في ذكرى الشاعر"حسين مردان"، عرجنا على"بعقوبة" التي نصب الشاعر"صفاء الحيدري" بين بساتينها خيمة، عندما أخذته إليها حقبة الوجودية في مستهل حياته، من بغداد، التي عاد إليها بالشاب"مردان"، لينتشله من التشرد، فيسكنه في شقة محام عمل معه(الحيدري)، فتعرفنا على جانب من شجون الأدب، وما أكثر مفارقاتها، أفضت بنا عرضا الى الشاعر(الرومانطيقي) اللبناني"ألياس يوسف ألياس أبي شبكة"، الذي تمر ذكراه الستينية بنا مرور الكرام هذه الأيام، فمن هو"أبوشبكة" الذي اقتضى الحال والمآل، الوقوع في شبكته؟! ودعت "نخلة" أخاها "يوسف" وعروسه "نايلة" في رحلة لا تختلف عن رحلات عمله، إستغرقت عشرة أشهر، بدء بفرنسا، وعندما وصل الزوجان"بروفينداس" في نيويورك ولد لهما شاعرنا "ألياس" الثاني حفيد أبي شبكة، وكان ذلك سنة 1903م، لينشأ مع شقيقتيه(ماري وفرجيني) في قريتهم اللبنانية الساحلية على منحنى"كسروان" ذات الطبيعة الساحرة("زوق مكايل")، التي طبعت ذوقه وحسه المرهف العصابي المكتئب وألهمته شعرا يكتبه تحت تأثير الإنفعال الصباحي الشديد، ومعاقرة الخمرة، للوطن والحب، مع هجومن يؤذيه، أبي النفس إتهمه جاهله بالتكبر!. عف عن شعر التكسب والإستجداء والتهنئة والرثاء إلا لعالم وأديب. وبعد أن أوصى الأب الثري(أبوشبكة)، بإكرام عمتهم" نخلة" في رحلة موته الأخيرة لتفقد عقاره في"بور سعيد" و"الخرطوم"، عندما إغتاله اللصوص غيلة، وكان شاعرنا دون سن العاشرة. أنهت الحرب الكونية الأولى سنوات دراسته المبتسرة الثلاث في معهد"عين طورة"، حيث بدء بسنة 1911م، درس في معهد"أخوة" المدارس المسيحية وكلية المقاصد الإسلامية وكلية القديس يوسف للآباء اليسوعيين، عاد الى معهده الأول لعامين دراسيين أخيرين وهوفي نهاية الصف الثالث العربي والرابع الفرنسي(يجيد الفرنسية).

وكان الشاعر"أبوشبكة" منتصب القامة في طول ونحف، عظيم الأنف هزيل الوجنتين معتدل الجبين سعة، شاحب حنطي البشرة، يعيش قصة حبه لملهمته طالبة"دير الزيارة" في"عين طورة"(أولغا ساروفيم)، على مدى عقد من الزمن بدء من سنة 1928م لتكون زوجته بإسمها الحالي

"غلواء" بدء بسنة 1931م وقد خاطبها:"إسمعي الأجراس في قبة دير الراهبات/ يحمل الوادي صداها للنفوس الزاهدات/ فيه أصوات حنان وبقايا زفرات/ صعدتها راهبات الدير قدام الصليب/ أسجدي لله يا نفسي فقد وافى المغيب". وقد حملت أطروحة دكتوراه أستاذ في الجامعة اللبنانية، هو"خريستونجم"، عنوان"رهاب المرأة في أدب ألياس أبوشبكة". "غلواء" التي شهدت قبل عقد خلى(سنة 1997م) تحويل دار الشاعر(الذي رهنه بعد مصرع والده، لحاجته) في حارة"أبوشبكة"، التي بناها أبوه وعمه من عملهما بالتجارة بين حارة"الزوق" ومصر والسودان، الى متحف مساحته ألف متر مربع، بعمارة لبنانية، سطحه من قرمبد أحمر، وجدرانه من حجر، وأرضه من رخام، وحجره 7 وسيعة فارهة عالية، مع صالون، تحيطه مزرعته، نقش فنانون نمساويون عليه من فنهم يعملون لدى الدولة العثمانية في قصور سلاطينها ويستجمون في لبنان، ونقش على المتحف من شعره مثل هذا:" لبنان أولك الدنيا وآخرك الدنيا/ وبعدك لا أفق ولا شعب"! . بواجهة هذا المتحف تمثاله الحجري بإزميل"بيار كرم". وبإسمه مدرسة تكميلية في الجوار. عمل الشاعر"أبوسبكة" في صحيفة"صوت الأحرار" و"العاصفة" و"المعرض" و"المكشوف" و"الجمهور". من آثاره: باكورته"القيثارة"(1926م)، وملحمته مقاربته مع ملاحم "صفاء الحيدري" التي بلغت به الذروة، رائعته"أفاعي الفردوس" التي مرت عليها 7 عقود(1968م)،و"الألحان"(1941م)،و"نداء القلب"(1944م)،و"الى الأبد"(1945م)،وملحمته"غلواء"(1945م)، هذا فضلا عن ترجماته:"أوسكار وايلد"(1946م)،"بودلير في حياته الغرامية"(1947م)، و"جوسلين"، "سقوط ملاك"، "بولص وفرجيني"، "الكوخ الهندي"،"البخيل بانون"، "المذري النبيل"، "مريض الوهم"، و"الطبيب رغما عنه".

من شعره(خاطب الحب):"ولوأن القلوب لم تفن في الحب لما أورق الجمال وغنى/ كل يموت إلا هوانا / أعلى الأرض من يحب سوانا ؟!" و"حبيبي على هذه الرابيه، أحس خيالك يرقى بي(بيه) . فأغلق إلا على ما تحب . روحك قلبي وأهدابيه . أتيت أحييك في ما تحب . ويضفي على وحبك العافيه . فما دقق الشعر من أصغريك . تجمع في هذه الناحيه . أراه على المنحنى والخليج . وفي هذه الغابة الجاريه . وفي ما يقوت عروق الدوالي . وما يضمر الكرم للخابيه . أراه على أمل الزارعين . في موسم الحقل والماشيه . وحلمي بحبك لا ينتهي . وهل تنتهي الغفلة الواعيه ؟! . مصادر وحيك معقودة . بقلبي رؤاها وأجفانيه . من الأرض أنشق أعراف شعرك . ريانة كالندى صافيه . وأسمع صوتا كهمس عميق . فأصغي لتسمع أعماقيه". وخاطب الله:"رباه هل ينتهي حلمي ببارقة ؟!/ من اللهيب، ويخبوالطين!/ أدعوك والظلمة الحمراء تحرقني/ فلا تجيب!، وتلوي لا تنجيني/ بحثت عنك، وكاد العار يخفيني/ فلم تمل قلبك الرحمن عن ألمي/ وقلت: تطلبني بين المساكين"!. توفي الشاعر"أبوشبكة" في 27 ك2 1947م إثر مرض عضال.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com