عراق التنمية البشرية المستدامة/ القسم السابع

 

 

سلام ابراهيم عطوف كبة/

المهندس الاستشاري

:kubba_s_i@yahoo.com 

 عراق التنمية البشرية المستدامة

 نفط عراق التنمية البشرية المستدامة

 اقتصاديات عراق التنمية البشرية المستدامة

 الخدمات العامة في عراق التنمية البشرية المستدامة

 الزراعة في عراق التنمية البشرية المستدامة

 فساد عراق التنمية البشرية المستدامة

 الثقافة والأعلام وحقوق الانسان في عراق التنمية البشرية المستدامة

 السياسة الاسكانية والمرورية في عراق التنمية البشرية المستدامة

 الصحة العامة والخدمات البيئية في عراق التنمية البشرية المستدامة

 العسكر والميليشياتية والارهاب في عراق التنمية البشرية المستدامة

 التربية والتعليم في عراق التنمية البشرية المستدامة

 المرأة والطفولة في عراق التنمية البشرية المستدامة

 الهجرة والتهجير في عراق التنمية البشرية المستدامة

  • الفقر والبطالة في عراق التنمية البشرية المستدامة

 الثقافة والأعلام وحقوق الانسان في عراق التنمية البشرية المستدامة

 اتريد من هذا الحطام الآدمي المستباح

دفء الربيع وفرحة الحمل الغرير مع الصباح

ودواء ما تلقاه من سأم و ذل واكتداح

 بغداد ياوجه العراق تبسمي

 وعمي صباحا دار"ليلى"واسلمي

ودعي السلام يظل فيك حمامة

بيضاء لم تلجم،ولم تتعجم

 قبل سقوط الدكتاتورية بلغ ما فقده العراق(4000)قطعة اثرية يعود تاريخها لفترات متباينة بدءا من الالف الثالث ق.م. حتى الادوار المتأخرة من الحضارة الاسلامية،ونفائس من التراث بسبب سرقات عصابات بطانة النظام!وبعد التاسع من نيسان نهبت المتاحف بالجملة وتغلغل تجار الأزمات وأزمنة الحروب عبر منافذ عديدة الى مختلف مواقع الدولة،مرتكبة مختلف الجرائم الاقتصادية منها والجنائية،وناهبة المليارات من أثمان الركائز الاقتصادية.وتشير الادلة الى أن عددا كبيرا من المواقع الاثرية في العراق نهبت وتم بيع محتوياتها في السوق السوداء.ان عدد القطع التى سرقت فى اعمال حفر غير قانونية تزيد بكثير عن تلك التى سرقت من المتحف الوطني.وتركت قوات التحالف المواقع الثقافية للسلب والنهب على ايدى اللصوص الذين توسعوا فى عمليات الحفر غير القانونى بشكل غير مسبوق.قام البعض برفع الاسلاك الشائكة عن المواقع الاثرية ومرورا بالركائز الحديدية وانتهاءا بالنبش او التسوية بالارض من اجل اخفاء المعالم وتحويلها الى ارض زراعية من اجل ضمها!.ان 100 تلا اثريا من اصل 380 تلا تتوزع في اماكن مختلفة من محافظة ميسان مثلا هي بلا حراسة منذ سقوط الدكتاتورية مما تسبب بسرقة العديد من القطع الاثرية النادرة.كثيرة هي المواقع الاثرية لعصور ما قبل التاريخ وما بعده في وادي الرافدين ومنتشرة في مختلف ارجاء البلاد،منها من محي كليا ومنها لم يبق منه الا القليل والآخر اصبح اطلالا،والعدد الاقل بقي شامخا كالطود الى يومنا هذا.ويقول الدكتور دوني جورج الذي كان يتولى منصب رئاسة هيئة الاثار في العراق ان التراث الانساني والثقافي في العراق يتعرض لعمليات سلب ونهب كبيرة،وان ما يسرق من العراق ستكون له آثار كارثية في المستقبل،وانه فى المستقبل سينظر الى سلب تراث العراق على ايدى اللصوص باعتباره متساويا فى الخطورة مع الخسائر البشرية المتنامية،ويزداد سوء وضع الآثار العراقية اليوم اكثر من اي وقت مضى.وقد حذر مسؤولون عراقيون اجتمعوا في اليونسكو في باريس اواسط تشرين الثاني 2007 من ان العراق يواجه صعوبة كبرى في حماية تراثه الثقافي،وأصدرت(اللجنة الدولية للتنسيق بشأن صيانة التراث الثقافي في العراق)التي ترعاها منظمة اليونسكو"نداء"يطالب الأسرة الدولية بالمساعدة لوضع حد لـ"النهب غير الشرعي وشبكات الاتجار بالممتلكات الثقافية العراقية".لا تلتزم الكثير من الدول بالقرارات الدولية التي تدعو الى محاربة شبكات التهريب المتعدية الجنسية المتخصصة بتهريب الآثار العراقية والتداول غير المشروع بها،ولا تقوم هذه الدول باعلام الحكومة العراقية بوضع اليد على الآثار العراقية وتبادل المعلومات عن شبكات التهريب ودور المزادات والشركات التي تتعامل بالآثار العراقية وعرقلة اعادة الآثار العراقية عبر الاجراءات القانونية المعقدة!.يذكر أنه تم إدراج بعض القطع العراقية التي نهبت منذ عام 2003 على لائحة حمراء،خاصة بالانتربول والمجلس الدولي للمتاحف.

 كانت التماثيل والمعالم التاريخية التي تزين شوارع وساحات بغداد وبقية المدن العراقية من ضحايا اعمال العنف المستمرة والتي ابتدأت بتمثال رئيس الوزراء الاسبق عبد المحسن السعدون الذي سرق وتم التصرف بالبرونز المصنوع منه واستبداله بالنسخة المقلدة!،وتماثيل الخليفة ابو جعفر المنصور في حي المنصور وبوابة المتحف الوطني العراقي ومأذنة سامراء التاريخية وتمثال الواثق بالله في بغداد وتمثال كهرمانة في الكرادة.كما يجر استبدال اسماء شوارع وساحات ومعالم ومدارس ومستشفيات المدن العراقية بمزاجية هابطة تدل على انحطاط ثقافي قل مثيله،ويجري الاحتفاظ باسماء اخرى ليس فيها ما يسر النفس وملؤها الدم والضغينة والقهر والاستلاب.شوارع وساحات بغداد وبقية المدن العراقية حبلى بالملصقات الورقية والشعارات الجدارية والاعلانات المكتوبة بشكل عشوائي غير منظم الامر الذي شوه من منظر المدن العراقية وعكس مقدار الفوضى الجارية.أثنت وزارة التربية العراقية على مبادرة تزيين الجدران العازلة(الكونكريتية)التي تنتشر في اغلب شوارع العاصمة العراقية بغداد بالرسوم،عدها بعض أصحاب المحال التجارية عازلا بينهم وبين زبائنهم وقاطعة لأرزاقهم،فيما حاول آخرون استخدامها واجهة للاعلان عن وجود محالهم خلفها.

 وبدل النهوض بالعملية الطباعية والعمل التخصصي الطباعي تسعى الحكومة العراقية عام 2007 الى حل دوائر طباعية وطنية رئيسية(دار النهرين للطباعة مثلا)وتصفية موجوداتها دون حجج مقبولة.ان حل هذه الدور الطباعية وفق توجيهات مجلس الوزراء هو تعطيل للقدرات الوطنية والجهود الخلاقة،لأنها مطابع حكومية مؤهلة وتمتلك الخبرات وتدار من قبل الكوادر الفنية المدربة وتقوم بتصميم وطباعة الوثائق التجارية والامنية بكفاءة عالية تضاهي ارقى دور الطباعة العالمية.

 ابتدأت محاولات غسل ذاكرة الشعب الوطنية بالجريمة الأساس في حرق المكتبة الوطنية - الذاكرة العلمية للشعب ومصدره في البحث العلمي ومثلها كل مكتبات العراق ومراكزه البحثية المعرفية من مختبرات ومصانع بحوث،وهاهي المكتبة المركزية في جامعة البصرة تؤكد ان 703 مخطوطة نادرة لا تقدر بثمن باتت في عداد المفقودات من المكتبة تشرين الثاني 2007.كانت ارشيفات معظم الوزارات في ظل الحكم العثماني للعراق(1638-1918)وعهد الانتداب البريطاني(1920-1932)والجمهورية العراقية(1958- 2003)محفوظة في المكتبة الوطنية ودائرة المحفوظات(نفس المبنى).ان الوضع اليوم اسوأ مما كان عليه في عام 2003 بسبب موجة السرقات وايضا لان معظم المؤسسات المسؤولة عن المحفوظات دمرت،وقد نهلت(سرقت)الولايات المتحدة وبريطانيا بدورهما من الوثائق ال(1001)التي تعتبر كنزا للمعلومات في مكتبة ومحفوظات العراق،خاصة تلك المتعلقة بالطائفة اليهودية في بغداد التي كانت كبيرة العدد قبل انشاء دولة اسرائيل في عام 1948.لدى الاميركيين والبريطانيين القسم الاكبر من محفوظات النظام السابق والتي تساعد على فهم كيفية تمكن صدام واعوانه من الهيمنة والسيطرة على المجتمع وتغير العراقيين انفسهم- في تصرفاتهم وعلاقاتهم الاجتماعية- في ظل النظام التوتاليتاري.وتواصلت محاولات غسل ذاكرة الشعب مع كنوزنا وأرصدتنا الموجودة في بنوك العراق المركزي والمصارف المهمة الأخرى،ومع ذخيرة وأسلحة ثقيلة وأموال وكنوز في مؤسسات التصنيع العسكري هي بالمليارات،المعامل والمصانع ومواقع الانتاج المدنية وركائزنا الكبرى من كهرباء وجسور وغيرهما(نسف جسر الصرافية اغتيال الذكريات بعد اغتيال الذاكرة)،ومطابع الكتب المدرسية ودفاتر أطفالنا وقرطاسيتهم وقاعات العرض المسرحية والسينمائية وقاعات الموسيقى والباليه والفنون التشكيلية،وثروة شارع المتنبي(الجريمة الموغلة في البشاعة والتي رمت بنارها القلب النابض من بغداد)،وثروة المتاحف التي ليس لها ثمن يقابلها مطلقا،ثروة الإنسانية وتراثها الأول الحافل بقراءة تاريخنا ونور حضارته،ليباع العراق الإنسان والعراق الوطن في سوق النخاسة المحلي والأجنبي،وليختلط غسيل الاموال بغسيل ذاكرة الشعب العراقي الوطنية.

 لا تبدو قضية التجاوز على ممتلكات الدولة العراقية وليدة الساعة،بل هي نتاج لتراكم تاريخي واجتماعي نظر باستمرار الى ممتلكات الدولة القامعة وأموال حكامها المستبدين باعتبارها غنائم يمكن الاستيلاء عليها في اللحظة التي تسنح بذلك.وما عزز قضية التجاوز على ممتلكات الدولة بعد احتلال العراق وتغيير نظام البعث،هو القرار المتسرع الذي أصدره بول بريمر في عام 2003 والقاضي بحل وزارات الدفاع والداخلية والإعلام.وعلى المستوى الاقتصادي أخلى هذا القرار الساحة لعمليات مرعبة من الفساد المالي والإداري.وصدر القرار قبل أن يتم جرد ممتلكات هذه الوزارات ،وبالتالي تركت أموالها وممتلكاتها عرضة للنهب والسلب والسرقة،غير أن قضية التجاوز على ممتلكات الدولة العراقية في المدن العراقية بعامة لم تكن محصورة بأفراد استغلوا ضعف سلطة القانون،بل انها امتدت لتشمل أفرادا يمثلون سلطة القانون،وتنظيمات وأحزاب سياسية تنتمي الى الدولة العراقية القائمة.نعم،توسعت واستشرت ظاهرة التجاوز بكل انواعها واشكالها على الارصفة والساحات وممتلكات الدولة بشكل عام،خاصة بعد التغيير في 9/4/2003،علما ان هذه الظاهرة ليست بنت يومها بل تعود الى زمن ما قبل هذا التاريخ.

 قبل التاسع من نيسان 2003 ازدهر التعامل البيروقراطي غير الودي للحكومات العراقية مع الادباء والمثقفين،الا ان ثورة 14 تموز 1958 فتحت للادب العراقي آفاقا لم يطوف بها من قبل،ليس على صعيد الاطلاع على الادب العالمي بشكل سافر وعلني فحسب وانما في ما اتاحت له من فرص التعبير الحر والتشكل الجديد،وفتحت ثورة 14 تموز السوق العراقية على الكتاب الخارجي على مصراعيه ومنعت الاخرين من اغلاقه فيما بعد مهما بلغت الحجج والاعذار او تعددت.ومنذ انقلاب رمضان الاسود 1963 تسلط المجرمون والقتلة وكاولية ثقافة حميد سعيد ومحمد سعيد الصحاف وهاني وهيب وسامي مهدي وعبد المنعم حمندي وجواد الحطاب ورعد بندر وامل الجبوري ونصيف الناصري وخالد علي مصطفى وعبد المطلب محمود ولؤي حقي وأديب ناصر وباقي زمرة هز الوسط البعثية!،تسلطوا على الثقافة العراقية عندما لم توفر سياسات النظام الدكتاتوري السابق فرصا حقيقية لنمو ثقافة حرة ومنفتحة يعبر من خلالها المثقف عن عالمه الابداعي وينمي فرص تطوير المواهب والعقول الشابة الطامحة الى التعبير عن عالمها الفكري والاخلاقي والاجتماعي.كانت عوالم الادب والفكر والفنون والثقافة بشتى اشكالها فرصة للتشويه والالزام والتسفيه طيلة العقود الماضية مما اورث مجتمعنا تقاليد مريضة وغير صحية طغت على التقاليد الانسانية والاصيلة للثقافة والفنون والفكر والابداع والاصالة في عراقنا.وتحملت الشبيبة العراقية الوزر الاوفر جراء نهج عسكرة الثقافة وازدرائها ،فالمثقف في عرف صدام حسين هو خريج الجيش الشعبي(تأسس عام 1970)،وخريج الاتحاد الوطني لطلبة العراق والاتحاد العام لشباب العراق(مرتزقة كريم الملا ومحمد دبدب وفهد الشكرة وعبد الواحد الحصونة..ومن لف لفهم)وخريج هيئة الرياضة والشباب (بديل وزارة الشباب تأسست عام 1999)واللجنة الاولمبية ومنظمة فدائيي صدام(تأسست عام 1996)وجيش تحرير القدس..الخ من الكتائب الفاشية ومن تلامذة الماجدة العراقية(كاولية هدى صالح عماش ورحاب طه وساجدة زوجة الريس).

