|
أذا تجاوز المرء حالات القتلى والاصابات والصدمات وفقدان الاهل التي سببها النزاع المسلح, فأن تكاليف هذا النزاع على المدى الطويل يتسبب بتدمير البنية الاساسية المادية، وفقدان رأس المال البشري، وأنخفاض المدخرات، وهروب رأس المال، وتعطيل النشاط الاقتصادي المنظم وغير المنظم, وتحويل الانفاق الحكومي من الخدمات العامة الى الانفاق العسكري, كما يحصل اليوم في العراق فمصاريف شركات الحماية الخاصة والاجراءات الامنية والانفاق على جهاز الشرطة والمؤسسة العسكرية والحراسات الخاصة وحمايات المؤسسات الحكومية يستنفذ الجزء الاكبر من ميزانية الحكومة العراقية، كل ما ذكرناه أعلاه سيؤثر على الاطفال بشكل مباشر وبطريقة مأسوية في معظم الاحيان سواء أثناء النزاع أو في أعقابه, سواء بفقدانهم لمعيلهم،أو فقدان أسرهم لاعمالها ومدخراتها، أو أصابة معيلهم باعاقة لاتسمح بأعادة توظيفه مرة أخرى،أو تهجيرهم من مناطقهم، ويدفعهم الى سوق العمل دفعا رغم كل مخاطره على حياتهم وصحتهم وأخلاقهم . هذه الظاهرة ليست بجديدة فقد حدثت في كل مناطق النزاعات في العالم، ولكن الظروف التي مر بها العراق منذ عام 1980 وبدء الحرب العراقية الايرانية ومرورا بحرب الخليج الاولى عام 1991، وحرب الخليج الثانية عام 2003 التي انتهت بأحتلال العراق من قبل الولايات المتحدة، وأنتهاءا بأعمال العنف الطائفي والارهاب وأعمال المقاومة المسلحة، سبعة وعشرين عاما من النزاعات المسلحة والحصار فقد فيها ملايين العراقيين حياتهم وأعمالهم وممتلكاتهم، وتركت ملايين العراقيين من الاطفال ايتاما ومعوقين وفقراء, ومثلهم من العراقيات أرامل يسحقهن الفقر،وملايين اخرى من المعوقين والعاطلين عن العمل وبلا موارد تبقيهم على قيد الحياة وبما يحفظ كرامتهم وأنسانيتهم،وملايين مهجرة في داخل وطنها أو خارجه بلا أي موارد،وتدمير البنية التحتية للاقتصاد العراقي، وأستنزاف موارد البلاد في هذه النزاعات . لقد تأثر أطفال العراق بشكل كبير بما مر ببلادهم التي عزلت كثير منهم عن أسرهم ومجتمعاتهم، وتركتهم عرضة لكل أنواع الاستغلال،ودفعت بالكثيرين منهم ليصبحوا محاربين رغما عنهم, أو أن يشاركوا في دعم العمليات المسلحة, بنقل الاخبار، والاسلحة، والمعلومات، النزاع المدني والذي اخذ شكل العنف الطائفي، والارهاب الدولي, واعمال المقاومة وهو نزاع يأخذ شكل نزاع طويل الاجل، ولان النشاط الاقتصادي العادي يصبح غير ممكن في مناطق النزاع, وتظهر هنا أقتصاديات جديدة كوسيلة لبقاء السكان بوجه عام ولتغذية آلة الحرب وأنشطة مضاربة وبعض الانشطة الخاصة غير المشروعة( كالمتاجرة بالاسلحة والمخدرات) وتقوم بها في الغالب المليشيات . في ظل ((أقتصاد النزاعات)) تخلق طلبات جديدة على عمل الاطفال – فالعرض موجود ،أذ يجد يتامى الحروب والاطفال المنفصلون عن عوائلهم وأسرهم أنفسهم دون خيار سوى العمل من أجل البقاء . أن ازدياد عمل الاطفال في الاقتصاد غير المنظم هو أحد نتائج الحرب، وكثيرا ما يقع الاطفال ضحايا(عقوبات فظ)) تفرضها الحكومة مثل منع الاغذية والدواء من الوصول الى مناطق النزاعات، وقطع الماء والكهرباء والخدمات الصحية، ومنع وصول الخدمات الصحية الى هذه المناطق، وقد تفرض هذه العقوبات الجماعات المسلحة على سكان مناطق معينة . وكم آسف لانه لاتوجد أحصائيات عراقية حول مناطق النزاع بما يبين عدد الايتام والاطفال الذين يعيلون أسرهم،او الذين أنفصلوا عن أسرهم ولم يبق أحد من أقاربهم الكبار, أو يبين عدد الاسر التي ترأسها فتيات ليس لهن دخل منتظم ولايحصلن على أي دعم أو مورد مادي، ولم يلتحقن بالمدراس وتعرضن لاسوء أنواع الاستغلال، وكذلك لاتوجد دراسات حول أوضاع المهجرين داخل العراق سواء في المخيمات أو في الاحياء العشوائية التي أقاموها في المحافظات التي انتقلوا أليها . ونشاط الاطفال في مناطق النزاع يصبح أكثر خطورة أثناء أحتدام النزاع وبعده بسبب تحرشات المقاتلين، وخطر التعرض للالغام أو دخولهم ساحات القتال أو خطفهم، وكما يؤثر النزاع المسلح على عمل الاطفال من خلال آثاره على التعليم، بالنظر لان الدولة تفقد سيطرتها الفعلية على الارض، وقد تستهدف العمليات العسكرية الابنية المدرسية والمدرسين خصوصا أذا ما أستخدمت من قبل المسلحين مما يفقد التعليم بنيته الاساسية المدرسة والمدرس ولن نذيع سرا اذا ما قلنا أن مناطق لايستهان بها لايأخذ أبنائها فرصتهم في التعليم لتدمير مدارسهم واغتيال معلميهم، وأسف مرة أخرى أني لست على أطلاع على حجم ونسبة التسرب من المدارس في المناطق الساخنة من العراق . أن الجهود الصادقة لمصالحة وطنية شاملة لاتقصي أحد،وأنسحاب القوات الاجنبية تحت أي مسمى, ودولة تحترم القانون ولاتستثني أحد من الخضوع له كفيل بحل الوضع المتأزم في العراق، وبالتالي نستطيع أن نبدأ بالاعداد لمستقبل مغاير لاطفال العراق وأن نعمل على تخفيف حدة الاثار الكارثية لعقود من الحروب و النزاعات وأن نعزز حقوق الطفل العراقي, وأن نخفف من فقر أسرهم، ونعيد تأهيلهم وأن نؤمن لهم الحصول على قدر كاف من التعليم، نقضي على عمل الاطفال ونعاقب من يستغلهم.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |