|
الحلقة 1 المرأة في المجتمعات الشرقية تعاني من بخس لحقوقها في التعليم بشكل تام في وقت نرى كثرة من الأدلة النقلية والعقلية على فضل العلم والدعوة إليه ذكورا وإناثا مع التجارب السابقة لنساء تعلمن وصرن من الشخصيات المرموقة في التاريخ، فقد ذكر المؤرخون جمهرة من نساء العرب ممن عرفن القراءة والكتابة إبان ظهور الإسلام منهن فاطمة الزهراء والعقيلة زينب وعائشة بنت سعيد بن ابي وقاص وهند بنت ابي سفيان وام كلثوم بنت عقبة وكريمة بنت المقداد والشفاء بنت عبد الله العدوية وغيرهن من النساء المتعلمات وقد برع البيت العلوي في النباهة والفطنة والتعلم السريع فقد كان بيت الامام علي من اكثر البيوت تعليما للعلوم والمعارف وبالذات ماتحصل من جهود سيدة النساء فاطمة الزهراء التي أحصى التاريخ لها أنها علمت وثقفت عدد كبير من نساء المدينة وتعلمن على يديها الكثير من العلوم والاحكام . واستمر النضوج الفكري لدى المرأة العربية المسلمة على طول الفترات الغابرة ابان غيبوبة الأمم الأخرى وهناك لوحة نادرة رسمها الفنان العراقي يحيى الواسطي في سنة 634هـ-1236م موجودة في نسخة متحف (شيفر) من مقامات الحريري المحفوظة بباريس تظهر احدى النساء المسلمات في أواخر الدولة العباسية وكانها تعظ الناس او تلقي من محاضرة على بعض الفقهاء او الفقيهات في احد الجوامع في خلافة المستنصر بالله العباسي ، وقد ورد في كثير من الكتب المعتبرة ذكر للنساء وتعليمهن فقد اخذ هذا الموضوع حيزا كبيرا في طبقات ابن سعد الكبرى فكان لهن مجلدا خاص وكذلك ذكرهما الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد (ت463هـ-1070م) وتاريخ السمعاني المذيل لتاريخ الخطيب وكذلك تاريخ ابن الدبيشي مذيلا لتاريخ السمعاني والتاريخ المجدد لمدينة السلام لابن النجار البغدادي (ت643هـ-1245م) وقد برع بعض النساء في المراتب العلمية حتى درجة الاجتهاد في الفقه والاحكام الشرعية كالسيدة فاطمة بنت الشيخ أبي عبد الله محمد بن مكي العاملي المعروف بالشهيد الاول ت786هـ وهناك من النساء ممن تعلمن الشعر ونظمن به إشعارا فريدة في نوعها كالخنساء الشاعرة المعروفة وغيرها وبالرغم من ذلك فان انتشار التعليم والعلم بين الاناث والذكور لم يكن بنفس الدرجة بل كانت الأمية واضحة بين النساء على اختلاف أعمارهن وهذا يرجع الى عدة أسباب أهمها: 1. تحريم التعليم المزدوج أي الجمع بين البنات والأولاد في مدرسة واحدة وهذا ماجعل مسالة إنشاء مدرستان أمرا مستعصيا اقتصاديا وبما ان حصة الرجال في التعليم مضمونه لكونهم قادرين على تحمل مختلف الظروف فكانت الخسارة من نصيب النساء التي اصبح البيت أما مدرسة لها أو حفرة من حفر الجهل ترزح به الى المصير . 2.الزواج المبكر : وهذا أمر اجتماعي كان في السابق ولازال وبالخصوص في الأرياف يقضي بزواج البنت مبكرا مما يثقل كاهلها ويصرفها عن التعليم ويكون صارفا كليا لها مع تكاثر الأولاد واستبداد الأزمة الاقتصادية وهذا العامل مع كونه يصرف المرأة عن العلم إلاّ انه ليس سيئا بذاته فمن الممكن إن يستمر طلب العلم مهما كان ضئيلا مع الزواج خصوصا وان المرأة تصبح في مرحلة مابعد الزواج اكثر تعقلا ومسؤولية من قبل . 3.كلفة التعليم: يكلف التعليم النسوي من الناحية المالية أكثر بالنسبة لأولياء أمورهن فالتلميذ الذكر كان يدرس حافي القدمين مع ملابس رثة وتكاد تتمزق من البلى كذلك يستطيع ان يذهب الى المدرسة مهما بعدت المسافة وان يبيت عند أي صديق او قريب او حتى في المدرسة وهذا كله معيب للبنت عرفا وعقلا وقد يوصم ولي الأمر معه بالعار . 4.عدم قدرة المؤسسات التعليمية سابقا على النهوض بأعداد كبيرة من الطلبة فكانت قابليتها محدودة ومقتصرة على الميسورين وأبناء المسؤولين وأرباب الحرف المهمة والوجهاء ونحوهم .ومع ذلك فإننا لو قارنا نسبة المتعلمات في العراق حتى نهاية العصر العباسي بأية دولة من دول العالم آنذاك لما وجدنا بلدا بلغ ما بلغه العراق في تعليم المرأة وظهور كثرة من المتعلمات على مستويات مختلفة وقد ذكر ان طالبا من الاسكندرية جاء يطلب العلم في بغداد وقد درس لمدة ست سنوات تعلم فيها على اكثر من عشرين عالمة بغدادية وقد دون هذا في كتابه المذيل لكتاب إكمال الاكمال لابن نقطه البغدادي ولايفوتنا أن نذكر ثمة نساء بلغن مراتب علمية في مختلف المجالات ولكن لم يتسن لهن ان يفتحن مدارس خاصة لتعليم البنات نظرا لظروف عديدة قهرت تلك الإرادة وقد لوحظ ان العديد من النساء المتعلمات قد جعلن بيوتهن مدارس لتعليم البنات وإرشادهن وقد ساعد كون البيت فيه جانب كبير من الحماية والأمن الاجتماعي للنساء في عملية التعليم وعدم محظوريته من العرف مما أدى الى ازدهار العملية التعليمية بهذه الطريقة وقد منحت هذه الطريقة أيضا العديد من النساء فرصة تعلم القراءة والكتابة لمزاولة إعمالهن في مجالات أخرى فقد ظهرت قارئات القران والملايات (المرأة التي تقرا مسائل شرعية او تحيي وقائع إسلامية بالمراثي) وهناك من النسوة من وصلت بهن حالة المطالعة والبحث الى مستوى عال من الثقافة العامة وهذه الأمثلة انحصرت في مدن معينة فبغداد كانت أوفر حظا للتعليم من الإطراف والكوفة اكثر من غيرها من المدن والبصرة كذلك وعلى العموم فان مراكز المدن أوسع انتشارا للتعليم فيها من الأرياف التي هي عموما موطن خصب للامية وانتشار الأساطير والخرافات والدجل لان التعليم اذا غاب عن بلدة ظهرت البدائل فيها ومن جملة البدائل عن التعليم والثقافة هي الموروث الشعبي والرجوع الى الحكايات والقصص الخرافية والأخذ بالحكم بشكل جاف دون تطبيقها فتنتشر الأفكار السطحية والقشرية التي تقلب المعادلة دائما الى صياغة شخصية الفرد الأمي ساذجا اذا دخل شارعا لايعرف اين يكون طبيب العيون من الجلدية وغيرها من العناوين والأمثلة الأخرى ومن هنا نخلص الى حقيقة ان العرف كان المانع الاساس في معظم الاحيان في عملية تعليم المرأة لأنه يرى في تعليمها ترفا وطريقا لانحرافها السلوكي في حين تعلمت المراة في العصور الاسلامية ولم يمنعها الحجاب ابدا بل كانت لها كرامة ووجاهة تاتي من هذا الزي المحتشم .
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |