|
البصرة الفيحاء، ثغر العراق الباسم، وميناؤه الوحيد المطل على الخليج العربي، أو ربما الفارسي. الأمر لم يعد مهماً في ظل نظام العولمة الجديد، فالأسماء تحددها جهة ما رغم أنف التأريخ والشعوب والأوطان، والتأريخ هو الآخر أصبح عرضة للتغيير حسب أهواء البعض ممن نصبوا أنفسهم أصناماً على شعوبهم سواء كان ذلك بدعم خارجي أو بدونه. للبصرة تأريخ قديم قدم شجرة آدم في قرنتها، وللبصرة ميزات تفوقت فيها على شقيقاتها من المدن المجاورة، ولها طبيعة خلابة لا نجدها في أي مكان عراقي آخر، وشعب البصرة متنوع الثقافات والحضارات والأديان والألوان حتى بات الأكثر تنوعاً بين كل مدن العراق، موقعها الجغرافي متميز حيث انتصبت المدينة شامخة بين دولتين طامعتين بها على مدى عصور طويلة. كانت البصرة هدفاً ليس لجيرانها الطامعين بمياهها وموقعها فحسب بل كانت المدينة التي حطت على أرضها كل الجيوش الغازية للعراق على مدى التأريخ. ولن ننسى ما تميز به شعب البصرة من ثقافة عالية برزت من خلال العديد من ابنائها المثقفين من الأدباء والشعراء والكتاب والفنانين والمؤرخين وغيرهم. لن ننسى مساهمات – البصاروة - في كل الإنتفاضات والثورات العراقية الوطنية حتى أصبحت البصرة مصدر قلق لكل الأنظمة الديكتاتورية والإستعمارية التي حكمت العراق عبر التأريخ. عانت البصرة وأهلها من حروب البعث جميعها حتى كادت أن تكون المدينة الأكثر معاناةً. قصفها الإيرانيون طوال حرب الخليج الأولى، والأمريكان وحلفاؤهم في حرب الخليج الثانية، ودمرها البعث وصنمه خلال الإنتفاضة الشعبانية المباركة. خاصمها أغلب حكام العراق فكالوا لها كل أنواع الظلم والإضطهاد فحاصروها ومنعوا عنها كل أساليب التطور الحديث فباتت مدينة موحشة ومهملة لسنوات طويلة، ربما كان أسوأ مامرت به هي فترة حكم البعث الأولى والعارفين والبعث الثانية. مدينة النفط، والنخيل، والتمور، والمياه، والموانئ، والأنهار، والأهوار، مدينة العز والكرم، مدينة الشموخ والنضال ...... حطت على أرضها الجيوش البريطانية والإنكلو بريطانية – الهندية – من قبل وأختارها البريطانيون من جديد مكاناً لهم بعد سقوط الصنم. بالأمس، قرر البريطانيون أن يسلموا مسؤولية أمنها للحكومة العراقية وشرطتها، وهو أمر مشروط ببقاء المحتل البريطاني لحين. تقول لنا الأخبار أن الجيوش والثكنات البريطانية ستبقى في البصرة لإسناد الحكومة العراقية وسلطاتها الأمنية بل أنهم سيعينون مستشاراً إقتصادياً بريطانياً في البصرة وربما قنصلاً فيما بعد. لم يعد مهماً أن يبقى جيش الإحتلال في البصرة فهو جيش محتل مازال يملك حرية القرار، لكن الأهم إن ماتعانيه البصرة منذ حين من إنتشار عصابات إختارت الدين غطاءً لها لتعيث فساداً بأهل البصرة. هؤلاء استباحوا الحرمات ومارسوا السرقات وقتلوا الأبرياء وظلموا الناس بأسم الدين هادفين تحقيق مآربهم في إدامة عصر الخوف والرعب الذي بسطه صنم العراق عبر أكثر من خمسة وثلاثين عاماً على البصرة وشعبها. إن نجاح السلطات العراقية في القضاء على تلك البؤر النتنة وتخليص البصرة منهم وبسط وسائل الإمان والحرية لشعب البصرة بأقرب فرصة ممكنة سيكون له تأثيره الكبير ليس على البصرة فحسب بل على المدن القريبة الأخرى وسيفتح الباب على مصراعيه أمام تقدم سياحي واقتصادي وإجتماعي وثقافي للبصرة والمناطق المجاورة، عندها ستستحق أن تعيد البصرة مجدها التليد وتعود لتكون الثغر الباسم للعراق بحق.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |