بالرغم مما جرى وسيجري فالمادة 140 في الحكم المنتهي

 

 علي توركمن اوغلو

sanaelgerawy@hotmail.com

لا شك فيه ان العلاقات الحقيقية والشفافة تبنى على الثقة المتبادلة، وهذا المبدأ الاخلاقي كما هو نافذ في التعامل بين افراد الاسرة الواحدة  هو نافذ أيضا بين اعضاء القيادات السياسية والكتل السياسية، ولقد سبق وان اكدنا على بعض النقاط الجوهرية ذات صلة بهذ المبدأ، وسأ تطرق في هذه المقالة الى مثال حي لعدم شفافية التعامل بين الرئيس والمرؤوس، وبين الحاكم والرعية.

اذ لا يحتوي دستور اية دولة  في عالمنا المعاصر تحديد تطبيق مادة ما وبفترة زمنية محدودة، بل ولاتوجد فيها فقرة مؤقتة يجب تنفيذها لغرض معين اصلا . الا ان هذه الظاهرة العجيبة حصلت في الدستور العراقي الدائم، هذا الدستور الذي اعد وصفته طباخون امريكان وتولت الاحزاب الكردية ومن تجحفل معها من الاحزاب الشيعية  تنفيذها في عجل بالمنطقة الخضراء. فسرعان ما دارت الايام، وسطعت حقيقة لايمكن نكرانها ولا حتى اخفائها، وهذه الحقيقة الساطعة هي : أن هذه المادة (140) لا يمكن تطبيقها (قانونا) الا بعد استكمال مراحلها الثلاثة وهي تطبيع الاوضاع، ثم اجراء الاحصاء، ثم اجراء الاستفتاء.

لقد قلنا مرارا وتكرارا ان هذه المراحل لكي تستكمل سوف تأخذ من عمر العراقيين العشرات من السنين ( وخصيصا المرحلة الاولى منها والتي تختص بها المحاكم الخاصة بنزاعات الملكية، وأهل القانون هم ادرى بتعقيدات هذه الدعاوى قبل غيرهم)، غير ان من كتب هذا الدستور بهذه الصيغة واستل الفقرة (58) من قانون ادارة الدولة واقحمها اقحاما فيها لم يعر اذانا صاغية لكل من اعترض ولكل من تحدث بلغة العقل والواقع . لاننا كلنا نعلم ان الاخوة الاكراد تعودوا على ضرب كل القوانين عرض الحائط، وامنوا بشي واحد فقط وهو : ان استبق الامور وافعل مايحلوا لي واضع الجميع امام الامر الواقع، فأما ان يقبل الجميع بما اريد( بما يريده الاخوة الاكراد) أو انفصل عن العراق، أو، أو، أو الى اخره من التهديدات مستفيدين من التدليع الامريكي الذي لاأمان له، والذي لن يعرف متى ينتهي فجأة ليضع السياسين الاكراد والشعب الكردي العزيز في ازمة خانقة لاتقل في خطورتها عن ازمات 1974 وغيرها.

ان الدستور العراقي الذي طبخ في حينه وبعجالة متعمدة اوقع نفسه في ورطة قانونية واضحة لم يتنبه اليها الكثيرون وهي الزام نفسه( اي الدستور) بضرورة اكمال تطبيق هذه المادة بحذافيرها نهاية عام 2007! وها هي نهاية 2007 قد اطل و لاخبر يذكر عن تطبيق اية مرحلة منها. فالمحاكم المعنية بأنهاء معاملات النزاعات الملكية لم تتمكن البت في قضية واحدة من القضايا الكثيرة المعروضة امامها، حيث تعود  اكثر %90  معاملة منها الى افراد من الشعب التركماني، كدليل ساطع على تركمانية كركوك، لذلك تعتبر هذه المادة(140) في حكم المنتهي ولا حاجة للتمديد او التأجيل، والتحجج بما لايتناسب من القوانين المرعية في هذا المجال، وهذا هو القول الاخير قانونا وسياسة.

ان قياديي الاحزاب االكردية وجريا على عادتهم الخاصة في النظر الى امور الدنيا بعين واحدة فقط، وتفسيرهم الخاص للسياسة بأنها لعبة مفتوحة ولا يوجد فيها قول اخير، قرروا ممارسة الضغط على الحكومة المركزية وذلك بتنظيم اعتصام في كركوك يستنكر عدم تطبيق المادة 140 لحد الان ويطالب بتنفيذه رغم ما اوردناه . ولكي يعززوا اعتصامهم هذا وينجحوه، بدأت وسائلهم الاعلامية بأشاعة ادعائات بأن يوم الاثنين المصادف 17/ 12 هو عطلة رسمية (غير ان هذه العطلة الكردية الغريبة تختلف عن العطل العراقية المعروفة ان فيها يحضر التجوال ويحرم فيها الخروج!) وعلى هذا الاساس اصدر السيد محافظ كركوك قرارا اكد فيه بطلان هذه العطلة، وان الدوام رسمي مستمر في دوائر الدولة والمحلات التجارية يجب ان تفتح ابوابها كسائر ايام الاخرى.  هذا ماكان في  ظاهر الامر، اما باطنه، وما وراء الستار، فانه اصدر اوامره الى الميلشيات الكردية وافراد الاسايش الكردية ضرورة العمل بجدية لغلق المحلات التجارية بالقوة، واوعز لرؤوساء الدوائر الاكراد (وجلهم من الاكراد في كركوك) بغلق دوائرهم امام الموظفين ليظهر للعالم بان هناك تضامنا شعبيا مع الاحزاب السياسية الكردية وبالتالي اظهار كركوك للعالم ( الذي لايعنى للتفاصيل والحقائق) بأنها محافظة كردية. ولكن كل هذه المحاولات بأءت بالفشل والحمد الله ولقد اظهرت كاميرات التلفزيون سير الامور الاعتيادية في المدينة وتواصل فتح المحلات وانشغال المواطنين في التبضع عشية العيد  . 

ان ما حصل في ذلك اليوم 17/12 في كركوك هي فضيحة ادارية بحق تضاف الى سجل خدمة الاستاذ عبد الرحمن محافظ كركوك الذي اثبت للعالم بأنه محافظا للاكراد فقط وليس محافظا لكركوك. ان محاولات البيشمركة الكردية والاسايش لأجبار مواطني كركوك على غلق محلاتهم لم يغضب التركمان فحسب بل حتى اكراد كركوك انفسهم الذين بدأوا يتضايقون من ممارسات القيادات الكردية، فلقد اتصل بي احد اقربائي من كركوك واخبرني انه سمع احد افراد الشرطة الاكراد ينهال بشتائم على المحافظ وعلى مدير الشرطة اخجل ان اكتبه في هذه المقالة عندما اجابه احد اصحاب المحلات بأن السيد المحافظ اصدر شخصيا اوامره( بعدم اغلاق المحلات).

ولقد زاد السيد المحافظ الطين بلة عنما ادعى لدى مقابلتة عدد من اعضاء الكتلة التركمانية في مجلس المدينة بعدم علمه بالخروقات التي اقترفتها قوى الشرطة والبيشمركة!

لنتوقف هنا قليلا ياسيادة المحافظ  فنقول : ان كنت اصدرت اوامرك الخفية بتنفيذ وتأييد الاعتصام حينئذ تكون قد حنثت باليمين الذي اديته يوم تسلمك السلطة! اما اذا كنت تعلم ولم تحرك ساكنا فذلك تقصير في اداء الواجب! واما ان كنت لاتعلم حقا وانت محافظ المدينة عندئذ تكون قد اثبت لمواطني كركوك بأنك لاتستطيع المحافظة عليهم ولا على أمنهم ( حيث تم اشتقاق لفظة محافظ من المحافظة!). 

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com