|
المحرمات الثابتة خارج وقت الحج هي ايضا محرمات اثناء الحج توطئة الثبات على الايمان والسلوك الرصين ليس المهم ان تكون مسلما ومؤمنا بل المهم ان تعرف كيف تحافظ على هذا الاسلام الذي تعتنقه وكيف تحافظ على ان يكون الايمان مستقرا ثابتا راسخا في القلب والنفس وان روحك متعلقة بمعانيهما الواسعة العامة والفرعية الخاصة ، وعليه فان من موجبات الاسلام ان تسلم وجهك لله طائعا عابدا موحدا معترفا بما انزل على الرسول حامل الرسالة صلوات الله وسلامه عليه وعلى اله الاطهار، وان تكون للايمان حافظا وقائما ومجاهدا لنفسك تروضها على الطاعات والعبادات والابتعاد عن المنكرات، فلحرام حرام الى يوم الدين والحلال حلال الى يوم القيامة وهذا ماخط القلم وجاء به محمد عليه افضل الصلاة والسلام وعلى اله الاتقياء الابرار. " انما المؤمنون الذين امنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا باموالهم وانفسهم في سبيل الله اولئك هم الصادقون " سورة 49 الحجرات الاية 15.. لذلك فان المحرمات قبل الحج هي محرمات اثناء الحج فالهتان قبيح ومحرم في كل الاوقات وكذا الغيبة والنميمة، والروح الظالمة التي تتعامل بالربا فعلها محرم قبل الحج واثناء الحج وبعد الحج الى يوم الدين، والخمر والميس حرمتان الى جانب بقية المحرمات وكل الكبائر محرمات قبل واثناء الحج وبعده، كما ان القتل يعد جريمة من اكبر الجرائم التي تكبر حدودها بكبر تلك الجريمة ويكون عقابها شديدا وهومن اشد العقوبات. الصغائر والكبائر تعرف صغائر الذنوب بمعرفة الكبائر وقد حدد القران الكريم كبائر الذنوب واوجب عليها الحدود الشرعية ومن هذه الكبائر :- القتل:- " ولا تقتلوا النفس التي حرم الله الا بالحق ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل انه كان منصورا " سورة 17 الاسراء الاية 33. والزنا:- " ولا تقربوا الزنى انه كان فاحشة وساء سبيلا " سورة 17 الاسراء الاية 32. والسرقة:- " والسارق والسارقة فاقطعوا ايديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم " سورة 5 المائدة الاية 38. وشرب الخمر :- " يا ايها الذين امنوا انما الخمر والميسر والانصاب والازلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون " سورة 5 المائدة الاية 90. ويرتكب الانسان الكثير من الذنوب بدون لن يتلتفت الى عظمها كالربا:- " واخذهم الربا وقد نهوا عنه واكلهم اموال الناس بالباطل واعتدنا للكافرين منهم عذابا اليما : سورة 4 النساء الاية 161. والغيبة والنميمة والبهتان:- " ومن يكسب خطيئة واثما ثم يرم به بريئا فقد احتمل بهتانا واثما مبينا " سورة 4 النساء الاية 112. والكذب :- " انما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بايات الله واولئك هم الكاذبون " سورة 16 النحل الاية 105. وكل من هذه الذنوب لها قوانينها وظروفها الخاصة وتتفاوت درجة الحد الشرعي في حدتها حسب مايراه الامام الحاكم وقد يسقط الحد ويتوقف احيانا وقد يباح احيانا اخرى وسنبين ذلك فيما بعد فاما قتل النفس المحترمة بعدوان فيصار اليه بمعاقبة القاتل وحديثنا هذا في عقوبة الدنيا وليست عقوبة الاخرة، وقد يكون القتل سهوا وهناك حلول لمثل هذه الامور في باب الديات، وقد يكون القتل مباحا في حالات يحددها الشارع المقدس عندما يهدد الانسان في نفسه وعرضه وماله في الحدود الشرعية التي يسمح بها الشارع المقدس ضمن حدود القانون الاسلامي. وقد تكون بعض الكبائر ذات تاثير اجتماعي سلبي اكبر فرغم ان القتل اعظم من الزنا الا ان الزنا يسلتزم اربعة شهود في حين يسلتزم شاهدين في اثبات القتل وما ذلك الا لمنع انتشار الفساد المتعمد الذي يلحق الضرر بالمجتمع كالاتهامات الباطلة. وفي حين تكون العقوبة شديدة في القتل المتعمد الباطل بدون حق وهي القتل مقابل القتل تكون العقوبة في حال السرقة قطع اليد في حال ثبوت البينة وبظروف يكون فيها السارق في وضع لايحق له مد يده الى اموال وممتلكات الغير وغير محتاج ولم توفر له الدولة وظيفة ولم يوفر له المجتمع فرصة للعيش وعلى هذ الاسس ينظر الحاكم الشرعي الى الحدود من الجانبي التطبيقي، وفي موضوع الزنا ينظر الى مرتكبها من جوانب متعددة في حالات المتزوج المحصن وغير المحصن رجل وامراة رضا ام عدوانا مسافرا ام حاضرا، ويعتبر الربا من الكبائر العظيمة لانه يزيد الفقير فقرا ويمنع التواصل الانساني والرحمة بين الناس ويكون اعظم اثرا في حياة الانسان من الزنا ولكن يصبح الربا جائزا بين الزوجة وزوجها، والغيبة حرام وهوان تذكر عيبا لغيرك وانت مطالب ان تستره فتكون قد هتكت ستر غيرك وكذا النميمة وهي ان تنقل الكلام بين الناس فتزيد من الفرقة بينهم وتسبب النزاع بينهم، وكذا البهتان وهوان تذكر عيبا لانسان ليس فيه وهواعظم وكل هذه الذنوب المعنوية عليها عقوبات الهية قد تكون عاجلة في الدنيا فيعاقب الانسان بنفس الحالة ويكون عرضة للقيل والقال كما كان يتصرف في القيل والقال على غيره من الناس وقد تكون الغيبة احيانا جائزة للفاسق المتجاهر بالفسق. " وعنه صلى الله عليه وآله وسلم لاكبيرة مع الاستغفار ولا صغيرة مع الاصرار " الكافي 2 جامع الاخبار. ويرتكب الانسان الكثير من الذنوب من دون ان يكون عليه رقيب ويتعرض للعقوبة من دون ان يشعر كالنظر المحرم والعمل المحرم ودخول الاماكن المحرمة والدخول في مواضع الشبهات الى غير ذلك من الامور التي لاتعد ولاتحصى. " ان تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما " سورة 4 النساء الاية 31. " من نص الخاطرة الرمضانية العشرون للكاتب محمود الربيعي". وساتعرض انشاء الله الى بحث مبسط بالاعتماد على مصدرين مهمين هما تفسير الميزان للعلامة محمد حسين الطباطبائي الحكيم قدس سره الشريف، وكتاب جامع السعادات لمحمد مهدي النراقي قدس سره الشريف لما لهذين المصدرين من سعة ودقة وقوة في عرض هذه المواضيع اذ يمكن لهذين المصدرين ان يشكلا ثقلا مهما في بناء الشخصية المسلمة العقائدية. البهتان " ومن يكسب خطيئة واثما ثم يرم به بريئا فقد احتمل بهتانا واثما مبينا " سورة 4 النساء الاية 20.... " وبكفرهم وقولهم على مريم بهتانا عظيما " سورة 4 النساء الاية 156.. تفسير الاية والظاهر أن هذه القصة هي التي يشير إليها قوله تعالى «ومن يكسب خطيئة وإثما ثم يرم به بريئا فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا» حيث يدل على أنه كان هناك شيء من المعاصي التي تقبل الرمي كسرقة وقتل وإتلاف وإضرار ونحوها، وأنه كان من المتوقع أن يهتموا بإضلال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في حكمه والله عاصمه. (الميزان في تفسير القران للعلامة الطباطبائي). .. "ولولا اذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا ان نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم" سورة 24 النور الاية 16.. تفسير الاية والبهتان الافتراء سمي به لأنه يبهت الإنسان المفتري عليه وكونه بهتانا عظيما لأنه افتراء في عرض وخاصة إذ كان متعلقه بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وإنما كان بهتانا لكونه إخبارا من غير علم ودعوى من غير بينة كما تقدم في قوله: «فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون» ومعنى الآية ظاهر. ( الميزان). .. " والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا واثما مبينا " سورة 33 الاحزاب الاية 58.. تفسير الاية قوله تعالى: «والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا» تقييد إيذائهم بغير ما اكتسبوا لأن إيذاءهم بما اكتسبوا كما في القصاص والحد والتعزير لا إثم فيه. وأما إيذاؤهم بغير ما اكتسبوا ومن دون استحقاق فيعده سبحانه احتمالا للبهتان والإثم المبين، والبهتان هوالكذب على الغير يواجهه به، ووجه كون الإيذاء من غير اكتساب بهتانا أن المؤذي إنما يؤذي لسبب عنده يعده جرما له يقول: لم قال كذا؟ لم فعل كذا؟ وليس بجرم فيبهته عند الإيذاء بنسبة الجرم إليه مواجهة وليس بجرم. وكونه إثما مبينا لأن الافتراء والبهتان مما يدرك العقل كونه إثما من غير حاجة إلى ورود النهي عنهما شرعا. ( الميزان). ... " يا ايها النبي اذا جاءك المؤمنات يبايعنك على ان لا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن اولادهن ولا ياتين ببهتان يفترينه بين ايديهن وارجلهن ولا يعصينك في معروف فبايعهن واستغفر لهن الله ان الله غفور رحيم " سورة 60 الممتحنة 12.... تفسير الاية قوله تعالى: «يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك» إلخ، تتضمن الآية حكم بيعة النساء المؤمنات للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقد شرطت عليهن في «على أن لا يشركن» إلخ، أمورا منها ما هومشترك بين الصنفين: الرجال والنساء كالتحرز من الشرك ومن معصية الرسول في معروف ومنها ما هوأمس بهن من حيث إن تدبير المنزل بحسب الطبع إليهن وهن السبيل إلى حفظ عفة البيت والحصول على الأنسال وطهارة مواليدهم، وهي التجنب من السرقة والزنا وقتل الأولاد وإلحاق غير أولاد أزواجهن بهم، وإن كانت هذه الأمور بوجه من المشتركات. فقوله: «يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك» شرط جوابه قوله: «فبايعهن واستغفر لهن الله». وقوله: «على أن لا يشركن بالله شيئا» أي من الأصنام والأوثان والأرباب، وهذا شرط لا غنى عنه لإنسان في حال. وقوله: «ولا يسرقن» أي لا من أزواجهن ولا من غيرهم وخاصة من أزواجهن كما يفيده السياق، وقوله: «ولا يزنين» أي باتخاذ الأخدان وغير ذلك وقوله: «ولا يقتلن أولادهن» بالوأد وغيره وإسقاط الأجنة. وقوله: «ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن» وذلك بأن يحملن من الزنا ثم يضعنه وينسبنه إلى أزواجهن فإلحاقهن الولد كذلك بأزواجهن ونسبته إليهم كذبا بهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن لأن الولد إذا وضعته أمه سقط بين يديها ورجليها، ولا يغني عن هذا الشرط شرط الاجتناب عن الزنا لأنهما متغايران وكل مستقل بالنهي والتحريم. وقوله: «ولا يعصينك في معروف» نسب المعصية إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) دون الله مع أنها تنتهي إليه تعالى لأن المراد أن لا يتخلفن بالمعصية عن السنة التي يستنها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وينفذها في المجتمع الإسلامي فيكون ما سنه هوالمعروف عند المسلمين وفي المجتمع الإسلامي. ومن هنا يظهر أن المعصية في المعروف أعم من ترك المعروف كترك الصلاة والزكاة وفعل المنكر كتبرجهن تبرج الجاهلية الأولى. وفي قوله: «إن الله غفور رحيم» بيان لمقتضى المغفرة وتقوية للرجاء. ( الميزان ). البهتان إن تقول في مسلم ما يكرهه ولم يكن فيه، فان كان ذلك في غيبته كان كذبا وغيبة، وإن كان بحضورة كان أشد أنواع الكذب. وعلى أي تقدير، فهوأشد إثماً من الغيبة والكذب قال الله سبحانه: ....... جامع السعادات للنراقي. " ومن يكسب خطيئة وإثماً ثم يرم به بريئاً فقد احتمل بهتاناً وإثماً مبيناً " . وقال رسول الله (ص): " من بهت مؤمناً ومؤمنة، وقال فيه ماليس فيه، أقامه الله على تل من نار، حتى يخرج مما قاله فيه ". وقال الصادق (ع): " من بهت مؤمناً ومؤمنة بما ليس فيه، بعثه الله عز وجل في طينة خبال، حتى يخرج مما قال " قلت: وما طينة خبال؟ قال: "صديد يخرج من فروج المومسات " ثم ما ورد في ذم اللسان وكونه شر الاعضاء ومنبع أكثر المعاصي ـ كما يأتي في موضعه ـ يدل على ذم الغيبة والبهتان، كما يدل على ذم جميع آفات اللسان مما تقدم: من الفحش، واللعن، والطعن، والسخرية، وغير ذلك، وما يأتي: من الكذب، والمزاح، والخوض في الباطل. وفضول الكلام، وغير ذلك. " جامع السعادات الجزء الثاني.. البهتان. النميمة
