|
موطني لم يعد موطناً
أحمد جباوى/ لندن لاأعرف بالضبط متى كُتب أو لُحن نشيد موطنى الشهير،لكن وطنيته المفرطة وحماسة ايقاعه العالى تجعلني أميل للأعتقاد بانه ربما يكون قد كتب فى أجواء ثورة الرابع عشرمن تموز من عام ثمانية وخمسون (تلك الثورة التى تسمى فى مفاهيم العصر الحالى انقلابا) التى شحذت همم وطنيوا العراق فراحوا يتغنوا بها، صحيح أنى ولدت فى بداية ذلك العام لكن ذلك لايمنع من أن تنوشنى رياح تلك الاجواء،ففى كل صباح يوم خميس وحين يرفع عَلم الجمهورية نصطف أمامه بجلال مصطنع، منتصبين كأعمدة الكهرباء فى وسط ساحة مدرسة حمورابي الأبتدائية فى مدينة الحلة وننشد على أنغام اكورديون معام النشيد نشيد(موطنى)، نحاول متحمسين أن نقلد الكبار باصواتنا، نجتهد كى تكون أصواتنا جهورية كاصواتهم، ونسترسل فى الأنشاد بدون حراك، موطنى موطنى، الجلال والجمال، والسناء والبهاء، فى رباك الخ حتى نصل الى (هل أراك فى علاك تـبلغ السماك تبلغ السماك) وطبعاً لم نكن نفهم ونحن صغار كثير من كلماته، لقد كانت أكبر من أعمارنا بكثير ومع ذلك كنا نحفظه عن ظهر قلب ونردده كما لو اننا ببغاوات كبيرة تغني، الكلمات الوحيدة التى تستوقفنى وتثير فضولي وتسائلي هى (هل أراك فى علاك تبلغ السماك تبلغ السماك)،هل المقصود بها سماوات الله، واي سماء من سماوات الله السبع كما كان يؤكد لنا معلم درس الدين بان هنالك سبعُ من السماوات، واحدة للرب وست للبشر توزع كل حسب ايمانه. تمعنت كثيراً بالكيفية التي يمكن بها بلوغ السماء، كنت متأكد بأن هناك طريقة معينه لذلك . تحاورت مع قريب أكبر منى سناً أدعى المعرفة فراح يشرح لي بطريقة مشوشة وغير مفهومة عن الطائرات والطيور والاجنحة وهذيان اخر لم يعلق ببالى حتى تشوشت الصورة برأسى تماماً، لكن ذلك التشوش دام طويلآ،كنت احتاج لسنوات طويلة حتى ادرك بأن ألعراقيون بدأوا يرحلون الى السماء منذ ستون عاماً وبدون ارادتهم، أى منذ أن بدأوا ينشدون ذلك النشيد،طبعا كل حسب طريقته الخاصة الانقلابات العسكرية المباركة و(الثورات البيضاء) وقادسيات الامة العظيمة ومفخخات الله الحسنى ومليشيات أئمة أطفال تستبيح دماء (النواصب) ولحى تكفيرية تأمر بالمنكر وتنهى عن المعروف، تحز رقاب من لارقيب له و...و...وقائمة طويلة من العبث الالهى المؤدي الى السماء (الموت)* ستون عاماً ونحن ننشد السماء،لاأدرى متى سنصل (بالمعنى المجازى) والوطن بدون بنية تحتية تذكر ونسبة البطالة مرتفعة والفساد المالي والاداري جدير بأن يوضع بكتاب( غينز) للارقام القياسية، أصبح العراق مرتعاً للارهاب والجريمة المنظمة وبؤرة لتجارة المخدرات وتسربها الى بقع أخرى من العالم وادرج العراق من الدول المهددة للثقافة ويعيش أبنائه دون مستوى خط الفقر،أموات بهيئة أحياء،صدقوا أنفسهم وانتخبوا برلماناً (يليق بهم) نصف رجاله لم يمارسوا السياسة من قبل،لم يخطر ببالهم أن يتظللوا بظلال قبة البرلمان فى يوم من الأيام، واغلب نسائه نادبات موتى أقرب منهن الى البرلمانيات .تفتتح جلساته بآيات من الذكر الكريم تذكر من لم يتذكر بالعذاب الاليم والوسواس الخناس الذى يوسوس فى صدور الناس. متى سنصل السماء والعمائم المقدسة واللحى التكفيرية (الوسواس الخناس) تتدخل بأدق تفاصيل الحياة، يفتون فتاوٍى تحاكى فى تخلفها العصور الوسطى،فتاوٍى تروج لثقافة الحزن والجهل والقتل، فتاوٍى تحرم على العراقي أن ينشد موطني فالسلف الصالح لايجيد الانشاد والعزف على المطبك أو غناء النايل كل شى بقى على حاله فى هذا الوطن لم تنوشه الحضارة أو تتلاقفه عجلة التطور...الا الجهل،فهو أخذٌ بالتطور .لم أكن اعرف من قبل بأن الجهل والتخلف قابلين للتطور أيضاً فيا وجعي على العراق وأهل العراق،وعلى موطني...موطني * معدل عمر الانسان العراقى تسعة عشر عاماً
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |