الحج ... رمز الوحدة والقوة بوجه أعداء الأسلام

 

 

كريم ماهر علوان

Kma1428@yahoo.com

قال تعالى في محكم كتابه الحكيم: (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ * فِيهِ آيَاتٌ بَيِّـنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِين)آل عمران (96 – 97)

ها هي وفود الحجيج تلتقي حول بيت الله العتيق، وهاهي أنحاء مكة وشعابها تتجاوب فيها أصداء الهتاف القدسي الجميل: لبيك اللهم لبيك...

وإن هي إلا أيام حتى يندفع هؤلاء الحجيج صوب (عرفة) حيث يقفون من الفجر وحتى الغروب داعين مُلبين، ثم يفيضون إلى المشعر الحرام، ثم إلى مِنى ينحرون ويرمون الجِمار، فإذا قضوا مناسكهم رجعوا إلى أوطانهم ليستقبلوا بالتهاني والزغاريد.....

 

أهذه كل فريضة الحج ؟؟

ألهذا دعا الله عباده . فتوافدوا إلى بيته الحرام من كُل فجٍ عميق ؟

إن الدعوة حين تصدر عن الله تعالى لاتصدر إلا لأمرٍ خطير، وإن الفريضة التي يشرّعها الله تعالى لعبادة لا يشرعّها ليقنعوا من حكمتها بظاهرٍ ضحلٍ رتيب، وحرام أن يصير الإسلام العظيم في أيدينا إلى مانراه من صورة باهتة لا نكاد نحس فيها بعرقٍ ينبض .وإلى حياة شائهة عرجاء لاتعرف لها غاية ولا فلسفة، هذا إذا جاز أن نعد أنفسنا من الأحياء .

فالحج في فلسفة بسيطة هو رحلة التجرد أو رِحلة ( القيامة الصغرى) إن صح التعبير، فيترك كل من خرج من هذه الرحلة المباركة ماله وأهله ومشاغله الدنيوية خلف ظهره، بعد أن يأخذ معه بعض الزاد والمال ليعيناه على هذه الرحلة القصيرة وذات الأبعاد المعنوية العميقة . ففريضة الحج والتي نتفيأ ظِلال شهرها المبارك، من أركان الأسلام الكبرى، وعباداته العظمى . حيث تسهم بشكل جوهري في صياغة شخصية الأنسان الرسالي لتغدو شخصية متوازنة تجمع إلى رسوخ العقيدة وتجذُر الأيمان صلابة الأرادة وقوة العزيمة، حتى يكون بحق خليفة الله في الأرض .

والحج في الواقع هو الدعامة الراسخة في أعماق التأريخ، وهو الضمانة الدائمة والمتكررة لقيام الأمة الإسلامية ونهوضها في وجه كل الطغاة ومستبدي الشعوب، وقد قال الله تعالى: (جَعَلَ اللّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَاماً لِّلنَّاسِ) ( المائدة97) فإن كلمة القيام، تنطوي على الوجود والأستقلال والحركة والسيادة والأعتماد على الذات وعدم التبعية والأتحاد والتنظيم والمساهمة الجادة، وكل المفاهيم اللازمة لأيجاد الكيان الأسلامي الموحد في العالم، وإن الله سبحانه خلق الأنسان إجتماعيا ليتعرف على أبناء جنسه ويتبادل معهم الآراء والافكار فيما ينفعه وينفع وطنه، ولذا لزِمَ أن تقام أندية ومؤتمرات ليجتمع الناس فيها، فأسْتحِبت الجماعة خمس مرات يوميا لأهل السوق والقبيلة وأهل المحلة كل في مسجده، ووجبت صلاة الجمعة في الأسبوع مرة وهو يوم الجمعة، وكذلك في السنة مرتين في عيدي الفطر والأضحى، وهذه إجتماعات محلية، وهي من أهم المظاهر الدينية والشعائر الإسلامية التي يعرف من خلالها المكلفون اوضاع أهل بلدهم العامة والخاصة فيقومون بما يجب عليهم ومايُستحب من جلب المنافع ودرء الأخطار فيكون لهذه الشعائر والمؤتمرات مكانة رائعة وكبيرة في توجيه الامة وهدايتها الى سبيل السعادة الحقة .

والحج مؤتمر وأجتماع عالمي فًُرض على كل مُستطيع في العمر مرة، وهو ان الحجيج من جميع اقطار العالم يجتمعون في مكة فيعرفوا مافي جميع البلاد من الاحوال والاوضاع . وأمةٌ هذه إجتماعاتها لاتُفنى ولاتُباد ولاتُخزى ولاتُذل، وفي هذه الاجتماعات كلها من المساواة التامة مالا يوجد في أمة غيرها . إذ يستوي فيها الملك والسوقة، والامير والمأمور، والغني والفقير، والقوي والضعيف، والعالم والجاهل، والشيخ والشاب، والعربي والأعجمي، والأبيض والأسود، فيقف كل واحدٍ إلى جنب الآخر صفاً واحداً متوجهين جميعا الى الواحد القهار العزيز الغفّار، وعندما يلتقي ملايين الحجاج في مكة المكرمة يعرف المسلم مدى قوته وشموله ويزداد تماسكا بوحدته الأسلامية، فالحج موسم للوحدة والتلاقي وقوة بوجه أعداء الأسلام الذين يريدون له التمزق والشتات .

وللحج فوائدٌ عظيمة وأسرار حكيمة، فهو دورةٌ تدريبية كبرى ومعنوية عظمى للبشرية لتدريبها على العمل باوامر الله تعالى والسير على منهج أنبيائه (عليهم السلام) وأحراز رضاه والتخلق بأخلاق الأسلام النبيلة فالحج ذلك المؤتمر الأسلامي الكبير، والتظاهرة الايمانية الرائعة التي تشترك فيها جميع الصنوف المتعددة من الأجناس والفئات والطبقات والقوميات على موعدٍ واحدٍ، وفي أرضٍ واحدة، يرددون هِتافاً واحداً، ويمارسون شعاراً واحداً، ويتجهون لغايةٍ واحدة، هي الأعلان عن العبودية والولاء لله وحده والتحرر من كل آثار الشرك والجاهلية بطريقة جماعية حركية، تؤثر في النفوس، وتُشبع المشاعر والأحاسيس بمستويات الأيمان ومداليل التوحيد، والحج كما صرّح القرآن الكريم، والاحاديث الشريفة إلى جانب كونه عبادة وتقرباً إلى الله سبحانه، فأن فيه منافع إجتماعية، وفوائد ثقافية وأقتصادية وسياسية وتربوية، تساهم في بناء المجتمع الاسلامي وتزيد من وعيه وتوجيهه، وتُسهم في حل مشكلاته، ففي الحج يشهد المسلمون أروع مظاهر المساواة والتواضع والأخوة الأنسانية بالغاء الفوارق والأزياء وخلق أسباب الظهور الأجتماعي .. والظهور باللباس العبادي الموحد ( لباس الأحرام) حيث يحس الجميع بوحدة النوع الأنساني ... وبالأخوة والمساواة، وهناك فؤائد معنوية للأحرام منها : -

* تربية الأنسان لمراقبة نفسه، فبعد أن يدخل المسلم في جو الأحرام، يحس إنه دخل عبادة الله تعالى كما يدخل في الصلاة بعد تكبيرة الأحرام، فيراقب نفسه لئلا يقوم بعمل من الأعمال المحرمة، وكل هذا يحتاج إلى مراقبة دقيقة لتذكير النفس في كل سلوك يسلكه المسلم الحاج بعد ذلك .

* ضبط الأنسان لأرادته، حيث تمتحن هذه الأرادة بمقدار إستجابتها لأوامر الله تعالى، وسيطرتها على النوازع والغرائز، وتبدو هذه التربية للأرادة في تحريم لمس المرأة وكذلك تبدو واضحة في مسألة كشف الرأس وعدم الأستظلال بظل متحرك، وتحمُل ذلك في سبيل الله، إذ له معطيات أرادية كبرى قام بها الأسلام لتهذيب النفوس وأصلاحها .

فهنيئاً لكم أيها المسلمون بهذه التعاليم الحكيمة، والتي تضمن لكم النجاح والفلاح في الدنيا والآخرة .

والحمد لله رب العالمين

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com