" هماز مشاء بنميم " سورة 68 القلم الاية 11. تفسير الاية والهماز مبالغة من الهمز والمراد به العياب والطعان، وقيل: الطعان بالعين والإشارة وقيل: كثير الاغتياب. والمشاء بنميم النميم: السعاية والإفساد، والمشاء به هونقال الحديث من قوم إلى قوم على وجه الإفساد بينهم. ( الميزان ). النميمة التي هي النقل من أحد الجانبين. وبالجملة هوبجميع أقسامه مذموم محرم، قال رسول الله (ص): " من كان له وجهان في الدنيا، كان له لسانان من نار يوم القيامة ". وقال (ص): " تجدون من شر عباد الله يوم القيامة ذا الوجهين: الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه ". وقال (ص): " يجيء يوم القيامة ذوالوجهين دالعاً لسان في قفاه وآخر من قدامه يلتهبان ناراً حتى يلتهبان خده. ثم يقال: هذا الذي كان في الدنيا ذا وجهين وذا لسانين، يعرف بذلك يوم القيامة ". وورد في التوراة " بطلت الأمانة والرجل مع صاحبه بشفتين مختلفتين، يهلك الله يوم القيامة كل شفتين مختلفتين ". وعن علي بن اسباط، عن عبد الرحمن بن حماد، رفعه قال: قال الله تبارك وتعالى لعيسى: " يا عيسى، ليكن لسانك في السر والعلانية لساناً واحد، وكذلك قلبك، إني أحذرك نفسك، وكفى بي خبيرا! لا يصلح لسانان في فم واحد، ولا سيفان في غمد واحد، ولا قلبان في صدر واحد، وكذلك الأذهان! ". وقال الباقر (ع): " لبئس العبد عبد يكون ذا وجهين وذا لسانين، يطرى أخاه شاهداً ويأكله غائباً، إن أعطى حسده وان ابتلي خذله ". ( جامع السعادات الجزء الثاني في النفاق ). النميمة تطلق في الأكثر على أن ينم قول الغير إلى المقول فيه، كأن يقال: فلان تكلم فيك بكذا وكذا، وفعل فيك كذا وكذا. وعلى هذا تكون نوعا خاصاً من افشاء السر وهتك الستر، وهوالذي يتضمن فساداً وسعاية. وقد تطلق على مالا يختص بالمقول فيه، بل على كشف ما يكره كشفه، سواء كره المنقول عنه والمنقول إليه وكرهه ثالث، وسواء كان الكشف بالقول والكتابه وبالرمز والإيماء، وسواء كان المنقول من الأعمال ومن الأقوال، وسواء كان ذلك عيباً ونقصانا على المنقول عنه ولم يكن. وعلى هذا يكون مساوية الافشاء السر وهتك الستر وحينئذ فكل ما يرى من أحوال الناس ولم يرضوا بافشائه، فاذاعته نميمة فاللازم على كل مسلم أن يسكت عما يطلع عليه من أحوال غيره، إلا إذا كان في حكايته نفع لمسلم ودفع لمعصية. كما إذا رأى أحداً يتناول مال غيره، فعليه أن يشهد به مراعاة لحق المشهود له، وأما إذا رآه يخفى مالا لنفسه، فحكايته نميمة وافشاء للسر. ( جامع السعادات ). ثم الباعث على النميمة يكون غالباً ارادة السوء بالمحكي عنه، فيكون داخلا تحت الإيذاء، وربما كان باعثه اظهار المحبة للمحكى له، والتفريح بالحديث، والخوض في الفضول. وعلى أي تقدير، لا ريب في أن النميمة أرذل الافعال القبيحة واشنعها. وما ورد في ذمها من الآيات والأخبار لا يحصى كثرة ( باب النميمة جامع السعادات الجزء الثاني ). الغيبة الغيبة ذكر الغير بما يكرهه لوسمعه، فاعلم ان ذلك انما يحرم إذا قصد به هتك عرضه، والتفكه به، واضحاك الناس منه. ( جامع السعادات الجزء الثاني فصل مسوغات الغيبة ). كفارة الغيبة كفارة الغيبة ـ بعد التوبة والندم للخروج عن حق الله ـ أن يخرج من حق من اغتابه. وطريق الخروج من حقه، إن كان ميتا وغائبا لم يكن الوصول إليه، أن يكثر له من الاستغفار والدعاء، ليحسب ذلك يوم القيامة من حسناته ويقابل بها سيئة الغيبة، وإن كان حياً يمكن الوصول إليه ولم تبلغ إليه الغيبة، وكان في بلوغها إليه مظنة العداوة والفتنة، فليكثر له أيضاً من الدعاء والاستغفار، من دون ان يخبره بها، وإن بلغت إليه ولم تبلغه، ولم يكن في بلوغها ظن الفتنة والعداوة، فليستحله متعذراً متأسفاً مبالغاً في الثناء عليه والتودد إليه، واليواظب على ذلك حتى يطيب قلبه ويحله فان لم يطب قلبه من ذلك ولم يحله، كان اعتذاره وتودده حسنة يقابل بها سيئة الغيبة في القيامة. والدليل على هذا التفصيل قول الصادق (ع): " وإن اغتبت فبلغ المغتاب، فاستحل منه، فان لم تبلغه لم تلحقه، فاستغفر الله وذلك لأن في الاستحلال مع عدم البلوغ إليه إثارة للفتنة وجلب الضغائن وفي حكم من لم يبلغه من لم يقدر على الوصول إليه بموت وغيبة، وعلى هذا فقول النبي (ص): " كفارة من اغتبته أن تستغفر له ". محمول على صورة عدم إمكان الوصول إليه، وإمكانه مع ايجاب الاعلام والاستحلال لإثارة الفتنة والعداوة. وقوله (ص): " من كانت لأخيه عنده مظلمة في عرض ومال، فليتحللها منه من قبل أن يأتي يوم ليس هناك دينار ولا درهم، إنما يؤخذ من حسناته، فان لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فزيدت على سيئاته "، محمول على صورة البلوغ، مع عد إيجاب الاعلام والاستحلال فتنة وعداوة. ( جامع السعادات الجزء الثاني في كفارة الغيبة).
" يا ايها الذين امنوا اجتنبوا كثيرا من الظن ان بعض الظن اثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا ايحب احدكم ان ياكل لحم اخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله ان الله تواب رحيم " سورة 49 الحجرات الاية 29. تفسير الاية قوله تعالى: «يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم» إلى آخر الآية المراد بالظن المأمور بالاجتناب عنه ظن السوء فإن ظن الخير مندوب إليه كما يستفاد من قوله تعالى: «لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا»: النور: 12. والمراد بالاجتناب عن الظن الاجتناب عن ترتيب الأثر عليه كان يظن بأخيه المؤمن سوء فيرميه به ويذكره لغيره ويرتب عليه سائر آثاره، وأما نفس الظن بما هونوع من الإدراك النفساني فهوأمر يفاجىء النفس لا عن اختيار فلا يتعلق به النهي اللهم إلا إذا كان بعض مقدماته اختياريا. وعلى هذا فكون بعض الظن إثما من حيث كون ما يترتب عليه من الأثر إثما كإهانة المظنون به وقذفه وغير ذلك من الآثار السيئة المحرمة، والمراد بكثير من الظن - وقد جيء به نكرة ليدل على كثرته في نفسه لا بالقياس إلى سائر أفراد الظن - هوبعض الظن الذي هوإثم فهوكثير في نفسه وبعض من مطلق الظن، ولوأريد بكثير من الظن أعم من ذلك كأن يراد ما يعلم أن فيه إثما وما لا يعلم منه ذلك كان الأمر بالاجتناب عنه أمرا احتياطيا توقيا من الوقوع في الإثم. وقوله: «ولا تجسسوا» التجسس بالجيم تتبع ما استتر من أمور الناس للاطلاع عليها، ومثله التحسس بالحاء المهملة إلا أن التجسس بالجيم يستعمل في الشر والتحسس بالحاء يستعمل في الخير، ولذا قيل: معنى الآية لا تتبعوا عيوب المسلمين لتهتكوا الأمور التي سترها أهلها. وقوله: «ولا يغتب بعضكم بعضا أ يحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه» الغيبة على ما في مجمع البيان ذكر العيب بظهر الغيب على وجه يمنع الحكمة منه، وقد فسرت بتفاسير مختلفة حسب الاختلاف في مصاديقها سعة وضيقا في الفقه، ويئول إلى أن يذكر من الإنسان في ظهر الغيب ما يسوءه لوذكر به ولذا لم يعدوا من الغيبة ذكر المتجاهر بالفسق بما تجاهر به. والغيبة تفسد أجزاء المجتمع واحدا بعد واحد فتسقطها عن صلاحية التأثير الصالح المرجومن الاجتماع وهوأن يخالط كل صاحبه ويمازجه في أمن وسلامة بأن يعرفه إنسانا عدلا سويا يأنس به ولا يكرهه ولا يستقذره، وأما إذا عرفه بما يكرهه ويعيبه به انقطع عنه بمقدار ذلك وضعفت رابطة الاجتماع فهي كالأكلة التي تأكل جثمان من ابتلي بها عضوا بعد عضوحتى تنتهي إلى بطلان الحياة. والإنسان إنما يعقد المجتمع ليعيش فيه بهوية اجتماعية أعني بمنزلة اجتماعية صالحة لأن يخالطه ويمازج فيفيد ويستفاد منه، وغيبته بذكر عيبه لغيره تسقطه عن هذه المنزلة وتبطل منه هذه الهوية، وفيه تنقيص واحد من عدد المجتمع الصالح ولا يزال ينتقص بشيوع الغيبة حتى يأتي على آخره فيتبدل الصلاح فسادا ويذهب الأنس والأمن والاعتماد وينقلب الدواء داء. فهي في الحقيقة إبطال هوية اجتماعية على حين غفلة من صاحبها ومن حيث لا يشعر به، ولوعلم بذلك على ما فيه من المخاطرة لتحرز منه وتوقى انهتاك ستره وهوالستر ألقاه الله سبحانه على عيوب الإنسان ونواقصه ليتم به ما أراده من طريق الفطرة من تألف أفراد الإنسان وتجمعهم وتعاونهم وتعاضدهم، وأين الإنسان والنزاهة من كل عيب. وإلى هذه الحقيقة أشار تعالى فيما ذكره من التمثيل بقوله: «أ يحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه» وقد أتي بالاستفهام الإنكاري ونسب الحب المنفي إلى أحدهم ولم يقل: بعضكم ونحوذلك ليكون النفي أوضح استيعابا وشمولا ولذا أكده بقوله بعد: «فكرهتموه» فنسب الكراهة إلى الجميع ولم يقل: فكرهه. وبالجملة محصله أن اغتياب المؤمن بمنزلة أن يأكل الإنسان لحم أخيه حال كونه ميتا، وإنما كان لحم أخيه لأنه من أفراد المجتمع الإسلامي المؤلف من المؤمنين وإنما المؤمنون إخوة، وإنما كان ميتا لأنه لغيبته غافل لا يشعر بما يقال فيه. وفي قوله: «فكرهتموه» ولم يقل: فتكرهونه إشعار بأن الكراهة أمر ثابت محقق منكم في أن تأكلوا إنسانا هوأخوكم وهوميت فكما أن هذا مكروه لكم فليكن مكروها لكم اغتياب أخيكم المؤمن بظهر الغيب فإنه في معنى أكل أحدكم أخاه ميتا. واعلم أن ما في قوله: «أ يحب أحدكم أن يأكل» إلخ، من التعليل جار في التجسس أيضا كالغيبة، وإنما الفرق أن الغيبة هوإظهار عيب الغير للغير والتوصل إلى الظهور عليه من طريق نقل الغير، والتجسس هوالتوصل إلى العلم بعيب الغير من طريق تتبع آثاره ولذلك لم يبعد أن يكون الجملة أعني قوله: «أ يحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا» إلخ، تعليلا لكل من الجملتين أعني «ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا». واعلم أن في الكلام إشعارا ودلالة على اقتصار الحرمة في غيبة المسلمين، ومن القرينة عليه قوله في التعليل: «لحم أخيه» فالأخوة إنما هي بين المؤمنين. وقوله: «واتقوا الله إن الله تواب رحيم» ظاهره أنه عطف على قوله: «اجتنبوا كثيرا من الظن» إن كان المراد بالتقوى هوالتجنب عن هذه الذنوب التي كانوا يقترفونها بالتوبة إلى الله سبحانه فالمراد بقوله: «إن الله تواب رحيم» أن الله كثير القبول للتوبة رحيم بعباده التائبين إليه اللائذين به. وإن كان هوالتجنب عنها والتورع فيها وإن لم يكونوا يقترفونها فالمراد بقوله: «إن الله تواب رحيم» أن الله كثير الرجوع إلى عباده المتقين بالهداية والتوفيق والحفظ عن الوقوع في مهالك الشقوة رحيم بهم. وذلك أن التوبة من الله توبتان: توبة قبل توبة العبد بالرجوع إليه بالتوفيق للتوبة كما قال تعالى: «ثم تاب عليهم ليتوبوا»: التوبة: 118، وتوبة بعد توبة العبد بالرجوع إليه بالمغفرة وقبول التوبة كما في قوله: «فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه»: المائدة: 39. قوله تعالى: «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم» إلخ، الشعوب جمع شعب بالكسر فالسكون وهوعلى ما في المجمع الحي العظيم من الناس كربيعة ومضر، والقبائل جمع قبيلة وهي دون الشعب كتميم من مضر. وقيل: الشعوب دون القبائل وسميت بها لتشعبها، قال الراغب: الشعب القبيلة المنشعبة من حي واحد، وجمعه شعوب، قال تعالى: «شعوبا وقبائل» والشعب من الوادي ما اجتمع منه طرف وتفرق طرف فإذا نظرت إليه من الجانب الذي تفرق أخذت في وهمك واحدا يتفرق، وإذا نظرت من جانب الاجتماع أخذت في وهمك اثنين اجتمعا فلذلك قيل: شعبت إذا جمعت، وشعبت إذا فرقت. انتهى. ( الميزان ).
الربا
" الذين ياكلون الربا لا يقومون الا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بانهم قالوا انما البيع مثل الربا واحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وامره الى الله ومن عاد فاولئك اصحاب النار هم فيها خالدون " سورة 2 البقرة الاية 275.. تفسير الاية آيات الربا لا تخلوعن ارتباط بما قبلها من آيات الإنفاق في سبيل الله كما يشير إليه قوله تعالى في ضمنها: يمحق الله الربا ويربي الصدقات، وقوله: وأن تصدقوا خير لكم، وكذا ما وقع من ذكره في سورة الروم وفي سورة آل عمران مقارنا لذكر الإنفاق والصدقة والحث عليه والترغيب فيه. على أن الاعتبار أيضا يساعد الارتباط بينهما بالتضاد والمقابلة، فإن الربا أخذ بلا عوض كما أن الصدقة إعطاء بلا عوض، والآثار السيئة المترتبة على الربا تقابل الآثار الحسنة المترتبة على الصدقة وتحاذيها على الكلية من غير تخلف واستثناء، فكل مفسدة منه يحاذيها خلافها من المصلحة منها لنشر الرحمة والمحبة، وإقامة أصلاب المساكين والمحتاجين، ونماء المال، وانتظام الأمر واستقرار النظام والأمن في الصدقة وخلاف ذلك في الربا. وقد شدد الله سبحانه في هذه الآيات في أمر الربا بما لم يشدد بمثله في شيء من فروع الدين إلا في تولي أعداء الدين، فإن التشديد فيه يضاهي تشديد الربا، وأما سائر الكبائر فإن القرآن وإن أعلن مخالفتها وشدد القول فيها فإن لحن القول في تحريمها دون ما في هذين الأمرين، حتى الزنا وشرب الخمر والقمار والظلم، وما هوأعظم منها كقتل النفس التي حرم الله والفساد، فجميع ذلك دون الربا وتولي أعداء الدين. وليس ذلك إلا لأن تلك المعاصي لا تتعدى الفرد والأفراد في بسط آثارها المشئومة، ولا تسري إلا إلى بعض جهات النفوس، ولا تحكم إلا في الأعمال والأفعال بخلاف هاتين المعصيتين فإن لهما من سوء التأثير ما ينهدم به بنيان الدين ويعفي أثره، ويفسد به نظام حياة النوع، ويضرب الستر على الفطرة الإنسانية ويسقط حكمها فيصير نسيا منسيا على ما سيتضح إن شاء الله العزيز بعض الاتضاح. وحيث ساق أكل الربا إلى ادخار الكنوز وتراكم الثروة والسؤدد فجر ذلك إلى الحروب العالمية العامة، وانقسام الناس إلى قسمي المثري السعيد والمعدم الشقي، وبان البين، فكان بلوى يدكدك الجبال، ويزلزل الأرض، ويهدد الإنسانية بالانهدام، والدنيا بالخراب، ثم كان عاقبة الذين أساءوا السوأى. وسيظهر لك إن شاء الله تعالى أن ما ذكره الله تعالى من أمر الربا وتولي أعداء الدين من ملاحم القرآن الكريم. قوله تعالى: الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس، الخبط هوالمشي على غير استواء، يقال خبط البعير إذا اختل جهة مشيه، وللإنسان في حياته طريق مستقيم لا ينحرف عنه، فإنه لا محالة ذوأفعال وحركات في طريق حياته بحسب المحيط الذي يعيش فيه، وهذه الأفعال محفوظة النظام بأحكام اعتقادية عقلائية وضعها ونظمها الإنسان ثم طبق عليها أفعاله الانفرادية والاجتماعية، فهويقصد الأكل إذا جاع، ويقصد الشرب إذا عطش، والفراش إذا اشتهى النكاح، والاستراحة إذا تعب، والاستظلال إذا أراد السكن وهكذا، وينبسط لأمور وينقبض عن أخرى في معاشرته، ويريد كل مقدمة عند إرادة ذيها، وإذا طلب مسببا مال إلى جهة سببه. حال المرابي في أخذه الربا إعطاء الشيء وأخذ ما يماثله وزيادة بالأجل فإن الذي تدعوإليه الفطرة ويقوم عليه أساس حياة الإنسان الاجتماعية أن يعامل بمعاوضة ما عنده من المال الذي يستغني عنه مما عند غيره من المال الذي يحتاج إليه، وأما إعطاء المال وأخذ ما يماثله بعينه مع زيادة فهذا شيء ينهدم به قضاء الفطرة وأساس المعيشة، فإن ذلك ينجر من جانب المرابي إلى اختلاس المال من يد المدين وتجمعه وتراكمه عند المرابي، فإن هذا المال لا يزال ينموويزيد، ولا ينموإلا من مال الغير، فهوبالانتفاص والانفصال من جانب، والزيادة والانضمام إلى جانب آخر. وينجر من جانب المدين المؤدي للربا إلى تزايد المصرف بمرور الزمان تزايدا لا يتداركه شيء مع تزايد الحاجة وكلما زاد المصرف أي نمى الربا بالتصاعد زادت الحاجة من غير أمر يجبر النقص ويتداركه، وفي ذلك انهدام حياة المدين. فالربا يضاد التوازن والتعادل الاجتماعي ويفسد الانتظام الحاكم على هذا الصراط المستقيم الإنساني الذي هدته إليه الفطرة الإلهية. وهذا هوالخبط الذي يبتلي به المرابي كخبط الممسوس، فإن المراباة يضطره أن يختل عنده أصل المعاملة والمعاوضة فلا يفرق بين البيع والربا، فإذا دعي إلى أن يترك الربا ويأخذ بالبيع أجاب إن البيع مثل الربا لا يزيد على الربا بمزية، فلا موجب لترك الربا وأخذ البيع، ولذلك استدل تعالى على خبط المرابين بما حكاه من قولهم: إنما البيع مثل الربا. قوله تعالى: ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربوا، قد تقدم الوجه في تشبيه البيع بالربا دون العكس بأن يقال: إنما الربا مثل البيع فإن من استقر به الخبط والاختلال كان واقفا في موقف خارج عن العادة المستقيمة، والمعروف عند العقلاء والمنكر عندهم سيان عنده، فإذا أمرته بترك ما يأتيه من المنكر والرجوع إلى المعروف أجابك - لوأجاب - إن الذي تأمرني به كالذي تنهاني عنه لا مزية له عليه، ولوقال: إن الذي تنهاني عنه كالذي تأمرني به كان عاقلا غير مختل الإدراك فإن معنى هذا القول: أنه يسلم أن الذي يؤمر به أصل ذومزية يجب اتباعه لكنه يدعي أن الذي ينهى عنه ذومزية مثله، ولم يكن معنى كلامه إبطال المزية وإهماله كما يراه الممسوس، وهذا هوقول المرابي المستقر في نفسه الخبط: إنما البيع مثل الربا، ولوأنه قال: إن الربا مثل البيع لكان رادا على الله جاحدا للشريعة لا خابطا كالممسوس. والظاهر أن قوله تعالى: ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا حكاية لحالهم الناطق بذلك وإن لم يكونوا قالوا ذلك بألسنتهم، وهذا السياق أعني حكاية الحال بالقول، معروف عند الناس. وبذلك يظهر فساد ما ذكره بعضهم: أن المراد بقولهم: إنما البيع مثل الربوا نظمهما في سلك واحد، وإنما قلبوا التشبيه وجعلوا الربا أصلا وشبهوا به البيع للمبالغة كما في قوله: ومهمة مغبرة أرجاؤه. كأن لون أرضه سماؤه. قوله تعالى: وأحل الله البيع وحرم الربوا، جملة مستأنفة بناء على أن الجملة الفعلية المصدرة بالماضي لوكانت حالا لوجب تصديرها بقد. يقال: جاءني زيد وقد ضرب عمرا، ولا يلائم كونها حالا ما يفيده أول الكلام من المعنى، فإن الحال قيد لزمان عامله وظرف لتحققه، فلوكانت حالا لأفادت: أن تخبطهم لقولهم إنما البيع مثل الربا إنما هوفي حال أحل الله البيع وحرم الربا عليهم، مع أن الأمر على خلافه فهم خابطون بعد تشريع هذه الحلية والحرمة وقبل تشريعهما، فالجملة ليست حالية وإنما هي مستأنفة. قوله تعالى: فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله، تفريع على قوله: وأحل الله البيع «إلخ»، والكلام غير مقيد بالربا، فهوحكم كلي وضع في مورد جزئي للدلالة على كونه مصداقا من مصاديقه يلحقه حكمه، والمعنى: أن ما ذكرناه لكم في أمر الربا موعظة جاءتكم من ربكم ومن جاءه موعظة «إلخ» فإن انتهيتم فلكم ما سلف وأمركم إلى الله. ومن هنا يظهر: أن المراد من مجيء الموعظة بلوغ الحكم الذي شرعه الله تعالى، ومن الانتهاء التوبة وترك الفعل المنهي عنه انتهاء عن نهيه تعالى، ومن كون ما سلف لهم عدم انعطاف الحكم وشموله لما قبل زمان بلوغه، ومن قوله: فله ما سلف وأمره إلى الله، إنه لا يتحتم عليهم العذاب الخالد الذي يدل عليه قوله: ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون، فهم منتفعون فيما أسلفوا بالتخلص من هذه المهلكة، ويبقى عليهم: أن أمرهم إلى الله فربما أطلقهم في بعض الأحكام، وربما وضع عليهم ما يتدارك به ما فوتوه. واعلم: أن أمر الآية عجيب، فإن قوله: فمن جاءه موعظة إلى آخر الآية مع ما يشتمل عليه من التسهيل والتشديد حكم غير خاص بالربا، بل عام يشمل جميع الكبائر الموبقة، والقوم قد قصروا في البحث عن معناها حيث اقتصروا بالبحث عن مورد الربا خاصة من حيث العفوعما سلف منه، ورجوع الأمر إلى الله فيمن انتهى، وخلود العذاب لمن عاد إليه بعد مجيء الموعظة، هذا كله مع ما تراه من العموم في الآية. إذا علمت هذا ظهر لك: أن قوله: فله ما سلف وأمره إلى الله لا يفيد إلا معنى مبهما يتعين بتعين المعصية التي جاء فيها الموعظة ويختلف باختلافها، فالمعنى: أن من انتهى عن موعظة جاءته فالذي تقدم منه من المعصية سواء كان في حقوق الله وفي حقوق الناس فإنه لا يؤاخذ بعينها لكنه لا يوجب تخلصه من تبعاته أيضا كما تخلص من أصله من حيث صدوره، بل أمره فيه إلى الله، إن شاء وضع فيها تبعة كقضاء الصلاة الفائتة والصوم المنقوض وموارد الحدود والتعزيرات ورد المال المحفوظ المأخوذ غصبا وربا وغير ذلك مع العفوعن أصل الجرائم بالتوبة والانتهاء، وإن شاء عفا عن الذنب ولم يضع عليه تبعة بعد التوبة كالمشرك إذا تاب عن شركه ومن عصى بنحوشرب الخمر واللهوفيما بينه وبين الله ونحوذلك، فإن قوله: فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى، مطلق يشمل الكافرين والمؤمنين في أول التشريع وغيرهم من التابعين وأهل الأعصار اللاحقة. وأما قوله: ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون، فوقوع العود في هذه الجملة في مقابل الانتهاء الواقع في الجملة السابقة يدل على أن المراد به العود الذي يجامع عدم الانتهاء، ويلازم ذلك الإصرار على الذنب وعدم القبول للحكم وهذا هوالكفر والردة باطنا ولولم يتلفظ في لسانه بما يدل على ذلك، فإن من عاد إلى ذنب ولم ينته عنه ولوبالندم فهوغير مسلم للحكم تحقيقا ولا يفلح أبدا. فالترديد في الآية بحسب الحقيقة بين تسليم الحكم الذي لا يخلوعن البناء على عدم المخالفة وبين الإصرار الذي لا يخلوغالبا عن عدم التسليم المستوجب للخلود على ما عرفت. ومن هنا يظهر الجواب عن استدلال المعتزلة بالآية على خلود مرتكب الكبيرة في العذاب. فإن الآية وإن دلت على خلود مرتكب الكبيرة بل مطلق من اقترف المعصية في العذاب لكن دلالتها مقصورة على الارتكاب مع عدم تسليم الحكم ولا محذور فيه. وقد ذكر في قوله تعالى: فله ما سلف، وفي قوله: وأمره إلى الله، وقوله: ومن عاد «إلخ» وجوه من المعاني والاحتمالات على أساس ما فهمه الجمهور من الآية على ما تقدم لكنا تركنا إيرادها لعدم الجدوى فيها بعد فساد المنشإ. قوله تعالى: يمحق الله الربوا ويربي الصدقات «إلخ»، المحق نقصان الشيء حالا بعد حال، ووقوعه في طريق الفناء والزوال تدريجا، والإرباء الإنماء، والأثيم الحامل للإثم، وقد مر معنى الإثم. وقد قوبل في الآية بين إرباء الصدقات ومحق الربا، وقد تقدم أن إرباء الصدقات وإنمائها لا يختص بالآخرة بل هي خاصة لها عامة تشمل الدنيا كما تشمل الآخرة فمحق الربا أيضا كذلك لا محالة. فكما أن من خاصة الصدقات أنها تنمي المال إنماء يلزمها ذلك لزوما قهريا لا ينفك عنها من حيث إنها تنشر الرحمة وتورث المحبة وحسن التفاهم وتألف القلوب وتبسط الأمن والحفظ، وتصرف القلوب عن أن تهم بالغضب والاختلاس والإفساد والسرقة، وتدعوإلى الاتحاد والمساعدة والمعاونة، وتنسد بذلك أغلب طرق الفساد والفناء الطارئة على المال، ويعين جميع ذلك على نماء المال ودره أضعافا مضاعفة. كذلك الربا من خاصته أنه يمحق المال ويفنيه تدريجا من حيث إنه ينشر القسوة والخسارة، ويورث البغض والعداوة وسوء الظن، ويفسد الأمن والحفظ، ويهيج النفوس على الانتقام بأي وسيلة أمكنت من قول وفعل