مهزلة العلم في زمن الديمقراطية 

 

د . ميسون البياتي

artemona@gmail.com

قدر الله سبحانه وتعالى العلم والعلماء في محكم كتابه العزيز بقوله (هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون)، لم يقل الذين يملكون والذين لا يملكون، أو الذين يحكمون والذين لا يحكمون، الملك والمال والحكم كلها أشياء الى زوال، لكن العلم بالشيء قيمة باقية، تدوم مع المرء الى يوم موته مادام قد علم بها .

ورغم قيمة العلم الجليلة إلا أن بعض (الصفوة) يستبيحون الإستهتار بهذه القيمة فيمنحون أنفسهم بطريقة ما ألقابا علمية لا يحلمون بحملها، مكابرة وبحثا عن مكانة سامية (يعرفون تماما) أنهم غير أهل لها .

منتصف الثمانينات ... قام طالب نجيب من كلية القانون والسياسة في جامعة بغداد بكتابة أطروحة دكتوراه عنوانها (العدالة في فكر الرئيس القائد صدام حسين) منح على أثرها شهادة الدكتوراه بإمتياز . وقامت عمادة الكلية تزلفا بمنح الدكتوراه الفخرية الى صدام حسين نفسه، وليس لدينا إعتراض على ذلك فالرجل كان رئيس دولة، لكن إعتراضنا أنه (ساقط) في الصف الثاني من كلية الحقوق التي زجه فيها عبد الناصر أيام كان لاجئا في مصر، فكيف تمنح له الدكتوراه الفخرية في علم هو ساقط فيه أصلا ؟ أليس من أول شروط الدكتوراه الفخرية هو تميز الممنوحة له في ذات المجال، أم أن السقوط في الدراسة يعتبر تميزا في مثل هذه الحالة ؟؟ الله أعلم .

بعد حصول صدام على الدكتوراه الفخرية في القانون نصب له تمثال كبير الحجم لونه أسود يرتدي فيه الرئيس الروب الجامعي ويحمل الشهادة بيده وسط الحرم الجامعي لجامعة بغداد / الجادرية، وسط إحتفال مهيب .

لقلق مناضل معترض على هذا النوع من التزلف البشري، كان يأتي يوميا ويقف على رأس تمثال القائد، ويذرق ذرقة كبيرة تغسل التمثال من رأسه حتى قدميه، فيتصل الحرس الجامعي بسيارة إطفاء لتأتي وتغسل التمثال، لكن ما أن تغادر السيارة، حتى يعود اللقلق ويعمل عملته من جديد، الى أن أثار حفيظة الحرس الجامعي وحنقهم . إختبأ أحد هؤلاء الحرس في إحدى شرفات البنايات المحيطة بالتمثال، وحين جاء اللقلق، تم قنصه بسلاح قنص، وأردي قتيلا، ولكن يا للعجب، بعد نصف ساعة جاء لقلق ثاني وقام بنفس العملية  وعند قتله جاء ثالث .

          أبنائي طلبة جامعة بغداد كانوا يقفون تحت التمثال لإلتقاط صور تذكارية مع التمثال المتسخ والبراءة تمسح وجوههم .. عندها أوعزت جامعة بغداد بمنع التصور تحت تمثال القائد، وأوقفت سيارة إطفاء في مكان قريب من التمثال لغسله كلما اتسخ، فقد تبين أن سربا كبيرا من اللقالق كانت تستعمله كمكان خاص، ويضع الله سره في أضعف خلقه .  

دكتوراه فخرية ثانية منحت تزلفا الى عزت الدوري من كلية الزراعة / جامعة بغداد، كان الرجل قد ترأس حملة تشجير الحزام الأخضر حول بغداد، فمنح دكتوراه في الزراعة !!! بشرفكم هل يستحق غرس عدة شجيرات شهادة دكتوراه ؟ ما أرخص العلم .

أقوى دكتوراه فخرية شاهدتها بحياتي، كانت يوم منح معهد التاريخ العربي للدراسات العليا، شهادة الدكتوراه الفخرية في العلوم العسكرية العربية الى علي حسن المجيد . تم منحه الدرجة في قاعة المعهد في المنصور، وكان الجو صيفا، بلغ من إستهتار السيد الوزير بالدرجة الممنوحة له أنه رفض إرتداء الروب الجامعي لدقائق عند تلاوة مرسوم منح الشهادة بحجة الحر . ومن حقه أن يفعل ذلك، لأن الذي يحصل على شيء بالمجان ودون إستحقاق، من حقه أن يستهين بما يحصل عليه .

يقول سبحانه وتعالى في محكم كتابه العزيز (يا ايها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم) . ولكن ماذا تفعل إذا كان عملك يتطلب منك أن تسأل ؟ متاعب المهنة أشكال وأصناف مختلفة كانت قدرا حكمني . 

في التسعينات من القرن الماضي كنت أعد وأقدم العديد من البرامج التلفزيونية في وقت واحد، أحد هذه البرامج والذي كنت أقدمه من تلفزيون العراق الثقافي هو برنامج (رسائل جامعية)، هناك إتصال بيني وبين كل الجامعات العراقية لمعرفة رسائل الماجستير وأطاريح الدكتوراه فيها، التي أختار منها لتقديمها في برنامجي، نعمل لقاء مع الطالب الباحث ولقاء مع مشرفه واعضاء لجنة مناقشته لتسليط الضوء على مادة الرسالة أو الأطروحة، بعد ذلك نصور مقاطع من جلسة المناقشة، حين نعود الى قسم المونتاج، نربط هذه المواد لتكوين حلقة من البرنامج تعرض لاحقا .

