من روضة "أم هاشم" ........ عصفور المقطّم
 

 

جمعة اللامي  

Juma_allami@yahoo.com

"أقيم الدليل على روح العدل، إذا وفيتُ كل إنسان حقه، وقمت بما يجب له من توقير وثناء"

(حافظ إبراهيم - “الأعمال النثرية”)

من على كورنيش جبل المقطم، أطلْتُ النظر الى القاهرة، فرأيت منظراً عجباً، وسمعت ذلك الصوت الذي أخذ بألبابي بين مسجد فاطمة الزهراء، ومسجد رابعة العدوية، بمدينة نصر: عندليب يرتّل بعد أذان صلاة الصبح.

كان الوقت عصراً، لكنه كان عصراً غير وعر.

قالت السيدة التي دعتني مشكورة، على فنجان قهوة على هذا الجبل الذي ارتبط بأهل القاهرة، وبشعب مصر عموماً: في كل مرة أزور هذا الجبل، تأتي اليّ فكرة جديدة.

قلت: الجبال أوتاد الأرض.

قالت رفيقتي، وهي أديبة كاتبة: أرى في الجبال عصافير مغردة، لا ينبغي أن تسكن في أقفاص.

قلت: تقصدين أن الطيور لا ينبغي أن توضع في أقفاص؟

قالت: ولو من ذهب!

أعجبتني الفكرة، فأخرجت دفتري الصغير الذي كتبت على جلدته الثانية: “دفتر زيارة القاهرة، ابتدأت يوم الجمعة 16-11-2007”.

لاحظت السيدة: “فكرة جيدة، هذا الدفتر”.

كنت أسجل في حينها: “الإنسان قمم في قمة، مثل العصفور تماماً”. ثم التفت الى محدثتي: “هذه فكرة صارت تقليداً في حياتي، تعلمتها من انطون تشيكوف”.

صدح صوت العصفور من بعيد.

قالت السيدة: إنه يدعونا الى مبادرة ما، هذا العصفور. اقترحت على السيدة أن نغادر كورنيش الجبل، ونلجأ الى فضاء آخر.

وما هي إلا دقائق، حتى دخلنا في ظلال مقهى، تنبعث من إحدى جنباته نغمات موسيقا، يتواكب معها بين الحين والآخر صوت بلبل، كأنه يستغيث.

لمحت دمعتين في عينيّ مرافقتي.

قالت: “كيف نسجن القصائد الجميلة؟”.

وانطلق صوت العصفور من جديد، من دون أن أراه. كان يقيم حيث نقيم، وسط عتمة في هذا المكان الذي يوحي بالهدوء والطمأنينة.

وعاد الصوت الى أسماعنا مرة أخرى، وكأنه يستغيث فعلاً. فنهضت من مقعدي، وقلت لرفيقتي: تعالي نبحث عنه.

ولم نجد عناءً كبيراً في كشف موقعه.

قلت للسيدة: مولاتي، افتحي باب القفص!

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com