|
ما أن انبثقت ثورة الرابع عشر من تموز1958 المجيدة ، حتى أنطلق المارد الشيوعي من قمقمه، فها هو اليوم الموعود، والحلم الكبير الذي تحقق للعراقيين، بفضل النضال الجاد للطلائع العراقية الواعية من شيوعيين وديمقراطيين وقادة عسكريين، ألهبهم الحماس الوطني للنهوض والانقضاض على حكم العملاء والجواسيس، وكانت القوى الوطنية قد مهدت للثورة وأعادت إلى الأذهان قصة السجين البائس الذي التقى بالخالد فهد في السجن، ، وقال له: هل تتصور أنكم قادرين على اقتلاع هذه السنديانة القوية"نوري السعيد" وأنتم في هذا المستوى الاجتماعي، في تصور منه بأن الطبقات الشعبية التي قدر لها أن تنوء تحت وطأت الطبقة البرجوازية غير قادرة على التغيير لافتقارها إلى القوى الظاهرة التي تتمتع بها الطبقة الحاكمة، وكانوا يتجولون في باحة السجن، وكان هناك وتد مغروس فطلب منه الرفيق فهد اقتلاعه فلم يتمكن من زحزحته من مكانه أو تحريكه واقتلاعه، فأخذ الخالد فهد يتحدث معه بأمور شتى، وهم يسيرون جيئة وذهابا وكلما مر من جانب الوتد ركله برجله، وبعد قليل طلب منه اقتلاعه فما أسرع ما أقتلعه بيديه، فقال له وهكذا السلطة إذا أكثرت الطرق عليها سهل اقتلاعها. لقد كان لطلائع الشعب الواعية أثرها في التمهيد للثورة والتحضير له، وكان للحزب الشيوعي العراقي علاقته الخاصة بقائد الثورة ، وقد علم الحزب بموعد الثورة وساعة ، طلاقه، فأعلن التعبئة العامة بين كوادره المتقدمة، وطلب منهم التهيؤ للثورة، واتخاذ الأجراآت الكفيلة بتعبئة الجماهير للدفاع عنها وإسناده، لذلك ما أن أذيع البيان الأول للثورة من دار الإذاعة العراقية، حتى انطلقت جحافل المجد، وخرجت الأٍسود الشيوعية من مضاربها لتملأ الشوارع وتمسك بالطرقات وقطع الطريق على الأذناب والعملاء الذين حاولوا الوقوف بوجهها وإفشاله، فكانت الجماهير الشعبية وطلائع القوات المسلحة تجوب شوارع العاصمة لمواجهات احتمالات التحرك المضاد لأعداء الثورة، ومحاولة إجهاضه، وانطلقت الجموع لتدك صروح الخيانة ومرتكزاتها في التفاف بارع على قوات الحكومة ودور كبار رجال الدولة والقصر الملكي، فكان ما كان من الانتصار المبين للإرادة الشعبية في إزاحة الكابوس الجاثم على صدور العراقيين، ونجاح الثورة لتقوم تلك الطلائع بالتعبئة الجماهيرية التي أرعبت الرجعيين والموتورين والمدافعين عن الحكم الملكي المقبور، من رجالاته والإقطاعيين والملاكين وبعض رجال الدين المرتبطين بالبلاط والحكومة السعيدية، فانزوى أزلام الحكم البائد في جحورهم ينتظرون مصيرهم الٍود على أيدي الشعب الذي أذاقوه الويل والثبور في حقبة مظلمة من الحكم البوليسي القمعي. وكان أبو نزار في طليعة الجماهير المؤيدة للثورة، وقاد الجموع في مظاهرات التأييد والإسناد، ونسب للعمل في محافظة واسط وأصبح رئيسا للاتحاد العام للجمعيات الفلاحية، ورافق لجان الإصلاح الزراعي عند توزيع الأراضي على الفلاحين، وشارك في المؤتمر الأول للإتحاد العام للجمعيات الفلاحية في العراق، وقام بتقديم زعيم البلاد لإلقاء كلمة الافتتاح، وشارك في الوفد الفلاحي الكبير الذي قام بمواجهة الزعيم لتفعيل قانون الإصلاح الزراعي، وضرورة الإسراع في تطبيقه، وتوزيع الأراضي على الفلاحين، فأوعز الزعيم بأشرك ممثل عن الاتحاد يرافق لجان التوزيع، فكان مشتركا فاعلا في هذه اللجنة وساهم بشكل كبير في عمليات التوزيع في محافظة واسط.وقد أنتدبه الاتحاد العام للجمعيات الفلاحية للسفر إلى بلغاريا للاطلاع على تجربتها في العمل الزراعي وبناء القرى العصرية للفلاحين والمزارع الجماعية وأساليب إدارته، لما للبلد الشقيق من تجارب رائعة في هذا المجال. وقد أصبح الجو ممهدا في هذه الفترة لبناء التنظيمات الحزبية، والتغلغل في المنظمات الجماهيرية، فكانت فرصة ذهبية للحزب أن يعمق تواجده في الشارع العراقي لما يمتلك مت خبرات في التنظيم، ولكن العلنية تحمل في داخلها الكثير من السلبيات المضرة، لأن الجماهيرية التي يتمتع بها الحزب، وقلة الكادر أدى إلى حدوث خلل في التنظيم ودخول الكثير من العناصر غير المنضبطة التي لم يعجمها النضال وتصقلها التجارب، فحدثت بعض الأخطاء التكتيكية التي إساءة إلى التنظيم، وأخذت القوى المعادية تضخم من بعض الأخطاء الحادثة، مما أساء بشكل أو آخر للحزب ومسيرته بسبب العناصر الانتهازية المندسة في صفوف الحزب، وقلة الوعي لبعضه، ومحاولة عبد الكريم قاسم الحد من نفوذ الحزب بسبب التأثير الضاغط للقوى الرجعية والقومية، فكان تراجع الثورة وانتكاسته، وأخذ عبد الكريم قاسم بفعل التأثيرات المختلفة التراجع عن الكثير من القرارات، وأصبح لأذناب العهد المباد والقوميين والرجعيين تأثيرهم وامتدادهم في جسد الدولة العراقية، وأصبح قاسم شبه معزول في وزارة الدفاع، لا يدري بما يحدث خارج بغداد، مما جعل هذه القوى تخرج من شرنقتها وتحاول الإساءة لأبناء العراق المخلصين، فكان أن أستحوذ القوميين والبعثيين والمحسوبين على القوى الدينية على النقابات المهنية والعمالية والجمعيات الفلاحية، وتمكنوا من التغلغل في أجهزة الدولة، والهيمنة على إدارات الألوية والمدن، مما جعلهم يضيقون الخناق على الشيوعيين، وخصوصا بعد أحداث الموصل وكركوك، وما الصق بالحزب الشيوعي من تهم باطلة أعترف بها مؤخرا مروجيها والساعين لافتعاله، وثبت بطلانها بالأدلة والوثائق حيث ظهر أن الصور التي أعدتها المخابرات المصرية بإيعاز من عبد الناصر وروج لها من خلال وسائل إعلامه بالتعاون مع ما يسمى بالقوميين العرب والبعثيين، أنها قد التقطت لضحايا الإرهاب الناصري في مصر وما قامت به حكومته من أعمال منافية لحقوق الإنسان في تعذيب المعتقلين وقتلهم داخل أقبيته وسجونه السرية، وقد روج لها على أنها من أعمال المقومة الشعبية التي كانت في حالة الدفاع عن النفس إزاء الهجمة الشرسة لحثالات الرجعيين والعملاء المتعاونين مع الحكومة السورية والمصرية، وما ثبت من خلال أقوال مدير شرطة كركوك عن موقف الشيوعيين المجيد من أجل إيقاف المجزرة التي قام بها الرجعيين بالتعاون مع شركة نفط كركوك، التي زجت بعملائها لمهاجمة المسيرة هناك، فكان على المشاركين الدفاع عن أنفسهم بما توفر لهم من أسلحة بسيطة، ولكنهم انسحبوا من الساحة في محاولة منهم لتجنب المعركة التي تحاول شركة النفط أثارته، مما جعل عملاء الشركة يمارسون دورا مزدوج، فقاموا بأعمالهم الجبانة التي ألصقت بالشيوعيين، فكان لموقف قاسم المتذبذب أثره في استشراء الدور القذر للقوى المعادية للحزب، فأستعاد الإقطاع نفوذه في مؤسسات الدولة، وأخذ دوره الطبيعي في قراراته، فكانت الاعتقالات التعسفية والفصل الكيفي، وجند الشيخ بلاسم الياسين جلاوزته لاغتيال العناصر الشيوعية الناشطة في المحافظة، وشكل عصابات مدعومة من أدارة اللواء للانتقام من الفلاحين والناشطين منهم على وجه الخصوص، ، واغتيل المناضل المعروف(عبد شرافة) عندما كان يعمل في حقله، واغتيل الطالب (حسين) وهو في طريقه إلى بغداد للالتحاق بمدرسة الصنائع، وأبعد الكثيرون منهم وفي مقدمتهم الرفيق هاشم جلاب، مما أثر على التنظيم وفاعليته، رغم أن الرفاق قاموا بأدوار رائعة في فضح ممارسات السلطة، بإصدار البيانات والكتابة على الجدران، والتحرك ضمن الحدود التي يستطيعون التحرك من خلاله، وعدم ترك ساحة النضال، فكانت الاعتقالات المتوالية للناشطين منهم وأحالتهم إلى المحاكم العرفية، وإصدار الأحكام المجحفة بحقهم، مما عطل من تنفيذ قانون الإصلاح الزراعي، وأفسح في المجال لقوى الإقطاع باختيار الأراضي الصالحة للزراعة، وتوزيع الأراضي البور على الفلاحين، مما أثر بشكل عام على مستوى الإنتاج الزراعي، في خطة ذكية من صنائع الاستعمار وأذنابه لإظهار الفلاحين بمظهر الفاشل في أدارة أرضه، دون سوط الإقطاعي، وبالتالي أثر تأثيرا مباشرا على السواق العراقية ومهد الطريق للعابثين للانقضاض على السلطة ، وكانت للحزب أخطائه المميتة في عدم اتخاذ أجراء ثوري حاسم في تغيير الأوضاع واستلام السلطة رغم إمكانياته الشعبية وكثرة عناصره وأنصاره في القوات المسلحة، ومرافق الدولة الأخرى، وكان لهذا التماهي أسبابه الخارجية والداخلية ، وهو ما يستحق دراسة قائمة بذاته، فكان كبار موظفي الدولة وهم من العناصر المعادية للحزب تلفق التهم الباطلة للشيوعيين وتحاول بكل الوسائل إنهاء نفوذهم في الشارع، وتحركت الجماعات الدينية لشد أزر هؤلاء لتضررها من القوانين الثورية التي أضعفت نفوذه، وحدث الإتحاد بين هؤلاء المتضررين مما أدى إلى أضعاف حكومة قاسم ومهد لإسقاطها في 8 شباط الأسود، فكانت المقاومة الباسلة للشيوعيين في الدفاع عن حكومة قاسم رغم ما وجهه إليهم من ضربات خلال السنوات الأخيرة من حكمه، ولو كان لقاسم نظرته البعيدة المدى لما وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه، ولكن هذه هي طبيعة البرجوازية وتحالفاته، وما لمثل هذه التحالفات من أخطاء مميتة لم يستطع الحزب الاستفادة منها طيلة تاريخه، وعاد للتحالفات الكارثية التي سنشير إليها في القادم من الذكريات.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |