فلاديمير بوتين: لماذا منح شخصية 2007؟
 

 

 د. سّيار الجميل

www.sayyaaljamil.com

اختير الرئيس الروسي فلاديمير وفييتش بوتين، وهو ابن الخامسة والخمسين عاما، شخصية العام 2007، كما اعلنت ذلك مجلة التايم الامريكية قبل ايام.. وجاء في لائحة الاختيار ان بوتين نجح في فرض الاستقرار في دولة يندر حصوله فيها، كما واعاد روسيا الى مجال القوى العظمى في العالم ". وكتب ريتشارد ستانغل محرر مجلة تايم في مقاله " اختيار النظام قبل الحرية " قائلا بأن بوتين نال هذا اللقب كونه لعب دورا مهما في السياسة الدولية وقدم انجازا هائلا في القيادة، وضحى بمبادئ الدولة الحرة مقابل الاستقرار في البلاد التي غابت عن خارطة الدول الكبرى... علما بأنه لم يكن ديمقراطيا بالمفهوم الغربي، وليس حكمه نموذجا لحرية التعبير!

انني لست ضد منح الرئيس بوتين هذه " المكانة "، ولكن علينا ان نتساءل قليلا : اذا كان مبدأ الاستقرار يسبق الحرية، واذا كانت نظام الدولة قبل ديمقراطية المفهوم الغربي، فلماذا جرى تطبيق العكس في العراق من قبل الامريكيين منذ العام 2003 حتى اليوم؟ ومن قال ان روسيا الاتحادية غابت عن خارطة الدول الكبرى في مجتمعنا الدولي، فلم تزل احدى الدول الخمس الكبرى في مجلس الامن؟ صحيح ان بوتين قد نجح في قمع تمرد الشيشان بالحديد والنار، ولكنه فشل الى حد الان باقناع الشيشانيين بمشروعية الحكم الروسي لهم! واذا كان بوتين قد اصبح طفلا مدللا من قبل الامريكيين، فان ثمن ذلك سيكون بتأييدهم في الوقوف ضد ايران، علما بأنه لم ينجح في جعل من روسيا الاتحادية بلاد رخاء وانتعاش اقتصادي وتطور تكنولوجي.. ولم يستطع السيطرة على قوى المافيات العابثة كما ولم يستطع انتشال الاوضاع الاقتصادية لما عليه اليوم. ويبدو انه مغرم بالسلطة بحيث يقدم كل شيئ من اجلها، وقد عرفنا جميعا بهلوانيته السياسية في الانتخابات التي كسب فيها 315 من اصل 450 مقعدا في مجلس الدوما.. وسوف لن يكون باستطاعته ضمان المشاركة في انتخابات 2008.

لم يظهر بوتين من مزايا الخلق والابداع شيئا يذكر في ريادته روسيا الاتحادية، ذلك ان الصدف وحدها قادته الى ان يتبوأ مركزه الاعلى بعد ان اطمئن اليه الرئيس السابق بوريس يلتسن.. وعلى امتداد ثماني سنوات من الحكم، لم تستطع روسيا الاتحادية حتى اليوم من استعادة قوتها الحقيقية، فلم يزل اقتصادها منهكا، ولم تزل قواها الاجتماعية مترهلة.. ولم تزل تعاني من آثار انهيار الاتحاد السوفييتي السابق وتفككه ومن الضربات الموجعة التي تلقتها من الشيشانيين.. ومقارنة بالصين، فان روسيا لا يمكنها الاعتماد على نفسها في ظل ركودها الاقتصادي وشلل أدائها الداخلي.. في حين تفوقت الصين تفوقا خياليا على روسيا!

دعونا نتوقف قليلا عند حياة بوتين..

ولد بوتين في لينينغراد عام 1952، وتخّرج حقوقيا في جامعتها عام 1975، وعمل في جمهورية ألمانيا الديمقراطية 1985 – 1990 تولى منصب مساعد رئيس جامعة لينينغراد للشؤون الخارجية منذ عام 1990، ثم أصبح مستشارا لرئيس مجلس مدينة لينينغراد، ثم تولى منصب رئاسة لجنة الاتصالات الخارجية في بلدية سانت بطرسبورغ (لينينغراد سابقا) منذ 1991. وتولى منصب النائب الأول لرئيس حكومة مدينة سانت بطرسبورغ منذ 1994 أصبح نائبا لمدير الشؤون الإدارية في الرئاسة الروسية منذ 1996 ثم أصبح نائبا لمدير ديوان الرئيس الروسي ورئيسا لإدارة الرقابة العامة في الديوان 1997 حتى أصبح نائبا أول لمدير ديوان الرئيس الروسي.

نصّب مديرا لجهاز الامن الفيدرالي في روسيا الاتحادية ومنصب امين مجلس الامن في البلاد 1999، ثم رئيسا للحكومة، وفجأة يتولى اختصاصات رئيس الدولة وكالة في 31 ديسمبر 1999، وانتخب رئيسا لروسيا الاتحادية في مارس 2000، واعيد انتخابه رئيسا وقائدا عاما للجيش ورئيسا لمجلس الدولة في 14 مارس 2004. يحمل بوتين الدكتوراه في فلسفة الاقتصاد، ويتحدث الانكليزية والالمانية، وهو متزوج وله ابنتان.

يبدو ان بوتين اصبح ماهرا جدا في لعبة القط والفار التي يجربها دوما مع الولايات المتحدة التي يعترف كونها قوة الاستقطاب في العالم.. فهو ان اراد شيئا فهو يقف ضدها قليلا حتى يحّصل على ما يريد.. واعتقد ان اعلانه قبل ايام عن تجميد تطبيق المعاهدة الخاصة بالقوات التقليدية في أوروبا يشكّل تهديدا مبطّنا بالعودة إلى الحرب الباردة بعد سقوط ركائز الاتفاقات الأمنية وكان من الطبيعي أن يزداد هذا الاحتمال عقب التصريحات النارية التي أدلى بها رئيس الأركان الروسي يوري بالويفسكي الذي هدد بمواجهة شاملة في حال أصرت أميركا على نشر ترسانتها الصاروخية في بولندا وتشيكيا. وهكذا، فان روسيا الاتحادية على عهد بوتين كانت ولم تزل تلعب لعباتها في الازمات الدولية لتسجّل نقاطا لصالحها.. ولكن ليس معنى هذا ان بوتين باستطاعته ان يعيد لروسيا ثنائية الاستقطاب الذي كان للاتحاد السوفييتي.. ابدا!

ان المرء يعجب جدا من اختيار بوتين شخصية للعام 2007، مع وجود قادة وزعماء غيره في عالمنا اليوم كانوا اكثر عطاء ولمعانا وقدرة.. ان اختيار شخصية العام ينبغي ان يتم بناء على ما قدمه صاحبها ليس للمجتمع الدولي حسب، بل لبلاده من جليل الاعمال واروع الخدمات.. علما بأن ليس هناك اي فلسفة ثابتة في مسألة اختيار شخصية كل عام حسب هذه المجلة التي كانت اختياراتها دوما مثيرة للحيرة وللاستفزاز مرة وللقرف مرات.. ايعقل انها اختارت سابقا ادولف هتلر وجوزيف ستالين وجورج بوش الابن وآية الله الخميني ورودولف جولياني.. بل ووصل الامر ان يقترح احدهم اسم اسامة بن لادن! اذن دعوا فلاديمير بوتين يتمتع بمثل هذه المكانة التي تليق بواحد من مثله! اليس كذلك؟

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com