|
“قيل لديوجانس: متى تطيب الدنيا؟ قال: إذا تفلسف ملوكها، وملك فلاسفتها” (الإمتاع والمؤانسة الليلة السابعة عشرة) لا يأتي بمثل هذه الشذرة، إلا معلّم. و”التوحيدي” رحمه الله، معلّم ومؤدب. كما هو الخوارزمي، وجابر بن حيان، والكندي، وأميّة بن أبي الصلْت. والمعلّم، رب الأسرة في منزله، والمدير في مدرسته، والأمير في إماراته، والإمام في الأمة. وخيرُ المعلّمين معلّم نفسه. والمعلم متواضع، لأنه عالم. والعالم من دون عصا بين تلامذته، لأنه ابن الحجّة، وابن بجدتها، وسليل الحكمة، والذي ضالته المعرفة حيثما وجدت، وأفشت عطرها وسلامها. يقول “التوحيدي” بلسان “فيثاغورس: “إن كثيراً من الناس يرون العمى الذي يعرض لعَيْن البدن فتأباه أنفسهم. فأما عمى عين النفس فإنهم لا يرونه ولا تأباه أنفسهم، فلذلك لا تستحيون”. والمعلّم حيي: وسبحان الله الذي ليس كمثل حيائه حياء. والمعلّم من عرك الدنيا، وعركته الدنيا، فاغتنى علمه بالتجربة، وأثرت تجربته علمه. والمعلّمة ربة البيت، أيضاً. قال أحد المعلمين العرب: “أيقظت إعرابية أولاداً صغاراً لها قبل الفجر في غدوات الربيع، وقالت: تنسّموا هذه الأرواح، واستنشقوا هذا النسيم، وتفهّموا هذا النعيم، فإنه يشد من مُنتِكم”. أي: من قوتكم. والمعلّم قوي في بدنه، كما قوي في خطابه. صادفت رجلاً من أهل “الذيد” قبل ربع قرن، فيما كنت أبتغي ظل سدرة تجعلني أفتح عندها كتاب تلك الأرض، وسألته: من أي البلاد أنت؟ وكانت بكرته بجواره. فتبسم وقال: “إن العرب لا تصلح ببلاد، لا تصلح بها الإبل”. وسألت رجلاً آخر من أهل الشارقة: كيف تصبح، أخا العرب؟ فقال: بعدما أصلّي الصبح، أتفقّد عيالي، وأمر على إبلي، ثم أذهب للسلام على شيوخي. قلت له: والله، إنك محراك النار. ويقول المعلّم “ابن القَيم”: النجائب في المقدمة، أما حاملات الزاد ففي الأخير. والمعلّم في المقدمة دوماً. وهذه هي أيامه الآن، حين تصطخب الأمواج من حولنا، ونحن بين أوقيانوس وأوقيانوس. ولا دليل في هذه الهيْجات، إلا المعلّم، فهو القائد حقاً في المدرسة، والمنزل، والحكومة، والدولة، والزمان. وَشُلتْ يدٌ تعامل هذا التاج، كما يعامل النخّاس الرقيق.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |