قراءة في مبادرة الطالباني

 

ساهر عريبي

sailhms@yahoo.com

كشف السيد فؤاد معصوم رئيس كتلة التحالف الكردستاني عن عزم الرئيس جلال طالباني تقديم مبادرة جديدة لحل الأزمة السياسية التي يمر بها البلد بعد سلسلة الأنسحابات التي عصفت بحكومة نوري المالكي والتي تركتها هشة وغير قادرة على أداء مهامها على الوجه الصحيح بما يلبي طموحات العراقيين. فهذه الحكومة قد أثبتت وبكل جدارة فشلها وعلى جميع الأصعدة بسبب سياسات رئيسها التي لن تسوق العراق إلا الى الهاوية.

ولا شك بان الرئيس طالباني يدرك خطورة الوضع السياسي الحالي الذي يمر به العراق , وهو الأمر الذي دعاه إلى بلورة هذه المبادرة  والعزم على إطلاقها بعيد عطلة عيد الأضحى المبارك. ورغم علم القاصي والداني من العراقيين بوجود أزمة سياسية حقيقية إلا أن بعض المقربين من رئيس الوزراء يصرون على إنكار وجود مثل هذه الأزمة سعيا للحفاط على المكاسب التي تحققت لهم بسبب هذا الوضع الشاذ.

ورغم عدم الكشف عن تفاصيل هذه المبادرة إلا أنه يمكن قرائتها من خلال مواقف السيد رئيس الجمهورية والذي كان شخصية توافقية لعبت دورا بارزا في تقريب وجهات النظر بين مختلف الفرقاء العراقيين ومنذ ايام المعارضة وحتى اليوم. ولذا فمما لاشك فيه بأن السيد الطالباني سيركز في مبادرته على ضرورة تحقيق مصالحة وطنية حقيقية وطي صفحة الماضي , وبضرورة إعادة بناء الحكومة الحالية بما يضمن تمثيلا حقيقيا لجميع المكونات العراقية.

إلا أن نقطة ضعف هذه المبادرة ستكون في تأكيد السيد الرئيس على مقولة أن لابديل للمالكي غير المالكي , وفي إعتقادي أن هذا الطرح الذي يصر الرئيس على طرحه دوما سينسف مبادرته وسيأدها وهي في مهدها. ولذا فأن أراد السيد جلال طالباني النجاح لمبادرته فعليه أن يتخلى عن هذا الطرح وأن يعدل مبادرته بالشكل الذي لاترتكز فيه الى هذه الطرح , بل ترتكز إلى إطروحة أن لابديل للمالكي إلا غير المالكي.وذلك للأسباب التالية:

أولا: أن رئيس الوزراء قد فشل فشلا ذريعا في تحقيق كل الأهداف التي كان مقررا لحكومته تحقيقها بدءا من الجانب الأمني والخدماتي وإنتهاءا بتحقيق المصالحة والوطنية وإعادة إعمار البلد. فالجانب الخدماتي يتردى يوما بعد يوم , ولاتبدو المصالحة الوطنية أمرا قريب المنال مع إستمرارا رئيس الوزراء بسياسته هذه , كما وان مسيرة الأعمار لاتسير في الطريق الصحيح رغم حجم الأموال التي صرفت طيلة العامين الماضيين والتي لايعلم أحد إلى جيوب من أخذت طريقها. ويعود السبب في كل ذلك الى ضعف الطاقم الأستشاري لرئيس الوزراء رغم تشخيص  هذه الحالة وتنبيه رئيس الوزراء عليها من قبل عدد كبير من المثقفين العراقيين وفي طليعتهم المفكر العراقي الكبير الأستاذ غالب حسن الشابندر.

ثانيا: كادت سياسة رئيس الوزراء الأمنية التي وضعها له مستشاروه المحنكون ان تودي بكل المكاسب التي تحققت للعراقيين اليوم. ولولا الموقف الأمريكي الحازم الذي أوقف هذه السياسة عند حدها لسقط العراق لقمة سائغة بيد قوى الأرهاب. فرئيس الوزراء كان ومازال يصر على رفض تسليح العشائر العراقية في معركتها ضد قوى الأرهاب وقد أثبتت الأيام بأن هذه العشائر كانت الورقة الرابحة التي قلبت موازين القوى لصالح الشعب العراقي في حربه ضد قوى الظلام التي أحرقت الأخضر واليابس طيلة السنوات التي أعقبت سقوط النظام الصدامي. ولولا هذه الوقفة البطلة لهذه العشائر لكان للعراق اليوم شأن أخر. إلا أن رئيس الوزراء يحاول اليوم مصادرة هذا النصر الذي تحقق وتصويره بأنه نصر لحكومته ولسياستها. والواقع أن هذه النصر لم يكن ليتحقق لو قدر للمالكي تطبيق سياسته الأمنية,  فهذا النصر يعود وفي المقام الأول للسياسة الأمريكية والتي قامت على اساس تسليح العشائر,  وكذلك لقرار سماحة السيد مقتدى الصدر والقاضي بتجميد نشاط جيش المهدي وكذلك لبسالة وشجاعة القوى الأمنية العراقية.

ثالثا: لقد أعاد رئيس الوزراء العمل بسياسة الحزب القائد والمدينة الواحدة والتي أسسها سلفه صدام حسين فملأ رئاسة الوزراء ومكاتبها بالحزبيين ممن ينتمون إلى جناحه الحزبي ومن الباب والى المحراب بغض النظر عن كفائاتهم وتأريخهم فكان المعيار الوحيد هو مدى قربهم منه ايام المعارضة ومدى ولائهم لجناحه الحزبي, حيث تمت إطاحة وإستبعاد كل من  ينتمي الى جناح سلفه. ولم يكتف رئيس الوزراء بذلك بل سعى لأستغلال الفراغ الوزاري الذي حصل بسبب سلسلة الأنسحابات التي منيت بها حكومته وذلك بإحكام سيطرة حزبه على تلك الوزارات الشاغرة والتي يسيطر عليها اليوم إما حزبيون أو اخرون مقربون من جناحه الحزبي وأسوق على سبيل المثال لا الحصر وزارات الصحة والثقافة والنقل والسياحة والأتصالات والى اخر القائمة . وإذا ما أخذنا بنظر الأعتبار عدد المقاعد التي حصل عليها جناح المالكي في البرلمان والتي لا تتجاوز التسعة مقاعد , فسيصاب المرء بالذهول عند مقارنتها بالمكاسب التي حققوها اليوم والتي لايشاركهم فيها حتى حلفائهم في الأئتلاف ممن اوصلوهم الى السلطة. ولذلك فلايبدو المالكي في عجلة من امره لسد الفراغات الوزارية , بل إنه يرغب ويسعى من أجل ديمومة وإستمرارية هذا الوضع الشاذ وذلك لأحكام سيطرة جناحه الحزبي على السلطة.

رابعا: لقد تحول رئيس الوزراء ورغم نزاهته ونظافة يده والتي لاغبار عليها , تحول وللأسف الى أكبر متستر وحام للمفسدين في تأريخ العراق لحقبة مابعد السقوط. فرغم علمه بحجم الفساد الأداري المستشري في حكومته إلا انه وللأسف منع إتخاذ أي إجراءات قضائية بحق المفسدين سعيا للحفاط على مصالح حزبه خاصة وان العديد من أعضائه متهم بقضايا فساد أزكمت رائحتها أنوف موظفي هيئة النزاهة . ولقد جانب الرئيس السابق لهيئة النزاهة الصواب بأتهامه للمالكي بالتستر على فساد أقاربه وواقع الحال أن المالكي معروف بشدته في التعامل مع صغار الموظفين من أقاربه إلا انه متساهل في معاقبة المفسدين من الحزبيين عملا بالقاعدة الجاهلية القائمة على معاقبة السارق الضعيف وترك السراق الكبار.

خامسا: لقد فشل رئيس الوزراء في تحقيق مصالحة وطنية حقيقية رغم إتخاذه لعدد من الأجراءات التي يوحي ظاهرها بأنها ستؤدي الى تحقيق مصالحة وطنية وواقع الحال أنها لاتصب إلا في خانة تثبيت سلطته وسلطة جناحه الحزبي كإعادة عدد كبير من البعثيين الى الخدمة وخاصة من منتسبي الأجهزة الأمنية الصدامية وذلك لمنع منافسيه من اللعب بهذه الورقة وإستغلالها لأغراض سياسية.

ولذا فأن السيد الطالباني إن أراد النجاح لمبادرته فلابد له من تعديلها لترتكز على مبدأ إستبدال المالكي بشخصية تضع كافة إنتمائاتها جانبا إلا مبدأ الأنتماء للعراق والسعي لخدمة جميع أبنائه بغض النظر عن إنتمائاتهم العرقية والطائفية والحزبية والمناطقية!.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com