|
وَما يَدّري الشعراءُ منّي وَقَدْ جاوَزْتُ رأس الأربعينِ (سُحَيْمُ بن وثيلٍ الرّياحي) بين فلقتي الصباح، عند مسجد السيدة فاطمة الزهراء، بمدينة نصر، أتاني جسده قبل صوته: “أهلاً بك يا عمّ إبراهيم، مُرني بما تشاءُ، فأنا طوعُ أمرك، ورهْنُ إشارة من سبابتك اليمنى”. “وأنا....”. ثم توقف فجأة، وقال: “أنت إبراهيم، ولدي المضيع في الحروب الخاسرة، والصفقات البائرة، والمؤجّل إلى يوم الوعد، والموعود بملاقاة الأمير، والمرهون ليوم مروءة”. وقال: “اتبعني إلى الحسين”. - “يا عمّ، أنا...”. ثم “رأيت” رائحة لحيته، و”لمست” عطْر كفيّه، وشاهدت قلبه “يراني”، من وراء جُبّة الصوف الخشنة التي غطت جسده، فانطلق صوتي المحبوس، بلسان الشكر. - “أنت هو الماجدي”. - كنت معك بالشارقة، وميسان، وبيروت، والجزائر، ودمشق، ونيقوسيا، وباريس، وطرابلس الغرب، وعلى أعلى ذروة في الهملايا”. كنت منجذباً إلى رجل يستعصي على الوصف، سوى أنه “أبوعلي حسن الماجدي”، الذي سلمني، وأنا في الهزيع الأول من شبابي، أقدس قرطاس في حياتي كلها. قال: “أيها العزيز، احترم العلم والعلماء، واحترم تاريخ أهلك، ولا تتبع هوى نفسك، واعل من شأن العقل، وتوكّل على الله، وابْرِ ذاكرتك”. قلت: ها أنت توقفني في وقفة الواقف في الحضرة. قال الماجدي: يا ولدي، البحر أمامك، والبحر خلفك، والبحر على الشمال وعلى اليمين، وخلاصك بكلماتك. ثم ذاب في الجمع. ورأيته يذوب في جموع المصريين المتجهين إلى قلب القاهرة، منطلقين من “المنصّة” في مدينة نصر، أو من البحر الأحمر، أو من الاسكندرية، أو مما قبل بلد النوبة. وحين مررت على “العتبة” في طريقي إلى مسجد سيدنا الحسين، يوم الجمعة الماضي، رأيت خياله قرب امرأة تبيع “ساندويتشات الملفوف”، وصوته ينطلق: - “صلّوا على الحبيب”. سألت مرافقي: “من هو صاحب النداء؟”. - “ألمْ تعرفه؟ نحن نسمّيه: الماجدي”. - “الماجدي؟”. - “نعم”، أجاب مرافقي، ثم أردف: “هذا رجل مبروك، تراه في المشارق كما في المغارب، وهو هائم في الوجد”. لم أشاهد أي ظلّ له عند بائعة السندويتشات لكنها قالت: “الماجدي حامل كتاب الأمل، يا ولدي”.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |