كانت تلك الليله  الخريفيه من عام86 تشبه الليالى التى سبقتها غائمه ورطبه، سوداء غاب عنها القمر، لم نلحظ بها مايوحي بأن شيئا خارج عن المألوف ربما قد يحدث. سوا بعض ألاخبار الغيرمؤكدة بنيه النظام  بشن هجوم  واسع ومن عدة محاور على قرى سهل أربيل (غالباً متكون ألأخبار غير صحيحه) .

 غادرت مفرزتنا المتكونه من خمسة وثلاثون نصيراً  وست سيارات (تويوتا بيك اب)  منطقة (شمامك) ذو الأراضى السهلية الغير صالحة للمناوره أو القتال تحسباً لكل اللأحتمالات، اجتزنا ربايا شارع أربيل- قوش تبة وسياراتنا مطفئة اللأنوار وبعد ساعتين وصلنا  جادة قرية بستانة وانعطفنا يميناً وراحت سياراتنا تتمايل بأودية (بست الشرغه) بعد أن أضئنا أنوارها،( وبست الشرغه) متكونه من مجموعه من التلال الوعرة الخاليه من الأشجار والواقعه بين أربيل وكوسنجق .يقطع واديها العريض نهر يتسع ويظيق حسب وعورة تلك ألارض،صيفاً يصبح شبيهه بمستنقعات صغيرة متناثرة وفي الربيع نهراً هادراً يصعب اجتيازه، من على جنبيه تصب فيه أنهر صغيره تجف صيفاً وتنشط شتاءَ وحسب هطول الأمطار، تهدر مياههه سريعه  نحو الجنوب وقبل أن يلتحم بالزاب الكبير تراه يذوب فجأة ويختفي بين ألأحراش والأدغال المنتشره بكثافه في مؤخرة الوادي.

في العلوم العسكرية تعتبر تلك التضاريس عوائق طبيعية تعيق أي تحرك عسكري نظامي مالم يكن مدعوم بالدبابات والطائرات ومن عدة محاور كي يحتوي كل تلك الأوديه والوديان وهذا ماحصل بالتحديد في تلك الليله،فقد جاءنا من يؤكد بأن قوه كبيره متكونه من الجيش والجاش تدعمها الدبابات  والمدفعيه الثقيله وبضع طائرات 

 تتقدم من ثلاثة  محاور (أربيل، كويسنجق، وناحية قره تبه)

في الحاديه عشره مساءً وصلنا قريه (نه رة جين) أخترناها لموقعها البعيد نسبياً عن الوادي ولشدة  وعورة التلال المحيطه بها 

في الثانيه صباحاً نبهنا الرفيق المكلف بنوبة الحراسه بأن هناك أمر مريب يحدث  في أطراف الوادي، أرسلنا من يستطلع فعاد الينا بالخبر اليقين، بأن هناك  مفرزه من الأتحاد الوطني ترغب بالبقاء في قريتنا حتى الصباح وهذا ماحصل بالفعل بعد توجس (تلك كانت هي المره الأولى التي نجتمع بها بهذا الشكل بعد قتال دام ٍِ بيننا دامَ أكثر من ثلاث سنوات)

وأنتظرنا حتى الصباح

في الخامسه صباحاً سمعنا أطلاق نار اسلحه خفيفه، قدرنا أن تكون قريبه من قريه (الينجاغ) ذو الموقع القريب جداً من جادة (قضاء كوسنجق)، وغالباً ماتطلق القوه المتقدمه نيران اسلحتهاالخفيفه محذرة ومنذرة من يريد أن يقاتلها أن يرحل اذا ماشاء وفي الحقيقه هي نيران خائفه وعشوائيه ...

بحدود التاسعه صباحاً اشتدت معركه بكل أنواع الأسلحه في قريه الينجاغ بين مفرزه من الأتحاد الوطني (بقيادة صلاح شينه...خان وقتل فيما بعد، على يديه استسهدوا كل من د.عادل،كانبي الصغير، رزكار قره جوغ و كمال)  في البدايه كان الموقف العسكري يميل لصالح البيشمركه ثم اخذ يتدهور تدرجياً، أخر أتصال معهم كان بحدود الثالثه عصراً قالوا لدينا عدة شهداء وبعض الجرحى ، سننسحب وانقطع الأتصال

أما نحن فكنا متمترسين بانتظار القادم، في العاشره والنصف بدأت تلوح من بعيد مقدمة الرتل المتقدم نحونا، صفوا عجلاتهم وترجلوان توجهوا صوب القريه،صوب متاريسنا، لم يتوقعوا وجودنا...تقدموا...تقدموا أكثر فأكثر وحين صاروا في أطراف القريه  فاجئناهم بنيران اسلحتنا فتشتتوا مخلفين وراءهم  بعض القتلى وخمسة عجلات .واشتعلت المعركه وراحت القذائف تتطاير بارجاء القريه، تهدأ تارة وتشتد اخرى، استعانوا بمدفعيه بعيدة المدى لم تصب اهدافها وبطائرات هليكوبتر تصدينا لها بكل مالدينا من اسلحه ففقدت فعالياتها...وهكذا استمرت معركه روتينيه لاتستحق نكر تفاصيلها حتى حلول الليل حيث كنا بانتظارهإ، توزعنا الى ثلاث مجاميع، الأولى تشن هجوماً مباغتاً بعد الألتفاف خلف العدو والثانيه ترابط باطراف القريه للتغطيه والأسناد والثالثه تهاجم موقع المعركه والأستيلاء على الغنائم، لقد وضعت الخطه  بأحكام ونفذت بشجاعه وبمعنوبات عاليه، فبحركه التفافيه سريعه تسللنا من واد ضيق واحتلينا قمة هضبه خلف موقع اسناد للعدو ودارت معركه شرسه انهزموا على اثرها وطاردناهم حتى أمنا موقع الغنائم وطريقانسحابنا أيضاً، أطلقنا عدة عيارات ضوئيه في الهواء وهي اشاره متفق عليها معناها أنجزنا مهمتنا فهبط الرفاق المكلفون بجمع الغنائم نحو الوادي، اختفوا ساعه وعادوا بأربع عجلات وبضع بنادق وهويات من قتل منهم  وبدأت عملية انسحاب شاقه بأتجاه طريق صخري وعر، مهمل خاضع لعوامل التعرية والتآكل، مهدته حركة البغال فقط والمؤدي الى قرى أخرى بعيده عن الوادي لانعرف ان كانت آمنه أم لا المهم لاخيار آخر أمامنا، انسحبنا وراحت سياراتنا العتيدة تزمجر وهي تتسلق الصخور كما لو أنها بغال،نسحبهن بالحبال تارة وأخرى نحملهن أو ندفعهن من الخلف 

كنا مرهقين تعبين بحق،لم نذق الطعام طوال اليوم وكانت أمامنا مهمة أنقاذ سياراتنا (واسطة نقلنا الوحيده) وفيما نحن على هذا الحال والفجر يداهمنا لاح لتا شبح بشري فوق أحدى الروابي، وهذا كنا ما نخشاه،كمين يقطع خط انسحابنا...توزعنا على عجل متخذين مواضع قتاليه ورحنا نراقب  اللآفق،كان رجلأ نحيفاً يصعد ويهبط التله بتوتر ظاهر،  يحدق في الأفق طويلاً كمن ينتظر شيئاَ ما...ترى من يكون هذا ومن ينتظر في هذا الليل

من هناك...صاح أحدنا

رد علينا صوت خافت آت من بعيد ... مام عبدالله، صديق..صديق، وهرع يركض نحونا مرحباً، كان في العقد السادس من العمر، نحيفاً مستقيم القامه،نظر الينا،تفحصنا جيداً ثم هتف بصوت عال (أهلآ وسهلآ جماعة مام كاويس)* ثم سئل بقلق عن حالنا وحين أجبناه بالأيجاب حمد الرب على نعمته واضاف كنت أتوقع تنسحبون من هنا. كان لنا بمثابة هديه من السماء، تبعناه فقادنا الى طريق صالح لسير العجلات وكنا قد خسرنا سياره سقطت في منخفض وعر.

دعانا الى داره فتبعناه،ولما وصلنا هتفت زوجته مشتكيه وفرحه بوصولنا بآن واحد..لقد أمرنا بتهيئة عشاء مئة رجل وغادرنا عند منتصف الليل، خفنا أن  يصيبه مكروه..وانهمكت بتقديم الطعام

أكلنا على عجل وغادرناهم  مٌودعين بأدعيه  تتوسل الرب أن يحفظنا (لكن الرب لم يستجب )**

وصلنا قرية( ئمه ركومه ت) صباحاً، تمركزنا بأطرافها تحسباً للأي،لكن لم يحصل ما هو خارج عن المألوف وعادت الحياة في الوادي من جديد الى سابق عهدها

 *يطلق القرويون اسماء شخصيات معروفه لديهم كأن تكون اجتماعيه أو سياسيه او عسكريه أسماءً لمفارزنا ومام كاويس شخصيه شيوعيه مرموقه ذاع صيطه كقائد عسكري شجاع، استشهد عام 85 .

**لقد استشهد بعد حين بعض ممن كانوا في تلك المفرزة،منهم دكتور عادل واخرين في معارك وحوادث مختلفه.

 العودة الى الصفحة الرئيسية