الحق يقال، حضرت المئات من المناقشات، فيها الممتازة والتي بذل فيها الطالب جهدا مميزا، وفيها الرديء، والذي أتى الطالب إليها لنيل الدرجة (وجاهة) دون بذل ما تستحق من تعب . كما أني كنت حاضرة في العديد من اشكال المهاترات التي تتم لنيل الدرجة العلمية ... الطالب القوي كأن يكون مسؤولا حزبيا أو وزيرا، يجلب (سيت) من الدكاترة الضعاف لمناقشته، وربما يتفاهم معهم قبل دخول قاعة المناقشة، ولهذا وأنت تراقب سير المناقشة ترى الكذب والإفتعال تشي به العيون .

بعض عمداء الكليات  أو رؤساء الأقسام يريدون منح زوجاتهم أو بناتهم أو أخواتهم شهادة ما فترى ذلك الشخص يجلب صديقه الصدوق ليجعله مشرفا على أطروحتها، ويجلب خله الوفي ليعينه رئيس لجنة مناقشة، أما أعضاء لجنة المناقشة فيكونون عادة من حديثي العهد بالدكترة والباحثين عن طريق يشقونه في الحياة بواسطة تزلفهم لعميدهم أو رئيس قسمهم، وهكذا تمضي المناقشة بسلام فتحصل الست على الشهادة في مناقشة شكلها قانوني، لكنها تفتقر الى أبسط أنواع أخلاقيات العلم .

ولى ذاك الزمان الى غير رجعة، وإستبشرنا بموشح الديموقراطية الذي يغنى لنا كل يوم خيرا، لكن يبدو أن العناوين وحدها هي التي تبدلت لأن المضامين مازالت هي .. هي، إن لم تصبح أسوأ وخذوا هذا المثال :

أولا ثبتوا لديكم هاتين الوصلتين للتأكد من مصداقية كلامي، الوصلة الأولى، مادة مكتوبة من قبل السيدة دجلة أحمد السماوي 

http://www.kitabat.com/i30577.htm

أما الوصلة الثانية فهي صفحة من موقع الأكاديمية العربية في الدنمارك فيها تغطية خبرية لنيل السيدة دجلة شهادة الماجستير من الأكاديمية

http://www.ao-academy.org/wesima_articles/index-20070728-1390.html

لو عدنا الى الوصلة الأولى وفتحناها سنجد السيدة دجلة السماوي تتحدث عن أطروحتها بالقول ((وقد كانت اطروحتي للماجستير في الأدب الأنثوي بعامة ونقد النقد بخاصة وانتخبت الناقدة الدكتورة وجدان الصائغ (وأنا والدتها) ميدانا لعملي)) . عظيم جدا . السيدة دجلة تخبرنا انها إختارت أن تكتب عن إبنتها وهذا من حقها، فمن حق الباحث الإستعانة بكل الوسائل المتاحة لتوصيله الى هدفه البحثي .

          لكن حين نفتح الوصلة الثانية وهي صفحة من موقع الأكاديمية العربية المفتوحة في الدنمارك _ يطالعنا الخبر أن البروفسير عبد الإله الصائغ مشرف السيدة دجله هو في نفس الوقت رئيس لجنة مناقشتها، ولا تدري في هذه الحالة كيف سيكون خصما مناقشا ومفندا لرأي الطالبة والمشرف على الرسالة ؟ هل يجوز أن يكون المشرف رئيسا للجنة المناقشة في نفس الوقت ؟

فإذا عرفنا أن البروف هو زوج السيدة دجلة زاد العجب في حياديته العلمية، لكن وأنت تتصفح موقع الأكاديمية العربية المفتوحة يطالعك خبر أكثر إدهاشا هو أن البروفسير الصائغ هو رئيس قسم اللغة العربية فيها . يا رب العزة، أما كان بالإمكان إختيار دكتورين آخرين ليتولى أحدهما الإشراف على الست دجلة عند كتابة رسالتها، والثاني ليكون رئيسا للجنة مناقشتها ويكتفي زوجها بموقعه كرئيس للقسم الذي منحها الشهادة ؟ أم أن هوان العلم في هذا الزمان أباح مثل هذه الصلاحيات ؟

كتبت إيميل الى صديق عزيز أحترم رأيه فأرسل لي ردا صعقني . قال ((هل تعرفين يادكتورة ميسون .. أن الدكتور صبري مسلم عضو لجنة مناقشة الست دجلة السماوي، هو نسيبها زوج بنتها ونسيب زوجها البروف)) .

أفرغوا الحكاية من الأسماء والألقاب، ولننظر لها بالشكل التالي : أم تكتب رسالة ماجستير عن إبنتها بإشراف الأب، ورئاسته لجنة المناقشة التي يشترك النسيب في عضويتها .

ترى لو أن الشاعر عبد الوهاب البياتي (واحد من مؤسسي البعث كما يدعي البروف في موسوعته البائسة)، أو الآخر الدنغوز، أو الثالث المهموز، أو الرابع الملموز، كانوا قد تجرأوا على فعل ذلك، كيف كان البروف الصائغ سيتكلم عنهم ؟؟؟

آخر كلامي رسالة موجهة الى الموقر الأستاذ الدكتور وليد الحيالي

عميد الأكاديمية العربية المفتوحة في الدنمارك

 الأستاذ الغالي

من المؤكد أن الأمور مرت أو مررت عليك بشكل ما

إفتح تحقيقا في الموضوع، وإستعمل كل صلاحياتك 

ليس إعلاءا لمنزلة العلم وحدها، ولكن من أجل السمعة العلمية لأكاديميتكم أيضا  

وتقبل فائق الإحترام والتقدير.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com