|
“كمون الحقد في القلب، ككمون النار في العود” (ابن المقفع) العنوان “الفرح ليس مهنتي” هو لقصيدة كتبها الصديق الراحل محمد الماغوط، الذي صار بعد ذلك عنواناً لأحد كتبه. لم أسأل الماغوط: “لم أخترت ذلك العنوان؟” لأنني أعرف مسبقاً أن “هذا السؤال ليس مهنتي”، مثلما الترويج للسهولة في الكتابة “ليست مهنتي”. بعضنا، أقصد الكتّاب، يسجل بجواز سفره، أنه “كاتب” للتعريف به الى الدوائر ذات العلاقة. وهؤلاء ذوو حظ عظيم، إن هم وجدوا من يفرق بين مهنة “الكاتب” الروائي، ومهنة “الكاتب” في دوائر أخرى لا علاقة لها بالإبداع الأدبي. وفي العادة، فإن وجود كلمة “صحافي” أو “كاتب صحافي” في جواز سفر أحد المواطنين العرب، يشكل “خريطة طريق” لمشكلات لا حصر لها، اذا ما صادف حامله جاراً في رحلة، أو رجلاً مكلفاً حماية الأمن عند أحد ثغور العرب. وما أكثر ثغور العرب غير المحصنة في هذه الأيام. أغلب زملائنا لهم قصص طريفة أو محزنة، أو تدل على سُخف في احيان كثيرة. من تلك المرات الطريفة، أن رجلاً تبدو عليه الأناقة المفرطة في ملبسه، سألني: “شو يشتغل الأخ؟”. قبل أن أعرض بين ايديكم جوابي، أقول ان الرجل السائل كان يسب الاستعمار الشرقي، والاستعمار الغربي، بكل ما أوتي من علو في الصوت، حتى خلت أنه ينافس محرك طائرة “الجامبو” التي كنا نمتطي صهوتها. لكنه أعاد سؤاله: “شو يشتغل الأخ؟”. قلت: صحافي. ابتسم ابتسامة عريضة، وقال: “يعني مثلي؟”. سألته: أنت زميل لي، اذن؟ هز رأسه، وابتسم حتى بلغ طرفا برطميه شحمتي اذنيه، ثم دخل في صمت عميق. فضلت السكوت. ففي سؤاله الأول، كان شيئاً يمكن الاصغاء إليه من باب الأدب. وردي عليه كان من باب الأدب أيضاً. أما إدارة حديث في طائرة حول “مهام الصحافة العربية وتحديات المرحلة”، كما يدور في أغلب المؤتمرات الصحافية العربية، فذاك “ليس مهنتي” ابداً. وهكذا ارتحت لسكوته. لكنه فاجأني: “شو هو اسم صحيفتك، يا أخ؟”. قلت مازحاً: “واشنطن بوست”! استفهم الرجل مستغرباً: “شو، شو قلت؟”. أخبرت جاري الطائر: “قيل لمدام كوري، ان راتب رئيس قسم في محل لبيع الملابس يساوي راتبك. قالت: أعلم ذلك، لكنني أمارس مهنة جديرة بالاحترام”. سألني جاري: “مين كورا.. هاي”.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |