البصرة: قتل النساء وصمت الحكماء .....!!؟

 

باقر الفضلي

الفقهاء؛ فئة من الناس حباها الله بنعمة الحكمة، ومَنَّ عليها بالمعرفة، وألهمها ما لم ُيلْهِمُ به الآخرين من سبل التبحر بالعلم وإستنباطِ الأحكامِ ومدلولاتها، وخصَّها بما لم يخص به الآخرين من القدسية والإطاعة، وبوءها بما لم يبوء به الآخرين من مكانة من العز والمهابة؛ فدانت لها عامةُ الناس بالطاعة، وإئتمرت بأمرها عند طلب المشورة، حتى صار لها القدحُ المعلى فيما تجتهد، والصرحُ الأرقى حينما تقوم وحيثما تقعد؛ تشير فتُطاعْ، وتأمرُ فتُستجابْ؛ كلِمَتُها هي النافذة، وإرادتُها هي الغالبة..!؟

الفقهاء؛ يعلنون بأنهم خدمُ الأمةِ وعمادُها، وقادتُها للصلاح والإصلاح، ومرجعُها في النوائبِ، وملاذُها في المصائب، ومرشدوها لإحقاق الحق ، وآمروها بالمعروف ونهي المنكر..

فهم؛ قلَّما يتحدثون، وقلَّما يظهرون أو يتمظهرون؛ يأنفون العيشَ في الأبراج العالية، ويزهدون في متع الحياة الفانية؛ زاهدون لا متصوفون، تُشغلهم أمورُ العباد قبل أن تُلهيهم فتنُ الحياة..

في صمتهم حكمة، وفي إفتائهم نعمة.. القليل من يدرك ما يقصدون، ومتى يجتهدون، وإيان ينطقون..

لا تهز وقارَ حكمتهم حادثة، ولا تستعجل قرارَهم آزفة؛ فلماذا يستعجلنا الجزع، ويغلبُ علينا الهلع..؟ لماذا تستفزنا الأحداث، ويُرهِقنا الإنتظار، وينفذ لدينا الصبر، ونستعجل القطفَ قبل أوانه، ونجأر بالشكوى فيستحوذ علينا اللّجَج..؟!

أليس في صمت فقهائنا حكمة، وفي نسيانهم أو تناسيهم رحمة.؟! ألم يُودِعوا لدينا القانون، ومنحونا فرصة الحكم بأيدينا.؟ فلماذا نشغلهم بصغائر الأمور، ونلهيهم عن النظر في شؤون العامة..!؟

فما شأن قتلُ الأناثِ بحكمة فقهائنا؛.؟ فهل تناسينا بأن للذكر مثل حظ الأنثيين..؟! وإن قُتلن؛ مثنى وثلاث ورباع وما شاء من شاء من أولي المكنة والجبروت..؟ 

فقهاؤنا إن صمتوا فهم يعلمون، وإن نطقوا فلا يُغيّرون ، وإن إستنكروا فقد يلامون، فما لهم وشأن من يُقتلون..؟!

فللصمت أحكامُه، وللقتل أحكامُه، وللخوف أحكامُه، كما إن للموت أحكامه؛ فمن يشأ فليختر، فليس ثمة إن شئت، أمامك غير ذلك من إختيار..!!؟

قبل ألفٍ وخمسمائة ونيف عام، قتُِلَتْ البنات خشية إملاق، واليوم تُقتل البنات خشية إفساد..

 قبل ألفٍ وخمسمائة ونيف عام، ناصر نبي المسلمين ضحايا الجهل والتعصب، وأنقذ الكثيرات ممن أدركن الإسلام من الفتيات، من قتل "الخَشية"..

 وبعد الفٍ وخمسمائة ونيف عام، عادت اليوم شللُ ُ من القومِ الى الجاهليةِ الأولى، فإرتَدوا على الأعقاب، وأسسوا لدينٍ عُجاب؛ إذ تُزْهَقُ أرواحُ بناتِنا وأمهاتِنا وأخواتِنا تحت طائلةِ حُكم \"الخَشية\" ، وتُرتَكَبُ جرائمُ القتلِ بدمٍ بارد، وفي ظل سلطة الدولة، وسَمْعِ وعلمِ رجال الأمن والقانون وبإعترافهم الصريح..!!؟؟(1) 

إن قتلَ النفس البريئة على أساس الظِنَّة والشُبُهة والخَشية، وخارج حكم القانون، هو جريمةُ ما ورائها جريمة، ولا يمكن أن تجدَ مبرراتها حتى في أعتى النظم الإستبداية، ولا حتى في قانون الغابة؛ إنها إستباحة غير مسبوقة العهد، ولم يَعرفْ لها التأريخُ مثيلاً في الهمجية والوحشية، لدماء النساء في عراقنا \"الجديد\"؛ أما الصمتُ عليها وعدمُ إدانتها والتهوينُ من بشاعتها، والفَشلُ في تعقيب الجناةِ رغم التكرار، هو الآخرُ لا يجد تبريراته إلا في عدم الشعور بالمسؤولية في الحدود الدنيا على أقل تقدير، إنْ لم يخضع القائمون على حفظ النظام الى طائلة المسؤولية القانونية عما يحدث من مسلسل الجرائم ضد النساء ...!؟ 

لسنا اليوم في زمنٍ، الحكمُ فيه بيد الأنبياء، ولكن لدينا الدستورَ ولدينا من الحكماء أو الفقهاء العدد الوافر الذي مارس دوره وبفعالية مشهودة في جوانب كثيرة من العملية السياسية، بدءً من الإِنتخاباتِ وإِنتهاءً بالتشكيل الحكومي وفي أمورٍ سياسيةٍ وإداريةٍ وتوجيهيةٍ أخرى.. فكيف يُفَسِرُ المرء هذا الصمت المُطبق والذي يبعث على اليأس والقنوط، الذي يتمسك به أصحاب النهي والأمر من أعلام المرجعيات الشيعية والسنية على حد سواء، ومن حكامنا وسياسيينا أزاء ما يُقترفُ من جرائم بحق النساء، وما يلحق بأبناء الطوائف الدينية الأخرى من مواطني البصرة الفيحاء والمدن الأخرى، من إضطهادٍ فاق كلَ الأعرافِ الإنسانيةِ والدينيةِ والحضارية، من قتلٍ وتشريدٍ وتهجيرٍ وسائرِ الموبقاتِ التي يندى لذكرها جبينُ الإنسانية؛ ولماذا هذا التعتيمُ والتقليلُ من أهمية ما يحدث في المدينة بطريقة لا تخلو من الإستهانةِ بقيمة الإنسان وضعفِ الشعورِ بالمسؤولية رغم كل الأدلةِ والقرائن التي تشيرُ الى هول الجريمة ومَنْ يُغذيها..!؟؟(2)

قالوا إنَ من شَر البلية ما يُضْحِكْ.. وأقول إنَ من هَولِ المصيبةِ ما يُفزِعْ..!؟

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com