لماذا نطالب بإلغاء عقوبة الاعدام ؟؟؟

 

المحامية سحر الياسري

saharmahdi63@yahoo.com

قد تكون مطالبتي أنا العراقية الغارق بلدها في بحار الدم منذ سنين, ووسط بيادر الموت تجيء دعوتي مثيرة للدهشة، والاستغراب، والتساؤل, كيف سيكون لدعوتي صدى لدى قرائي وجرائم الاغتيال تتصاعد وتيرتها يوميا، ولم تستثني أحد لاطفل, ولاامرأة، ولارجل كبير او شاب, لاعالم ولاجاهل، فقير او غني، معارض أم موافق أم محايد، بريء أم مذنب، سكن الارهاب الطائفي والعرقي والصراع السياسي عراقنا فلم يبق ولم يذر ولم يستثني أحد, والعقاب للمجرمين شريعة ألهية وأنسانية لتحقيق العدل، وقطع دابر المجرمين وحماية حق الانسان في الحياة الذي يعد القتل أنتهاكا مريعا لهذا الحق .

الكثيرون في مواقع ومحاور عدة أستنكروا بشدة المطالبة بإلغاء عقوبة الاعدام وكأننا نكتب كفرا، أو ندخل في مناطق فكرية محضور الكتابة فيها بفعل الموروث الانساني لمنطقتنا, والمتمثل بثقافة الثأر والانتقام المتأصلة في الفكر القبلي والبدوي الذي لازال يفرض قيمه ورؤاه على الكثيرين، بما فيهم سياسين وأعلاميين وكتاب يسيطرون على اغلب وسائل الاعلام والاتصال يفرضون قيما تمثل مرحلة أجتازتها شعوب قبلنا بعدة عقود، قيم تصادر حق الانسان في الحياة لأسباب مختلفة يقف على قمتها مصادرة حق السياسي في الحياة المعارض للحكومات لاختلافه معها، (القانون العراقي نموذجا من اصل 42 مادة تعاقب بالاعدام على مرتكبي الافعال القانونية التي تجرمها 80 % منها جرائم سياسية )،وكذلك أعدام النساء وذوي الاعاقات العقلية والاحداث .

كثيرون أستهزؤا بفكرة إلغاء عقوبة الاعدام واعتبروها عدم قدرة على قراءة الواقع مع توسع انتشار الجريمة في منطقتنا العربية والاسلامية،أن الطريق لازال طويلا جدا للوصول الى حتى التضييق من تطبيق عقوبة الاعدام فما بالك بإلغائها، مع وجود أنظمة سياسية, ومنظومة فكرية ودينية،تبيح القتل بأسم القانون والدين  للحفاظ على مصالحها وأمتيازاتها، وأستمرارها في السيطرة على الجمهور عن طريق التخويف بالقتل عن طريق أعدام المعارضين، ولازال الفقر, والجوع, والتهميش, والاقصاء, وعدم تقبل الاخر, والتمييز، والبحث عن فرصة عمل تحمي الانسان من الجوع,تدفع بالكثيرين نحو الجريمة وأستخدام العنف لاستحصال حقوقهم في العيش بكرامة، ويصبحون صيدا سهلا لمافيات الجريمة والحركات الارهابية لاستغلالهم،  وفي المقابل لم تنهض الحركة المناهضة لعقوبة الاعدام بشكل واسع ومؤثر لتغيير مجتمعاتها، نحو تقبل فكرة إلغاء عقوبة الاعدام .

للاجابة عن السؤال لماذا المطالبة بإلغاء عقوبة الاعدام أذن ؟

مواقفنا في الحياة تشكلها تجاربنا، وما تعرضنا له سواء في الحياة, أو العمل، في المحاماة يتيح لك العمل أن تطلع على الكثير وأن تعيش لحظات لاتتكرر, ولايعيشها الكثيرين, ولايحسون معاناتها والالامها على المحكومين بالاعدام وعوائلهم, في يوم ما قبل سنين في المحكمة الخاصة في وزارة الداخلية كنت في مرافعة ما وأحضرت سيدة جنوبية لاتتعدى العشرين تحمل طفلها لم يتعدى الشهر العاشر،ريفية ساذجة، ومعها زوجها وشقيقيها بتهمة المتاجرة بالمخدرات تم القاء القبض عليهم من جهاز المخابرات ومعهم كليوغرام من المخدرات في السيارة وطبعا المرأة لاتعلم شيئا عن الموضوع وتم انتزاع الاعترافات بالتعذيب من الجميع أنهم يحضرونها معهم للتغطية عن تهريبهم المخدرات وايهام السلطات، أمام المحكمة أعترف الزوج والاشقاء بجريمتهم ولكن المرأة لاعلاقة لها ولم تكن تعلم شيئا، وانكرت المسكينة معرفتها بالمخدرات وان وليدها كان مريضا وطلبت منهم ايصالها للمدينة، ببساطتها وغبائها لم تكن تعلم مايدور حولها وهي تلاغي طفلها، لتعلن هيئة المحكمة قرارها بإعدام الجميع، جمدت المرأة في مكانها لاتعي شيئا وطفلها يصرخ وأشقائها يصرخون وزوجها يبكي جثت متخشبة على الارض ولم تستطع الحراك من مكانها حملها الشرطة بوضعها الجاثي وعلى كتفها وليدها الباكي، رغم مرور السنين لازالت صورتها لحظة النطق بإعدامها حية ناطقة لاتفارق خيالي عن قسوة هذه العقوبة التي تسلب هبة الله لنا كبشر ( الحياة ) . وصور كثيرة لاناس كثيرون فقدوا حياتهم بالاعدام وهم أبرياء تماما انتزعت اعترافاتهم بالقوة والاكراه عن جرائم لم يرتكبوها مطلقا ولا علاقة لهم بالجناة أو المجنى عليهم ولكن سوء طالعهم قدر لهم هذا المصير وتكون نهاية حياتهم بالاعدام كوسيلة لانهاء حياتهم، واحلامهم، وترك الالم يأكل قلوب احبائهم،وأخرين رفعوا أصواتهم لايقاف الظلم والتبشير بغد أفضل للانسان، وكان الثمن كبيرا وضاعت حتى أثار بقايا أجسادهم, وغالبا ما عجزنا عن الدفاع عن حقهم في الحياة والعيش بكرامة واحترام أنسانيتهم  .

  لاينهض موقفي من عقوبة الاعدام من فراغ بل من إيمان حقيقي بأن إلغائها ضرورة إنسانية تتطلب منا جميعا أن نقف بكل قوة لدفع المشرعين للإلغائها نهائيا من تشريعاتنا، وأن نساير العالم المتحضر الذي أعتبر عقوبة الاعدام عقوبة بدائية بربرية، وخصوصا أننا هذه الايام سنشهد قرارا للأمم المتحدة بتعليق عقوبة الاعدام في جميع الدول المنضوية تحت خيمة الامم المتحدة، وننتظر من دولنا العربية والاسلامية أن توافق على القرار لنواكب عصر حقوق الانسان وأن لا نتخلف عن ركب عالمنا المعاصر.

 العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com