السقف الزمني لا يحل مشكلة كركوك

 

 علي توركمن اوغلو

alikerim1966@yahoo.co.nz

لقد اوضحت في المقالات السابقة الفرق في الفلسفة السياسية للتركمان والاكراد، فبينما وضع الاخوة الاكراد هدفا واضحا لسياستهم قسمومها الى مرحلتين،هدف بعيد المدى وهو تأسيس دولة كردية قومية في شمال العراق، وهدف متوسط المدى وهو توسيع الرقعة الجغرافية لادارة الشمال وذلك بالعمل المتواصل بكل الوسائل المتاحة للاستيلاء على عاصمة توركمن ايلي كركوك ومن ثم مدن شمال توركمن ايلي كتلعفر وجنوبه كخانقين، عن طريق تسويق فكرة المهجرين وضرورة تطبيع المنطقة. ولقد نجحوا نجاحا باهرا في خانقين، فضلا عن حصولهم على المادة 140 من الدستور في غفلة من النواب الوطنيين العرب والتركمان على حد سواء. وهنا كانت سياستهم واقعية جدا فكثفوا اغلب جهدهم في بغداد وعملوا وراء الكواليس، تارة مع العرب الشيعة، وتارة مع السنة، وتارة مع الاثنين، وطرحوا طروحات عراقية ومثلوا الدور العراقي اكثر من العراقيين الوطنيين انفسهم!

 ولقد نجح الاخوة الاكراد في استراتيجيتهم التي ابتدعوها منذ الستينيات من القرن العشرين في تقسيم انفسهم الى قسمين، قسم يعمل لتحقيق الهدف الاقصر، حتى وان كلفهم ذلك العمل مع الدولة العراقية وخيانة القضية الكردية في الظاهروالباطن، وتاريخ( الجحافل الخفيفة) الاسود شاهد ومثال لما اقول! وقسم بقي يسكن الجبال عصي على الدولة العراقية يواصل وبأصرار ترديد الخطاب السياسي الكردي المتطرف بتهديد الدولة العراقية والانفصال عنوة عنها، وتأزيم المنطقة، بل حتى انغمسوا مؤخرا في المؤامرات الدولية، وتعاونوا مع هذا الطرف وذلك،   حتى بلغ بهم المقام الىفتح جزء من شمال العراق ليصبح مرتعا امينا لحركات    PKK متطرفة للضغط على دول جارة للعراق معروفة في معارضتها لتأسيس الدولة الكردية  (تركيا ) وذلك للحصول على مزيد من المكاسب للاستراتيجية الكردية متوسطة المدى في ضم كركوك مثلا، وهنا اوضح ما أريد قوله:" مقايضة السلام في جنوب شرق تركيا بالموافقة الاقليمية على سرقة كركوك" اي بجملة اكثر تطرفا (مقايضة الخيانة الكردية لقضية اخوتهم اكراد تركيا مقابل موافقة الاتراك لخيانة قضية اخوتهم من اتراك العراق)!

 اني على يقين بأن السياسين من الاخوة الاكراد قد حددوا بين انفسهم اقصى حد واقعي من المكاسب السياسة التي يسترد  لهم الوضع الحرج والمخلخل في العراق للحصول عليه، ولكنهم اتفقوا بينهم على اعلان حدود تفوق الحد الواقعي الذي يتوقعوه بعشرات المرات، اذ ان خبراتهم السياسية علمتهم بأن التفاوض يعني الحصول على نصف المكاسب، وبما انهم طالبوا في البداية بأضعاف اضعاف مستحقاتهم، فالتنازل سوف يبيح لهم الحصول على الاقل بما يزيد عن الحد الواقعي الذي خططوا للوصول اليه، مستخدمين كل الوسائل والالاعيب السياسية فمارسوا المرونة، والتقدم والتقهقر، وحرب الاعصاب عن طريق تأزييم المواقف ثم تخفيفها، والتصريح لالاف الجرائد والتلفزيونات، الى السكوت المطبق، بل مارسوا التغافل حينما يستدعي الوضع ذلك، والخ...        

 والان ماذا عمل السياسيون والاستراتيجيون التركمان؟ انا سوف لن اجيب هنا واحلل، ليس لاني لااستطيع الجواب، بل واستطيع كتابة مجلدات لما فعلناه كشعب ومثقفغين وكتاب وسياسيين، ولكن سأكتفي ان اورد جملا مختصرة اتمنى ان يختصر الفشل والاخفاق الذي حققناه طيلة السنوات الماضية. فاغلب الشيعة منا نحن التركمان والذين كنا نتوقع منهم ان يشكلوا مجموعة مستقلة تعمل عمل اللوبي التركماني في الائتلاف الشيعي، انصهروا مع التيار الشيعي، مع الاسف، ونسوا تركمانيتهم واداروا بوجوههم نحو قبلتهم في الشرق . والسنة منا في اطراف توركمن ايلي تمعنوا في الغزل مع القوميين العرب، فنسوا تركمانيتهم حتى استحال المتطرفون منهم قاعديون اكثر قاعدية من القاعدة نفسها، ووهابيون اكثر من وهابيي السعودية. اما نحن القوميون فلم ننجح الابرفع يافطة " كركوك تركمانية وستبقى تركمانية للابد"! ولم نفكر بعد ذلك ! لم نسأل انفسنا السؤال التالي: ماذا عن أربيل التي تم الاستيلاء عليها، اليست هي تركمانية ايضا؟  وماذا عن كفري، وطوز خورماتو التي يتم تطويقها بمدن كردية، وطاووق(داقوق) التي لم تسلم من نفس المصير! وتلعفر الجريحة التي تحولت الى فلسطين جديدة! كيف ستبقى كركوك تركمانية ونحن فقدنا مدافننا في المصلى، حيث استولى الاكراد على كل سنتميتر بقي ولم ندفن فيها احبائنا فما أبقوا لنا شبرا ندفن نحن فيه اذا ماشاء القدر وتوفينا ودفنا في كركوك العزيزة!

انا اسأل اليست هذه اللحظات التي نعيشها هي اعصب الساعات !؟ ألم نضيع وقتنا ندق نفس الاسطوانة التقليدية في حب العراق الواحد الاحد، وتعلقنا بالاخوة العرب في كركوك وعقدنا معهم تحالفات، نوهت بهشاشتها عشرات المرات، وهاهم اليوم تركونا ومضوا!

 اني اسأل الم تورطنا مبادءنا وايماننا العميق بحقوق الانسان؟ فلقد بنينا علاقتنا مع التجمع العربي انطلاقا من تلك المبادئ، فلم نوافق على ترحيل الوافدين من الاخوة العرب الى كركوك بنية تعريب مدينتنا التركمانية رغم الضغوطات العظيمة التي تحملناها، فلم نرضخ لنؤيد اعادة الوافدين الى مناطقهم الاصلية شعورا بالمسؤولية تجاه الانسانية .

 وعندما حصل التوافق بين الكتلتين التركمانية والعربية حول تلبية طلباتهما من مجلس المدينة قررتا مقاطعة اجتماعات المجلس المدينة ولغاية الايام الماضية. ولقد كنت انا شخصيا اؤكد في كتاباتي السابقة بان هذه العلاقات سوف لن تدوم ما دامت هناك على الطاولة بعض المطالب التي تخص شعبنا التركماني بالدرجة الاولى، الا وهي اقامة اقليم خاص لمحافظة كركوك، وتثبيت اللغة التركمانية كلغة رسمية بجانب اللغتين العربية والكردية فيها، واصرارنا على ان محافظة كركوك محافظة تركمانية لا جدال فيها، اذ ان هذه المطالب وكما يبدو لا تلبي مطالب الكتلة العربية الذين تعلموا ومنذ تاسيس دولة العراق تهميش التركمان فقط دون الاخوة الاكراد أو بالاحرى انكار وجودهم، وابعادهم من التشكيلات الحكومية .  واليوم ايضا لا يبالي التجمع العربي بحصول التركمان على حقوقهم المشروعة في ظل العراق الجديد، لانهم لاشعوريا على الاقل توارثوا ذلك الارث القديم في ظلم التركمان. وهاهم هرعوا ليتفاهموا مع الاخوة الاكراد الذين لم يهملوا طريقة واحدة في احتقار العرب والحاق الضرر الفادح بهم!

 ولنسمع تصريحات السيد روكان من الكتلة العربية حيث يحاول تبرير خيانتهم للتركمان، ومعانقة الاخوة الاكراد، اذ يدعي انه" كان محجوزا في غرفة ما بقوة السلاح واليوم تمكن من النجاة من هذه الغرفة" ويقول بالحرف الواحد، موجها النصيحة للتركمان كما يبدو "ان الجلوس في الغرفة لا يحل المشكلة بل المفاوضات والحوار يحلان المشكلة!"  واقول له: اخي العزيز لماذا صمتم وجلستم في تلك الغرفة المظلمة لعدة اشهر دون اللجوء الى المفاوضات والحوار حتى يوم رجوعكم الى اجتماعات مجلس المدينة؟ انتم تتكلمون عن الضمانات لتنفيذ مطالبكم المشروعة وتعترف بلسانك بان جميع مطالبكم لم تحقق ولكن خلال السقف الزمني ( لغاية شهر شباط )  اذا لم تنفذ مطالبكم سوف تعيدون النظر ثانية في موقفكم.

وانا بدوري اقول: وكما ان السقف الزمني ( للكتلة العربية )  ليس كفيلا بحل هذه الازمة، ليس ايضا كفيلا بحل الازمة من وجهة نظرنا نحن التركمان الا اذااستطعنا ان نتعلم وبسرعة، مثلما تعلم الاخوة الاكراد من سلسلة اخطائهم السابقة، عدم الجمود في استراتيجية واحدة بل المناورة في الاهداف وفقا للمصالح المتحركة، وان نتعلم كيف نقسم انفسنا الى اقسام عدة كل يتجه بأتجاه معين ولكنه يلتقي في هدف استراتيجي واحد موحد، وليكن تشكيل دولة توركمن ايلي، أو على الاقل اقليم توركمن ايلي هدفنا الاستراتيجي! فكلما كبر الهدف، زاد التحدي وعظم الامل وقرب النجاة، ولكن قبل كل شيئ يجب ان نقرر بأن صياغة المصير التركماني يجب ان يكون في كركوك فقط وليس في مكان اخر!

 العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com