|
زار أعرابي باريس يوما، وتجول في شوارعها مع صديقه الفرنسي وراى ما رأى وما فيها من التطور والتقدم والفخامة في جميع المجالات، ومن العلم والثقافة والنظافة ...الخ وسأل صديقه الفرنسي:" كم تتصور نحتاج من الوقت نحن العرب، عشرة عشرين خمسين سنة ... لنصل الى ماوصلتم اليه" ؟!! ضحك صديقه الفرنسي وقال له،" أنت متوهم بالحساب، فكل ما تمر السنوات كلما تزداد الفروقات وتبتعد المسافات ما بيننا"!! صدق الفرنسي ومع هذا لم يخالف الحكمة التي قالها الإنجيل:" من سار وصل ومن طََرقَ تفتح له" أو القول المشهور:" بأن الطريق ألف ميل يبدأ بخطوة واحدة" ولكن ليس معناه أن السائر باي طريق يصل حتى إذا كان الطريق عدة أميال وليس ألف ميل! ولا أي باب يطرق تفتح له، بل من يبدأ بخطوة خاطئة وإتجاه معاكس قد لا يصل مدى الحياة! بل إذا سار بطريق الجهل قد يغرق في مستنقع التخلف والتأخر! وأخطر ما في السائرين أنهم يصرون على طريقهم الخاطئ الذي يؤدي الى التيه ثم الموت البطئ، فكم ساروا في طريق خاطي في الصحارى وإنتهوا الى الموت جوعا أو عطشا أو طعاما شهيا للحيوانات المفترسة أو سار في مسار خاطئ في البحار فإنتهوا الى الغرق، وكم طرقوا باب التعصب القومي والديني والطائفي ففتحت لهم باب الصراعات والدماء والأشلاء ثم الإنتهاء! ومما يدعو الى الإستغراب والدهشة أن بعض كتابنا يبدأون يحساب السنوات ويقارنون هذه السنوات بالسنوات التي وصلت بها المجتمعات الاوروبية الى ما هم عليه الآن ليس بالعمران، أي يإرتفاع الأبراج و العمارات و وموديلات السيارات ووسع وشمول الأسواق، بل بالإرتقاء في السلوك الذي أنتج الديمقراطية و بالتطور الفكري الذي أنتج هذه العمارات والأبراج والتكنولوجية، علما بأن هذه العمارات الشاهقة والأبراج التي تناطح السماء في بلدان الخليج العربي والتكنولوجية، ما هي إلا نتاج الحضارة الأوروبية على أراض عربية وليس على الأراضي العربية! أو أراضي الغير ليس إلا، وكان ممكن أن تكون نتاج المواطنين الأصليين لو ساروا على الطريق الذي سار عليه الغربيون، بالإنكاب على العلم والمعرفة دون تضيع سنواتا بل قرونا بحفظ الآيات والركض وراء الأوهام وإدعاء العصمة، دون الإعتراف بالخطأ مهما كان بل إلقاء اللوم على الغير أو على القضاء والقدر أو على الشيطان الرجيم!. إن تقدم المجتمعات يبدأ بتحرير الفكر من التعصب القومي والديني والتعصب ضد المراة، وليس بوجود ال - بدون أو الأمراء مالكي الأرض ومن عليها وما تحتها! والتطور يبدأ بالشعور بالمسؤولية الوطنية والإنسانية، والإيمان بالعلم والعمل أساسا للتطور والتقدم، والقسم منهم يبررون تأخرهم في الوصول الى صياغة دستور ناضج منصف أو الإستقرار نتيجة تغيير في بنية المجتمع، فيقولون: أن المجتمع الاوروبي إستغرق أجيالا وأجيال الى أن وصل الى ما هو عليه من هذا التطور الاجتماعي والعلمي والاخلاقي، وأن أمريكا أو فرنسا إستغرقت كذا سنة لصياغة دساتيرهم وعليه فإننا سنصل أيضا بمثل هذه المدة الى ماوصلوا اليه!!، دون أن يقولوا بأن فرنسا لم يكن أمامها نموذج للسير على هداه فهي أول من إكتشف النظام الجمهوري أو بالإحرى طبقه عمليا فكانت الفكرة من نتاج الفكر الإغريقي، وعند تأسيسها أو تطبيقها النظام الجمهوري كانت مبادئها ولا زالت، الحرية، العدل، المساواة، وعَلَمها بثلاثة ألوان يمثل هذه المبادئ، ولم تلغ فرنسا وأمريكا وبريطانيا إعلامهم كل تأتي حكومة جديدة ولا نظامهم الديمقراطي،وتحدوا المرجعية الدينية وإعترفوا بالمعارضة ولم يسلكوا طريق تخوين المعارضة، ولم يحدث خلال مائتين سنة إنقلاب عسكري وقد لا يحدث ولا.. ولا أما نحن فأولا: أمامنا نماذج كثيرة وتجارب متعددة ولكننا نصر منذ أربعة عشرة قرنا بتطبيق نظام السلف الذي مر عليه أربعة عشرة قرنا،أي الشريعة الإسلامية والثوابت الإسلامية،ونريد أن نتقدم ونحن ثابتون ونريد التقدم والثبات في آن واحد!! وبالشريعة نريد أن نصل الى ماوصلوا اليه بالديمقراطية!!علما بأنهم في بداية مسيرتهم فصلوا الدين عن الدولة ونحن نصر على دمج الدين بالدولة،ولدينا سادة معصومين أحفاد المعصومين، ولديهم مساوين ومتساوين و ومنتِقدين ومنتَقدين!! لدينا خير أمة إخرجت الى الناس ولو كانت في إفلاس!، ولديهم خير أمة من أنتجت وأفادت الناس! ولدينا خير أمة ثبتت على السلف ولديهم خير أمة تطورت وسارت مع الخلف!! يقول الأنجيل" الأعمى يقود الأعمى وكلاهما في الحفرة يقعان" وكانوا يتصور البعض، وأنا واحد منهم، أن هؤلاء المغفلين والمتخلفين لو زاروا أوروبا وعاشوا فيها سنوات لتطوروا وتركوا التخلف، وإذا رجعوا الى بلادهم فهم يحملون ما تعلموه هناك، ولكن مع مزيد الأسف أن الموضوع كان بالعكس تماما، فهم لم ينقلوا التجربة الأوروبية الى بلدانهم بل ينقلون تخلفهم الى أوروبا وأمريكا!!،و كما قال الشيخ الوقور محمد عبده، بصدق وأمانة وإنصاف وبجرأة، عندما زار فرنسا وبقي فيها أربعة سنوات قال: "عندما ذهبتُ الى فرنسا وزرت مارسيليا ونيس ومدن أخرى، وجدت الناس هم نفس الأشخاص والعادات: لا يكذبون، لا يخدعون، لا يسرقون،لا ينافقون، لا يضللون لا يخدعون، يقولون الصدق، لايخشون في الحق لومة لائم، وجدتُ المساواة في كل شيئ بين الرجل والمرأة، لا أحد يجور على حق أخيه، القوي لا يستبد بالضعيف، البصير يساعد الأعمى ويأخذ بيده، إذا مرضَ شخص يسأل عليه الآخرون وأحضروا له الدواء والطبيب حتى يشفى، كل من رأيتهم أكدوا بأنهم ليسوا بمسلمين"!!! ويتابع شيخنا الوقور إعترافاته ويقول:" وعلى النقيض تماما عندما عدت الى بلدي مصر الى أمتي العربية وجدت مسلمين فنحن بلاد إسلامية ...ولكن أسوأ ما رأيت هو أنني لم أجد إسلاما! بل وجدت الكذب والضلال والبهتان والنصب والخداع والسرقة والسلب والنهب والجشع وحب المال.. الحقد والكراهية وأكل أموال اليتامى ...والقوي يشرب دماء الضعيف وينتهك حرمة بيته ويغتصب ما فيه من نسوة"!!! هذا ما قاله الشيخ الوقور شيخ الإسلام وليس كلام أحد أعضاء الكونغرس الأمريكي أو البرلمان الفرنسي أو الكنيست الإسرائيلي أو الشيوعيون أو العلمانيون" الملحدون!! أوأحد الحاقدين أو التآمرين على الأمة العربية والإسلامية، ولا هو أحد المندسين في الأمة الإسلامية . يبدو أن صاحبنا الفرنسي لم يسبق له أن قرأ أو سمع بما قاله شيخ الإسلام محمد عبده ليقول لصديقه العربي،إن أسباب تأخركم هو سلوككم الذي أشار اليه شيخكم الصادق، و إذا اردتم اللحاق بنا! فاتبعوا نصيحة شيخكم الجليل، ولا تخدعوا أنفسكم بإحتساب السنوات والعقود أوحتى القرون!!.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |