مَخاطرٌ على الطريق – 1

 

قاسم محمد الكفائي
عراقي مقيم في كندا
canadainsummer@yahoo.com

هذه هي الحلقة الأولى من حلقاتِنا التي شرعتُ بكتابتِها لأنقل من خلالِها رؤى وتحاليل ومواقف مختلفة هي مخاضُ تجربةٍ موحِشةٍ مساراتهُا كنتُ قد خضتهُا في مَراحلَ من حياتي . وهذه الحلقة اعتنَتْ بفضح المخالفاتِ السرية التي ترتكبها مؤسّسات حكومة آل سعود بشأن الحجاج الوافدين على بيت الله الحرام . فأسم هذه الحلقة هو:

 

مَخاطِرٌ على طريق الحَج

أولُُ مقال ٍ كنتُ قد كتبتهُ عن الحَج كان تحت إسم (الحَجُ بين مَفهومَين، المُحمَّدي والمقلوب) وقد نشرَتهُ جريدة – كلّ شيىء – الصادرة في تورونتو عام 1998 بحسب ذاكرتي . لقد تلته مقالاتٌ أخرى بهذا الخصوص موضحين لكل مسلم وغير مسلم يمتلك روحا سامية، وانساني المواقف بما يفعله آل سعود بالحجاج الوافدين على بيت الله الحرام من قتل متعمَّد، سري الأداء والنيّة .        
وفي هذهِ الأيام ِ المبارَكة يَفِدُ المسلمونَ الراغبونَ بالحَجِّ على أرض الحِجاز حيثُ مرقد الرَسول الأكرم بالمدينةِ   المنوَّرة، والبيتِ العتيق ببَكة . إنَّ يومَ الحَج بمعيارهِ الألهي هو يوم الصَلاح والتغيير في حياةِ المسلم ونفسِه، وهو عملية ُتذكير ٍ بيوم البَعث الأكبر وفق تمارين رياضية رَوحانية، وعبادية يؤديها الحاجّ ُالمؤمنُ ليستوعبَ قيمة َالحَج وأبعادَه . فلو تمَعنّا بتلك القيمة العبادية على أنها قيمة السماء، وعشناها فهما وروحا وإيمانا سنكون قد وفينا بعهدِنا مع الله سبحانه، وقد قطعنا شوطا في تعميم نتائِجها الطيبة على أنفسِنا وعلى الأرض . كذلك لو َبلغَ المسلمُ الحاجّ ُحدَّ الفهْم الصحيح لمفهوم الحج السياسي سيكون قد بلغَ حدَّ الأنفصال ما بينه وبين الركون، والظليمة، والأنحطاط، أو العبودية التي تستندُ عليها عروش الحاكمين المستبدين في العالم الأسلامي الذين هم يتربصونَ لصد المسلم عن أداء دورِه في مثل هذا الموسم الألهي الذي تجتمعُ فيه الأمم المسلمة لتتحاورَ، وتناقشَ جميعَ مشاكلِها وحاجاتِها وأفكارِها، فتتوحّدُ كلمُتها على برَكاتِ عتبة البيت الحرام، ثم تتحرَّك لأصلاح ِ شؤونها على كل الصُعُد. هذا الموسم هو من أشرفِ المواسم العبادية عند الأنسان المسلم، وألطفِها معنى، وأزكاها وسيلة ً للتقرب الى الله بالبراءة من المشركين . بينما نجدهُ نقمة، وبلاءً، ومِعوَلا على عروش الظالمين وهو يُهددُها لأقتلاع  جذورِها، ورمِيها في مزابل تأريخِها الفاسد . بعدَ هذا الفهْم  صوّرَ - آلُ سعود –  مناسكَ الحَج على أنها لونٌ من الهَروَلة، والصراخ، والتعرّي، والطواف . فمثلما وصلَ الحاج الوافد الى مكة يخرج منها ولا يملك غير عَناء السفر والزيارة . كذلك للمخابرات العالمية الفاعلة في مملكة آل سعود دورٌ خبيث ٌ وقذرٌ يعمل على تشويه أبعاد وأدوار هذا الفرض الألهي، وجعلهِ فرضا مُنهَكا وخامِدا، لا تتحرّك فيه السواكن، ولا تبصر فيه العيون، ولا تشعر فيه النفوس سوى بالمشقة والتأسّفِ على أداء الزيارة . هذا الدور تؤديه المؤسسات الرسمية والوهابية صاحبة النفوذ في المملكة أو خارجها . فمنذ ُعَهدٍ قريب، أي في مطلع الثمانينات من القرن الماضي سلكت المباحث ُ السعودية مسلكا آخرَ أكثرَ عداءٍ للهِ والرسول وحجّاج بيت الله الحرام على غرار مُتغيّراتٍ سياسيةٍ إقليميةٍ ظهرَت في تلك المرحلة . فكانَ مَسلكهَا هو قتل  الحجّاج بوسائل ٍغامضة ومدروسةٍ بدقة . فمرة يتهدم جسرٌ فيقتل المئات من المشاة عليه، أو ينهارُ مبنى على ساكنيه فيقتل العشرات، أو بانفجار قنينة غاز في زحام الخيم فيحرق المئات، أو سقوط عشرات القتلى نتيجة التدافع ما بين الحجاج ( عناصر شابة وقوية من المخابرات ومرتزقتهم تفتعل التدافع وسط الحجاج من كبار السن)، أو انهيار نفق . لقد وَّظفوا عناصرَ مرتزقة من بلدان فقيرة لتنفيذ هذا الغرَض، بينما تنفذ ُعناصرٌ من مباحث دول خليجية قسطا من هذه الأساليب . والمُلفِت أن جميعَ هذه الحوادث يتم تحقيقها ما بين مجاميع الحجاج من أندنوسيا والباكستان وبنغلادش وسريلانكا والهند وتايلاند، أو دول أفريقيا على اعتبار أنهم من بلدان ضعيفة تابعة الى حدٍّ ما الى الاقتصاد السياسي للمملكة . فعندما تنتشر العناصر المُخرِبة وتنفذ جرائمَها المُروِّعَة  يحُسّ عمومُ الحجّاج بعدها بالأحباط  وهي تحاولُ المغادرة على وجه السرعة بينما وسائلُ الأعلام تحرّض على ذلك، وتوفر المؤسسات الأخرى سُبلَ المُغادرة السريعة . بهذه الطريقة لا يجدُ الحاج وقتا أو مناخا لعمل شيىء من قبيل اللقاء أو التحاور أو حتى نقل خبر وسَماع آخر . يعود بعضُ الحجاج المقتولين الى ديارهم جثثا هامدة  أو محترِقة، بينما تظهرُ إشاعاتٌ في عموم البلاد التي ينتسبُ اليها الضحية مفادها أن هؤلاء الحجاج سيذهبون الى الجنة لأن الله كتب لهم الوفاة في البيت الحرام، وهذا شأن كبير وعظيم عند الله، (يا ليتنا ما كنا معهم) .

وفي آخر المسرحية هناك مشهدٌ يؤديه المُلحق ُ الثقافي لمملكة آل سعود في بلدان الضحايا . يتلخص بتسليم مظروف الى ذوي الضحية  يحمل رصيدا من المال لا يتجاوز ثلاثين ألف ( روبية )، هدية خادم الحرمين الشريفين الى عائلة الفقيد .

كل هذه تجري وسطَ صخبٍ إعلامي سعودي كيف أن خادم الحرمين الشريفين يرعى ضيوف الرحمن ويسهر على راحتِهم، بينما العمارة التي ُشيِّدت في المسجد النبوي، والبيت الحرام، وما حوله من تقدم مدني رائع توحي للبسطاء أنهم في حِلٍّ ومأمَن من شر أعداء الله ورسوله . يقابل هذا المشهد المروِّع في مكة هو مشهد زيارة الأمام الحسين وأخيه العباس – ع - في يوم العاشر من محرم الحرام في كربلاء المقدسة . عدد الزوار الوافدين على هذه المدينة  يتجاوز الخمسة ملايين انسان في هذه المناسبة من كل عام ( ما بعد زوال نظام صدام )، وهو ضِعف عدد زوار مكة والمدينة . كربلاء متواضعة بخدماتِها، وأمكاناتِها بكلِّ تفاصيلها، أما المناخ العام في عموم البلاد يوحي بحالة من الأنفلات  الأمني . مع هذا الوضع المُرِبك لم  ُتسجَّل أية ُحادثة تشبه الحوادث التي تتصنعُها المباحث السعودية ضد الحجاج بسبب حرص القائمين على سلامة أمن زوار الأمامين . أما حوادث الأرهاب فأمرُها مختلف عن كل ما نطرحه على مائدتنا هذه . فالارهاب حالة شاذة سوف تزول بزوال أسبابها، ولم تكن حالة تصنعها المؤسسات الحكومية، بل مفروضة عليها، وعلى الواقع العراقي، وتقاتلها بضراوة .

بعد كل ما تقدّم نلخص بعض الملاحظات التي تهتم بالحاج العراقي وهو ما يزال على أرض الرسول الأكرم – ص – يؤدي مراسيم الزيارة حتى المغادرة . هذه الملاحظات المعني بها هو رئيس بعثة الحج العراقية:

أولا : خلق مناخ عبادي مريح يؤدي من خلاله الحاج مناسكَ حَجِّهِ  وعلى الخصوص زيارته لقبر النبي – ص -، وأئمة البقيع – ع - . أيضا فتح باب الحوار مع المعنيين من آل سعود بشأن إقامة الأضرحة على قبور الأئمة المعصومين .

ثانيا : عقد مؤتمرات عامة تقوم بها بعثتنا في المدينة المنورة وفي مكة غرضها فضح أصول الأرهاب المستشري في العراق وأساليبه في الصراع القائم وفضائحه .

ثالثا : العمل على توضيح مبدأ الأخوة القائمة ما بين كل الطوائف في العراق كرَدّ على كل الأبواق التي تغرد بلحن الصراع الطائفي وليس السياسي .

رابعا : بعد التنسيق مع البعثات الأسلامية الأخرى، مطالبة حكومة آل سعود  بتقديم علماء السوء التكفيرين والمفتين باهدار الدم العراقي الى محكمةٍ دولية أو اسلامية خارج حدود المملكة مختصةٍ بجرائمِهم، والعمل على ِفضحِهم والتنسيق مع البعثات الأخرى لمكافحة معتقداتِهم .

خامسا : العمل على توثيق أقدس العلاقات مع البعثات الأخرى والتحاور معهم، مع وضع برنامج للتواصل والتقارب .

سادسا : رفع معنويات الحاج العراقي بتوطيد العلاقة ما بينه وبين القائمين على البعثة، وخلق مناخ الثقة بنفسه كوسيلة للثبات أمام أية مناخات تخلقها عناصر المخابرات المعادية للتقليل من شأنه وضرب شخصيته .

سابعا : الرد سريعا وفق الأصول وبحزم على أية تجاوزات تقوم بها عناصر مشبوهة ضد الحاج العراقي أو ضد سمعة العراق أو جهاز البعثة .

ومن خلال هذا المنبر الأعلامي ننصح حكومة آل سعود بعدم الأساءة الى الحاج العراقي . فلا تفجير اسطوانة غاز، ولا حريق في الخيام، ولا إنهيار مبنى، (ولا قرش قلب يمشي بعد اليوم).   
 

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com