|
كلَّما أحْكَمُوا بأرْضكَ فَخَّاً مِنْ فخَاخ الدَّهاءِ، خابوا (حافظ، في رثاء: “سعد”) هذه الملايين السبعون، ثم الملايين الخمسة الأخرى المضافة من ابناء شعب مصر، تجد في الحراك الثقافي ضمن حدود الجمهورية، وفي خارجها أيضاً، تعبيراً عن آمالها واشواقها، وهويتها أيضاً. لا تمرّ ساعة في يومنا ذي الساعات الأربع والعشرين، إلا وفيها نشاط ثقافي، أو مشهد تشكيلي، أو عرض مسرحي، أو آهة حرَّى، أو صيحة مكبوتة، أو صرخة صامتة، بمسجد السيدة، أو عند مشهد الحسين، أو في خلوة من خلوات العارفين. والنيل شاهد على هذا الحراك. ولقد وجد المثقفون والشعراء والفنانون العرب، في هذا المشهد المصري، الذي لا يستطيع أحد ايقاف تدفعه، وهل أحد قادر على ردم النيل؟ فضاءهم المرحَّل من اقطارهم العربية، إلى مصر ومنتدياتها ونواديها ومقاهيها وحاراتها، ومدنها العشوائية أيضاً. في الأمسية الشعرية الأولى، في الذكرى الخامسة والسبعين لحافظ وشوقي، وقف الشاعر اللبناني جوزيف حرب، منشداً همومنا جميعاً: كان صوتاً عربياً بامتياز، حيث ترادف، الشعور الوطني اللبناني بالهموم العربية جمعاء، بمفهوم انساني نبيل لحرية جميع سكان هذا الكوكب. وهو هنا، كما كان جوزيف حرب شاعراً باللهجة المحلية المحكية رديف الجمال أيضاً. وكذلك كان حيدر محمود، الذي من الاردن، والآخرون من العرب المشاركون في هذه المناسبة المصرية العربية. غير أن صوت الشعراء المصريين كان متميزاً في قوته، ومتميزاً في انتمائه، ومتميزاً في عروبته. هؤلاء يقولون ما يقولون، بحرية ومسؤولية والتزام بين يدي وزراء الحكومة، وأمام أنظار الناس العاديين، في حي “الزمالك” الشهير، حيث يوجد مبنى اتحاد الكتاب المصريين أو في “كرمة ابن هاني” القصر التاريخي للشاعر أحمد شوقي، الذي تحول الى متحف. في هذه الاماكن، ارتقى الشعراء والباحثون بأشواق العرب إلى فضاءاتها العالمية الرحبة. أما في “ساقية عبدالمنعم الصاوي”، على النيل، فإن الشعر، والمسرح، والتشكيل، تجذب شباباً يصفقون للشعراء الذين لا يداجون، ويطالبون المجوّد بأن يجوّد أكثر، وهم يرددون مع شوقي وحافظ، الدعوة إلى التغيير، بل والتغيير الجذري. في مقهى يتبع “المجلس الأعلى للثقافة” بدار الأوبرا المصرية، استمعت الى شاب مصري يقول لعدد من الضيوف العرب: “لا أقبل بأن يزوِّر أحدهم صوتي، أو يتطاول على هويتي، أو يسرق أموال الناس”. وكان ذلك كله يجري في مشهد مكشوف، في الهواء الطلق وعلى مرأى ومسمع ممن جاء يرى ويسمع لغاية في نفس غير يعقوب.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |