الانبار محافظة الوعد

 

فرات المحسن

f_almohsen@hotmail.com

بعد وقت متأخر جدا أدرك القائد الميداني لقوات الاحتلال في محافظة الأنبار الظروف الاستثنائية لوضع البطالة وما تسببه من خسائر مادية وبشرية لتلك المحافظة التي أصبحت تشعر بثقل التهميش الذي طال أبناءها بعد الغزو الأمريكي وباتت بعشائرها وأبنائها تشكل هاجس رعب ليس فقط للقوات الأمريكية وإنما لعموم العراقيين.فقد كانت البطالة المتفشية بين أوساط شباب العشائر والمدن في المحافظة واحدة من الأسس الفاعلة في توفير القوة القتالية وموارد التموين والحواضن الآمنة لمجرمي منظمة القاعدة وحزب البعث.

لقد عمل القائد الميداني لقوات التحالف على تغيير نمط التعامل مع أبناء تلك المحافظة بالاستناد على عدد قليل من شخصيات عشائرية أستطاع عبر الحوار معها إدراك السبب في كثرة عمليات الإرهاب وسعة الإسناد التي تلاقيه المجاميع المجرمة بين أوساط المجتمع الأنباري.فإجراءات بريمر التي طالت كيان الدولة العراقية وهشمت أغلب مؤسساتها، سببت بطالة واسعة وتهميش وإقصاء للكثير ممن كان يرتبط بتلك المؤسسات التي كانت توفر له مصادر الرزق.وكانت محافظة الأنبار واحدة من أكثر محافظات العراق تضررا من هذا الأمر، للوجود الكثيف لأبنائها في المؤسسات الحكومية التي طالها التفكيك البريمري.

تعد شخصية الشهيد عبد الستار أبو ريشة واحدة من أكثر الشخصيات التي لعبت دورا فاعلا في بناء قواعد عمل جديدة ليس اعتمادا على تحالفها مع قوات الاحتلال بقدر ما اعتمدت على جهودها الشخصية بموازاة جهود باقي الشخصيات التي مثلت رجال الصحوة في الأنبار.أدرك الشهيد أبعاد الأزمة وربما هو من أوحى للقائد الأمريكي نموذج التعامل المفترض مع أبناء محافظة الأنبار.

لا يمكن إنكار ما تمتع به الشهيد من شخصية عصامية وروح عالية ممتلئة بالحس الوطني، فقد كان يجمع بين روح النخوة التي يضفي عليها طابع الإدراك الواعي بقدر وطنه المعلق بالمجهول وارتباط مصير الوطن بقدرة أبناءه على إنقاذه.فكان رفضه القاطع لما تريده القاعدة وحزب البعث للعراق وما يرتكب من جرائم بحق أبنائه.وكانت الجرائم التي شملت أبناء المحافظة على يد تلك المجاميع الإرهابية حافز أساسي لوقوف الشهيد أبو ريشة وصحبه في خط المواجهة الأول.ولكن لم تكن تلك المواجهة لتحسم الأمر  وتنهي تواجد الإرهابيين في شعاب محافظة الأنبار دون أن تترافق باجراءات تغلق بوجه الإرهاب المنافذ التي يستغلها للحفاظ على وجوده بين أوساط أهل الأنبار.فالبطالة المتفشية بين أوساط الرجال جعلتهم وسطا مثاليا وحاضنا جيدا وركيزة لقواعد عصابات البعث وتنظيم القاعدة. وكان تدفق الأموال بسخاء على شباب الأنبار من أطراف إقليمية وداخلية،دافع مهم وحيوي لمشاركتهم في الهجمات الإرهابية التي طالت العراق من شماله حتى جنوبه.

أن التحول الحاسم لتلك الحواضن وجسر مشاركتهم في العمليات التي تديرها منظمة القاعدة وحزب البعث جاء من خلال امتصاص البطالة المتفشية بين أوساطهم.فالكثير من أبناء المناطق في المحافظة وكذلك العاصمة بغداد والمحافظات الأخرى يدركون بأن من انخرط في تنظيمات الصحوات في أغلب تلك المناطق منهم الكثير ممن كانوا يمثلون قوة وعديد تنظيمات القاعد وحزب البعث.ولذا فأن الشارع العراقي يتخوف اليوم من ارتداد هؤلاء أو وجود اختراق لتنظيمات القاعدة وحزب البعث في أوساط الصحوات. ولكن التخوف الحقيقي يأتي من السؤال الكبير والصارخ حول كيفية تعامل السلطات العراقية الحاكمة مع مجالس الصحوات والإجراءات الكفيلة بالسيطرة عليها وتحجيم دورها مستقبلا.فالصحوات باتت المشهد الأكثر تفاؤلا لحل مشكلة الأمن واستتابه، ولكن في الوجه الأخر منه يبدوا أكثر إقلاقا ورعبا في المستقبل القريب أن ارتدت تلك الصحوات وجافت الخيار الوطني من اجل خيارها الطائفي أو العشائري والشخصي لتلجأ في النهاية وتعود الى مربع الابتزاز المفروض بقوة الرعب والإرهاب.

فالتهديد أتخذ منحا أخر أكثر حدة وتحديا.فالبعض من تلك الصحوات والتي يقودها ضباط من الجيش الصدامي تريد أن يتبلور لها كيان في قيادة الدولة العراقية وأن تنشأ لها قواعد ومقرات تمثل سلطات في مناطقها ويعترف بها كمرادف للشرطة والجيش العراقي على الأرض.وبدورها فأن حكومة السيد المالكي ترفض هذا الأمر.

بمشاركة 800 من شيوخ وعشائر ووجهاء وممثلي مناطق العراق المختلفة وكذلك الكثير من قادة مجالس الصحوات وحضور رجالات الدولة العراقية وأيضا سلطة الاحتلال دعت مجالس الصحوة العراقية الى عودة ضباط الجيش العراقي السابق إلى الجيش الجديد للاستفادة من خبراتهم العالية من أجل تطوير أداء القوات المسلحة وخبرات عناصر الأجهزة الأمنية السابقة ؟؟!! وإشراك العشائر في القوات الأمنية !!؟؟ وإصدار عفو عام عن المعتقلين لتحقيق المصالحة.

ثلاثة مطالب سياسية كبيرة قدمها قادة الصحوات وهي تعبير عن شروط تتوائم كليا مع شروط مسبقة قدمتها جبهتي الحوار الوطني والتوافق المشاركتان في العملية السياسية وهذا الشيء يوحي بالارتباط العضوي بين أغلب مجالس الصحوات وأطراف داخل تلك الجبهتين.

حكومة السيد المالكي مازالت تراوح مكانها ولم تحسم موقفا معلنا وواضحا من العلاقة مع تلك المجالس وفي الغالب فأنها تركت شؤون الصحوات لسلطة الاحتلال وهذا الحال يمثل تخوفا حقيقيا من تحول تلك الصحوات الى ما يشبه السلطات الإدارية العسكرية لمناطق تواجدها بعد أن اكتمل مشهد العزل الطائفي لمناطق بغداد. يضاف لذلك تأثير الهاجس الطائفي المتطير الذي ينتاب غالبية الحكومة وقواها الإسلامية الشيعية.

بالرغم من ما قدمه قادة الصحوة في الأنبار من طروحات وطنية خالصة واستعدادات عالية للدفاع عن وحدة العراق وخياراته في الحرية والأمن والديمقراطية فأن سلطة السيد المالكي بقيت تتوجس من تقديم العون بشكله الكامل لهؤلاء الأبطال. هذا القصور بات يقلق أهل العراق بعمومهم.وهم يرون أن تخوف الحكومة وقصور نظرها وعشعشة الطائفية بين أوساطها، ممكن له أن يفعل فعله وتكون الردة القادمة وبالا على العراق ومستقبله ككيان قائم.وفي المقابل فأن تصريحات قادة الصحوة في الأنبار تشير الى أنهم حسموا خيارات كثيرة لصالح محافظتهم والعراق أولا وهي تصريحات على قدر كبير من العقلانية والمسؤولية والتشخيص السليم للمهمات الملقاة على عاتقهم اليوم وفي المستقبل، والمهم في ذلك فأن قادة صحوة الانبار ذهبوا بعيدا عن التحزب السياسي والانضواء تحت خيمة الكتل السياسية المشاركة في العملية السياسية وأبدوا الكثير من التحفظ إزاء طروحاتها.فهم يدركون مقدار الجهد والتضحيات التي قدموها خالصة من أجل محافظتهم والعراق ويعلمون مثلما الكثير من العراقيين، بأنهم كانوا مركب النجاة الذي أنقذ العراق من غرق كان يلوح لهم ويهدد الجميع دون استثناء.وفي ذات الوقت يستشعرون قوة الخطر التي كانت ومازالت تهدد محافظتهم، تلك المحافظة الواعدة والعامرة بالخيرات والتي ممكن لها أن تصبح على يد أبنائها من البناة الحقيقيين  من التكنوقراط  قبلة للأنظار ونموذج يحتذى به وهذا ما يصرح به قادة المحافظة التي يتمنون لها أن تكون مثالا يحتذى به حين يشبهون مستقبلها بالنهوض المدني الذي وصلته دولة الأمارات العربية ونحن اليوم نلزمهم بوعودهم هذا وننتظر.

ربما هناك الكثير من الحقيقة في رؤية حكومة السيد المالكي ومخاوفها من مجالس الصحوات في باقي المدن العراقية وبالذات مناطق بغداد، ولكن أعذارها تبدو واهية وتجافي الحقائق في علاقتها مع مجلس صحوة الأنبار.وأن بدا مجلس صحوة الأنبار هو النواة الأولى لما جاء بعد ذلك من مجالس، لكنه يمتلك خصوصيات ينفرد بها عن الباقين، ويشكل لوحده نموذج واعد لقيادة محافظة تبلغ مساحتها ثلث العراق واعتبرت قبل تشكيل الصحوة المنفذ والبوابة المثالية لدخول الإرهاب عديدا وعدة من حدود الدول المجاورة وكذلك فهو يقود ائتلاف عشائر كبيرة تمتد صلاتها وقرابتها مع عشائر تقطن في الجوار العراقي.وتمتاز المحافظة بوجود ثلاثة منافذ حدودية تربط العراق بالعالم لها من الأهمية الكثير. ويمثل مجلس صحوة الأنبار اليوم قوة تتمتع بالمكنة العسكرية والسلوك المنضبط يضاف لذلك القدرة السياسية التي غيرت المعادلة والمشهد السياسي بين أوساط أبناء المحافظة.لذا فأن أعذار حكومة المالكي في عدم مد يد المساعدة واحتضان رجال صحوة الأنبار تبدو غير منطقية وربما تجعل رجال الصحوة يتخذون خطوات خارج أطر الدستور لا تتوائم ولا تتوافق أطلاقا مع خيارات سلطة السيد المالكي والعملية السياسية برمتها.لذا على حكومة المالكي بذل قصارى الجهد من أجل تقديم العون المادي والمعنوي لمجلس صحوة الانبار والانبار نفسها وليكن أساس ذلك زج رجالها في سلك الشرطة والجيش وجهاز الدولة المدني دون إبطاء وقبل ذلك تخصيص مبالغ ومشاريع تنموية حقيقية لبناء وأعمار عموم مدن المحافظة وتوفير قروض وتسهيلات لأبنائها بعيدا عن الضجيج الإعلامي والوعود الكاذبة. فمحافظة الأنبار ومجلس صحوتها يستحقان أن تخصص لهما الأموال والمشاريع الحيوية  بعد ما قدمته تلك المحافظة للعراق وكانت الوعد الذي أنقذ العراق من كارثة حقيقية كادت أن تكون أكبر من كارثة الاحتلال البغيض.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2... bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com