 بعد سقوط الدكتاتورية في التاسع من نيسان 2003،تلقت حركة النشر في بلادنا دفعة قوية رغم الامكانيات المتواضعة والمحدودة وقلة الدعم الذي تقدمه الدولة وفي اطار انفراج ديمقراطي يبتعد عن مقص الرقيب،وواصل اتحاد الادباء نشاطه في قاعاته البسيطة،وفتحت قاعات اخرى ابوابها للفن التشكيلي والنشاطات الثقافية الاخرى،وتواصلت المهرجانات الثقافية الدورية لتشد من عزائم المبدعين،الا ان الثقافة الانسانية بوجه عام في العراق قد تراجعت بفعل الكارثة السياسية والاجتمااقتصادية التي تتسم بأسوأ ما في القاموس الظلامي والاستبدادي والتكفيري والقمعي من ممارسات فعلية بسبب التمادي في الاستهتار واللاابالية وضعف السلطة الراهنة وتردي الخدمات العامة ونمو التضخم الاقتصادي وانتشار البطالة والولاءات العصبوية الى جانب حروب النظام الصدامي البائد وعسكرة المجتمع.وتلقى الرواج عند الحثالات الطبقية دعوات بعض المراجع الدينية الى عدم الوقوع في فخ الرياضة واقامة الاحتفالات حول مباريات كرة القدم وعدم الوقوع في فخ الانترنيت ايضا،وقبلها عدم الوقوع في حبائل الفن والموسيقى والباليه والمسرح والسينما والنحت والرسم التشكيلي فكلها من وحي الشيطان والزندقة.لقد تعرض الفن السابع اي السينما العراقية الى التهميش والحط من قيمه وتسلط الطارئين وغير المعنيين به ومزالق الاجترار والنسخ،وباتت الثقافة السينمائية منسية حالها حال بقية الميادين الثقافية.ولم يستطع الخطاب السياسي من عقر الفوضى والانفلات بل نجح في قمع الخطاب الثقافي الذي لم يستطع بدوره الابتعاد عن الشبهات في انطوائه على اختصاصه.لقد اطلقت التناحرات والمحاصصات النار على الحرية الشخصية للمواطن العراقي.لا يمكن فهم الادب والفن بشكل صحيح اذا انطلق المرء من قوانين تطورهما الداخلية وحدها،والخوف من المجهول هو ما يشغل ويربك الادباء الشباب والفنانون الناشئون،المتفائلون والمتشائمون يتفقون على مجهولية الغد بعد ان باتت الوعود في مهب الريح وهواء في شبك.اختفت دور العرض السينمائية والمسرح وقاعات عزف الموسيقى الكلاسيكية ورقص الباليه ومعارض الفن التشكيلي والرسم والنحت التي كانت تملأ بغداد والمحافظات،ويعد ذلك خللا بل شللا في المشهد التقافي عامة.يتآكل المشهد الثقافي اليوم بالرضوض السايكولوجية والاجتماعية والثقافية التي ولدت عند المثقف العراقي الصدمة الكبيرة والخوف من المجهول ومن التوتر النفسي والامني والاجتمااقتصادي.

 التربية الرياضية عالم فسيح ومعرفة كبيرة وخطط وبرامج وتسويق وتدريب متواصل ونشاط انساني متطور مرتبط بعلوم كثيرة ومناهج واسعة يتطلب معها العمل بقناعة وجدية واخلاص،لكنها تعرضت بفعل سياسات التبعيث والعسكرة والطائفية الى ضربات موجعة تراجعت معها وخسرت انجازاتها.ولازال مصير رئيس اللجنة الاولمبية مجهولا منذ ان اختطفته فرق الموت بينما تأكد تعرض عشرات الرياضيين الى الاعتداءات واحكام الاعدام من المحاكم التابعة للجماعات المتطرفة وفق ما تؤكده المنظمة العراقية للتنمية الرياضية!

 العراقيون بتاريخهم الزاخر بالثقافة والفن والادب نبراس لكل حضارات العالم رغم كل حقبات الموت والدمار،والفن والادب مدعوان اليوم لأستئناف كل عناصر قوتهما واستكمال مسيرتهما.وتبعث مبادرات الفنانين بعرض ابداعاتهم وطاقاتهم الفنية المتميزة على الموانع الكونكريتية على ارصفة الشوارع العامة الارتياح لدى المواطن العراقي،بينما يتأس الشعراء وتختلط مشاعرهم عندما يرون بلدانهم تتعرض للهجمات السوداء والظلام الدامس.لا تتوقف الثقافة عند جدار او سياج،والثقافة العراقية محاصرة.هناك تطلع ورغبة لدى المثقفين والاوساط الحاكمة والمتنفذة اليوم في استعراض مفاهيم حقوق الانسان والمؤسساتية المدنية،ولا ندري تحت اي تصنيف يمكن أن يوضع هذا السيل من الكتابة والخطاب عن الديمقراطية في الإعلام/..الديمقراطية،المجتمع المدني،المؤسساتية،الشرعية،العدالة،حقوق الإنسان،..جميعها مفاهيم تلقى الصدر الرحب عند المثقفين وتعبر عن تواجد قوى اجتماعية ومصالح انسانية محددة،وهي مفاهيم تستلزم حصر الفساد ومكافحته وتطبيق مبدأ تكافؤ الفرص والتعددية،وبالتالي حصر القيود الادارية التي تعيق عمل الجمعيات الاهلية والمنظمات غير الحكومية والاحزاب السياسية وتضيق عليها،باعتبار المؤسساتية المدنية الحاضنة الكبرى لتفريخ القدرات القيادية في المجتمع والدولة،ولتكريس التربية الديمقراطية،ولتوطيد السلطة الرابعة - الاعلام - .

§ السياسة الاعلامية او السلطة الرابعة

 من ايلول 2006 الى ايلول 2007،ووفق تقارير مرصد الحريات الصحفية فقد قتل 61 صحفيا ومعاونا اعلاميا واختطف 23 قتل اغلبهم و مازال في عداد المفقودين منهم 6 واستهدف عشرات آخرين نجوا من عمليات اغتيال منظمة وتعرض 24 صحفيا لاعتداءات مختلفة منها احكام بالاعدام من قبل محاكم تابعة لجماعات متطرفة،وقام مسلحون بتدمير مؤسستين اعلاميتين بالكامل ودون ان تحرك القوات الامنية العراقية ساكنا،وداهمت قوات الحرس الوطني يوم 2/10/2007 مكاتب جريدة المدى المستقلة ذات النفس الديمقراطي والليبرالي،كما عرقلت السلطات العراقية عمل بعض الفضائيات واغلقت ثلاثة منها بشكل كيفي دون اوامر قضائية،وتعرض 7 صحفيين في مدينة الناصرية للملاحقة القانونية على خلفية كتابات نشرت على الشبكة الدولية للانترنيت.يذكر ان فترة ما بعد التاسع من نيسان 2003 قد شهدت مقتل حوالي 219 اعلاميا منهم 114 صحفيا و41 فنيا ومساعدا اعلاميا،واختطف 59 اعلاميا وتعرض للمحاكمة 28 صحفيا،ولازال 14 اعلاميا في عداد المفقودين حسب احصائيات مرصد الحريات الصحفية!.لقد وضعت منظمة "مراسلون بلا حدود" العراق في الترتيب رقم 157 في التصنيف العالمي لحرية الصحافة التي تصدره المنظمة كل عام متراجعا 3 درجات عن العام الماضي.وتؤكد رابطة الاعلاميين الموحدة ان اعلاميي بلادنا يتعرضون لتهديدات مزدوجة اسهمت فيها المؤسسات الحكومية واجهزة الدولة الامنية والجماعات المسلحة التي تحارب الدولة وامتدت يدها الى العديد من الاعلاميين،بات ليس مستغربا ان تقوم مختلف الجهات بهدر دم الصحفيين وتخصيص المكافآت لمن يدلي بالمعلومات عنهم او تسليمهم احياء.يعمد أغلب الصحفيين والإعلاميين الى تغيير أسمائهم،في الصحف والوكالات والقنوات الإعلامية التي يشتغلون فيها،هربا من كماشة الموت التي طالت زملاء لهم واضطرت الآخرين الى الهرب أو الانقطاع عن العمل.وتزداد الخطورة بالنسبة للصحفيين الذين يعملون مع الوكالات العالمية(الأمريكية والبريطانية خاصة)حيث غالبا ما يتهمون بالعمالة والجاسوسية والتعاون مع المحتل من قبل الكتل والأحزاب الإسلامية المتشددة،لذا تجد أن نسبة كبيرة منهم يتخذون احتياطات أمنية كبيرة،ويكلفون زملاء لهم أو من غير الإعلاميين بالحصول على المعلومات عن طريق حضور هؤلاء المؤتمرات التي تقام داخل مقرات الأحزاب أو حتى داخل مجالس المحافظات حيث لا يرغب العديد منهم بالظهور أمام المسؤولين.وغالبا ما يطلب الإعلاميون في مؤتمرات القنصلية البريطانية والجيش البريطاني والسفارة الاميركية والقوات المتعددة الجنسية من مصوري التلفزيون والوكالات الاخبارية جعل الكاميرات خلف رؤوسهم،بحيث لا تنقل الكاميرات لقطة لوجه أي من الصحفيين المتواجدين في القاعة.قامت قوات الشرطة باعتقال ما لا يقل عن 7 صحفيين أثناء قيامهم بتغطية مظاهرات نظمت ضد حكومة اقليم كردستان في محافظة السليمانية بتاريخ 13 آب 2006،وقد تم اطلاق سراح الصحفيين لاحقا بكفالة مالية!

 جاء في التقرير السنوي لوزارة الخارجية الأميركية حول الحرية الدينية الدولية لعام 2007 الذي يعده مكتب الديمقراطية وحقوق الإنسان والعمل بالوزارة "ان وتيرة العنف الطائفي في العراق قد ارتفعت اثر الهجوم الذي نفذ في 22 شباط 2006 على جامع الإمام العسكري في سامراء،أحد أهم الجوامع الشيعية في العالم ويحتوي ضريحي الأمام العاشر والأمام الحادي عشر،وان عناصر إسلامية محافظة ومتطرفة تواصل ممارسة ضغط هائل على المجتمع لإجباره على الالتزام بتفسيراتها للمبادئ الإسلامية ومحاولة تأطير المجتمع دينيا،وان هذا العمل اثر على العلمانيين بينما يتعرض غير المسلمين على وجه الخصوص للضغط والعنف بسبب وضعهم كفئة أقلية".

 يستثمر الاعلام الهامش الديمقراطي في بلادنا ليكتب وينشر الكثير عن الديمقراطية وحقوق الانسان والحوار والرأي والرأي الآخر لتختلط الأمور،حابلها بنابلها،يابسها بأخضرها،من الذي يطلب؟!وممن يطلب؟الموضوع في غاية البساطة عندما يكون الحماس والطلب من لدن السلطات نفسها.الديمقراطية هنا لا تختلف عن الدكتاتوريات لأنها تعتمد على النيات الطيبة للحاكمين،ولتتحول الديمقراطية الى دكتاتورية روزخونية للعواطف.الديمقراطية الحقة ليست هبة تمنح بل تنتزع بالنضال المثابر،والدعوة لها ليست تهريجا دعائيا.الشمولية تحول الاعلام اداة للسلطات(انظر:شبكة الاعلام العراقي وفضائية العراقية والقنوات والاذاعات التي تسير في الفلك الروزخوني)،فكما للسلطات جهاز أمن مثلا فان لها جهاز اعلام.ليس همنا استنباط الأشكال الجديدة ـ القديمة للديمقراطية،والجمع الجبري والهندسي بين ديمقراطيات العصر.القضية تكمن في جعل الأمور تمشي على قدميها وليس على رأسها!واذا ما طلبت السلطات من الجماهير شيئا فعليها ان تعطي الشعب سلطة التنفيذ.ولا يدير وينفذ المشاريع الديمقراطية آيات الله وخدمهم بل المخلصين للديمقراطية الحقة والقادرين على فهم طبيعة الوضع وموضوعيته ويملكون الموثوقية في التطبيق والتنفيذ.ان ما يجري اليوم من تصفية وتضييق ضد الصحافة والصحفيين والاعلام بشكل عام يعتبر اخطر تهديد لحرية التعبير عن الرأي المنتهكة اصلا من قبل السلطات الحاكمة والاحتلال وعصابات الميليشيات الارهابية وعرابيها.

 

 ثقافة حقوق الانسان

 "يغطي ضحايا الارهاب طيفا واسعا من الاهتمامات البحثية والتوجهات السياسية المختلفة والعقائد الدينية المتباينة،والقاسم المشترك الوحيد بينهم هو نبوغهم"ووفق تقارير منظمة(هيومان رايتس ووتش- HRW)ان هذه الهجمات وسيلة للقضاء على النخبة المثقفة في العراق،وتجريد العراق من عموده الفقري العلمي.يؤكد مرصد الحقوق والحريات الدستورية ان الارقام المعلنة والمعترف بها من الحكومة العراقية بغض النظر عن انخفاضها او تصاعدها ما زالت تؤشر لتدهور كبير وخطير في مستويات الانتهاكات الدستورية في اغلب المدن العراقية باستثناء انخفاض هذه النسب في منطقة كردستان العراق لظروفها الخاصة،حيث يشكل انتهاك حق الحياة في العراق المتمثل بالقتل اليومي للمدنيين بمختلف وسائل العنف ظاهرة خطيرة وفقا لابسط المؤثرات الدولية.تشير تقارير حقوق الإنسان الصادرة عن بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق الى ان أعمال العنف والنزاع الطائفي بالاضافة الى عمليات القتل الانتقامية،تعتبر المصادر الرئيسية للعنف في العراق.يضاف إلى ذلك الأعمال التي يقوم بها الارهابيون وأفراد الميليشيات والجماعات الاجرامية والتي أدت الى عمليات نزوح الأفراد وأثرت على المجتمع ككل،وان السكان المدنيين هم ضحايا الأعمال الإرهابية والقنابل المزروعة على جوانب الطرق واطلاق النار من السيارات المارة والخطف والتجاوزات القانونية من قبل رجال الشرطة والجرائم والعمليات العسكرية وتبادل النار بين الجماعات المتصارعة نفسها أو بين المسلحين ورجال الشرطة والقوات متعددة الجنسيات.ومما يبعث على المزيد من القلق،المزاعم بوجود اختراق لعناصر من الجماعات المسلحة والميليشيات داخل الشرطة.ان عدم قدرة مؤسسات الدولة والنظام القضائي على حماية المواطنين العراقيين ادى الى زيادة الانطباع بان هذه الميليشيات والعصابات الاجرامية تعمل تحت حصانة متنامية.لقد غادر العراق النظام الدكتاتوري وسلطة الفرد المطلقة وشهدت ساحته التطور الملحوظ في التمسك بمنهجية الشرعية الدولية وثقافة حقوق الانسان الا انه تعرض ولا يزال الى موجة من الانتهاكات الخطيرة المفزعة في مجال حقوق الانسان،التمييز المذهبي،القتل على الهوية،التعذيب،التهجير القسري،غياب القانون وسلطته والانتشار الميليشياتي المسلح،اعمال الخطف والابتزاز..الخ.لقد واجهت أجهزة الشرطة المتظاهرين في مناطق عدة ومناسبات عديدة بالسلاح وسقط ضحايا وجرحى،وحصل هذا في الديوانية والسماوة والعمارة وجمجمال ومناطق اخرى.كما جرت انتهاكات عديدة واعتداءات على الجامعات العراقية منها جامعة الكوفة في حزيران 2007 وعدة مرات في جامعة الانبار بالاضافة الى المضايقات اليومية التي يتعرض لها الطلبة وخصوصا الطالبات والمتمثلة في نظرة القوى المتطرفة للمرأة.

 تؤكد وزارة حقوق الانسان العراقية وجود اكثر من 35000 معتقل في السجون العراقية ولدى القوات المتعددة الجنسيات عدا اقليم كردستان العراق،ويشمل ذلك 500 امرأة من بينهن 311 معتقلة و189 محكومة.هذا الرقم لا يتناسب اطلاقا مع عدد من يجري اعتقالهم يوميا ومن أطلق سراحهم.ولا زال الكثير من المعتقلين الذين لم توجه لهم اي ادانة او تهمة جنائية في السجون دون اي محاكمة،وعلى الرغم من قيام القوات الأميركية باطلاق سراح البعض الا ان اطلاق سراحهم يجري مقايضته بتوقيعهم على تعهدات خطية بعدم القيام بمطالبة القوات الأميركية بتعويض او تقديم شكوى ضد هذه القوات.تؤكد وجدان سالم وزيرة حقوق الانسان في العراق وجود 25396 معتقلا لدى الجانب الاميركي،ففي سجني كروبر في بغداد وبوكا في البصرة وحدهما يقبع نحو 2500 شخص،في حين كان عددهم قبل بدء الخطة الأمنية الجديدة في شباط 2007 لا يتجاوز 1500،وتراجع لجنة أميركية عسكرية أوضاع هؤلاء المعتقلين مرة كل ستة أشهر،وحتى الآن غير مسموح لأي معتقل بالمثول أمامها أو بتعيين محام لتمثيلهم،ولكن جرى إطلاق سراح 35% من الذين جرت مراجعة سجلاتهم من المرة الأولى اواخر عام 2007 مقارنة بأقل من 8%في المرات السابقة،وسمح لممثلي اللجنة الدولية للصليب الأحمر والحكومة العراقية بزيارة المعتقلين في سجني كروبر وبوكا.وفق تقارير منظمة (هيومان رايتس ووتش- HRW)فان سجون كردستان العراق ضمت النصف الثاني من عام 2006(2638) سجينا!.

 تقر وزارة حقوق الانسان العراقية بوجود انتهاكات لحقوق الانسان في وزارتي الداخلية والدفاع.ورغم تشكيل لجان التحقيق حول هذه الانتهاكات،لم يطلع الرأي العام على نتائج اي منها(انظر:معتقل الجادرية/اقبية وزارة الداخلية ولجنة التحقيق التي ترأسها الدكتور روز نوري شاويس،لجنة وزارة الدفاع التي شكلها وزير الدفاع عبد القادر العبيدي بتاريخ 30/6/2006 للتحقيق باعدام 15 جندي عراقي في الديوانية على يد عناصر احدى الميليشيات الارهابية ولكن أي نتيجة لم تظهر للعلن).صمتت الحكومة وقوات الاحتلال حول الضحايا الذين سقطوا في اشتباكات العمارة والتي راح ضحيتها 37 ضحية وجرح 194 عدا نهب تلك الميليشيات ما يقارب 300 سيارة تابعة للشرطة وسرقة 325 قطعة سلاح وتدميرها تدميرا كاملا لمبنيين تابعين للشرطة بما احتوته من مواد،ولم يتغير هذا الصمت في عملية اختطاف موظفي وزارة التعليم العالي.وهذا هو الحال مع ما يدور من اشتباكات يومية في العديد من المحافظات ومنها واسط والسماوة والبصرة بين قوات الأمن وبعض الميليشيات الممثلة في الحكومة والبرلمان وكذلك ما يحصل في محافظة الرمادي واعلان التكفيريين لدولتهم.يتخبط المسؤولون في بلادنا في طمس الحقائق ومحاولات تشويه وعي الناس،تارة تشكيل غرفة عمليات وتارة منع التجول وأخرى تشكيل لجان تحقيق وتعيين المخصصات لأعالة عوائل ضحايا التفجيرات...

 حذرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر من استمرار الاعتقالات العشوائية ضد المواطنين العراقيين بعدما ارتفاع نسبة المعتقلين"خطأ"في السجون العراقية في حين أكدت منظمات عراقية معنية بحقوق المعتقلين على وجود خروقات إنسانية وارتكاب انتهاكات ضد المعتقلين والمعتقلات في السجون العراقية.وكان اكتشاف معتقل خاص بوزارة الداخلية العراقية غير معلن عنه(منتصف 2005)وتجري فيه عمليات تعذيب في الجادرية قد عمق من مخاوف المعنيين بشأن وجود خروقات فظة ضد السجناء.وتستعين القوات الأميركية بادلاء عراقيين يعملون لديها مقابل مرتبات تترواح بين 1000 و1500 دولار حيث يتم تجنيدهم في الأحياء التي تشهد اعمال مسلحة ضد دورياتها وغالبا ما تتم الاعتقالات بناء على جداول أسماء يقدمها الأدلاء،ما يوقع العديد منهم في قبضة الاعتقال بناء على تقديرات خاطئة أو حسابات شخصية أو طائفية.ويخشى معنييون بحقوق الانسان من ان تؤدي التوترات الطائفية الى اعتقال مزيد من الابرياء في وقت يضطر فيه الضحايا الى دفع مبالغ طائلة مقابل اطلاق سراحهم"ان احصائية خاصة بالتنظيمات السياسية أكدت اجبار 95%من الذين افرج عنهم على دفع رشى تترواح بين 500 الف ومليون دينار(800 دولار)عراقي لتطبيق قرارات القضاء".

 تزايد المتعاملون مع الوسط الديني في بلادنا الى ان بات عاجزا عن توحيد مراجعه وصار الكل يحاول ان يجد مخارج شرعية للتشدد او التساهل، في ما كرهه او تمناه،والبعض لجأ الى التغليف تحت مسميات مختلفة كالمناطيد التي تسهل عملية القفز.الساحة العراقية تعج بالفوضى،البعض يحرم والآخر يكفر والبعض يربك النظام الاجتماعي السائد فيسمح بحبوب الفياغرا وزواج المتعة ويمنع عوازل الجماع في آن واحد،ولا أحد يستطيع ان يلوم المجتهدين على التضارب والاختلافات التي اشغلت الناس وحيرتهم.لقد اوقعت المستجدات التقنية والعلمية المفسرين في اشكالات لم تكن على ذي بال عالم دين من قبل،وكذلك خلطت التغييرات الاجتماعية المفاهيم خاصة بفعل حركة الهجرة والنزوح الجماعي القسري الضخم بين المدن والأرياف والدول والقارات،والتداخل المعلوماتي.ويحد من التطور الثقافي اليوم عدد كبير من المشعوذين والدجالين وفتاحي الفال وقارئي الفنجان وامهات المرايا الذين يشخصون الجناة دون الاستعانة بخبراء الادلة الجنائية ومن اول نظرة،انها مرحلة الخرافة وما قبل الخرافة.الثقافة وسيلة للتنوير والارتقاء الروحي وشرطا لتطوير المجتمع وأنسنته،وهي لا تصنعها الدولة ذلك أن من يصنعها هم المثقفون أنفسهم،الدولة يمكنها أن تساهم سلبا أو إيجابا في انعاش طراز معين من الثقافة.وتعمل الانظمة الشمولية على تجفيف مصادر الثقافة وتحدد وتدجن دروب السيل المعلوماتي وتشيع الافكار الرجعية القومية البائسة والطائفية اليائسة ولا تسمح بنشر المطبوعات ذات التوجه العلمي التحرري وتفترش المكتبات العامة والاكاديمية والحكومية بالمطبوعات الديماغوجية وتحظر القنوات الفضائية والمواقع الالكترونية ذات التوجه الانتقادي الحر..والفراغ الثقافي الكارثي في عراق 2007 هو مخاض عسير لارهاصات الدكتاتورية الساقطة والطائفية السياسية الحاكمة اليوم.تتسيد الثقافة الطائفية المشهد الثقافي في عراق 2007 ارتباطا بالمشاهد الاخرى السياسية والامنية والاجتماعية،وتسهم هذه الثقافة في شيوع الفكر الرجعي وثقافة(حاضر سيدي)والعنف والقتل والارهاب والتخريب والتهريب والفساد والتخلف والانتقام الاعمى والجهل والفوضى واللاقانون وشريعة الغاب والغش والهتاف بالله اكبر عند اقتراف الجرائم المنكرة،كما تغيب هذه الثقافة قيم النهوض والاعمار والتنمية وثقافة حقوق الإنسان وثقافة السلام!وثقافة المرأة والطفل والثقافة الوطنية والديمقراطية - الحاضنة لكل التيارات القادرة على بلورة الهوية العراقية الوطنية..

 مر المجتمع العراقي بحقبة زمنية اكتنفها القلق والإحباط نتيجة للحروب المتتالية والحصار الاقتصادي الدولي الذي أنهك المجتمع العراقي في ظل سلطات دكتاتورية قوية،تعتمد القوة أساسا لشرعيتها.وبات المجتمع العراقي يعيش كوابت اجتماعية نفسية كثيرة لا يجرؤ في أغلب الأحيان على تنفيسها خوفا من سلطة لا ترحم.ومر المجتمع العراقي في فترة ما بعد غزو الكويت بمحاولات جريئة للتنفيس عن هذه الكوابت من خلال التمرد على السلطة،لكنها فشلت في تحقيق أهدافها ولم تأت ثمارها،الى أن أتت الفرصة الواقعية لانهيار سلطة الدولة عن طريق العدوان العسكري عام 2003 الذي انفجرت فيه كل الكوابت المستترة عن الحروب المتتالية،والحصار القاسي،وضغط وظلم السلطات السياسية،التي عبر عنها قسم من أبناء المجتمع بالسخط والانتقام والحقد والمصالح الشخصية والانتهازية والولاءات الجزئية،وكان الوطن هو الضحية الأولى في ذلك.ومما شجع ذلك وساهم فيه،سلطة وقوات الاحتلال التي صارت واقع حال،لأنها أول وأكبر الآثار الاجتماعية لانهيار سلطة الدولة في العراق..

 أدت كارثية حروب الدكتاتورية والحصار الاقتصادي الى تخريب الطبقة الوسطى وقواها الفكرية الراغبة في بناء الدولة العراقية على أسس الوطنية والشرعية الديمقراطية،وذلك عبر منهجين الأول:لجوء السلطات الإرهابية إلى العنف المنفلت جارة ورائها فئات الطبقة الوسطى الحاكمة والمحكومة إلى طرق الإرهاب والتطرف.والثانية العودة الى الروح الإيمانية باعتبارها الملاذ الأخير لدرء المخاطر الاجتماعية وهدوء النفس البشرية.وادى الاحتلال الأمريكي للعراق وتدمير الدولة العراقية الى تفجر العنف والإرهاب والتطرف بعد أن غلفت الفئات السياسية القائدة للطبقة الوسطى المطاح بها والجديدة الحاكمة تأطير صراع الانفراد بالسلطة السياسية بأطر مذهبية تساندها قوى إقليمية ودولية،ولتشاع ثقافة التبرير التي تضفي على الحدث البرقع اللازم للتقليل من اهميته ونسيانه.

شكل يوضح توزيع المجاميع الاثنية والعشائر الكبيرة في العراق مطلع القرن الواحد والعشرين

 

 من اهم وابرز مظاهر عملية التحول الاجتماعي في العراق اليوم الرجوع الى الاوضاع الاجتماعية العشائرية والطائفية في اطار من السكون في الوعي العام يختزل نظرة الانسان للكون عند حدود المعرفة الموروثة،الرتابة الكسولة في التفكير واللهاث وراء تأمين الحد الادنى للعيش كتعبير عن الصراع من اجل البقاء،تردي وتراجع و قصور المواطن - الانسان في بلادنا عن وعي ذاته فضلا عن جهله التام بقدرته على التغيير في واقعه الفردي والاجتماعي فلا مكان للابداع والمغامرة والتطلعات البعيدة وروح المسؤولية الفردية والاجتماعية وسرعة المبادرة كشروط ضرورية في عملية التغيير،العجز المجتمعي المزمن والعميق والاستسلامية والعيش في مكان خارج دورة التاريخ بل خارج دورة الزمن، الفراغ الفكري الواسع الناجم عن تدمير وانهيار مؤسسات الدولة العراقية،ولادة فرص ملء الفراغات بأي شيء وبأي طريقة فاسحة المجال لتحولات جوهرية كبيرة في الواقع الاجتماعي ووضع حجر الاساس لمجتمع مضاد يعاد تشكيله في جو من الصراع الفوضوى العبثي . ان العشائرية صنو الطائفية لا يمكن ان تحل أزمة المجتمع العراقي الراهنة،فانها وان ساهمت في النضال المعادي للدكتاتورية فانها تحول الصراع في المجتمع الى صراع عشائري،الامر الذي يسبب مزيداً من التفتت والويلات.أحدثت المرحلة التي تلت نيسان 2003 طفرات مفاجئة مولدة طيفا من الاختلالات والانقطاعات،فمن الفقر المدقع لشرائح مجتمعية معينة الى الغنى الفاحش والعكس صحيح بالنسبة لشرائح اخرى،ومن العزلة التامة الى الانفتاح المطلق.لقد حدثت تبدلات كبرى في الاوضاع الاجتماعية تسببت في قطع الاواصر بين الاجيال مسفرة عن(صراع الاجيال)،متمظهرة في غياب اللغة المشتركة في التفاهم والتعامل والتفكير وغياب التطلعات المشتركة والهموم المشتركة والاهداف المشتركة.أفضت الاوضاع الاجتماعية الجديدة وما رافقها من انفتاح كبير على الخارج وتدفق تكنلوجي وتوفر فرص السفر للخارج في كسر احتكارية التوجيه المحلي الذي كان سائدا قبل نيسان 2003،وأصبح التكوين الثقافي للافراد والفئات الاجتماعية يخضع لمصادر توجيه متعددة تغذي ميول سياسية متنوعة وأحياناً متنافرة.وفي مضمار التحول السلوكي،بدأ السلوك المجتمعي العراقي يأخذ منذ وقت قريب هيئة التحولات الفكرية الخطيرة وتوجيه صدماتها للقواعد الفكرية وحقل اليقينات بسبب احباطات الواقع الامر الذي بلور الاتجاهات النقدية العنيفة في عموم المجتمع العراقي والمراجعة الانتقامية للتراث وتحميله مسؤولية كاملة لكل الانهيارات التي شهدها النسيج الاجتماعي .

 يعيش الشعب العراقي مرحلة صعبة ومعقدة للغاية في تاريخه الحديث،مرحلة تتميز بغيبوبة العقل المديدة وتراجع الوعي الاجتماعي الفردي والمجتمعي وتخلف الوعي الديني وسلب الإرادة الحرة والواعية لدى نسبة عالية من أفراد المجتمع العراقي،وبخاصة بين أتباع الأحزاب السياسية الإسلامية ذات الوجهة المذهبية المتزمتة التي تتعامل مع الواقع العراقي على أساس طائفي سياسي وتمارس التمييز في المواطنة،وبالتالي تساهم هذه القوى في دعم فعلي لقوى الإرهاب الناشطة في العراق، شاءت ذلك أم أبت.

 ان أسباب صعود نجم الطائفية السياسية والثقافة الطائفية هي:ضعف الدولة في إدارة مؤسساتها مع غياب القانون،ضعف قوى اليسار والعلمانية في الساحة السياسية كونهم هم المحور الأساس لمجابهة المؤسسات الطائفية ويمتلكون الحس الوطني والثقافي في توعية أبناء الشعب،ضعف المؤسسات الديمقراطية في توعية المواطن ثقافيا وأجتماعيا،اصطفاف اليمين القومي مع قادة الطائفية من أجل ترسيخ مصالحهم،دعم قوى المصالح الدولية الكبرى محاربة القوى الديمقراطية التي تمثل صراع الكادحين في سبيل حقوقهم،تحويل الصراع الطبقي في المجتمع الى صراع طائفي،تهميش وتحويل حقوق الانسان في بلادنا الى حقوق للطائفيات والاثنيات،تقوية ودعم دول المنطقة في التدخل بشؤون البلاد الداخلية.ومنذ سقوط نظام البعث ولحد يومنا هذا كانت لاحزاب الطائفية الاسلامية اليد الطولى على الدولة وعلى الشارع،وهي تسيطر على اهم الوزارات وعلى الامور المالية والادراية والعسكرية،وتقترح القوانين وتشرعها وتجيزها،وبدون الاغلبية البرلمانية الاسلامية لا يمكن لقانون ان يمر ويأخذ طريقه الى التنفيذ.

 العراقيون اليوم بامس الحاجة الى ثقافة حقوق الإنسان التي تكشف الإعدامات خارج نطاق القانون والقتل العمد والعشوائي،استهداف المهنيين وأصحاب الاختصاصات،التخويف والتهديد والاختطاف،اوضاع المرأة والاقليات،النزوح والتهجير..الخ.مازالت أوضاع ومشروعية الاعتقال في العراق أمراً يسترعى الاهتمام،ويوضح الجدول أدناه زيادة في عدد المعتقلين،وبصفة خاصة في عدد المعتقلين لدى وزارة العدل،وهذا يعكس حقيقة زيادة عدد السجناء الذين يتم نقلهم من مرافق الاعتقال الأخرى الى وزارة العدل.ويستمر استهداف القضاة والمحامين في ظل النقص الشديد في اعداد العاملين في هذا المجال في كافة انحاء البلاد وبهدف تقويض عملية ارساء سيادة القانون في البلاد،وفي عامي 2006 – 2007 قتل اكثر من 25 قاضيا.كما تم استهداف المحاكم والمسؤولين رفيعو المستوى في وزارة العدل.واصبح العديد من المحامين غير قادرين على ممارسة عملهم بحرية أو المشاركة في قضايا قد تعرض حياتهم للخطر.وبات المحامين يترددون بقبول العمل في قضايا تتعلق بالشؤون العائلية مثل جرائم الشرف والإرث والوصاية على الأبناء بعد الطلاق لخوفهم من الاستهداف من قبل جماعات متعصبة أو متطرفة في المجتمع.وتؤكد التقارير ان ما لا يقل عن 120 محاميا غادروا البلاد عام 2006 فقط.افادت نقابة المحامين في السليمانية ان قوات الأمن اعتقلت محاميا في بكرجاو في 18 آب 2006 على خلفية مشاركته في مظاهرة ضد حكومة اقليم كردستان واطلق سراحه بعد يومين بقرار من قاضي التحقيق.

 تعاني الكثير من السجون من عملية خلط للسجناء سواء من ناحية الجرم او الأعمار حيث يخلط الأحداث مع الكبار ومن اعتقلوا على أساس قيامهم بأعمال ارهابية مع من لا يحمل اجازة سوق أو هوية،ناهيك عن الظروف الغير صحية وانتشار الامراض والتعذيب.اكدت تقارير منظمة مراقبة حقوق الإنسان(HWR)لاعوام 2006و2007 تفشي التعذيب في سجون وزارة الداخلية العراقية،وان اكثر من 60000 عراقي معتقلون في سجون الاحتلال وسجون وزارة الداخلية والدفاع بدون تهم محددة،واكد مركز الدراسات الاسلامية في العراق ان نحو 70000 سجين مودع في المعتقلات والسجون العراقية،اغلبهم من الشباب،ضحايا الاوضاع المربكة الراهنة.كما اشار تقرير بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق للفترة من كانون الثاني الى نهاية آذار 2007 الى تفشي حالات الاعدام خارج اطار القانون والقتل المستهدف والقتل العشوائي واغتيال العلماء والأكاديميين وإنتهاكات واسعة للقانون ترتكبها المحكمة الجنائية الخاصة وانتهاكات واسعة لحقوق الانسان تجري في العراق.كما فضح الاعلام العراقي الوقائع المرعبة التي كشفت يوم 19/6/2007 عن تعذيب وتجويع واغتصاب الأطفال الأيتام في أحد مؤسسات رعاية الأيتام الحكومية في بغداد .

جدول يوضح اوضاع المعتقلين في العراق عام 2006

 

سلطة الاحتجاز

أيار

حزيران

تموز

آب

% للفرق في نهاية حزيران وآب

القوات متعددة الجنسيات

14961

12616

13000

13571

8

وزارة العدل

7528

7528

8145

14427

92

وزارة الداخلية

4727

4346

3787

4331

0

وزارة الدفاع

660

730

969

743

2

وزارة العمل والشؤون الإجتماعية

282

487

497

490

1

العدد الإجمالي ماعدا حكومة كردستان الإقليمية

28158

25707

26398

33562

31

العدد الإجمالي في كردستان

1448

2147

1980

1980

- 8

العدد الإجمالي في العراق

29606

27854

28378

35542

28

 يقوم مكتب حقوق الإنسان في بعثة يونامي بصورة منتظمة بتوثيق ممارسات التعذيب التي انتشرت على نطاق واسع في العراق بعد ان ظهرت هذه المسألة بشكل متكرر كهاجس رئيسي،واعترف العديد من المسؤولين العراقيين بأنها تشكل معضلة.وقد استلم مكتب حقوق الإنسان في فترات دورية معلومات تتعلق بممارسة التعذيب في مراكز الإعتقال،فالجثث التي تظهر بصورة منتظمة في جميع أرجاء البلاد تبدو عليها علامات تؤكد أن الضحايا تعرضوا للتعذيب بوحشية قبل إعدامهم خارج نطاق القانون.كانت فضيحة سجن الاحداث اكبر من فضيحة سجن ابو غريب التي هزّت العالم لسبب بسيط ان السجّان هنا من ابناء الوطن والقرار بيد الحكومة والقضاء العراقي،وهو يظهر الوضع والحال السئ الذي وصلت اليه حقوق الانسان في العراق في هذه السجون(القانونية)المعروفة،فكيف هو الحال في السجون والمعتقلات السرية للاحزاب والوزارات والجماعات والميليشيات والسراديب وملاجئ البيوت والكراجات التي تم اكتشاف بعضها او التي مازالت تمارس عملها اليومي بكل حرية ونشاط والتي تنتج لنا كل يوم عشرات الجثث المعروفة والمجهولة؟!

 كبار المسؤولين العراقيين يمررون تهديداتهم للشعب العراقي،كالتهديدات الى العمال المضربين الذين يطالبون بحقوقهم المشروعة،بدون مساءلة من البرلمان!اذا كان كل من اختلف بالرأي أو الأسلوب يهدد بالاعتقال وربما غدا بالتعذيب والقتل فسوف نقرأ السلام على العملية السياسية ونقول مرحبا وأهلا وسهلا بعودة الدكتاتورية من جديد وبشكل مستحدث.ان أسلوب التهديد بالقوة واستعمال الجيش والشرطة يتنافى مع مبدأ الديمقراطية الذي يكرر على ألسنة كبار المسؤولين لا بل يتغنون به،والتهديد باستعمال القوة يعني جر البلاد الى صراعات جديدة لا تخدم الا أولئك الذين يقتلون العراقيين بالجملة والمفرد لمجرد حقدهم على الشعب.بدلا من التهديد والوعيد،على الحكومة مراعاة مصالح أفقر الطبقات الاجتماعية بمختلف مشاربها وقومياتها،على الحكومة أن تلتفت لحقوق هذه الطبقات وأن تستعمل لغة الحوار والتفاهم وهو الطريق الوحيد لحل المشاكل التي يعانى منها المجتمع برمته،أما الدخول في صراع مع الكادحين للتنفيس عن الحقد الطبقي للبعض ممن يرون في الشغيلة وحقوقها مخاطر على مصالحهم الذاتية فلن يكون أفضل من ذلك السقوط المريع لكل من عادى وحاول التجاوز وتهميش دور الطبقة العاملة وسائر الكاحين في الحياة السياسية لأن الطبقة العاملة العراقية اشرف الطبقات وأكثرها اخلاصا ووطنية ومسؤولية وبالضد من التخريب الاقتصادي المعادي لمصالح عموم الشعب العراقي.

 الشعب العراقي بحاجة ماسة الى المزيد من منظمات المجتمع التي تلتزم بقضايا الدفاع عن حقوق الإنسان ونشر ثقافة حقوق الإنسان في أوساط المجتمع،والى ملاحقة قانونية لمن يتجاوز على هذه الحقوق ويدوسها بأقدامه.إن العراق بحاجة الى فتح دورات خاصة بالتثقيف بحقوق الإنسان وتدريسها في مختلف مراحل الدراسة،والى عقد اتفاقيات مع بلدان أخرى لتدريب كوادر جديدة بمبادئ وسبل ممارسة حقوق الانسان والعلاقات الحضارية في المجتمع.مع زوال النظام السابق تأسست في بلادنا منظمات عدة لأغراض مساعدة المتضررين ومنهم السجناء السياسيين على استعادة حقوقهم وحقوق عوائلهم وما لحق بهم من حيف،الا ان هذه المنظمات لم ترتق الى مستوى المسؤولية!.

 تكمن عقدة الطائفية في أيهما في الدين حاكم على الآخر،أهو وحي السماء أي النصوص الدينية المقدسة عند المؤمنين به،أم هو الإنسان على ضوء اعمال عقله وتحكيم ضميره؟كل دين وكل مذهب وكل اجتهاد وكل استنباط وكل مدرسة فكرية وكل إيديولوجيا لا تنسجم مع ضرورات العقل الفلسفي أو العقل الأخلاقي أو غير منسجمة مع الضمير الإنساني لا يمكن أن يكون دينا أو مذهبا أو اجتهادا أو استنباطا مقبولا أو مدرسة فكرية أو إيديولوجيا مرضِية..واذا كان للإسلام فهمان،فالعاقل يدين لإسلام العقل والعقلانية والإنسانية والاعتدال والمحبة والسلام ويكفر اسلام الخرافة واللاعقلانية والتطرف والعنف والتباغض والاحتراب.لقد أصبح أمرا عاديا الحكم على أحد بتهمة الكفر والإلحاد،وارتفع عدد المتهمين بالكفر من المثقفين والمبدعين العراقيين مما اضطر البعض الى ترك بلاده والإقامة في المنفى هربا من التطرف والإرهاب الفكري الذي يمارس ضد إبداعه وضده شخصيا بالدرجة الاولى،وهناك أيضا من تم اغتياله على يد الجماعات المتطرفة.فالتكفير هو قول صريح بهدر دمه ودعوة واضحة لاغتياله!.

 تحت مظلة الديمقراطية الكاريكاتيرية فشلت قوى الأغلبية في حكم العراق بعد سقوط النظام الدكتاتوري الاستبدادي.الديمقراطية ليست شكلية وصورية ووضع ورقة التصويت في صندوق الانتخابات ليرجع الناخب عبدا كما قال منظر الديمقراطية المفكر الفرنسي جان جاك روسو.الديمقراطية الحقيقية عقلانية المظهر والجوهر كما قال غاندي،وهي تربية وممارسة واحترام للعقائد،واحترام للذات الانسانية بالتعبير عن الرأي بحرية مفعمة بالوعي والمسؤولية،وبشكل يتلاءم مع المجتمع،بعيدا عن العنف،وفي إطار القانون الذي يحمي المواطن الذي يعتبر نفسه جزءا أساسيا في اللعبة الديمقراطية،له حقوق مقابل واجبات،كعضو كامل النمو في المجتمع،وليس عضوا من الدرجة الثانية أو الثالثة لكل مَن هو خارج توجه ديني سياسي معين كما كان الحال في حكم البعث،وكما هو الحال في حكم الميليشيات الصدرية والحكيمية والمالكية اليوم.تنتشر في بلادنا اليوم ثقافة شراء السكوت المتبادل بين الضمائر العفنة(اصحاب النفوذ)،ويزدهر تجار السياسة والثقافة في كرنفالات الاستعراض والتهريج واللطم وشراء الذمم وولائم الصفقات والعمولات والتعهدات خلف الكواليس والمغانم،وينام اللصوص والحرامية والقراصنة رغدا في بلادنا..

 يشير الباحثان السويديان ماتسون وأولوف بيترشون في دراستهما القيمة بعنوان:

Makten over politikens spelreglar, 2004

الى ضرورة توفر ثلاثة شروط أساسية في الدولة الديمقراطية لكي تكون دولة القانون،وهذه الشروط هي:

  1. يجب أن يتمتع مواطنوا الدولة بالحقوق الأساسية والحريات العامة،وأن يكونوا متساوين أمام القانون.

  2. يجب ممارسة السلطة الرسمية بشكل يتوفر شرط ضمان تطبيق القانون وحكم القانون(وليس حكم الفرد أو الطائفية أو المحاصصة).

  3. يجب أن تنظم السلطة طبقا لمبدأ تقسيم السلطات والفصل بينها،ومشاركة قوى الشعب فيها(من قوى الأغلبية وقوى الأقلية،وليس حرمان الأقلية من المساهمة في السلطة،طالما أن الديمقراطية هي سيادة الشعب،وليس سيادة الحزب أو الفرد أو الطائفة أو المذهب).

 يتبع

 يمكن مراجعة دراساتنا في المواقع الالكترونية التالية:

  1. http://www.rezgar.com/m.asp?i=570

  2. http://www.afka.org/Salam%20Kuba/SalamKuba.htm

  3. http://www.al-nnas.com/ARTICLE/SKuba/index.htm

 العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com