله، فتسليم الأمر للقضاء، هو الأجدى والأمثل، ويجب أن يترك التشريع له فسحة واسعة، لأن تمارس المحاكم عملها، ولتلعب دورها في رد الاعتبار لكل من تجنى عليه حاكم أو مسؤول مهما كان، ولكل من وقع عليه ظلم أو حيف، أو تجاوز على حقوقه الشخصية، سواء أكان من أركان النظام وشخوصه، أم من تلك الأدوات التي أساءت استخدام سلطتها ومعاملتها للمواطنيين، وليعمل الجميع من أجل أن يسدل الستار مهما كان الجرح عميقا، ومن أجل أن يعود الأمن والاستقرار للمواطن وللوطن، وبدون هذا سنبقى في دوامة العنف، ويبقى المواطن والوطن هما الخاسران، في معركة لم، ولن، ينتصر فيها سوى الحقد والكراهية، وآنئذ سيبقى الوطن محتلا وثرواته منهوبه، والمواطن تتقاذفه أمواج الطائفية وعنفها، ولا يدري أية مرجعية للإسلام ستهديه سلما وأمانا، وأي حكومة ستوفر له عملا وقوتا...!
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |