إفرازات التفسير الكيفي المشوّه لمفهوم الفدرالية

 

 

 د. عبد علي عوض
 

أوجِز تلك الإفرازات بالنقاط التالية:

1 - لا يخفى على أحد أنّ مفهوم الفيدرالية أصبح شائعاً ويردده الكبير والصغير، ولكن غالبية المثقفين يجهلون حيثياته كنظام سياسي - إداري من حيث التطبيق العملي للصلاحيات الممنوحة، والذي له دراية تامّة بذلك هم المختصون بتشريع القوانين التفصيلية للنظام الفيدرالي. وجميع الأنظمة الإتحادية السائدة في العالم، قائمة على أساس إثني، وليس طائفي - مذهبي، بعد أن مَرّت بسنوات طويلة من تراكمات نضج الوعي السياسي لدى الجماهير، فما بالك بالنخب السياسية التي لعبَت دوراً كبيراً في توعية تلك الجماهير. والمجتمع العراقي لم يأخذ فرصته للتخلص من أمراضه الإجتماعية، بما فيها مرض الصَنمية، التي تجعل رجل الدولة والقائد السياسي وإمام الدين مصابون به، ويصبح كل ما يصرحون به مقدساً لدى شريحة واسعة من بسطاء الناس، الذين هم المحيط الخالق والحاضن لتلك الصَنمية. فلا عَجب عندما يدعو قادة المجلس الأعلى الإسلامي لتأسيس فدرالية طائفية، ما دامت هنالك شرائح إجتماعية تتلقف ذلك الخطاب بصورة عفوية ودون دراية بما سيحدث من تبعات عند تحقيق ذلك الشعار. لو أرتضينا الطائفية كمبدأ لإقامة الفدراليات، فكم سيكون عددها إعتماداً على عدد الطوائف والمذاهب!. لنرى ذلك.. الشيعة، السنة، المسيحية بفرعيها الكاثوليك والأرثذوكس، الصابئة المندائية، الأزيدية، علي اللهيّة، لم يبقَ سوى السيخ والهندوسية والبوذية. إنّ الإصرار على هذا المطلب سيؤدي إلى تفتت لحمة الشعب العراقي وتشرذمه.

2 - فيما يخص الصلاحيات الممنوحة لإقليم كردستان العراق، هل هي فعلاً ضمن ما يسمح به وينص عليه الدستور الإتحادي، أمْ هنالك تجاوزات في التطبيق ؟. لقد كشَفَ هذه المسألة عضو مجلس النواب القاضي الدكتور وائل عبد اللطيف، عندما ذكرَ في إحدى الجلسات، بأنّ ما تمارسه وتطالب به حكومة الإقليم، يحدث في النظام الكونفدرالي فقط! الذي هو أقل إلتصاقاً بالحكومة المركزية الإتحادية، لكونه ناتج عن تقارب وتجمّع وإنظمام دول بألأساس كانت مستقلة، وليس كما هو الحال في العراق!

3 - حول المادة 140 التي واجهت إعتراضات جماهيرية واسعة ورفضها ضم كركوك إلى إقليم كردستان العراق، باعتبار تلك المدينة عراق مُصَغّر، لتعدد الطوائف والأعراق. خرجَ علينا بتصريح (خبيث) عضو مجلس النواب عن التحالف الكردستاني (البرزنجي) ولأجل إمتصاص النقمة وردّة الفعل العارمة لدى غالبية الشعب العراقي، مفاده أنّ المادة 140 يجب أن يسري مفعولها وتُطَبّق على كل أنحاء العراق. هنالك الكثير من المحافظات جرى تغيير في حدودها الإدارية، وأعلمْ ما يعنيه السيد (البرزنجي)، وأحب أن أوضح التالي.. عندما حدثَ تغيير جغرافي - إداري لمناطق الوسط والجنوب، والمتمَثل بضم قضاء المحمودية إلى محافظة بابل وإقتطاع قضاء الهندية من محافظة بابل وضمّه الى كربلاء، وفصل قضاء النجف عن كربلاء وتحويله الى محافظة، وتحويل قضاء السماوة الى محافظة وفصله عن القادسية، كل تلك التغييرات لم تؤثر على مشاعر سكان تلك المناطق ولم تغيّر من إنتمائهم الوطني. لإنهم ينتمون بالفطرة الىالوطن الواحد. فلماذا الأصرارعلى إقتطاع أجزاء من محافظات نينوى وصلاح الدين وديالى، ما دامَ سكان تلك المناطق يرفضون الإنضمام قسراً الى إقليم كردستان، لأنهم يحملون الهوية الوطنية العراقية، التي هي أساس تماسك النسيج الإجتماعي العراقي، وليست الهوية العرقية الشوفينية.

4 - حول قانون النفط والغاز والعقود المُبرَمة من قِبل حكومة الإقليم، لقد تجاوزت تلك الحكومة صلاحياتها وأساءت التقدير عندما مُنعت شركة نفط الشمال التابعة لشركة النفط الوطنية من التنقيب عن النفط في حقل جديد في كركوك، بحجة أنّ ذلك الحقل يُعتَبرمن المناطق المتنازَع عليها. أنّ مفهوم النزاع يحدث عادةً بين دول مستقلة حول رقعة جغرافية حدودية أو مكامن للموارد الطبيعية المشتركة كما هو حاصل بين العراق وإيران، العراق والكويت، العراق وسوريا. لكن تصرّف حكومة الإقليم بتلك الصورة، يدل على أنها غير آبهة بالتشريعات الإتحادية، وأن قيادات الأحزاب الكردية تريد نظام فيدرالي ولكن ((بدزاين كردي))!!.

5 - بصدد حصة إقليم كردستان من عوائد النفط (17,4) التي كانت سابقاً (13,1)، ذكرَ عضو مجلس النواب الدكتور حيدر العبادي، بانه لايعلم من سمحَ برفع تلك النسبة!. وأود أن أخبره، بانّ الذي رفعها هو رئيس الوزراء السابق السيد أياد علاوي ووزير ماليته السيد عادل عبد المهدي بدون أي أساس قانوني، وكانت تلك الخطوة الأولى في مجال إبتزاز القيادات الكردية للحكومة المركزية والتنازلات التي لا تزال مستمرة من قِبل الحكومة الإتحادية. وفي مقالات سابقة، ذكرتُ أنّ نسبة حصة إقليم كردستان من عوائد النفط تتغيّر بعد إجراء إحصاء سكاني عام في العراق، ومن خلال معرفة نسبة الكرد الى عموم سكان العراق. وأخيراً أنصح القيادات السياسية الكردية أن تبرهن إنتمائها الوطني العراقي بالأفعال لا بالأقوال و تراجع مواقفها، وإلاّ فإنّ الشعب العراقي قد نفذَ صبره بكل ما يقومون به من نشاط لايمت للوطنية بصِلة و سيخسرون الكثير!!!!.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com