هل تستطيع المواثيق الدولية واللوائح أن تلغي الظلم المسلط على المرأة العراقية

 

سناء صالح /هولندا

sanaelgerawy@hotmail.com

 ما أكثر المواثيق واللوائح الدولية , ففي كل يوم لنا ذكرى بتصديق لائحة أو وثيقة نتبارى فيما بيننا للتمسك بها والدفاع عنها وفي نفس اللحظة نكون قد خرقنا بندا مهما من بنودها ونحن اليوم بصدد وثيقة تطالب بمنع العنف على المرأة وأنا لاأريد أن أنتقص من هذه الوثيقة أو أقلل من أهميتها, ولكن هل أن إعلانها كاف لرفع الحيف عن الكثير من النساء ومنهن العراقيات اللواتي يتعرضن الى أشكال مختلفة من العنف الجسدي والنفسي ومصادرة الحقوق .مالم يرافقها حركة تسهم في رفع الوعي الاجتماعي .

 في مجتمعنا العراقي ومنذ سنوات طويلة ولحد اليوم في الكثير من العوائل سواء في الريف أو المدينة تتعرض المرأة لشتى صنوف الأذى إبتداء من طفولتها موقعها في الأسرة باعتبار دورها هامشيا لايتعدى الأعمال المنزلية وعدم إعطائها حرية الإدلاء برأيها والصمت وطأطأة الرأس حسب المثل الذي كان سائدا (زينة البنت الأدب لابحسن ولا ذهب) وهنا لاأريد أن أدعو الى قلة الأدب فالأدب مطلوب للذكر والأنثى على حد سواء ولكن المقصود هنا الصمت وعدم الرد حتى لو تعرضت للإساءة ,وحينما تكبر ينبغي أن تهيئ نفسها للزوج الذي يختاره الذكور من الأسرة يحددون مصيرها وسعرها ويتحدثون عن مستقبلها وهي الوحيدة التي لاتملك رأيا ولم تقل إلاّ نعم أنت وكيلي . وحينما تحين ساعة خروجها من بيتها الى بيت زوجها قد تكون تخالجها الفرحة في التخلص من ربقة أب أو أخ جائر وقد تحظى بأبن حلال يحترمها ويعطيها مكانة في بيته وقلبه , حتى لحظات الفرح باستقبال حياة جديدة تخنقها أسوار العادات والتقاليد التي تحرم الفتاة من إعلان ابتهاجها وما عليها إلاّ أن تمثل دور الجاهلة الغرة ويتوارى أقاربها من الذكور عن الأعين خجلا وكأنها قد ارتكبت معصية , وعلى النقيض فالفريق المنتصر هو فريق العريس الذي عليه إعلان البهجة والعريس الذي يقدم مختالا واثقا لاصطحاب عروسه كديك رومي .

 ومن الأمور التي لها ضررها الفادح على المرأة هو قانون العشيرة الذي يعتبر المرأة جزءا من تصفية الحسابات فالفصلية والنهوة وزواج الكصة بكصة بسلب المرأة حقها في الحياة وتقرير المصير .

 وعلى الرغم من أن المرأة بعد ثورة الرابع عشر من تموز قد حققت بعض الانتصارات بجهود الرائدات من الحركة النسائية الديمقراطية العراقية في إقرار قوانين تعطي للمرأة بعضا من حقها وأنصفتها وألغت قوانين مجحفة كقانون دعاوى العشائر لكن بمجرد ما قضي على الثورة عادت النعرات والأصوات التي تقف ضد تحرر المرأة تفعل فعلها في المجتمع العراقي فتؤلب وتحرض ضد كل المفاهيم التي ثبتتها ثورة الرابع عشر من تموز. وهذا يدلل على الهوة بين تقدمية القانون وتخلف المجتمع المقيد بالولاء للعشيرة والثقة بأدعياء ومتاجرين بشعارات الدين وحماية المثل

ثم جاء الدكتاتور الذي لعب كالبهلوان على حبال الأيديولوجيات وطوعها لمصالحه الخاصة ليفرض قوانينه المتناقضة إذ زجت النساء في ميدان العمل خلال الحرب العراقية الإيرانية, تعويضا عن غياب الرجال الذين زجهم ضمن جيوشه الجرارة يسيّر بهم طاحونة الحرب والموت , وما أن وضعت الحرب أوزارها ودخل العراق المهزوم نفق الحصار عاد المحاربون الى العمل في ما تبقى من مؤسسات وبقايا دوائر ومصانع وامتصاصا للنقمة أصبح لزاما على المرأة أن تعود للبيت بعد الدمار والخراب وأن يحل الرجل محلّها إذ ارتدى الطاغية مسوح المؤمنين وتسلح بأسماء الله الحسنى, وبدأ ينبش في الدفاتر القديمة ليجد عذرا في استشراء البطالة, فالرئيس المؤمن هو من بدأ عصر الانحطاط بنفخه الروح في قوانين تحرم المرأة من حقوقها ودعاها الى أن تلزم بيتها فالمهندسة والطبيبة والمدرسة حسب وجهة نظره عليها أن تتعلم كيف تخيط وترقع ملابس أطفالها وذلك أفضل من خروجها للعمل وأنفع ,وشجع على العشائرية وأعاد قوانين القبيلة بديلا عن القوانين المتمدنة التي تفرض سلطة القانون إذ كان العراقيون قد اعتادوا عليها وبنى مساجد لايؤمها الناس على حساب مؤسسات تربوية ومعامل تفتح بيوت الناس وتحسن أوضاعهم المعاشية , شبه المرأة بالسيارة هذه الآلة الجامدة في معرض نصائحه الممجوجة السمجة في هلوسته الأخيرة عندما كان يحثهن على الاغتسال مرتين في اليوم وهو القذر متناسيا أن صنابير المياه قد قطعت بسبب مغامراته, حينما كان أسياده يعدون العدة للانقضاض عليه . وهكذا تراجعت المرأة وانكمشت ولزمت دارها وتلفعت برداء أسود خافية معالمها الأنثوية واستمر الحال واستعذبت بعض النساء هذا الوضع وآمنت به خاصة بعد تدني الوضع الاقتصادي وضآلة الرواتب التي لاتفي بمتطلبات المواصلات والملابس للمرأة العاملة فآثرت أن تقبع في دارها وان تكتفي بتربية أبنائها وتدبير أمور المعيشة لأسرتها .

 وبعد سقوط النظام كان هناك أمل لأن تعود المرأة الى ميدان العمل بشكل أوسع لاسيما أن البدايات كانت مشجعة من ارتفاع الرواتب بشكل محسوس وتحسن الوضع المعاشي لشريحة الموظفين مما شجع النساء المستقيلات للعودة أضف الى انتعاش الحركة النسوية بظهور الكثير من المنظمات ا لنسوية التي رفعت شعارات المساواة والمطالبة بمنح فرص متكافئة للمرأة كما كانت البوادر الأولى لتعيين نساء في مراكز عليا وبروز مجموعة كبيرة من النساء من مختلف التيارات احتللن مواقع في الأحزاب التي لم تكن يوما تشجع على مساهمة المرأة سياسيا الاّ أن أول إحباط واجهته النساء العراقيات هو محاولة إلغاء قانون الأحوال الشخصية الذي هو لصالح المرأة بقرار 137 سيء الصيت والأنكى من ذلك هو اقتناع نساء كثيرات بإلغائه وخير دليل حينما قامت تظاهرة نسويه قادتها مجموعة منظمات (شبكة النساء العراقيات) واجهتها على النقيض مجاميع نسويه مؤيدة لإلغاء القانون, وبدأت الأقنعة تزاح فعلى الرغم من نسبة ال25 بالمائة من المقاعد للنساء والتمثيل في البرلمان والمراكز الإدارية بقي دور المرأة هزيلا فالنائبات والوزيرات والمستشارات اللواتي تزدان بهن المؤسسات باستثناء القلة منهن أثبتن عدم الجدارة وأن و جودهن هامشيا وهزيلا ولعل القارئ معي في هذا والدليل خلو الوفود والتحركات السياسية سواء في الداخل أو الخارج من العنصر النسوي وكأن الهدف من إشراك مثل هؤلاء النسوة لإثبات عدم قدرة المرأة على تحمل المسؤولية ولو انتقلنا من الوظائف العليا الى العاملات في المؤسسات دوائر الدولة بوظائف عادية فإن الحالة المأساوية التي تعيشها نساؤنا من حيث انعدام الأمن وانتشار الجريمة والإرهاب والاختطاف أضف الى التهديدات المستمرة والبطالة لانهيار البنية التحتية والفساد الإداري واعتماد المحسوبية والرشى في التعيينات .

 ومن الإجحاف الواقع على المرأة والذي ينتقص من قدرتها في الاعتماد على نفسها والتعامل معها كفاقدة للأهلية هو عدم السماح لشريحة واسعة من النساء من السفر إلاّ بصحبة محرم قد يكون أقل قدرة منها وكفاءة وأصغر سنا

أما الفتاوى التي يصدرها المتخلفون ممن يفسرون القرآن الكريم والأحاديث الشريفة حسب أهوائهم من الجهلة والمرضى نفسيا مهددين النساء من مسلمات ومسيحيات وصابئيات بالالتزام بالحجاب وعدم أظهار الزينة كما رأيناه على منشورات أو مخطوطات على الجدران أو مانسمعه يوميا عن القتل المتعمد للنساء خاصة في مدينة البصرة بحجج وذرائع من تهم الفجور أو ممارسة الدعارة أو ممن تخالف الشرع في إظهار الزينة والسفور, متمادين في غيهم وفي ساديتهم التي تبيح قتل الأنفس التي حرم الله قتلها, أية أفكار هذه أولم يجد هؤلاء شيئا آخر يفتون به وهل أن أمتنا لم يبق لها هم سوى حل أزمة اختلاء المرأة بالرجل أو ماتلبسه المرأة أو ماتتزين به..

. لقد غاب عن هؤلاء وأمثالهم ممن يمنعون المرأة من أن تظهر في المجتمع وتؤدي دورها من أن تربية الأبناء تربية صحيحة تقوم على الصراحة والاعتماد على النفس والثقة فيها وتبيان الخطأ والصواب والشعور بالمسؤولية إنما هي الوسيلة الوحيدة لوقاية المجتمع من الانحراف سواء كان ذكرا أم أنثى . أن كل المواثيق والقوانين الدولية والمحلية التي تطرح مشكلة المرأة وحقوقها وتطرح حلولا لها لابد أن يرافقها تحول في نظرة المجتمع العراقي نفسه الى المرأة وقناعته بقدراتها متمتعا بالوعي الذي يؤهله لفهم القانون وقناعته بجدواه . لنبن مجتمعنا على أسس سليمة قوامها عدم التفرقة بين الجنسين في البيت والمدرسة , لنشجع اختلاطهم تحت أنظارنا ,ونعصمهم بتربيتنا إياهم على المثل الإنسانية نفتح أذهانهم وقلوبهم على حب الحياة وقبول الآخر والعمل المثمر فبهذا تقدمت الأمم .

 إن المنظمات النسوية العراقية الجديرة بأن تأخذ دور التغيير لم تزل لحد الآن على اختلافها من علمانية أو إسلامية دون مستوى مايحدث للمرأة وما تتطلع اليه المرأة العراقية من هذه المنظمات فبقيت قاصرة لم تستوعب الجماهير النسوية العريضة ولم تستطع أن تكسر الحاجز النفسي ووجهة النظر الشعبية الى التجمعات هذه بأنها هياكل فوقية ضعيفة القدرات , باحثة عن المكانة والمركز باسم قضية المرأة .

 إن التعويل على تغيير نظرة المجتمع يعتمد على منظمات نسويه فاعلة تتحرك بين الفئات الواسعة من النساء تتبنى في برامجها مفردات بسيطة سهلة الفهم على النساء والعائلة قابلة للتحقيق وأن تعترف بحجم الظلم الذي وقع على المرأة وأرهق كاهلها مما أدى بها الى هذا الوضع والى التخلف مقارنة بالستينات والسبعينات من القرن الماضي والكف عن استخدام الشعارات البراقة التي لاتتناسب مع وضع المرأة العراقية الراهن والنزول من الأبراج العاجية المقتصرة على النخبة من النساء, الى ميدان العمل الجماهيري الواسع والتحرك حسب الممكن للحد من الظواهر التي تعرض المرأة للخطر وتحط من قيمتها .

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com