|
من خلال المسيرة الطويلة للفنان الكبير سامي عبد الحميد من الواضح جدا ً تنوع مواهب هذه الطاقة الإبداعية التي لا ينضب معينها بل هو من أبرز المخرجين العراقيين والعرب الذين إنتهجوا نهجا ً حداثويا ً في التعامل مع موضوعة العرض المسرحي ،فهو من الفنانين القلائل الذين يراهنون دوما ً على قدراتهم الإخراجية بالنظر للخزين الجمالي الذي تتمتع به ذائقته الجمالية فضلا ً عن الخزين الفني والمعرفي والدربة العالية التي هي نتاج تراكم زمني من التجارب مع مختلف الأجيال التي تعاطى معها عبر بوابة معهد وأكاديمية الفنون الجميلة فضلا ً عن الفرق المسرحية المختلفة كالفرقة القومية للتمثيل ، وفرقته المعروفة { فرقة المسرح الفني الحديث } ومن المعروف أن بواكير تجربته إستهلت بتقديم بعض النصوص المحلية ، وتعززت بتقديم الكثير من النصوص العالمية ، برؤى حداثية متنوعة ومما يحسب لهذا الفنان أنه يعتمد التجريب ويستطيع التعامل مع مختلف أنواع النصوص المسرحية { المعقد منها والبسيط } وما تزال عروض مثل { ثورة الزنج } لمعين بسيسو و { القرد كثيف الشعر } و { كلكامش } و{بيت برنارد آلبا }وغيرها من العروض التي أخرجها عبد الحميد وأحدثت نقلة على مستوى المعالجة والخطاب وتتميز معظم النصوص التي قدمها عبد الحميد بأنها تنطوي على مضامين إنسانية عميقة ووفق تعامل إخراجي عال المستوى تكتسب هذه النصوص أهميتها ولاشك أن إستيعاب سامي عبد الحميد لجميع ما طرح من إتجاهات ومدارس فكرية أو جمالية على صعيد المسرح أعانه كثيرا ًفي الوصول إلى المعادل البصري الذي يتفاعل بذات القيمة مع بقية عناصر الخطاب لينعكس المردود الإيجابي فيما بعد على مستوى التأويل والتفسير لدى المتلقي ، وتكاد تختلف تجربة فناننا سامي عن بقية أقرانه من مجايليه وهنا نحن لسنا بصدد إطلاق نوع من المقارنة لأبناء هذا الجيل من الرواد بقدر ما هو نوع من الإضاءة لخصوصية تجربة فنية إتسمت بوجود عناصر تكاملها الفني فمن البديهي أن أهمية الخيارات تختلف من مخرج مسرحي لآخر فمنهم من يعتمد على تفعيل عناصر النص لإيصال أدلجة معينة مستترة عبر خطاب مسرحي حواري ليس فيه للجانب البصري الشيء الكثير ، فيما يذهب أخرون إلى تفعيل الجانب الشكلاني الذي يعتمد الجماليات البصرية سبيلا ً لإيصال فلسفة العرض بينما يمضي فريق أخر من المخرجين المسرحيين إلى تفعيل جميع مستويات العرض المسرحي بما فيها المستوى السمعي والبصري والمعمار الفني الذي عادة ما يتمظهر في حلة العرض التي تؤسس لفضاء العرض والذي يمثل بدوره الوعاء الحاوي الذي تطلق من خلاله شفرات العرض ، وأميل إلى القول أن فناننا عبد الحميد جنح إلى البحث في فضاءات جديدة لإيجاد مفردات عمل جديدة من شأنها بث روح جديدة للعرض المسرحي ففي مجمل أعماله إشتغل على ما يسمى بمفردة المكان حيث كان يلجأ دائما ً إلى تقديم المغاير من الأشكال بيد أن أن هذه المغايرة في نحت الأشكال لم تأت محض صدفة أو تجريب لا يستند إلى قاعدة فكرية تقوم على قراءة إخراجية خاصة يمكن لها أن تكون البؤرة المركزية لتأويل رسالة العرض ، ومنذ تجاربه المسرحية الأولى ركز الفنان سامي على خلق آلية يمكن لها أن تكون بديلا ً عن تقليدية المكان في مسرح العلبة لذلك فهو على سبيل المثال قدم مسرحية { كلكامش } في المسرح البابلي مستفيدا ً من الطراز التاريخي للمكان ، ومنذ هذه التجربة نراه يمضي قدما ً في تعزيز ذلك الخيار التجريبي ففي العروض اللاحقة عزز طروحاته إزاء موضوعة المكان فقدم عرضا ً بعنوان { بيت برناردا آلبا } للشاعر الإسباني الشهير لوركا وهنا عمد إلى جعل الاحداث تدور ضمن جغرافيا السجن ما يعني أنه حوٌل البيت الذي دارت فيه الأحداث إلى مفردة مكانية جديدة وكذلك في عروض مسرحية أخرى كمسرحية { جزيرة الماعز } ومسرحية { السود } وعروض مسرحية أخرى ، مثل مسرحية { عطيل في المطبخ } التي أعدها عن نص { عطيل } لشكسبير حيث قدمها الفنان سامي عبد الحميد في فضاء كافتيريا دائرة السينما والمسرح ولم يقدمه على خشبة مسرح تقليدي ، ويبدو من خلال مسيرة هذا الفنان المبدع أن فكرة المكان أو الجغرافيا التي يفترض أن الحدث الدرامي وقع فيها هي العنصر الذي يوليه الجانب الأكبر من اهتمامه كمخرج وهنا قد يصبح المكان { بطل العرض } بيد إن المتابع لنتاجاته أيضا ً يلحظ جيدا ً الكثير من الملامح التي تمتاز بها تجربته عن غيره من المخرجين بالنظر لكونه يمتلك موهبة وحضورا ً كبيرا ً في فن التمثيل بالقدر الذي يمتلكه في فن الإخراج فضلا ً عن كونه أستاذا ً يدرس موادا ً مختلفة في قسم المسرح لكلية الفنون الجميلة ببغداد وأحسب أن تعدد مواهب هذا الفنان تعد أحد الأسباب المهمة لنجاح تجربته الفنية المسرحية على صعيد الإخراج والتمثيل والتنظير ، غير أن السؤال الذي يطرح نفسه منذ أن شهدنا أحداث التغيير في العراق حتى الآن ترى أين فناننا الكبير سامي عبد الحميد من خشبة المسرح الآن ، وبغض النظر عن ما أصاب الساحة الفنية عموما ً والساحة المسرحية خصوصا ً من تدخلات وأذى من قبل سلطات النظام البائد فإننا يجب أن لا نفرط بفنانينا الكبار الذين يشكلون الثروة الثقافية للعراق والذين وصلوا عبر نتاجاتهم المتألقة لمختلف أقطار العالم العربي بل وحتى في بعض المحافل الدولية ، وعلينا أن نميز بين الغث والسمين قبل أن نطلق أحكاما ً على مبدعينا ، فالجميع مطالب في فرز الأسماء المبدعة عن الأسماء االتي تدعي الإبداع ولا يوجد في مسيرتها الإبداعية ما يشير إلى ثمة شيء من التألق وهنا يبقى إتساع نطاق تداول الأسماء من المحيط إلى الخليج هو المعيار الذي نقيس من خلاله صدى مبدعنا العراقي على مختلف الأجيال .
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |