|
كل شيء وارد في معرض التحالف السياسي، وعدو الامس صديق اليوم وما كان اسود يصبح ناصع البياض، وكل شيء يتغير ويتبدل بتبدل المواقف والمصالح، ولكن يبدو إن الخارطة السياسية الحافلة بالمتناقضات، لا يوجد فيها تحالف مبدئي يستند لأسس وطنية خالصة او مواقف ثابتة، او نظرة بعيدة لمستقبل منظور، وما يهم جميع الاطراف المشاركة في العملية السياسية هو مصالحها الآنية دون الالتفات للمصالح الوطنية العلي، لأن العراق كوحدة ثابتة ليس له مكان في عالم السياسة المتذبذبة في اتجاهاتها وتوجهاته، ولا يمتلك الجميع نظرة بعيدة المدى لما سيكون عليه مستقبل العراق كبلد كان ولا يزال محور للكثير من الاحداث، ومركز ثقل في المنطقة. بينا في مقالات سابقة ان الكورد بيضة القبان في حفظ التوازن المطلوب للعملية السياسية، ولمسنا تاثيرهم في الكثير من الاحداث التي كادت تعصف بمجمل العملية السياسية، وتاثيرهم المباشر على مجرياتها وتحديد توجهاتها ومسيرته، وكان لتحالفهم المتين مع المجلس الاعلى الاسلامي اثر في تحديد الكثير من المواقف ورسم العديد من السياسات، وهذا التحالف يمتد لسنين طويلة ويستمد قوته من طبيعة العلاقات التي تربط الطرفين بجهات مؤثرة، تستطيع التحكم بتحديد اتجاه البوصلة الوجهة التي تريد، وكانت مواقفهم الموحدة في الكثير من الإحداث تنبئ عن متانة هذا التحالف وقوته، واستطاع القطبين ارغام الآخرين على الانضواء تحت عباءتهم لعدم وجود ما يجمع الاطراف الاخرى على امر سواء، واستشراء الخلافات بين تلك الاطراف مما جعل القطبين مركز الثقل في مجمل العملية السياسية، وعدم قدرة الآخرين على توحيد المواقف لأسباب ليس هنا محل بيانها. وكان الاتفاق الرباعي مؤشرا لمسيرة جديدة في العراق لولا امتناع الحزب الاسلامي العراقي عن المشاركة فيه، مما جعله غير ذي جدوى، لأفتقاره الى الضلع الثالث في المثلث العراقي العجيب، ولا يمكن له ان يؤدي الدور المرسوم له، لأن القوى التي خارج الأتفاق الرباعي لها تأثيرها المباشر على الساحة، مما ادى الى تجميده رغم الاتفاق على ثوابته، فيما حاولت الاطراف الأخرى التحالف بينه، لكنها اصطدمت بالكثير من العقبات التي حالت دون التحالف لوجود اجندات مختلفة وتوجهات متباينة لا يمكن لها ان تلتقي على امر سواء، لأصرار كل طرف على موقفه المعارض لتوجهات الآخرين، وعدم الوصول لأتفاقات آنية تحدد طبيعة التحالف ومساره، مما جعل البلاد تعيش فو ضى عارمة بسبب الأنسحابات من الحكومة والأنقطاع المتكرر عن حضور جلسات البرلمان، وافسح في المجال للحلف الرباعي الأنفراد بالسلطة والهيمنة على مقدرات الأدارة، دون أن يكون لها التأثير على مناطق خارج الأتفاق الرباعي، وحدوث بؤر كثيرة للأختلاف بين الكتل البرلمانية وخصوصا الائتلاف العراقي الموحد الذي خرج منه أكثر من سبعين عضو، مما جعله غير قادر على احداث الهزة المطلوبة، او القدرة على تمرير المشاريع الملحة التي تتطلب سرعة الانجاز واثر بشكل فاعل على عمل الحكومة والبرلمان. ولكن القشة التي قصمت ظهر البعير، وادت الى حدوث اختلاف بين التحالف الكردستاني وحلفائه، هي الأستثمار النفطي في أقليم كردستان، وقضية كركوك، والأعتداء التركي عليه، فقد كانت المواقف المتذبذبة لأطراف التحالف من الأجتياح التركي، وعقد الحكومة أتفاقات مع الجانب التركي أعطت لهم الحق بالتدخل في الشأن العراقي، والمماطلة في تطبيق المادة 140 حول مسالة كركوك، وتهديدات وزير النفط العراقي للحكومة الكردستانية والشركات التي عقدت معها الاتفاقيات والتصعيد الاعلامي غير المسئول لهذه الاطراف جعل التحالف الكردستاني يعيد حساباته في جدية التحالف مع حلفائه الآخرين، الذين يحاولون الأستفادة منه في تمرير أجنداتهم، في الوقت الذي يحاولون الوقوف بوجه مشاريعه القومية، ومطالبه التي هي محور نضاله، واظهرت له هشاشة هذا التحالف وعدم مصداقيته، وان المواقف المتعارضة مع الأتفاقات السابقة جعلته يفكر في بديل معقول قد يعيد بعض التوازن لتطلعاته المستقبلية، فكانت رسالتهم القوية الموجهة الى الحكومة والآطراف المتحالفين معه، بالأتفاق الجانبي مع الحزب الاسلامي العراقي، الذي قيل عنه انه ليس بديلا أو مناقظا للأتفاق الرباعي مع المجلس الاعلى الاسلامي وحزب الدعوة، مما يعني أن أمام الائتلاف الحاكم أما الرضوخ للمطالب الكردستانية في العقود النفطية وقضية كركوك والأعتداآت التركية على كردستان، أو قلب الطاولة على اللاعبين، واقامة تحالفات جديدة قد تغير الامور باتجاهات لا تخدم الاطراف المؤثرة في للائتلاف، لأن هذه الاطراف تعيش حالة صراع فيما بينها وبين اطراف اخرى خرجت عن الأئتلاف، وهذه الاطراف قد تستثمر الخلاف الحالي بما يحقق مصالحها لتقيم تحالف جديد يبعد تلك الاطراف عن مركز المسئولية، وهذا يعني عودة الصراعات الدامية، لأن الاطراف الحاكمة لن تتنازل بسهولة عن المراكز التي وصلت اليها وتتخلى عن المكاسب التي حصلت عليه، وبذلك أما أن تتراجع عن مواقفها المتشنجة او تكون خارج اللعبة، وربما تشهد الايام المقبلة تصعيدا خطيرا في الساحة العراقية قد يغير الكثير من المعادلات، رغم أن الموقف الكردي الحالي هو بمثابة(قرصة اذن)وتحذير لحلفائه، وعسى أن لا يكون العنف سمة للتغيير الجديد. ولكن هل يفرط التحالف الكردستاني بحلفائه التقليديين ويقيم تحالفات جديدة قد لا تصمد أمام المطالب الكردية التي تجد الأطراف الأخرى أنها غير مقبولة ولا يمكن تمريره، أم أن إطراف الائتلاف المتحالفة مع الكورد تتراجع عن مطالبها في قضية كركوك والعقود النفطية التي أقرها الدستور العراقي بما منح للأقاليم من صلاحيات تفوق صلاحيات الحكومة المركزية، أم أن الجانب الأمريكي سيكون له القول الفصل في السيناريو العراقي، ويسير الأحداث بما يتوافق وتخطيطه المسبق لما سيكون عليه العراق، وهل تستطيع الأطراف الخارجة عن الائتلاف أو المقاطعة له والكتل الأخرى بناء تحالفاتها وعزل الأطراف الأخرى، هذا ما أشك فيه لأن الكورد يحاولون بتحالفهم هذا أشعار حلفائهم في الائتلاف بأنهم قادرين على تغيير الموازنات، وإحداث تغيرات لا تصب في مصلحتهم إذا ظلوا على توجههم المضر بالمصالح
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |