العلاقات العراقية الامريكية

 

 نعيم العكيلي

naem_1111@yahoo.com

المعروف على الاجمال، ان العراق ومنذ عام اواخر عام 1990 حتى سقوط النظام الدكتاتوري مرت علاقاته مع الولايات المتحدة بكثير من التوتر، كما شهدت صفحات من التصعيد العسكري . وانتهت تلك العلاقة الممزوجة بالسمن والعسل بين نظام صدام والادارة الامريكية والتي كانت قائمة خلال الحرب على ايران بعد غزوه الكويت 0 ومع سقوط نظام صدام وقع العراق تحت الاحتلال، وقد شرعنت الامم المتحدة هذا الاحتلال عبر قرارات دولية اصدرها مجلس الامن فاصبحت الولايات المتحدة اللاعب الاكبر في الساحة العراقية ساعدها في ذلك كثير من الاسباب ابرزها الهجمة الارهابية التي جعلت العراق بامس الحاجة الى قوات منظمة ومدربة لمواجهته 0 ومع تصاعد القوة العراقية واكتمال صيرورة العراق الجديد عبر اهم مؤسساته وهي الحكومة والبرلمان والدستور, اصبح العراقيون يتطلعون الى رسم خريطة العلاقات مع الولايات المتحدة والمجتمع الدولي من جديد بعيدا عن اسقاطات مرحلة صدام والاحتلال . 

لتلبية هذه التطلعات جاء اتفاق المبادىء الاولي الذي وقعه رئيس الوزراء نوري المالكي والرئيس الامريكي جورج بوش الشهر الماضي . وهو اتفاق اولي غير ملزم كما وصف، ويعني ذلك ان ماورد فيه قابل للتغيير في المفاوضات التفصيلية والتي ستبدأ مطلع العام 2008 والمقدر لها ان تنتهي في منتصف تموز من العام نفسه . الاتفاق تناول ثلاثة مجالات اساسية في العلاقات المستقبلية مع الولايات المتحدة هي :

1 - المجال السياسي: وركز العراق فيه على ضرورة دعم الولايات المتحدة لمطلبه في الخروج من احكام الفصل السابع لميثاق الامم المتحدة التي فرضت عليه في القرار الدولي 661 في عام 1990 بعد غزوه الكويت 0 احكام الفصل السابع جعلت العراق منقوص السيادة لايتصرف بشؤونه الامنية, ولايتحكم بوارداته الاقتصادية، كما فرضت عليه عزلة ديبلوماسية كاملة، وكل ذلك باعتبار العراق يمثل تهديدا للامن والسلم الدوليين . اذن حجر الزاوية في فك العزلة الدولية عن العراق واستعادة السيادة كاملة هو الخروج من احكام الفصل السابع، وقد اتخذت الحكومة برئاسة الاخ نوري المالكي قرارها بانها لن تطلب التجديد للقوات الدولية في العراق مالم يكن هذا التجديد هو الاخير ومالم تتعهد الولايات المتحدة ومجلس الامن بابطال القرار 661 وكل ماينتقص من السيادة العراقية . ان خروج العراق من ولاية الامم المتحدة وسلطة مجلس الامن يعني استعادته لحريته في التصرف بموارده، وحريته في علاقاته الديبلوماسية، وحريته في توريد السلاح والمعدات الحربية لقواته المسلحة، وكل هذا ليس باستطاعة الحكومة الوطنية العمل به مالم يحسم الموقف في طبيعة العلاقة مع مجلس الامن . ومعلوم للجميع قدرة الولايات المتحدة ونفوذها في مجلس الامن وليس امام الحكومة العراقية غير التنسيق وترسيم حدود العلاقات مع واشنطن لتنعكس تعاونا ايجابيا في تفكيك الطوق المضروب على العراق منذ عام 1990 بسبب السياسات الحمقاء للنظام البائد .

 كما تضمن المجال السياسي من الاتفاق الالتزام بعراق ديمقراطي اتحادي حر الارادة، وان لا ارادة فوق الدستور الذي صوت عليه الشعب، وهذا يعني ان اية علاقة مستقبلية مع الولايات المتحدة لن تحددها مجموعات او احزاب تعمل على الانقضاض على الدستور والتجربة الديمقراطية العراقية. كما نص الاتفاق في هذا المجال (المجال السياسي) على ان تقدم الولايات المتحدة الدعم الكامل للعراق  للانخراط في المنظمات والمؤسسات الدولية والاقليمية .    

1-  المجال الاقتصادي : ان الوضع الاقتصادي للعراق ومنذ تسلط نظام صدام واشعاله الحرب الكارثية على ايران وضع لايحسد عليه، ويكفي ان نذكر هنا ان الدينار العراقي قبيل وصول صدام الى هرم السلطة كان يساوي ثلاثة دولارات وعندما سقط من ذلك الهرم المتهرىء كان الدولار الواحد يعادل الفي دينار، ومن هذا المثال الذي يعرفه الجميع ممن عاشوا بداية حكم صدام ان العراق لم يكن لديه اقتصاد ولم يكن لديه تخطيط اقتصادي بالمعنى العلمي، وانما كان بلدا يعيش على الديون والرشا والهبات التي كانت تقدمها الدول المستفيدة من حربه على ايران . الوضع الذي كان يعيشه العراق وقت سقوط نظام صدام كان كالاتي :

أ‌-  اكثر من 130 مليار دولار مديونية لدول العالم انفقت على الالة العسكرية والاجهزة الامنية .

ب‌-  بنية صناعية وزراعية تحتية مدمرة تماما.

ت‌-  عملة ورقية محلية الصنع غير معترف بها دوليا وغير قابلة للتصريف .

ث‌- فساد اداري ومالي شامل حتى وصل الى عمق الاجهزة الامنية التي كان يفترض ان تكون بعيدة عن هذه الافة لما كانت تتمتع به من امتيازات ومنح .

ج‌-  بطالة واسعة في صفوف الطبقة القادرة على العمل ادت الى نزوح جماعي نحو العاصمة بغداد, خصوصا من المحافظات الجنوبية التي تعمد النظام افقارها بعد قمعها اثر الانتفاضة الشعبانية, كما رافق هذا النزوح الداخلي هجرة للعقول العلمية والثقافية والايدي العاملة الشابة الى الخارج .

ح‌-  رافق كل ذلك المشهد الداخلي المأساوي, تجميد الارصدة العراقية في الخارج والحجر عليها وتحكم مجلس الامن بواردات النفط عبر صندوق تأسس لهذا الغرض .

هذه الكارثة واجهها العهد الجديد بصبر وعمل وتخطيط مع شدة الهجمة الارهابية وشدة التناحر السياسي، فكان من التخطيط المبرمج ماتضمنه اتفاق المبادىء الاولي مع الولايات المتحدة وهي الدولة ذات القوة الاقتصادية في العالم اليوم . فتضمن الاتفاق في المجال الاقتصادي دعم العراق للنهوض في مختلف المجالات الاقتصادية وتطوير قدراته الانتاجية ومساعدته في الانتقال الى اقتصادالسوق . كما تضمن المساعدة في دعم الاطراف المختلفة على الالتزام بتعهداتها تجاه العراق كما وردت في العهد الدولي وتوفير كل مايلزم لبناء اقتصاده ومؤسساته الانتاجية الى جانب اطفاء الديون المترتبة من عهد الدكتاتورية وتشجيع تدفق الاستثمارات الاجنبية واعتبار العراق من الدول الاولى بالرعاية في السوق العالمية ومساعدته في الانضمام الى منظمة التجارة الدولية  . ان الخطوط العريضة للاتفاق في المجال الاقتصادي كفيلة وفي غضون فترة قليلة باستعادة العراق لعافيته الاقتصادية، خصوصا وانه يتميز بمخزون نفطي كبير وثروات مائية عظيمة وايدي عاملة وفيرة .

3 – المجال الامني: لاشك ان العراق وبسبب الظروف التي يمر بها من ضعف بنيته العسكرية وبداية تشكل اجهزته الامنية الناشئة يتهدده خطران لايمكن التقليل منهما وهما التهديدات الخارجية والتلويح بالقوة العسكرية لتحقيق اطماع اقتصادية اوفرض رؤى وواقع استراتيجي جديد عليه كما هو الحال في ازمة حزب العمال الكردستاني التركي وما صاحب ذلك من تهديدات باجتياح عسكري وتهديدات داخلية تظهر باعمال ارهابية او فوضى مليشيات او انقلاب عسكري يقضي على كل انجازات الشعب وقواه المخلصة . ان مواجهة هذه التهديدات تقتضي بناء قوات مسلحة كفوءة وقادرة على القيام برد فعل قوي ولما كان مثل هذه القوة غير متاحة على اكمل وجه تبقى الحاجة الى دعم القوات الامريكية قائمة في هذا المجال في المدى المنظور، والمتابع لملف الازمة مع تركيا لايمكن ان يقفز على الدور الامريكي في لجم العسكرتاريا التركية ومنعها من اجتياح شمال العراق بحجة مطاردة عناصر حزب العمال . ولكن يبقى التنبيه الى ان الحاجة الى الدعم الامريكي يجب ان تبقى محسوبة بالزمة وتحديد الاطر التي تتم فيها لكي لاتكون مستنسخة من فترة الاحتلال والتفرد بادارة الملف الامني العراقي، ومن هذه الرؤية حددت اتفاقية المبادىء هذه الاطر في المجال الامني بردع اي عدوان خارجي يستهدف العراق وينتهك سيادته وحرمة اراضيه او مياهه او اجوائه كما نصت على مساعدة الحكومة العراقية في مساعيها لمكافحة المجموعات الارهابية وفي مقدمتها تنظيم القاعدة والصداميون وكل المجاميع الخارجة عن القانون بغض النظر عن انتماءاتها على ان تحدد اساليب واليات المساعدة ضمن اتفاقية بين الطرفين .

العودة الى الصفحة الرئيسية

 

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com