مباشرة وتسبيبا، وتدعوإلى التفرق والاختلاف، وتنفتح بذلك أغلب طرق الفساد وأبواب الزوال على المال وقلما يسلم المال عن آفة تصيبه، وبلية تعمه. وكل ذلك لأن هذين الأمرين أعني الصدقة والربا مربوطان مماسان بحياة طبقة الفقراء والمعوزين وقد هاجت بسبب الحاجة الضرورية إحساساتهم الباطنية، واستعدت للدفاع عن حقوق الحياة نفوسهم المنكوبة المستذلة، وهموا بالمقابلة بالغا ما بلغت، فإن أحسن إليهم بالصنيعة والمعروف بلا عوض - والحال هذه - وقعت إحساساتهم على المقابلة بالإحسان وحسن النية وأثرت الأثر الجميل، وإن أسيء إليهم بإعمال القسوة والخشونة وإذهاب المال والعرض والنفس قابلوها بالانتقام والنكاية بأي وسيلة، وقلما يسلم من تبعات هذه الهمم المهلكة أحد من المرابين على ما يذكره كل أحد مما شاهد من أخبار آكلي الربا من ذهاب أموالهم وخراب بيوتهم وخسران مساعيهم. إذا عرفت ذلك علمت: أن محقه تعالى للربا في مقابل إربائه للصدقات يختلف لا محالة بين ما كان الفعل فعلا انفراديا كالربا القائم بالشخص فإنه يهلك صاحبه غالبا، وقل ما يسلم منه مراب لوجود أسباب وعوامل خاصة تدفع عن ساحة حياته الفناء والمذلة، وبين ما كان فعلا اجتماعيا كالربا الدائر اليوم الذي يعرفه الملل والدول بالرسمية، ووضعت عليها القوانين، وأسست عليها البنوج فإنه يفقد بعض صفاته الفردية لرضى الجامعة بما شاع فيها وتعارف بينها وانصراف النفوس عن التفكر في معائبه لكن آثاره اللازمة كتجمع الثروة العمومية وتراكمها في جانب، وحلول الفقر والحرمان العمومي في جانب آخر، وظهور الانفصال والبينونة التامة بين القبيلين: الموسرين والمعسرين مما لا ينفك عن هذا الربا وسوف يؤثر أثره السيىء المشئوم، وهذا النوع من الظهور والبروز وإن كنا نستبطئه بالنظر الفردي، وربما لم نعتن به لإلحاقه من جهة طول الأمد بالعدم، لكنه معجل بالنظر الاجتماعي، فإن العمر الاجتماعي غير العمر الفردي، واليوم الاجتماعي ربما عادل دهرا في نظر الفرد. فقوله تعالى يمحق الله الربا ويربي الصدقات يبين حال الربا والصدقة في أثرهما سواء كانا نوعيين وفرديين، والمحق من لوازم الربا لا ينفك عنه كما أن الإرباء من لوازم الصدقة لا ينفك عنها، فالربا ممحوق وإن سمي ربا والصدقة ربا رابية وإن لم تسم ربا، وإلى ذلك يشير تعالى: يمحق الله الربا ويربي الصدقات بإعطاء وصف الربا للصدقات بأقسامها، وتوصيف الربا بوصف يضاد اسمه بحسب المعنى وهوالانمحاق. وبما مر من البيان يظهر ضعف ما ذكره بعضهم: أن محق الربا ليس بمعنى إبطال السعي وخسران العمل بذهاب المال الربوي، فإن المشاهدة والعيان يكذبه، وإنما المراد بالمحق إبطال السعي من حيث الغايات المقصودة بهذا النوع من المعاملة، فإن المرابي يقصد بجمع المال من هذا السبيل لذة اليسر وطيب الحياة وهناء العيش، لكن يشغله عن ذلك الوله بجمع المال ووضع درهم على درهم، ومبارزة من يريد به وبماله وبأرباحه سوءا، والهموم المتهاجمة على نفسه من عداوة الناس وبغض المعوزين له، ووجه ضعفه ظاهر. وكذا ما ذكره آخرون: أن المراد به محق الآخرة وثواب الأعمال التي يعرض عنها المرابي باشتغاله بالربا، والتي يبطلها التصرف في مال الربا كأنواع العبادات، وجه الضعف: أنه لا شك أن ما ذكروه من المحق لكنه لا دليل على انحصاره في ذلك. وكذا ضعف ما استدل به المعتزلة على خلود مرتكب الكبيرة في النار بقوله تعالى: ومن عاد «إلخ»، وقد مر ما يظهر به تقرير الاستدلال والدفع جميعا. قوله تعالى: والله لا يحب كل كفار أثيم، تعليل لمحق الربا بوجه كلي، والمعنى أن آكل الربا كثير الكفر لكفره بنعم كثيرة من نعم الله لستره على الطرق الفطرية في الحياة الإنسانية، وهي طرق المعاملات الفطرية، وكفره بأحكام كثيرة في العبادات والمعاملات المشروعة، فإنه بصرف مال الربا في مأكله ومشربه وملبسه ومسكنه يبطل كثيرا من عباداته بفقدان شرائط مأخوذة فيها، وباستعماله فيما بيده من المال الربوي يبطل كثيرا من معاملاته، ويضمن غيره، ويغصب مال غيره في موارد كثيرة، وباستعمال الطمع والحرص في أموال الناس والخشونة والقسوة في استيفاء ما يعده لنفسه حقا يفسد كثيرا من أصول الأخلاق والفضائل وفروعها، وهوأثيم مستقر في نفسه الإثم فالله سبحانه لا يحبه لأن الله لا يحب كل كفار أثيم. قوله تعالى: إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات «إلخ»، تعليل يبين به ثواب المتصدقين والمنتهين عما نهى الله عنه من أكل الربا بوجه عام ينطبق على المورد انطباقا. قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين خطاب للمؤمنين وأمر لهم بتقوى الله وهوتوطئة لما يتعقبه من الأمر بقوله وذروا ما بقي من الربا، وهويدل على أنه كان من المؤمنين في عهد نزول الآيات من يأخذ الربا، وله بقايا منه في ذمة الناس من الربا فأمر بتركها، وهدد في ذلك بما سيأتي من قوله: فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله الآية. وهذا يؤيد ما سننقله من الرواية في سبب نزول الآية في البحث الروائي الآتي. وفي تقييد الكلام بقوله: إن كنتم مؤمنين إشارة إلى أن تركه من لوازم الإيمان، وتأكيد لما تقدم من قوله: ومن عاد «إلخ»، وقوله: والله لا يحب كل كفار «إلخ». قوله تعالى: فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله، الإذن كالعلم وزنا ومعنى، وقرىء فآذنوا بالأمر من الإيذان، والباء في قوله بحرب لتضمينه معنى اليقين ونحوه، والمعنى: أيقنوا بحرب وأعلموا أنفسكم باليقين بحرب من الله ورسوله، وتنكير الحرب لإفادة التعظيم والتنويع، ونسبة الحرب إلى الله ورسوله لكونه مرتبطا بالحكم الذي لله سبحانه فيه سهم بالجعل والتشريع ولرسوله فيه سهم بالتبليغ، ولوكان لله وحده لكان أمرا تكوينيا، وأما رسوله فلا يستقل في أمر دون الله سبحانه قال تعالى: «ليس لك من الأمر شيء»: آل عمران - 128. والحرب من الله ورسوله في حكم من الأحكام مع من لا يسلمه هوتحميل الحكم على من رده من المسلمين بالقتال كما يدل عليه قوله تعالى: «فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله:» الحجرات - 9، على أن لله تعالى صنعا آخر في الدفاع عن حكمه وهومحاربته إياهم من طريق الفطرة وهوتهييج الفطرة العامة على خلافهم، وهي التي تقطع أنفاسهم، وتخرب ديارهم، وتعفي آثارهم، قال تعالى: «وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا:» الإسراء - 16. قوله تعالى: وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون، كلمة وإن تبتم، تؤيد ما مر أن الخطاب في الآية لبعض المؤمنين ممن كان يأخذ الربا وله بقايا على مدينيه ومعامليه، وقوله: فلكم رءوس أموالكم أي أصول أموالكم الخالصة من الربا لا تظلمون بأخذ الربا ولا تظلمون بالتعدي إلى رءوس أموالكم، وفي الآية دلالة على إمضاء أصل الملك أولا: وعلى كون أخذ الربا ظلما كما تقدم ثانيا: وعلى إمضاء أصناف المعاملات حيث عبر بقوله رءوس أموالكم والمال إنما يكون رأسا إذا صرف في وجوه المعاملات وأصناف الكسب ثالثا. قوله تعالى: وإن كان ذوعسرة فنظرة إلى ميسرة، لفظة كان تامة أي إذا وجد ذوعسرة، والنظرة المهلة، والميسرة اليسار، والتمكن مقابل العسرة أي إذا وجد غريم من غرمائكم لا يتمكن من أداء دينه الحال فانظروه وأمهلوه حتى يكون متمكنا ذا يسار فيؤدي دينه. والآية وإن كانت مطلقة غير مقيدة لكنها منطبقة على مورد الربا، فإنهم كانوا إذا حل أجل الدين يطالبونه من المدين فيقول المدين لغريمه زد في أجلي كذا مدة أزيدك في الثمن بنسبة كذا، والآية تنهى عن هذه الزيادة الربوية ويأمر بالإنظار. قوله تعالى: وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون، أي وإن تضعوا الدين عن المعسر فتتصدقوا به عليه فهوخير لكم إن كنتم تعلمون فإنكم حينئذ قد بدلتم ما تقصدونه من الزيادة من طريق الربا الممحوق من الزيادة من طريق الصدقة الرابية حقا. قوله تعالى: واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله «إلخ»، فيه تذييل لآيات الربا بما تشتمل عليه من الحكم والجزاء بتذكير عام بيوم القيامة ببعض أوصافه الذي يناسب المقام، ويهيىء ذكره النفوس لتقوى الله تعالى والورع عن محارمه في حقوق الناس التي تتكي عليه الحياة، وهوأن أمامكم يوما ترجعون فيه إلى الله فتوفي كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون. وأما معنى هذا الرجوع مع كوننا غير غائبين عن الله، ومعنى هذه التوفية فسيجيء الكلام فيه في تفسير سورة الأنعام إن شاء الله تعالى. وقد قيل: إن هذه الآية: واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون، آخر آية نزلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وسيجيء ما يدل عليه من الروايات في البحث الروائي التالي. بحث روائي في تفسير القمي،: في قوله تعالى: الذين يأكلون الربا الآية، عن الصادق (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): لما أسري بي إلى السماء رأيت قوما يريد أحدهم أن يقوم فلا يقدر أن يقوم من عظم بطنه، فقلت: من هؤلاء يا جبرائيل؟ قال هؤلاء الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس، وإذا هم بسبيل آل فرعون: يعرضون على النار غدوا وعشيا، ويقولون ربنا متى تقوم الساعة. (تفسير الميزان لللعلامة الطباطبائي). أقول: وهومثال برزخي وتصديق لقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): كما تعيشون تموتون وكما تموتون تبعثون. وقد ورد في عقاب الربا روايات كثيرة من طرق الشيعة وأهل السنة، وفي بعضها أنه يعدل سبعين زنية يزنيها المرابي مع أمه. وفي التهذيب، بإسناده عن عمر بن يزيد بياع السابري قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): جعلت فداك إن الناس زعموا أن الربح على المضطر حرام فقال: وهل رأيت أحدا اشترى غنيا وفقيرا إلا من ضرورة؟ يا عمر قد أحل الله البيع وحرم الربا، فاربح ولا ترب. قلت: وما الربا؟ قال: دراهم بدراهم مثلين بمثل، وحنطة بحنطة مثلين بمثل. وفي الفقيه، بإسناده عن عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لا يكون الربا إلا فيما يكال ويوزن. أقول: وقد اختلف فيما يقع فيه الربا على أقوال والذي هومذهب أهل البيت (عليهم السلام)؟ أنه إنما يكون في النقدين وما يكال ويوزن، والمسألة فقهية لا يتعلق منها غرضنا إلا بهذا المقدار. وفي الكافي، عن أحدهما وفي تفسير العياشي، عن الصادق (عليه السلام): في قوله تعالى: فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى الآية، قال الموعظة التوبة. وفي التهذيب، عن محمد بن مسلم قال: دخل رجل على أبي عبد الله (عليه السلام) من أهل خراسان قد عمل بالربا حتى كثر ماله ثم إنه سأل الفقهاء فقالوا ليس يقبل منك شيء حتى ترده إلى أصحابه، فجاء إلى أبي جعفر (عليه السلام) فقص عليه قصته، فقال أبوجعفر (عليه السلام) مخرجك من كتاب الله عز وجل: فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى - فله ما سلف وأمره إلى الله. قال: الموعظة التوبة. وفي الكافي، والفقيه، عن الصادق (عليه السلام): كل ربا أكله الناس بجهالة ثم تابوا فإنه يقبل منهم إذا عرف منهم التوبة: وقال لوأن رجلا ورث من أبيه مالا وقد عرف أن في ذلك المال ربا ولكن قد اختلط في التجارة بغيره فإنه له حلال فليأكله وإن عرف منه شيئا معروفا فليأخذ رأس ماله وليرد الزيادة. وفي الفقيه، والعيون، عن الرضا (عليه السلام): هي كبيرة بعد البيان. قال: والاستخفاف بذلك دخول في الكفر. وفي الكافي،: أنه سئل عن الرجل يأكل الربا وهويرى أنه حلال قال: لا يضره حتى يصيبه متعمدا، فإذا أصابه متعمدا فهوبالمنزلة التي قال الله عز وجل. وفي الكافي، والفقيه، عن الصادق (عليه السلام): وقد سئل عن قوله تعالى: يمحق الله الربا ويربي الصدقات الآية، وقيل: قد أرى من يأكل الربا يربوماله قال: فأي محق أمحق من درهم الربا يمحق الدين وإن تاب منه ذهب ماله وافتقر. أقول: والرواية كما ترى تفسر المحق بالمحق التشريعي أعني: عدم اعتبار الملكية والتحريم وتقابله الصدقة في شأنه، وهي لا تنافي ما مر من عموم المحق. وفي المجمع، عن علي (عليه السلام): أنه قال: لعن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في الربا خمسة: آكله وموكله وشاهديه وكاتبه أقول: وروي هذا المعنى في الدر المنثور، بطرق عنه (صلى الله عليه وآله وسلم). وفي تفسير العياشي، عن الباقر (عليه السلام) قال: قال الله تعالى: أنا خالق كل شيء وكلت بالأشياء غيري إلا الصدقة فإني أقبضها بيدي حتى أن الرجل والمرأة يتصدق بشق التمرة فأربيها له كما يربي الرجل منكم فصيله وفلوه حتى أتركه يوم القيامة أعظم من أحد. وفيه، عن علي بن الحسين (عليهما السلام) عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: إن الله ليربي لأحدكم الصدقة كما يربي أحدكم ولده حتى يلقاه يوم القيامة وهومثل أحد. أقول: وقد روي هذا المعنى من طرق أهل السنة عن عدة من الصحابة كأبي هريرة وعائشة وابن عمر وأبي برزة الأسلمي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم). وفي تفسير القمي،: أنه لما أنزل الله: الذين يأكلون الربا الآية، قام خالد بن الوليد إلى رسول الله وقال يا رسول الله ربا أبي في ثقيف وقد أوصاني عند موته بأخذه فأنزل الله: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله - وذروا ما بقي من الربا الآية. أقول: وروي قريبا منه في المجمع، عن الباقر (عليه السلام). وفي المجمع، أيضا عن السدي وعكرمة قالا: نزلت في بقية من الربا كانت للعباس وخالد بن الوليد وكانا شريكين في الجاهلية يسلفان في الربا إلى بني عمروبن عمير: ناس من ثقيف فجاء الإسلام ولهما أموال عظيمة في الربا فأنزل الله هذه الآية فقال النبي: ألا إن كل ربا من ربا الجاهلية موضوع، وأول ربا أضعه ربا العباس بن عبد المطلب، وكل دم في الجاهلية موضوع، وأول دم أضعه دم ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب كان مرضعا في بني ليث فقتله هذيل. أقول: والروايات في هذه المعاني كثيرة، والمتحصل من روايات الخاصة والعامة أن الآية نزلت في أموال من الربا كانت لبني المغيرة على ثقيف، وكانوا يربونهم في الجاهلية، فلما جاء الإسلام طالبوهم ببقايا كانت لهم عليهم فأبوا التأدية لوضع الإسلام ذلك فرفع أمرهم إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فنزلت الآية. وهذا يؤيد ما قدمناه في البيان: أن الربا كان محرما في الإسلام قبل نزول هذه الآيات ومبينا للناس، وأن هذه إنما تؤكد التحريم وتقرره، فلا يعبأ ببعض ما روي أن حرمة الربا إنما نزلت في آخر عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأنه قبض ولم يبين للناس أمر الربا كما في الدر المنثور، عن ابن جرير وابن مردويه عن عمر بن الخطاب: أنه خطب فقال: من آخر القرآن نزولا آية الربا، وأنه قد مات رسول الله ولم يبينه لنا، فدعوا ما يريبكم إلى ما لا يريبكم. على أن من مذهب أئمة أهل البيت (عليهم السلام): أن الله تعالى لم يقبض نبيه حتى شرع كل ما يحتاج إليه الناس من أمر دينهم وبين ذلك للناس نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم). وفي المجمع، أيضا عن علي (عليه السلام): إذا أراد الله بقرية هلاكا ظهر فيهم الربا. أقول: وقد مر في البيان السابق ما يتبين به معنى هذه الروايات. وفيه،: في قوله تعالى: وإن كان ذوعسرة فنظرة إلى ميسرة الآية قال: واختلف في حد الإعسار فروي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: هوإذا لم يقدر على ما يفضل من قوته وقوت عياله على الاقتصاد. وفيه،: أنه أي إنظار المعسر واجب في كل دين: عن ابن عباس والضحاك والحسن وهوالمروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليه السلام). وفيه،! قال الباقر (عليه السلام): إلى ميسرة معناه إذا بلغ خبره الإمام فيقضي عنه من سهم الغارمين إذا كان أنفقه في المعروف. وفي الكافي، عن الصادق (عليه السلام) قال: صعد رسول الله المنبر ذات يوم فحمد الله وأثنى عليه وصلى على أنبيائه ثم قال: أيها الناس ليبلغ الشاهد منكم الغائب، ألا ومن أنظر معسرا كان له على الله في كل يوم صدقة بمثل ماله حتى يستوفيه، ثم قال أبوعبد الله (عليه السلام): وإن كان ذوعسرة فنظرة إلى ميسرة وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون أنه معسر فتصدقوا عليه بمالكم فهوخير لكم. أقول: والرواية تشتمل على تفسير قوله: إن كنتم تعلمون، وقد مر له معنى آخر، والروايات في هذه المعاني وما يلحق بها كثيرة والمرجع فيها كتاب الدين من الفقه. بحث علمي تقدم مرارا في المباحث السابقة: أن لا هم للإنسان في حياته إلا أن يأتي بما يأتي من أعماله لاقتناء كمالاته الوجودية، وبعبارة أخرى لرفع حوائجه المادية، فهويعمل عملا متعلقا بالمادة بوجه، ويرفع به حاجته الحيوية، فهومالك لعمله وما عمله والعمل في هذا الباب أعم من الفعل والانفعال وكان نسبة ورابطة يرتب عليه الأثر عند أهل الاجتماع أي أنه يخص ما عمل فيه من المادة لنفسه، ويعده ملكا جائز التصرف لشخصه، والعقلاء من أهل الاجتماع يجيزون له ذلك فافهم. لكنه لما كان لا يسعه أن يرفع جميع حوائجه بعمل نفسه وحدة دعي ذلك إلى الاجتماع التعاوني وأن ينتفع كل بعمل غيره وما حازه وملكه غيره بعمله، فأدى ذلك إلى المعاوضة بينهم، واستقر ذلك بأن يعمل الإنسان في باب واحد وفي أبواب معدودة من أبواب العمل ويملك بذلك أشياء ثم يأخذ مقدار ما يرفع به حاجته، ويعوض ما يزيد على حاجته مما ليس عنده من مال الغير، وهذا أصل المعاملة والمعاوضة. غير أن التباين التام بين الأموال والأمتعة من حيث النوع، ومن حيث شدة الحاجة وضعفها، ومن حيث كثرة الوجود وقلته يولد الإشكال في المعاوضة، فإن الفاكهة لغرض الأكل، والحمار لغرض الحمل، والماء لغرض الشرب، والجوهرة الثمينة للتقلد والتختم مثلا لها أوزان وقيم مختلفة في حاجة الحياة، ونسب مختلفة لبعضها إلى بعض. فمست الحاجة إلى اعتبار القيمة بوضع الفلوس والدرهم والدينار، وكان الأصل في وضعه: أنهم جعلوا شيئا من الأمتعة العزيزة الوجود كالذهب مثلا أصلا يرجع إليه بقية الأمتعة والسلعات فكان كالواحد التام من النوع يجعل مقياسا لبقية أفراده كالمثاقيل والمكائيل وغيرهما، فكان الواحد من وجه النقد يقدر به القيمة العامة ويقوم به كل شيء من الأمتعة فيتعين به نسبة كل واحد منها بالنسبة إليه ونسبة بعضها إلى بعض. ثم إنهم لتعميم الفائدة وضعوا آحاد المقاييس للأشياء كواحد الطول من الذراع ونحوه، وواحد الحجم وهوالكيل، وواحد الثقل والوزن كالمن ونحوه، وعند ذلك تعينت النسب وارتفع اللبس، وبان مثلا أن القيراط من الألماس يعدل أربعة من الدنانير والمن من دقيق الحنطة عشر دينار واحد، وتبين بذلك أن القيراط من الألماس يعدل أربعين منا من دقيق الحنطة مثلا وعلى هذا القياس. ثم توسعوا في وضع نقود أخر من أجناس شتى نفيسة ورخيصة للتسهيل والتوسعة كنقود الفضة والنحاس والبرنز والورق والنوط على ما يشرحه كتب الاقتصاد. ثم افتتح باب الكسب والتجارة بعد رواج البيع والشراء بأن تعين البعض من الأفراد بتخصيص عمله وشغله بالتعويض وتبديل نوع من المتاع بنوع آخر لابتغاء الربح الذي هونوع زيادة فيما يأخذه قبال ما يعطيه من المتاع. فهذه أعمال قدمها الإنسان بين يديه لرفع حوائجه في الحياة، واستقر الأمر بالآخرة على أن الحاجة العمومية كأنها عكفت على باب الدرهم والدينار، فكان وجه القيمة كأنه هوالمال كله، وكأنه كل متاع يحتاج إليه الإنسان لأنه الذي يقدر الإنسان بالحصول عليه على الحصول بكل ما يريده ويحتاج إليه مما يتمتع به في الحياة، وربما جعل سلعة فاكتسب عليه كما يكتسب على سائر السلع والأمتعة وهوالصرف. وقد ظهر بما مر: أن أصل المعاملة والمعاوضة قد استقر على تبديل متاع من متاع آخر مغاير له لمسيس الحاجة بالبدل منه كما في أصل المعاوضة، ولمسيس الحاجة إلى الربح الذي هوزيادة في المبدل منه من حيث القيمة، وهذا أعني المغايرة هوالأصل الذي يعتمد عليه حياة المجتمع، وأما المعاملة بتبديل السلعة من ما يماثله في النوع وما يماثله مثلا فإن كان من غير زيادة كقرض المثل بالمثل مثلا فربما اعتبره العقلاء لمسيس الحاجة به وهومما يقيم أود الاجتماع، ويرفع حاجة المحتاج ولا فساد يترتب عليه، وإن كان مع زيادة في المبدل منه وهي الربح فذلك هوالربا، فلننظر ما ذا نتيجة الربا؟ الربا - ونعني به تبديل المثل بالمثل وزيادة كإعطاء عشرة إلى أجل، وإعطاء سلعة بعشرة إلى أجل وأخذ اثنتي عشرة عند حلول الأجل وما أشبه ذلك - إنما يكون عند اضطرار المشتري والمقترض إلى ما يأخذه بالإعسار والإعواز بأن يزيد قدر حاجته على قدر ما يكتسبه من المال كأن يكتسب ليومه في أوسط حاله عشرة وهويحتاج إلى عشرين فيقرض العشر الباقي باثني عشر لغد ولازمه أن له في غده ثمانية وهويحتاج إلى عشرين، فيشرع من هناك معدل معيشته وحياته في الانمحاق والانتقاص ولا يلبث زمانا طويلا حتى تفنى تمام ما يكتسبه ويبقى تمام ما يقترضه، فيطالب بالعشرين وليس له ولا واحد 20 - 0 = المال وهوالهلاك وفناء السعي في الحياة. وأما المرابي فيجتمع عنده العشرة التي لنفسه والعشرة التي للمقترض، وذلك تمام العشرين، فيجتمع جميع المالين في جانب ويخلوالجانب الآخر من المال، وليس إلا لكون الزيادة مأخوذة من غير عوض مالي، فالربا يؤدي إلى فناء طبقة المعسرين وانجرار المال إلى طبقة الموسرين، ويؤدي ذلك إلى تأمر المثرين من المرابين، وتحكمهم في أموال الناس وأعراضهم ونفوسهم في سبيل جميع ما يشتهون ويتهوسون لما في الإنسان من قريحة التعالي والاستخدام، وإلى دفاع أولئك المستخدمين المستذلين عن أنفسهم فيما وقعوا فيه من مر الحياة بكل ما يستطيعونه من طرق الدفاع والانتقام، وهذا هوالهرج والمرج وفساد النظام الذي فيه هلاك الإنسانية وفناء المدنية. هذا مع ما يتفق عليه كثيرا من ذهاب المال الربوي من رأس فما كل مدين تراكمت عليه القروض يقدر على أداء ديونه ويريد ذلك. هذا في الربا المتداول بين الأغنياء وأهل العسرة، وأما الذي بين غيرهم كالربا التجاري الذي يجري عليه أمر البنوك وغيرها كالربا على القرض والاتجار به فأقل ما فيه أنه يوجب انجرار المال تدريجا إلى المال الموضوع للربا من جانب، ويوجب ازدياد رءوس أموال التجارة واقتدارها أزيد مما هي عليها بحسب الواقع، ووقوع التطاول بينها وأكل بعضها، بعضا وانهضام بعضها في بعض، وفناء كل في ما هوأقوى منه فلا يزال يزيد في عدد المحتاجين بالإعسار، ويجتمع الثروة بانحصارها عند الأقلين، وعاد المحذور الذي ذكرناه آنفا. ولا يشك الباحث في مباحث الاقتصاد أن السبب الوحيد في شيوع الشيوعية، وتقدم مرام الاشتراك هوالتراكم الفاحش في الثروة عند أفراد، وتقدمهم البارز في مزايا الحياة، وحرمان آخرين وهم الأكثرون من أوجب واجباتهم، وقد كانت الطبقة المقتدرة غروا هؤلاء الضعفاء بما قرعوا به أسماعهم من ألفاظ المدنية والعدالة والحرية والتساوي في حقوق الإنسانية، وكانوا يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم، ويعنون بها معاني هي في الحقيقة أضداد معانيها، وكانوا يحسبون أنها يسعدهم في ما يريدونه من الإتراف واستذلال الطبقة السافلة والتعالي عليهم، والتحكم المطلق بما شاءوا، وأنها الوسيلة الوحيدة لسعادتهم في الحياة لكنهم لم يلبثوا دون أن صار ما حسبوه لهم عليهم، ورجع كيدهم ومكرهم إلى أنفسهم، ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين، وكان عاقبة الذين أساءوا السوآى، والله سبحانه أعلم بما تصير إليه هذه النشأة الإنسانية في مستقبل أيامها، ومن مفاسد الربا المشئومة تسهيله الطريق إلى كنز الأموال، وحبس الألوف والملايين في مخازن البنوك عن الجريان في البيع والشرى، وجلوس قوم على أريكة البطالة والإتراف، وحرمان آخرين من المشروع الذي تهدي إليه الفطرة وهواتكاء الإنسان في حياته على العمل، فلا يعيش بالعمل عدة لإترافهم، ولا يعيش به آخرون لحرمانهم. الخمر " يسالونك عن الخمر والميسر قل فيهما اثم كبير ومنافع للناس واثمهما اكبر من نفعهما ويسالونك ماذا ينفقون قل العفوكذلك يبين الله لكم الايات لعلكم تتفكرون " سورة 2 البقؤة 219.. قوله تعالى: يسئلونك عن الخمر والميسر، الخمر على ما يستفاد من اللغة هوكل مائع معمول للسكر، والأصل في معناه الستر، وسمي به لأنه يستر العقل ولا يدعه يميز الحسن من القبح والخير من الشر، ويقال: لما تغطي به المرأة رأسها الخمار، ويقال: خمرت الإناء إذا غطيت رأسها، ويقال: أخمرت العجين إذا أدخلت فيه الخمير، وسميت الخميرة خميرة لأنها تعجن أولا ثم تغطى وتخمر من قبل، وقد كانت العرب لا تعرف من أقسامه إلا الخمر المعمول من العنب والتمر والشعير، ثم زاد الناس في أقسامه تدريجا فصارت اليوم أنواعا كثيرة ذات مراتب بحسب درجات السكر، والجميع خمر. والميسر لغة هوالقمار ويسمى المقامر ياسرا والأصل في معناه السهولة سمي به لسهولة اقتناء مال الغير به من غير تعب الكسب والعمل، وقد كان أكثر استعماله عند العرب في نوع خاص من القمار، وهوالضرب بالقداح وهي السهام، وتسمى أيضا: الأزلام والأقلام. ( الميزان ). قوله تعالى: قل فيهما إثم كبير، وقرىء إثم كثير بالثاء المثلثة، والإثم يقارب الذنب وما يشبهه معنى وهوحال في الشيء وفي العقل يبطىء الإنسان عن نيل الخيرات فهوالذنب الذي يستتبع الشقاء والحرمان في أمور أخرى ويفسد سعادة الحياة في جهاتها الأخرى وهذان على هذه الصفة. أما شرب الخمر فمضراته الطبية وآثاره السيئة في المعدة والأمعاء والكبد والرئة وسلسلة الأعصاب والشرايين والقلب والحواس كالباصرة والذائقة وغيرها مما ألف فيه تأليفات من حذاق الأطباء قديما وحديثا، ولهم في ذلك إحصاءات عجيبة تكشف عن كثرة المبتلين بأنواع الأمراض المهلكة التي يستتبعها هذا السم المهلك. وأما مضراته الخلقية: من تشويه الخلق وتأديته الإنسان إلى الفحش، والإضرار والجنايات، والقتل، وإفشاء السر، وهتك الحرمات، وإبطال جميع القوانين والنواميس الإنسانية التي بنيت عليها أساس سعادة الحياة، وخاصة ناموس العفة في الأعراض والنفوس والأموال، فلا عاصم من سكران لا يدري ما يقول ولا يشعر بما يفعل، وقل ما يتفق جناية من هذه الجنايات التي قد ملأت الدنيا ونغصت عيشة الإنسان إلا وللخمر فيها صنع مستقيما وغير مستقيم. وأما مضرته في الإدراك وسلبه العقل وتصرفه الغير المنتظم في أفكار الإنسان وتغييره مجرى الإدراك حين السكر وبعد الصحوفمما لا ينكره منكر وذلك أعظم ما فيه من الإثم والفساد، ومنه ينشأ جميع المفاسد الآخر. والشريعة الإسلامية كما مرت إليه الإشارة وضعت أساس أحكامها على التحفظ على العقل السليم، ونهت عن الفعل المبطل لعمل العقل أشد النهي كالخمر، والميسر، والغش، والكذب، وغير ذلك، ومن أشد الأفعال المبطلة لحكومة العقل على سلامة هوشرب الخمر من بين الأفعال وقول الكذب والزور من بين الأقوال. فهذه الأعمال أعني: الأعمال المبطلة لحكومة العقل وعلى رأسها السياسات المبتنية على السكر والكذب هي التي تهدد الإنسانية، وتهدم بنيان السعادة ولا تأتي بثمرة عامة إلا وهي أمر من سابقتها، وكلما زاد الحمل ثقلا وأعجز حامله زيد في الثقل رجاء المقدرة، فخاب السعي، وخسر العمل، ولولم يكن لهذه المحجة البيضاء والشريعة الغراء إلا البناء على العقل والمنع عما يفسده من اتباع الهوى لكفاها فخرا، وللكلام تتمة سنتعرض لها في سورة المائدة إن شاء الله. ولم يزل الناس بقريحتهم الحيوانية يميلون إلى لذائذ الشهوة فيشبع بينهم الأعمال الشهوانية أسرع من شيوع الحق والحقيقة، وانعقدت العادات على تناولها وشق تركها والجري على نواميس السعادة الإنسانية، ولذلك أن الله سبحانه شرع فيهم ما شرع من الأحكام على سبيل التدريج، وكلفهم بالرفق والإمهال. ومن جملة تلك العادات الشائعة السيئة شرب الخمر فقد أخذ في تحريمه بالتدريج على ما يعطيه التدبر في الآيات المربوطة به فقد نزلت أربع مرات: إحداها: قوله تعالى: «قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق:» الأعراف - 33، والآية مكية حرم فيها الإثم صريحا، وفي الخمر إثم غير أنه لم يبين أن الإثم ما هووأن في الخمر إثما كبيرا. ولعل ذلك إنما كان نوعا من الإرفاق والتسهيل لما في السكوت عن البيان من الإغماض كما يشعر به أيضا قوله تعالى: «ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا:» النحل - 67، والآية أيضا مكية، وكان الناس لم يكونوا متنبهين بما فيه من الحرمة الكبيرة حتى نزلت قوله تعالى: «يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلوة وأنتم سكارى:» النساء - 43، والآية مدنية وهي تمنع الناس بعض المنع عن الشرب والسكر في أفضل الحالات وفي أفضل الأماكن وهي الصلاة في المسجد. والاعتبار وسياق الآية الشريفة يأبى أن تنزل بعد آية البقرة وآيتي المائدة فإنهما تدلان على النهي المطلق، ولا معنى للنهي الخاص بعد ورود النهي المطلق، على أنه ينافي التدريج المفهوم من هذه الآيات فإن التدريج سلوك من الأسهل إلى الأشق لا بالعكس. ثم نزلت آية البقرة أعني قوله تعالى: «ويسئلونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما» وهذه الآية بعد آية النساء كما مر بيانه وتشتمل الآية على التحريم لدلالتها القطعية على الإثم في الخمر «فيهما إثم كبير» وتقدم نزول آية الأعراف المكية الصريحة في تحريم الإثم. ومن هنا يظهر: فساد ما ذكره بعض المفسرين: أن آية البقرة ما كانت صريحة في الحرمة فإن قوله تعالى: «قل فيهما إثم كبير» لا يدل على أزيد من أن فيه إثما والإثم هوالضرر، وتحريم كل ضار لا يدل على تحريم ما فيه مضرة من جهة ومنفعة من جهة أخرى، ولذلك كانت هذه الآية موضعا لاجتهاد الصحابة، فترك لها الخمر بعضهم وأصر على شربها آخرون، كأنهم رأوا أنهم يتيسر لهم أن ينتفعوا بها مع اجتناب ضررها فكان ذلك تمهيدا للقطع بتحريمها فنزل قوله تعالى: «إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان إلى قوله تعالى: فهل أنتم منتهون». وجه الفساد أما أولا: فإنه أخذ الإثم بمعنى الضرر مطلقا وليس الإثم هوالضرر ومجرد مقابلته في الكلام مع المنفعة لا يستدعي كونه بمعنى الضرر المقابل للنفع، وكيف يمكن أخذ الإثم بمعنى الضرر في قوله تعالى: «ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما:» النساء - 47، وقوله تعالى: «فإنه آثم قلبه:» البقرة - 283، وقوله تعالى: «أن تبوء بإثمي وإثمك:» المائدة - 29، وقوله تعالى: «لكل امرىء منهم ما اكتسب من الإثم:» النور - 11، وقوله تعالى: «ومن يكسب إثما فإنما يكسبه على نفسه:» النساء - 111، إلى غير ذلك من الآيات. وأما ثانيا: فإن الآية لم تعلل الحكم بالضرر، ولوسلم ذلك فإنها تعلله بغلبة الضرر على المنفعة، ولفظها صريح في ذلك حيث يقول «وإثمهما أكبر من نفعهما» وإرجاعها مع ذلك إلى الاجتهاد، اجتهاد في مقابل النص. وأما ثالثا: فهب أن الآية في نفسها قاصرة الدلالة على الحرمة لكنها صريحة الدلالة على الإثم وهي مدنية قد سبقتها في النزول آية الأعراف المحرمة للإثم صريحا فما عذر من سمع التحريم في آية مكية حتى يجتهد في آية مدنية!. على أن آية الأعراف تدل على تحريم مطلق الإثم وهذه الآية قيدت الإثم بالكبر ولا يبقى مع ذلك ريب لذي ريب في أن الخمر فرد تام ومصداق كامل للإثم لا ينبغي الشك في كونه من الإثم المحرم، وقد وصف القرآن القتل وكتمان الشهادة والافتراء وغير ذلك بالإثم ولم يصف الإثم في شيء من ذلك بالكبر إلا في الخمر وفي الشرك حيث وصفه بالعظم في قوله تعالى: «ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما:» النساء - 48، وبالجملة لا شك في دلالة الآية على التحريم. ثم نزلت آيتا المائدة: «يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون. إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلوة فهل أنتم منتهون:» المائدة - 91، وذيل الكلام يدل على أن المسلمين لم يكونوا منتهين بعد نزول آية البقرة عن شرب الخمر ولم ينتزعوا عنه بالكلية حتى نزلت الآية فقيل: فهل أنتم منتهون، هذا كله في الخمر. وأما الميسر: فمفاسده الاجتماعية وهدمه لبنيان الحياة أمر مشهود معاين، والعيان يغني عن البيان، وسنتعرض لشأنه في سورة المائدة إن شاء الله. ولنرجع إلى ما كنا فيه من البحث في مفردات الآية فقوله تعالى: قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس، قد مر الكلام في معنى الإثم، وأما الكبر فهوفي الأحجام بمنزلة الكثرة في الأعداد، والكبر يقابل الصغر كما أن الكثرة تقابل القلة، فهما وصفان إضافيان بمعنى أن الجسم والحجم يكون كبيرا بالنسبة إلى آخر أصغر منه وهوبعينه صغير بالنسبة إلى آخر أكبر منه، ولولا المقايسة والإضافة لم يكن كبر ولا صغر كما لا يكون كثرة ولا قلة، ويشبه أن يكون أول ما تنبه الناس لمعنى الكبر إنما تنبهوا له في الأحجام التي هي من الكميات المتصلة وهي جسمانية، ثم انتقلوا من الصور إلى المعاني فاستطردوا معنى الكبر والصغر فيها، قال تعالى: «إنها لإحدى الكبر:» المدثر - 35، وقال تعالى: «كبرت كلمة تخرج من أفواههم:» الكهف - 5، وقال تعالى: «كبر على المشركين ما تدعوهم إليه:» الشورى - 13، والعظم في معناه كالكبر، غير أن الظاهر أن العظمة مأخوذة من العظم الذي هوأحد أجزاء البدن من الحيوان فإن كبر جسم الحيوان كان راجعا إلى كبر العظام المركبة المؤلفة في داخله فاستعير العظم للكبر ثم تأصل فاشتق منه كالمواد الأصلية. والنفع خلاف الضرر ويطلقان على الأمور المطلوبة لغيرها والمكروهة لغيرها كما أن الخير والشر يطلقان على الأمور المطلوبة لذاتها والمكروهة لذاتها، والمراد بالمنافع فيهما ما يقصده الناس بهما من الاستفادات المالية بالبيع والشرى والعمل والتفكه والتلهي، ولما قوبل ثانيا بين الإثم والمنافع بالكبر أوجب ذلك إفراد المنافع وإلغاء جهة الكثرة فيها فإن العدد لا تأثير له في الكبر فقيل: وإثمهما أكبر من نفعهما ولم يقل من منافعهما. ( الميزان ). .. " يا ايها الذين امنوا انما الخمر والميسر والانصاب والازلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون " سورة 5 المائدة الاية90.... " انما يريد الشيطان ان يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل انتم منتهون " سورة 5 المائدة الاية 91.... " الميسر
.... " يا ايها الذين امنوا انما الخمر والميسر والانصاب والازلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون " سورة 5 المائدة الاية90.
النظر المحرم " قل للمؤمنين يغضوا من ابصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك ازكى لهم ان الله خبير بما يصنعون " سورة 24 النور الاية 30.. .. " وقل للمؤمنات يغضضن من ابصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن الا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن الا لبعولتهن وابائهن واباء بعولتهن وابنائهن وابناء بعولتهن واخوانهن وبني اخوانهن وبني اخواتهن ونسائهن وما ملكت ايمانهن والتابعين غير اولي الاربة من الرجال والطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ولا يضربن بارجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن وتوبوا الى الله جميعا ايها المؤمنون لعلكم تفلحون " سورة 24 النور الاية 31.... قوله تعالى: «قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون» الغض إطباق الجفن، على الجفن والأبصار جمع بصر وهوالعضوالناظر، ومن هنا يظهر أن «من» في «من أبصارهم» لابتداء الغاية لا مزيدة ولا للجنس ولا للتبعيض كما قال بكل قائل، والمعنى يأتوا بالغض آخذا من أبصارهم. فقوله: «قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم» لما كان «يغضوا» مترتبا على قوله: «قل» ترتب جواب الشرط عليه دل ذلك على كون القول بمعنى الأمر والمعنى مرهم يغضوا من أبصارهم والتقدير مرهم بالغض إنك إن تأمرهم به يغضوا، والآية أمر بغض الأبصار وإن شئت فقل: نهي عن النظر إلى ما لا يحل النظر إليه من الأجنبي والأجنبية لمكان الإطلاق. وقوله: «ويحفظوا فروجهم» أي ومرهم يحفظوا فروجهم، والفرجة والفرج الشق بين الشيئين، وكنى به عن السوأة، وعلى ذلك جرى استعمال القرآن المليء أدبا وخلقا ثم كثر استعماله فيها حتى صار كالنص كما ذكره الراغب. والمقابلة بين قوله: «يغضوا من أبصارهم» و«يحفظوا فروجهم» يعطي أن المراد بحفظ الفروج سترها عن النظر لا حفظها عن الزنا واللواطة كما قيل، وقد ورد في الرواية عن الصادق (عليه السلام): أن كل آية في القرآن في حفظ الفروج فهي من الزنا إلا هذه الآية فهي من النظر. وعلى هذا يمكن أن تتقيد أولى الجملتين بثانيتهما ويكون مدلول الآية هوالنهي عن النظر إلى الفروج والأمر بسترها. ثم أشار إلى وجه المصلحة في الحكم وحثهم على المراقبة في جنبه بقوله: «ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون». قوله تعالى: «وقل للمؤمنات يغضضن» إلخ، الكلام في قوله: «وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن» نظير ما مر في قوله: «قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم» فلا يجوز لهن النظر إلى ما لا يجوز النظر إليه ويجب عليهن ستر العورة عن الأجنبي والأجنبية. وأما قوله: «ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها» فالإبداء الإظهار، والمراد بزينتهن مواضع الزينة لأن نفس ما يتزين به كالقرط والسوار لا يحرم إبداؤها فالمراد بإبداء الزينة إبداء مواضعها من البدن. وقد استثنى الله سبحانه منها ما ظهر، وقد وردت الرواية أن المراد بما ظهر منها الوجه والكفان والقدمان كما سيجيء إن شاء الله. وقوله: «وليضربن بخمرهن على جيوبهن» الخمر بضمتين جمع خمار وهوما تغطي به المرأة رأسها وينسدل على صدرها، والجيوب جمع جيب بالفتح فالسكون وهومعروف والمراد بالجيوب الصدور، والمعنى وليلقين بأطراف مقانعهن على صدورهن ليسترنها بها. وقوله: «ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن - إلى قوله - وبني أخواتهن» البعولة هم أزواجهن، والطوائف السبع الأخر محارمهن من جهة النسب والسبب، وأجداد البعولة حكمهم حكم آبائهم وأبناء أبناء البعولة حكمهم حكم الأبناء. وقوله: «ونسائهن» في الإضافة إشارة إلى أن المراد بهن المؤمنات من النساء فلا يجوز لهن التجرد لغيرهن من النساء وقد وردت به الروايات عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام). وقوله: «وما ملكت أيمانهن» إطلاقه يشمل العبيد والإماء، وقد وردت به الرواية كما سيأتي إن شاء الله، وهذا من موارد استعمال «ما» في أولي العقل. وقوله: «والتابعين غير أولي الإربة من الرجال» الإربة هي الحاجة، والمراد به الشهوة التي تحوج إلى الازدواج، و«من الرجال» بيان للتابعين، والمراد بهم كما تفسره الروايات البله المولى عليهم من الرجال ولا شهوة لهم. وقوله: «والطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء» أي جماعة الأطفال - واللام للاستغراق - الذين لم يقووا ولم يظهروا - من الظهور بمعنى الغلبة - على أمور يسوء التصريح بها من النساء، وهو- كما قيل - كناية عن البلوغ. وقوله: «ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن» ذلك بتصوت أسباب الزينة كالخلخال والعقد والقرط والسوار. وقوله: «وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون» المراد بالتوبة - على ما يعطيه السياق - الرجوع إليه تعالى بامتثال أوامره والانتهاء عن نواهيه وبالجملة اتباع سبيله. ( الميزان ). السرقة " يا ايها النبي اذا جاءك المؤمنات يبايعنك على ان لا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن اولادهن ولا ياتين ببهتان يفترينه بين ايديهن وارجلهن ولا يعصينك في معروف فبايعهن واستغفر لهن الله ان الله غفور رحيم " سورة 60 الممتحنة الاية 12.. .. " " والسارق والسارقة فاقطعوا ايديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم " سورة 5 المائدة الاية 38.... قوله تعالى: «والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما» الآية الووللاستيناف والكلام في مقام التفصيل فهوفي معنى: «وأما السارق والسارقة» إلخ ولذلك دخل الفاء في الخبر أعني قوله: «فاقطعوا أيديهما» لأنه في معنى جواب أما، كذا قيل. وأما استعمال الجمع في قوله: «أيديهما» مع أن المراد هوالمثنى فقد قيل: إنه استعمال شائع، والوجه فيه: أن بعض الأعضاء وأكثرها في الإنسان مزدوجة كالقرنين والعينين والأذنين واليدين والرجلين والقدمين، وإذا أضيفت هذه إلى المثنى صارت أربعا ولها لفظ الجمع كأعينهما وأيديهما وأرجلهما ونحوذلك ثم اطرد الجمع في الكلام إذا أضيف عضوإلى المثنى وإن لم يكن العضومن المزدوجات كقولهم: ملأت ظهورهما وبطونهما ضربا، قال تعالى: «إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما»: التحريم: 4 واليد ما دون المنكب والمراد بها في الآية اليمين بتفسير السنة، ويصدق قطع اليد بفصل بعض أجزائها وجميعها عن البدن بآلة قطاعة. قوله: «جزاء بما كسبا نكالا من الله» الظاهر أنه في موضع الحال من القطع المفهوم من قوله: «فاقطعوا» أي حال كون القطع جزاء بما كسبا نكالا من الله، والنكال هوالعقوبة التي يعاقب بها المجرم لينتهي عن إجرامه، ويعتبر بها غيره من الناس. وهذا المعنى أعني كون القطع نكالا هوالمصحح لأن يتفرع عليه قوله: «فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه «إلخ» أي لما كان القطع نكالا يراد به رجوع المنكول به عن معصيته فمن تاب من بعد ظلمه توبة ثم أصلح ولم يحم حول السرقة - وهذا أمر يستثبت به معنى التوبة - فإن الله يتوب عليه ويرجع إليه بالمغفرة والرحمة لأن الله غفور رحيم، قال تعالى: «ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وءامنتم وكان الله شاكرا عليما»: النساء: 174. وفي الآية أبحاث أخر كثيرة فقهية للطالب أن يراجع فيها كتب الفقه. ( الميزان ). القتل " يسالونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام واخراج اهله منه اكبر عند الله والفتنة اكبر من القتل ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم ان استطاعوا ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهوكافر فاولئك حبطت اعمالهم في الدنيا والاخرة واولئك اصحاب النار هم فيها خالدون " سورة 2 البقرة الاية 217.. .. " ان الذين يكفرون بايات الله ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يامرون بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب اليم " سورة 3 الاية 21.. قوله: يكفرون، ويقتلون، في موضعين للاستمرار ويدلان على كون الكفر بآيات الله وهوالكفر بعد البيان بغيا، وقتل الأنبياء وهوقتل من غير حق، وقتل الذين يدعون إلى القسط والعدل وينهون عن الظلم والبغي دأبا وعادة جارية فيما بينهم كما يشتمل عليه تاريخ اليهود، فقد قتلوا جمعا كثيرا وجما غفيرا من أنبيائهم وعبادهم الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر وكذا النصارى جروا مجراهم. وقوله: فبشرهم بعذاب أليم تصريح بشمول الغضب ونزول السخط، وليس هوالعذاب الأخروي فحسب بدليل قوله تعالى عقيب الآية: أولئك الذين حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة «الخ» فهم مبشرون بالعذاب الدنيوي والأخروي معا، أما الأخروي فأليم عذاب النار، وأما الدنيوي فهوما لقوه من التقتيل والإجلاء وذهاب الأموال والأنفس، وما سخط الله عليهم بإلقاء العداوة والبغضاء بينهم إلى يوم القيامة على ما تصرح به آيات الكتاب العزيز. وفي قوله تعالى: أولئك الذين حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وما لهم من ناصرين، دلالة أولا: على حبط عمل من قتل رجلا من جهة أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر. وثانيا على عدم شمول الشفاعة له يوم القيامة لقوله: وما لهم من ناصرين. ( الميزان). .. " ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه واعد له عذابا عظيما " سورة 4 الاية 93.. قوله تعالى: «ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم»، التعمد هوالقصد إلى الفعل بعنوانه الذي له، وحيث إن الفعل الاختياري لا يخلومن قصد العنوان وكان من الجائز أن يكون لفعل أكثر من عنوان واحد أمكن أن يكون فعل واحد عمديا من جهة خطائيا من أخرى فالرامي إلى شبح وهويزعم أنه من الصيد وهوفي الواقع إنسان إذا قتله كان متعمدا إلى الصيد خاطئا في قتل الإنسان، وكذا إذا ضرب إنسانا بالعصا قاصدا تأديبه فقتلته الضربة كان القتل قتل خطإ، وعلى هذا فمن يقتل مؤمنا متعمدا هوالذي يقصد بفعله قتل المؤمن عن علم بأنه قتل وأن المقتول مؤمن. وقد أغلظ الله سبحانه وتعالى في وعيد قاتل المؤمن متعمدا بالنار الخالدة غير أنك عرفت في الكلام على قوله تعالى «إن الله لا يغفر أن يشرك به»: النساء: 48 أن تلك الآية، وكذا قوله تعالى «إن الله يغفر الذنوب جميعا»: الزمر: 53 تصلحان لتقييد هذه الآية فهذه الآية توعد بالنار الخالدة لكنها ليست بصريحة في الحتم فيمكن العفوبتوبة وشفاعة. (الميزان). .. " من اجل ذلك كتبنا على بني اسرائيل انه من قتل نفسا بغير نفس وفساد في الارض فكانما قتل الناس جميعا ومن احياها فكانما احيا الناس جميعا ولقد جاءتهم رسلنا بالبينات ثم ان كثيرا منهم بعد ذلك في الارض لمسرفون " سورة 5 الاية 32.. قوله تعالى: «من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس وفساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا» في المجمع:، الأجل في اللغة الجناية، انتهى. وقال الراغب في المفردات:، الأجل الجناية التي يخاف منها آجلا، فكل أجل جناية وليس كل جناية أجلا. يقال: فعلت ذلك من أجله، انتهى. ثم استعمل للتعليل، يقال: فعلته من أجل كذا أي إن كذا سبب فعلي، ولعل استعمال الكلمة في التعليل ابتدأ أولا في مورد الجناية والجريرة كقولنا: أساء فلان ومن أجل ذلك أدبته بالضرب أي إن ضربي ناش من جنايته وجريرته التي هي إساءته ومن جناية هي إساءته، ثم أرسلت كلمة تعليل فقيل: أزورك من أجل حبي لك ولأجل حبي لك. وظاهر السياق أن الإشارة بقوله: «من أجل ذلك» إلى نبأ ابني آدم المذكور في الآيات السابقة أي إن وقوع تلك الحادثة الفجيعة كان سببا لكتابتنا على بني إسرائيل كذا وكذا، وربما قيل: إن قوله: «من أجل ذلك» متعلق بقوله في الآية السابقة: «فأصبح من النادمين» أي كان ذلك سببا لندامته، وهذا القول وإن كان في نفسه غير بعيد كما في قوله تعالى: «كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تتفكرون في الدنيا والآخرة ويسألونك عن اليتامى» الآية: البقرة: 202 إلا أن لازم ذلك كون قوله: «كتبنا على بني إسرائيل» إلخ مفتتح الكلام والمعهود من السياقات القرآنية أن يؤتى في مثل ذلك بووالاستيناف كما في آية البقرة المذكورة آنفا وغيرها. وأما وجه الإشارة في قوله: «من أجل ذلك» إلى قصة ابني آدم فهوأن القصة تدل على أن من طباع هذا النوع الإنساني أن يحمله اتباع الهوى والحسد الذي هوالحنق للناس بما ليس في اختيارهم أن يحمله أوهن شيء على منازعة الربوبية وإبطال غرض الخلقة بقتل أحدهم أخاه من نوعه وحتى شقيقه لأبيه وأمه. فأشخاص الإنسان إنما هم أفراد نوع واحد وأشخاص حقيقة فاردة، يحمل الواحد منهم من الإنسانية ما يحمله الكثيرون، ويحمل الكل ما يحمله البعض وإنما أراد الله سبحانه بخلق الأفراد وتكثير النسل أن تبقى هذه الحقيقة التي ليس من شأنها أن تعيش إلا زمانا يسيرا، ويدوم بقاؤها فيخلف اللاحق السابق ويعبد الله سبحانه في أرضه، فإفناء الفرد بالقتل إفساد في الخلقة وإبطال لغرض الله سبحانه في الإنسانية المستبقاة بتكثير الأفراد بطريق الاستخلاف كما أشار إليه ابن آدم المقتول فيما خاطب أخاه: «ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين» فأشار إلى أن القتل بغير الحق منازعة الربوبية. فلأجل أن من طباع الإنسان أن يحمله أي سبب واه على ارتكاب ظلم يئول بحسب الحقيقة إلى إبطال حكم الربوبية وغرض الخلقة في الإنسانية العامة، وكان من شأن بني إسرائيل ما ذكره الله سبحانه قبل هذه الآيات من الحسد والكبر واتباع الهوى وإدحاض الحق وقد قص قصصهم بين الله لهم حقيقة هذا الظلم الفجيع ومنزلته بحسب الدقة، وأخبرهم بأن قتل الواحد عنده بمنزلة قتل الجميع، وبالمقابلة إحياء نفس واحدة عنده بمنزلة إحياء الجميع. وهذه الكتابة وإن لم تشتمل على حكم تكليفي لكنها مع ذلك لا تخلوعن تشديد بحسب المنزلة والاعتبار، وله تأثير في إثارة الغضب والسخط الإلهي في دنيا وآخرة. وبعبارة مختصرة: معنى الجملة أنه لما كان من طباع الإنسان أن يندفع بأي سبب واه إلى ارتكاب هذا الظلم العظيم، وكان من أمر بني إسرائيل ما كان، بينا لهم منزلة قتل النفس لعلهم يكفون عن الإسراف ولقد جاءتهم رسلنا بالبينات ثم إنهم بعد ذلك في الأرض لمسرفون. وأما قوله: «إنه من قتل نفسا بغير نفس وفساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا» استثنى سبحانه قتل النفس بالنفس وهوالقود والقصاص وهوقوله تعالى: «كتب عليكم القصاص في القتلى»: البقرة: 187 وقتل النفس بالفساد في الأرض، وذلك قوله في الآية التالية: «إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا» الآية. وأما المنزلة التي يدل عليها قوله: «فكأنما» إلخ فقد تقدم بيانه أن الفرد من الإنسان من حيث حقيقته المحمولة له التي تحيا وتموت إنما يحمل الإنسانية التي هي حقيقة واحدة في جميع الأفراد والبعض والكل، والفرد الواحد والأفراد الكثيرون فيه واحد، ولازم هذا المعنى أن يكون قتل النفس الواحدة بمنزلة قتل نوع الإنسان وبالعكس إحياء النفس الواحدة بمنزلة إحياء الناس جميعا، وهوالذي تفيده الآية الشريفة. وربما أشكل على الآية أولا: بأن هذا التنزيل يفضي إلى نقض الغرض فإن الغرض بيان أهمية قتل النفس وعظمته من حيث الإثم والأثر، ولازمه أن تزيد الأهمية كلما زاد عدد القتل، وتنزيل الواحد منزلة الجميع يوجب أن لا يقع بإزاء الزائد على الواحد شيء فإن من قتل عشرا كان الواحدة من هذه المقاتل تعد قتل الجميع، وتبقى الباقي وليس بإزائه شيء. ولا يندفع الإشكال بأن يقال: إن قتل العشرة يعدل عشرة أضعاف قتل الجميع وإن قتل الجميع يعدل قتل الجميع بعدد الجميع لأن مرجعه إلى المضاعفة في عدد العقاب، واللفظ لا يفي ببيان ذلك. على أن الجميع مؤلف من آحاد كل واحد منها يعدل الجميع المؤلف من الآحاد كذلك، ويذهب إلى ما لا نهاية له، ولا معنى للجميع بهذا المعنى، إذ لا فرد واحد له فلا جميع من غير آحاد. على أن الله تعالى يقول: «من جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها»: الأنعام: 106 وثانيا: بأن كون قتل الواحد يعدل قتل الجميع إن أريد به قتل الجميع الذي يشتمل على هذا الواحد كان لازمه مساواة الواحد مجموع نفسه وغيره وهومحال بالبداهة، وإن أريد به قتل الجميع باستثناء هذا الواحد كان معناه من قتل نفسا فكأنما قتل غيرها من النفوس، وهومعنى رديء مفسد للغرض من الكلام وهوبيان غاية أهمية هذا الظلم. على أن إطلاق قوله: «فكأنما قتل الناس جميعا» من غير استثناء يدفع هذا الاحتمال. ولا يندفع هذا الإشكال بمثل قولهم: إن المراد هوالمعادلة من حيث العقوبة ومضاعفة العذاب ونحوذلك وهوظاهر. والجواب عن الإشكالين: أن قوله: «من قتل نفسا - إلى قوله - فكأنما قتل الناس جميعا» كناية عن كون الناس جميعا ذوي حقيقة واحدة إنسانية متحدة فيها، الواحد منهم والجميع فيها سواء، فمن قصد الإنسانية التي في الواحد منهم فقد قصد الإنسانية التي في الجميع كالماء إذا وزع بين أواني كثيرة فمن شرب من أحد الآنية فقد شرب الماء، وقد قصد الماء من حيث إنه ماء - وما في جميع الآنية لا يزيد على الماء من حيث إنه ماء - فكأنه شرب الجميع، فجملة: «من قتل، إلخ» كناية في صورة التشبيه، والإشكالان مندفعان، فإن بناءهما على كون التشبيه بسيطا يزيد فيه وجه الشبه على حسب زيادة المشبه عددا إذ لوسوي حينئذ بين الواحد والجميع فسد المعنى وعرض الإشكال كما لوقيل: الواحد من القوم كالواحد من الأسد والواحد منهم كالجميع في البطش والبسالة. وأما قوله تعالى: «ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا» فالكلام فيه كالكلام في الجملة السابقة، والمراد بالإحياء ما يعد في عرف العقلاء إحياء كإنقاذ الغريق وإطلاق الأسير، وقد عد الله تعالى في كلامه الهداية إلى الحق إحياء قال تعالى: «أ ومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس»: الأنعام: 122 فمن دل نفسا إلى الإيمان فقد أحياها. "قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ النَّارِ ذَاتِ الْوَقُود* إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ* وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ* وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلاَّ أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ * الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ * إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيق" سورة 85 البروج الاية 4. قوله تعالى: «قتل أصحاب الأخدود» إشارة إلى قصة الأخدود لتكون توطئة وتمهيدا لما سيجيء من قوله: «إن الذين فتنوا» إلخ وليس جوابا للقسم البتة. والأخدود الشق العظيم في الأرض، وأصحاب الأخدود هم الجبابرة الذين خدوا أخدودا وأضرموا فيها النار وأمروا المؤمنين بدخولها فأحرقوهم عن آخرهم نقما منهم لإيمانهم فقوله: «قتل» إلخ دعاء عليهم والمراد بالقتل اللعن والطرد. وقيل: المراد بأصحاب الأخدود المؤمنون والمؤمنات الذين أحرقوا فيه، وقوله: «قتل» إخبار عن قتلهم بالإحراق وليس من الدعاء في شيء. ويضعفه ظهور رجوع الضمائر في قوله: «إذ هم عليها» و«هم على ما يفعلون» و«ما نقموا» إلى أصحاب الأخدود، والمراد بها وخاصة بالثاني والثالث الجبابرة الناقمون دون المؤمنين المعذبين. قوله تعالى: «النار ذات الوقود» بدل من الأخدود، والوقود ما يشعل به النار من حطب وغيره، وفي توصيف النار بذات الوقود إشارة إلى عظمة أمر هذه النار وشدة اشتعالها وأجيجها. قوله تعالى: «إذ هم عليها قعود» أي في حال أولئك الجبابرة قاعدون في أطراف النار المشرفة عليها. قوله تعالى: «وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود» أي حضور ينظرون ويشاهدون إحراقهم واحتراقهم. قوله تعالى: «وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله» النقم بفتحتين الكراهة الشديدة أي ما كرهوا من أولئك المؤمنين إلا إيمانهم بالله فأحرقوهم لأجل إيمانهم. قوله تعالى: «العزيز الحميد الذي له ملك السموات والأرض والله على كل شيء شهيد» أوصاف جارية على اسم الجلالة تشير إلى الحجة على أن أولئك المؤمنين كانوا على الحق في إيمانهم مظلومين فيما فعل بهم لا يخفى حالهم على الله وسيجزيهم خير الجزاء، وعلى أن أولئك الجبابرة كانوا على الباطل مجترين على الله ظالمين فيما فعلوا وسيذوقون وبال أمرهم وذلك أنه تعالى هوالله العزيز الحميد أي الغالب غير المغلوب على الإطلاق والجميل في فعله على الإطلاق فله وحده كل الجلال والجمال فمن الواجب أن يخضع له وأن لا يتعرض لجانبه، وإذ كان له ملك السماوات والأرض فهوالمليك على الإطلاق له الأمر وله الحكم فهورب العالمين فمن الواجب أن يتخذ إلها معبودا ولا يشرك به أحد فالمؤمنون به على الحق والكافرون في ضلال. ثم إن الله - وهوالموجد لكل شيء - على كل شيء شهيد لا يخفى عليه شيء من خلقه ولا عمل من أعمال خلقه ولا يحتجب عنه إحسان محسن ولا إساءة مسيء فسيجزي كلا بما عمل. وبالجملة إذ كان تعالى هوالله المتصف بهذه الصفات الكريمة كان على هؤلاء المؤمنين أن يؤمنوا به ولم يكن لأولئك الجبابرة أن يتعرضوا لحالهم ولا أن يمسوهم بسوء. وقال بعض المفسرين في توجيه إجراء الصفات في الآية: إن القوم إن كانوا مشركين فالذي كانوا ينقمونه من المؤمنين وينكرونه عليهم لم يكن هوالإيمان بالله تعالى بل نفي ما سواه من معبوداتهم الباطلة، وإن كانوا معطلة فالمنكر عندهم ليس إلا إثبات معبود غير معهود لهم لكن لما كان مآل الأمرين إنكار المعبود الحق الموصوف بصفات الجلال والإكرام عبر بما عبر بإجراء الصفات عليه تعالى. وفيه غفلة عن أن المشركين وهم الوثنية ما كانوا ينسبون إلى الله تعالى إلا الصنع والإيجاد. وأما الربوبية التي تستتبع التدبير والألوهية التي تستوجب العبادة فكانوا يقصرونها في أربابهم وآلهتهم فيعبدونها دون الله سبحانه، فليس له تعالى عندهم إلا أنه رب الأرباب وإله الآلهة لا غير. قوله تعالى: «إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق» الفتنة المحنة والتعذيب، والذين فتنوا «إلخ» عام يشمل أصحاب الأخدود ومشركي قريش الذين كانوا يفتنون من آمن بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من المؤمنين والمؤمنات بأنواع من العذاب ليرجعوا عن دينهم. قال في المجمع،: يسأل فيقال: كيف فصل بين عذاب جهنم وعذاب الحريق وهما واحد؟ أجيب عن ذلك بأن المراد لهم أنواع العذاب في جهنم سوى الإحراق مثل الزقوم والغسلين والمقامع ولهم مع ذلك الإحراق بالنار انتهى.
المصادر القران الكريم موقع السراج في الطريق الى الله لسماحة الشيخ حبيب الكاظمي لغرض تدقيق الايات القرانية تفسير الميزان للعلامة محمد حسين الطباطبائي الحكيم قدس سره كتاب جامع السعادات لمحمد مهدي النراقي قدس سره الشريف خواطر رمضانية (الخاطرة الرمضانية العشرون) لمحمود الربيعي
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |