|
"لا أدب لمنْ لا مروءة له، ولا مروءة لمنْ لا ظرف له، ولا ظرف لمن لا أدب له" (الوَشاء) بلغني رعاك الله ان عصبة من شباب هذه الأيام استكثروا على رجل من أيامنا هذه، ميله إلى مجالسة الأدباء، ومصادقة الشعراء. قالوا: هذا لا يجوز لمن يتصدى لأمور الناس. وعندي أن هؤلاء الشباب لا يزالون أغراراً، لم يتعلموا من حيوات آبائهم وأجدادهم، ولم تعركهم صروف الحياة أو انهم إذا ما أحسنا الظن حُسّاد. وشر الناس الحساد. وإذا ما اجتمع الحسد والجهل، فسد ضمير الرجل وتعطلت مروءته، واستبان قبح مقاصده. وإذا ما التقى حاسد وجاهل على ذم أديب كاتب، أو شاعر متميز، فذاك شهادة له. وقال أحد أهل الرأي: “مَنْ ألّف كتاباً فقد استشرف، وإذا أصاب فقد استهدف، وإذا اخطأ فقد اسْتُقْذف”. أما إذا كان الرجل منا، قد جمع في باطيته التأليف والظرف، وأفشى هاتين الصفتين بين الناس، أو تداولهما الناس عنه، فهو هدف للحساد، ومقصد لرماة نَبْل الكلام الحوشي. والزبدة في هذا حفظك الله ان اختيار الرجل، وافدُ عقله. وقال الخليل بن أحمد الفراهيدي: “لا يحسن الاختيار إلا من يعلم ما لا يحتاج إليه الكلام”. وفرق بين اختيار تأليف كتاب في فن وشي الثياب، واختيار ذمّ الناس، وتصيّد نافلات أفعالهم. وكان الوشّاء، أبو الطيب محمد بن اسحق بن يحيى، من فصحاء أهل بغداد في زمانه. له تصنيف لطيف في الظرف والظرفاء، يحسن بالذين لا يعرفون ما تنطوي عليه نفوس أهل الأدب، الرجوع إليه لترقية أذواقهم، بعد التخلص من شحناء الحسد والغيرة. وقد عاب بعض العرب على “جميل” ما يقوله في فاتنته “بثينة”، بينما الفتاة صنو الكمال في الخلق. وكان جميل قد قال لها ذات يوم: “هل لك يا بثينة ان نحقق قول الناس فينا؟”، فقالت له: “مَهْ، ودع حبنا مكانه، إن الحب إذا نُكِحَ.. فَسَد”. وقال عبدالملك بن مروان لها ذات يوم: والله يا بُثينة، ما أرى فيك شيئاً مما كان يقول جميل”، فردت على الخليفة: “يا أمير المؤمنين، انه كان يرنو إليّ بعينين ليستا في رأسك”. وكان “جميل” عفيفاً في حبه بثينة، فهو القائل: لا والذي تسجد الحياة له ما لي بما دون ثوبها خَبَرُ ولا بفيها، ولا هَمَمْتُ بها ما كان إلا الحديث، والنظَرُ وهكذا، رعاك الله، ثمة قوم طعنوا في حب جميل لبثينة، وهم حُسّاد وجهلة، مثلهم في ذلك مثل الذي يقول: كيف يضحك فلان، وهو رأس قومه؟
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |