أنا والقراء وتنويعات الشرف العربي

 

 

زكية خيرهم/ أوسلو

ghaliawin11@yahoo.com

أثارت المقالتان اللتان نشرتهما في الأسابيع القليلة الماضية بعنوان: "فحولة الرجل العربي على المحك" و"من معارك الشرف العربي المجيدة" العديد من ردود فعل القراء المتفاوتة من السلب إلى الإيجاب إلى الاستفهام، سواء من خلال التعليق على المقالات أو من خلال الرسائل العديدة التي تلقيتها على بريدي الخاص . ولمزيد من التفاعل مع القراء على طريق الوصول إلى قناعات مشتركة ، سأرصد في هذه المقالة أهم الرسائل التي كانت على شكل استفسارات كي أوضح موقفي منها، على أمل توضيح ما هو غير واضح سواء قوبل ذلك بالتأييد أم بالرفض، فمن المحال أن يكون البشر كلهم على نفس الموقف أو في نفس الخندق، أملا في أن يعي الجميع مقولة العرب القديمة ( الخلاف في الرأي لا يفسد المودة بين الناس). 

القارىء ( محمد المرزوقي ) من الجزائر، كتب يسألني: ( هل تعتقدين كما فهمت أن غشاء البكارة ليس مهما للفتاة عند زواجها؟ ).

أولا تحية طيبة للأخ محمد المرزوقي. كثيرون ممن قرأوا روايتي طرحوا عليّ نفس السؤال لسوء فهمهم ماذا أقصد. عندما طرحت موضوع الشرف ومفهومه في روايتي" نهاية سري الخطير" هذا لا يعني مطلقا وبالقطع أنني مع الممارسة الجنسية غير الشرعية، بالعكس أنا مع القيم الأخلاقية التي بها تبقى الأمم وبدونها تفسد. كل شيء يؤدي إلى الأمراض المميتة للإنسان يرفضها العقل ويرفضها الإنسان، والجنس غير الشرعي يؤدي إلى الأمراض وإبادة مجتمع بأكمله، ويكفي أن أن نقرأ ونسمع ونشاهد في شاشة التلفاز كم من الدول تعاني من أمراض الإيدز الذي يهددها  بالانقراض، وفي الأساس أنها ضد قيمنا الأخلاقية كما وردت في القرآن الكريم، الذي سهّل عملية الزواج، أما تعقيد هذه العملية في مجتمعاتنا اليوم حيث طلب المهور العالية والركض وراء المظاهر من احتفالات ومفروشات فهذا من صنع البشر وليس الإسلام، ففي زمن الرسول صلى الله عليه وسلم ، كان المهر أحيانا حبة تمر مثلا، لأن الهدف ليس جني المال من أهل العريس الذي حوّل الفتاة إلى سلعة تجارية، ولكنه اللقاء على المحبة لبناء أسرة متضامنة تعرف كيف تخدم مجتمعها ،وهذا سببه الجهل في التعامل مع إنسانية الإنسان. أما سؤالك إن كان غشاء البكارة مهما للفتاة عند زواجها، أقول لك أن غشاء البكارة ليس دوما يرمز لعفة الفتاة وطهارتها قبل الزواج ، وكما كتبت في مقالتي السابقة كم من فتاة حافظت على بكارتها ولكنها كانت لها علاقات جنسية كثيرة، وهناك من يمارسن الجنس بحرية تامة وعند الزواج تذهب للطبيب فيرقع لها غشاء البكارة في عملية لا تستغرق أكثر من ربع ساعة وبمبلغ مالي بسيط للغاية، فيفرح عريس الهنا بقطرات الدم المراق دليلا على الشرف والعفة، وعروسته اللاعفيفة تمتعت قبله مع العديد من الأصدقاء والمغرمين فهل هذا هو الشرف والعفة.

 بدليل أن الدكتورة (صالحة رحوتي) في تعليقها سردت تجاربها مع فتيات يأتون لعيادتها :" كلهن طبعا يمارسن الجنس في إطار العلاقات المفتوحة…و جلهن أو لنقل كلهن لا يبحثن ـ بشهادتهن التلقائية ـ إلا عن المتعة الجنسية و عن اكتساب التجربة الجنسية قبل الزواج اقتداء بالرجل و اعتدادا بحقوق تكفلها لهن مساواة يعتقدن أنهن أصبحن يتمتعن بها ، ثم و عن البكارة حين أسأل يجبن دون تردد بأن الرتق موجود و بأبخس الأثمنة !!لأنهن يعلمن بأنه ذلك الزوج الموعود لم يصل بعد إلى مستوى التخلي عن المطالبة بوجودها ليلة الزفاف . وبصراحة جارحة لغالبية الرجال العرب: الرجل الذي مارس الجنس مع فتاة وأفقدها غشاء بكارتها، ألم يفقد هو أيضا غشاء شرفه وأخلاقه؟ لماذا اللوم على الفتاة فقط؟ إن كانت جريمة فطرفاها الرجل والفتاة وكلاهما في نفس المستوى من حيث المشاركة في الجريمة . وكما قالت الدكتورة نوال السعداوي ما معناه: إذا كنا نطلق على المرأة التي تبيع الجنس لمن يريد اسم (مومس ) فالرجل الذي يقبل أن يشتري منها الجنس مقابل المال أليس من حقنا أن نطلق عليه صفة رجل مومس؟. لماذا مسموح للرجل كل ما هو ممنوع على المرأة، وهذا ما عرضت لبعض جوانبه في روايتي، حيث الشباب ومنهم إخواني كان من حقهم كل شيء بما فيه اللقاءات العلنية والسرية مع صديقاتهم، بينما الفتاة تعاقب إذا ألقت التحية على صديق لها؟؟. ورغم كل هذا فأنا لست مع العلاقات الجنسية غير الشرعية بل مع العلاقات المنضبطة المنسجمة مع قوانين بناء الأسرة الصحيحة. وقد مررت بتجربة تعبر عن واقعنا المأساوي الذي يضع الفتاة في مرتبة دونية عن الرجل، فلي صديقة كانت معي في جامعة عربية، وأخبرتني عن علاقاتها الجنسية مع صديق لنا في الجامعة، فسألتها: هل أنتما متزوجان؟. قالت: لا. قلت لها: إذن  لديكما اتفاق على الزواج مستقبلا. قالت: لا. سألتها: وكيف تقبلين علاقة جنسية غير شرعية مما يعني أنه بعد أن يشبع غرائزه منك سوف يلقيك لأول سلة قمامة. قالت: أنا لا أحبه وأمارس الجنس معه نكاية وانتقاما من أخي الذي كل يوم يحدثني عن ممارسته الجنس مع صديقته في الجامعة دون خوف من الله أو المجتمع أم من والديه، بدليل أنني في إحدى الإجازات أخبرت والدي عن تصرفات أخي غير الشرعية وغير الأخلاقية، فكان جوابه: أخوك راجل يفعل ما يشاء أما أنت فإن أقدمت على ذلك سأقتلك علنا أمام الناس، وسيأتون يشكرونني ويباركون لي هذا العمل الشريف المجيد.

 السيدة (إنصاف الصعيدي) من أسيوط في مصر، كتبت تسألني: (هل كل أحداث روايتك "نهاية سري الخطير" أحداثا واقعية مررت بها أم هي خيالات روائية؟. 

تحية للسيدة إنصاف وتحية لمصر وشعب مصر. لست الأولى التي تطرح عليّ هذا السؤال، فكثير من الكتاب يطرح عليهم  ذات السؤال إن كانت القصة حياتهم الشخصية أو شيئا من حقيقة حياتهم. للأسف إن مقالة كُتِبَت عن روايتي كان عنوانها بالخط العريض، روائية مغربية أزالت بكارتها بحثا عن رجل يتزوجها لذاتها وأن جل أحداث الرواية حقيقة. لا أريد أن أخوض في موضوع صاحب المقالة الذي كتب ما كتب ليثير ضجة وقد نجح في ذلك. ما أريد قوله لماذا بعض القراء تجلبهم أخبار الناس سواء كانت حقيقة أو بهتانا، لماذا لا يهتم القارئ بالقصة ذاتها أكثر من اهتمامه بمعرفة حياة الكاتب. للأسف هناك مجلات تتحدث عن أخبار المشاهير وفضائحهم وتجد عددا من عشاق هذا النوع من المجلات ... لا أعرف ماذا يجدون من متعة في ذلك أو فائدة. عندما يكتب الكاتب من طبيعة الحال قد يعطي لشخصية من شخصيات روايته سلوكه طباعه طريقة تفكيره ... وقد يتقمص هو الشخصية الرئيسة، لكن هذا لا يعني أنه يتحدث عن نفسه أو تجاربه. الكاتب قد يتحدث في روايته عن مجرم أو مهرب مخدرات هذا لا يعني أنه مر بتجارب من هذا النوع جعلته يكتب عنها ،  من طبع الكاتب المبدع الحساسية المفرطة التي تجعله يتأثر بالواقع وكأنه هو المعني فيكتب عن الموضوع بكل جوارحه وأحاسيسه. وإذا قالوا أن الرواية قصة حياتي وإن كانت فعلا قصة حياتي، فهذا لا يزيدني إلا فخرا بشخصيتي وليس خجلا منها. فغالية بطلة الرواية لم تذهب للطبيب حتى يرقع لها ما أفسده ضميرها المنحل ... غالية عانت من وهم ظنته حقيقة وعندما تأكدت من كذبة عذبتها طوال حياتها وجعلتها تهرب من عالم متعطش لدم البكارة بغض النظر عن مصدره، إلى آخر بحثا عن الإطمئنان وهروبا من ذلك اليوم الموعود ليلة الزفاف التي تفرح بها كل فتاة. غالية الفتاة الأخلاقية التي تربت على قيم وأخلاق، تهرب من سر خطير وتتغرب وتعيش كوابيس في الليل، تجري حافية وأبوها وإخوتها يلاحقونها قصد قتلها ولا تستيقظ من الكابوس إلا بعدما يغرز أباها الخنجر بصدرها، تتألم ، تلهث والعرق يتصصب من جبينها وكأنها فعلا عاشت حادث قتلها. وبعد كل تلك السنين من الألم والخوف من شيئ كان مجرد وهم، يكشف عنه الطبيب ويخبرها بأنها عذراء. تسأله عن تلك البقعة الحمراء التي كانت في لباسها الداخلي من أين جاءت وما هو سببها. يجيبها بأن تلك القطرة قد تحدث لطفلة لم تتعدى السنة من العمر. فتنفجر غالية لتنتقم من تلك العادة المشينة ومن كل من وراء تلك العادات والتقاليد. وتطلب الطبيب لإزالة تلك البكارة بعملية . لأنها تؤمن أن الشرف أبدا لم يكن مربوطا بالبكارة وإنما بالأخلاق والقيم، وبالتربية الصالحة بمعرفة الخطأ من الصواب بتدريب العقل أن يتحكم في الغرائز ... بالإيمان أن كل ممنوع مرغوب وكل ممنوع ماهو إلا  إيذاء للإنسان ووبالا عليه، ويا صديقتي ما هو الموقف من فتاة ولدت بدون غشاء بكارة، وهذه الحالة يؤكدها الطب ، وهي لا تعرف ذلك، فماذا سيقول عنها عريسها ليلة معركة تحرير الشرف العربي، ليلة الدخلة، ليلة دخول تحرير فلسطين والأندلس؟ مجتمعاتنا العربية والإسلامية مهووسة بتلك السنتيمترات من جسد المرأة التي يطلقون عليها (الفرج) لأنه مفرج الكروب للرجل العربي أما محو الأمية وتحرير الأوطان المحتلة فيأتي في مرتبة ثالثة وعاشرة.

القارىء (جمال الحلبي) من سورية، كتب يسألني: (هل تعتقدين أن أحداث روايتك مسألة تشرفك كي تفتخرين بها؟).

 تحية للسيد جمال الحلبي وتحية للشعب السوري الطيب. نعم، أحداث الرواية كلها تشرفني، لأنها رواية صادقة تتحدث عن موضوع شائك وإنساني. إلى يومنا هذا تقتل الفتيات والنساء بحجة الدفاع عن الشرف. وكم من فتاة ماتت بحجة أنها ليست عذراء وبعد التشريح اتضح أنها عذراء وذهبت كما ورقة سقطت من شجرة. وكم من فتيات أغتصبن أو اعتدي عليهن من أقرب الأقرباء وعاشوا الموت كل يوم إلى أن متن في ليلة زفافهن موتة الكلاب. وهذا لايحرك ساكنا في الكثير من رجال أمتنا . أحداث روايتي من صميم الواقع العربي المر، واقع فعلا يتألم من أجله الضمير الحي، ويسعى جاهدا إلى تغييره بالكلمة الصادقة، لا بالبهتان وتنميق الجمل وستر عورات الواقع. كم من واقع مزري يعيشه مجتمعنا والكثير لا يعرف عنه. وكم من واقع نتستر عنه لماذا؟ أهو خوف أو نفاق؟ لماذا لا نقول كلمة الحق . لأن الحق دائما يعلو ولا يعلى عليه. وأنا متأكدة أن كثيرين من أصحاب الكلمة النزيهة والضمير الحي معي في كل ما طرحته، وأليكم بعض ما كتبوا في تعليقاتهم على مقالتي السابقة وما وصلني من خلال بريدي الإلكتروني ، إذ انهالت عليّ رسائل من رجال كثيرين يثنون على ما كتبت. يكتب الدكتور فاروق مواسي الناقد والأستاذ الجامعي المعروف : ( ليتنا نقرأ وندرك... المقالة أنصح بقراءتها في لقاءات فكرية ومناقشتها ...وألا تكون كلاما عابرا ) ، والكاتب الباحث أحمد محمود القاسم يقول:( أود أن أشكرك جزيل الشكر على موضوعك الرائع والجريء والصريح بما فيه الكفاية، والذي يضع النقاط على الحروف، في موضوع حساس ودقيق وهام جدا، يلقي الضوء بصدق وإخلاص على حقيقة بعض الرجال في مجتمعاتنا العربية، مع أنهم كثر ونظرتهم الدونية للمرأة العربية من المحيط إلى الخليج ).

 القارىء ( جمال الحسيني ) من فلسطين، كتب يقول: ( هل كان ذهابك للنرويج من أمريكا هروبا من عار كنت تعيشينه ؟ ).

 كل التحية لجمال الحسيني ولشعب فلسطين الصابر الصامد وطن كل شريف. أتمنى ألا تكون ممن يقول عنهم المثل: يهتمون بالأشخاص وحياتهم، أتمنى أن تكون من الذين يهتمون بالأفكار والرقي إليها لأجل أن نرتقي. وكم نحن في أمس الحاجة إلى ذلك، وليتك فكّرت في واقع مجتمعات غشاء البكارة عندها أهم من وطنك المحتل).

 القارىء ( سعود أبو مزهر ) من المملكة السعودية، كتب يسألني: ( أنا أعجبت بشجاعتك في التعبير عن تجربتك الحياتية، وأنا متأكد أنها تجربة الملايين من الفتيات والسيدات العربيات، لكن قلة من لديهن جرأتك...سؤالي: هل لديك أعمال روائية أو إبداعية جديدة في طريقها للنشر؟).

 تحية قلبية بكل المودة للشعب السعودي الطيب وللوطن الطاهر بكعبته ومدينته المنورة ومكة المكرمة وتحية خاصة  لعضو مجلس الشورى في المملكة العربية السعودية الكاتب والمفكر المعروف  الأستاذ الفاضل " ابراهيم البليهي" في حوار معه حول عقلانية النص الأدبي، استدل بروايتي  وقال عنها  كلاما  أكثر مما تستحق  ووضعني في خانة الكتاب العمالقة وأنا مازلت في خطواتي الأولى أشق طريقي وأحتاج إلى الكثير من الخبرة الطويلة عبر السنين حتى أصل لتلك  الأسماء الكبيرة واللامعة. الأستاذ الفاضل إبراهيم البليهي يقول: (أشكر ابن سلمة على ترحيبه وعلى مشاركته وأقول له بأن من مفارقات الثقافات المغلقة أن المحكومين بـها يواصلون هجاء العقل وتحقيره لكنهم أكثر الناس ثقة بعقولهم فلولا هذه الثقة العمياء لما كانوا بـهذا الوثوق الأعمى لما في رؤوسهم إنـهم حين يذمُّون العقل ويُحَقَّرونه فإنـهم يقصدون عقول الآخرين لكنهم متأكدون من صواب فهمهم ودقة معلوماتـهم وصحة استنتاجاتـهم وهذه إحدى النقائص الكبرى للعقل البشري. إن الغرب لم يتقدم حتى عرف أن العقل مقودٌ بالأهواء ومأسور بالتحيزات فأصبح يستوثق من كل شيء ولا يتقبَّل الأحكام والآراء إلا بعد المراجعة والتمحيص إن العقل ليس جامحاً وإنما الأهواء هي الجامحة وهي في الغالب تسيطر على العقول وتخدع الناس..إن العقل أداةٌ تتلاعب بـها العواطف ومهمة الإنسان الأساسية أن يراقب عواطفه ويتفحَّص أهواءه ويعيد الفاعلية لعقله ولا بد أن تبقى المراقبة شديدة اليقظة وأن يظل التفحُّص مستمراً حتى يعتاد الإنسان على الرؤية الموضوعية وما لم يصل الفرد إلى هذا المستوى من التعوُّد على الموضوعية النسبية فسوف تستعيد العواطف سيطرتـها ويعود للأهواء سلطانـها المطلق). أما سؤالك عن إمكانية أن يكون النص الأدبي عقلانيا ف ( أقول إن العقلانية هي السمة الغالبة في آداب الحضارة الإنسانية المعاصرة فالكثير من الإبداعات الأدبية في الغرب ليست للإمتاع والمؤانسة وإنما هي لنشر الأفكار الإنسانية إنـها نصوصٌ أدبية لكنها في الغالب تحمل مضموناً فلسفيا أو رسالة اجتماعية أو ثقافية أو سياسية أو تحملها جميعا وبالنسبة للثقافات الأوربية لم تكن عقلانية النص الأدبي طارئة أو جديدة بل إن الأدب الإغريقي منذ القرن الخامس قبل الميلاد كان زاخراً بالعقلانية ثم عاد المضمون العقلاني إلى الأدب منذ عصر النهضة ولقد كان شكسبير في مسرحياته صاحب رسالة تنويرية وظل المسرح في الغرب من أهم أدوات التنوير من شكسبير مروراً بـهنريك ابسن إلى بريخت ومئات المسرحيين الغربيين وكذلك كان الفن الروائي في غالبه عقلانياًّ حتى النخاع ويكفي أن نقرأ كنموذج روايات جورج أرويل لنرى إشعاعات العقلانية في كل سطر من رواياته بل حتى على المستوى العربي نجد نجيب محفوظ وعبد الله العروي وتوفيق الحكيم والطاهر بن جلون وغيرهم كثير يتخذون من الفن الروائي وسيلة للتنوير وتوطين العقلانية بل من يقرأ رواية ( نـهاية سري الخطير ) لخيرهم زكيَّة على سبيل المثال يجد معالجة عقلانية باهرة لقضية ثقافية واجتماعية شديدة التعقيد وحين نلتفت إلى تجليات الفن الروائي على المستوى المحلي السعودي نجد معظم الروائيين يستخدمون هذا الفن الرائع لتوطين الفكر العقلاني التنويري أما الأدب العربي القديم فهو نثارٌ للإمتاع والمؤانسة ولكن هذا النوع الترويحي من الأدب لم يَعُدْ له مكان في حضارة العصر العقلانية الجادة).

 أما عن سؤالك الثاني فأقول لحضرتك، أنني سأنشر قريبا مجموعة قصص تحت عنوان: (الأعراب في بلاد القراصنة). وهناك مشروع رواية بطلها رجل متمنية ألا أتهم بأن ذلك الرجل هو أنا وأن القصة هي حياتي الشخصية ، خاصة أنني متزوجة زواجا شرعيا موثقا ولي طفلة أسمها (سارة) عمرها 12 عاما. 

القارىء سلمان البوسعيد من سلطنة عمان، كتب لي يسألني: ( أدهشتني جرأتك في الكتابة عن تجربتك لذلك أسألك": هل تعرضت لعملية ختان وما هو رأيك في عملية الختان التي تنفذ في العديد من الدول العربية؟

 سيدي الفاضل تحية لك وللشعب العماني شعب الأصالة وصلالة .غالية ليست زكية.  بطلة الرواية أمها سودانية وأنا من المغرب وولدت في المغرب، وعادة الختان ليست موجودة والحمد لله في وطني. فليس كل ما تقرأونه هو حياتي ... اليوم كتبت  عن غالية وغدا قد أكتب عن علية أو علي أوعن زيد أو عمر ، فهذا لايعني أن هؤلاء أنا. أما رأيي في الختان فيجب أن تعرف أنني لست مفتية ولست فقيهة من فقهاء الدين الإسلامي، ولكن كمواطنة مسلمة ملمّة بأمور دينها أعتبر أن الختان عملية محرّمة شرعا ، لأن الله تعالى قال في قرآنه الكريم ( لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ) ، سورة التين، آية 4 . فكيف يحق للبشر أن يتدخلوا في خلق الله فيقطعون جزءا من فرج المرأة وكأنهم أفهم من الله تعالى؟. إن الله تعالى يعرف ما خلق ولماذا خلق، ولماذا كان كل جزء من جسد الإنسان كما خلقه الله تعالى ، فليس من حق البشر أن يتدخلوا لتصحيح أو تقويم ما خلقه الله على هذا الشكل.

 القارئ سعد أبو مطر من بلاد الشام، كتب لي يقول: (في مقالتك تشجعين الإنفتاح الجنسي ومتأثرة بالغرب كثيرا نسيت وطنك وعروبتك وذبت في عالم النرويج)

 أقول للسيد أبو مطر، تحية لبلاد الشام ولشعب الشام . أولا أنا ضد الإنفتاح الجنسي غير الشرعي، وسبق لي أن ذكرت ذلك. لأنه يجلب أمراضا ومشاكل صحية وإجتماعية أيضا. أما عن تأثري بالغرب فهذا صحيح. إنني مـتأثرة بكل ما هو جميل في النرويج. متأثرة بالنظام الراقي الذي رفع بالبلد وجعلها من الدول الأولى في أحترام القوانين. كقانون السير مثلا حيث الحوادث سنويا لا تتعدى 500 حادث. وأن الإنسان لا يبصق في الشوارع أو يرمي القمامة ، والركاب في الحافلات لا يحتكون بأجساد النساء كما في وطننا العربي، وإذا دخل الحافلة رجل أو امرأة مسنّة تسابق الجالسون ليجلسوه مكانهم ، والشعب لا يتكلم بصوت مرتفع ولا يقاطعك في كلامك بل ينتظرك السامع حتى تنهي كلامك. المحسوبيات منعدمة، والقانون مطبق على الكل من الملك إلى الرعية. تأثرت بصراحتهم المهذبة وبعدم النفاق وقول الحق وانتقاد الغلط سواء تعلق الأمر بالرئيس أو المرؤوس. تأثرت بديموقراطية هذا الوطن وإحترام أهل الوطن. بل الحقوق المخولة للأجنبي في النرويج لا يمكن أن يحلم بها في كل الدول العربية، ويمكن للأجنبي أن يشتري سكنا ويتزوج من أهل البلد وله حقوف تحميه عند المرض وتحمي عائلته عند الوفاة وحقوق للمرأة المطلقة أو الأرملة أو من تعاني عنفا وتعذيبا من زوجها وقوانين أخرى تحمي الطبيعة والإنسان والحيوان. هنا يكتبُ الكاتبُ من غيرِ خوفٍ  أنَّهُ يتجاوزُ خطوطًا حمراء، ولا سيّما ثالوثَ المحرّماتِ الأبديّ (الدين والجنس والسياسة)، دونَ أن يكونَ مبتذَلاً بل يظلُّ شامخًا كقامةِ سروة. الكاتب الغربي لا أحدَ يقفُ على أصابعِهِ (المحتلّةِ والمختلّةِ) حين يمارسُ الكتابة. لا يقفُ التاريخُ والتّراثُ والمخابراتُ سواطيرَ حادّةً فوق أصابعِهِ حينَ يمارسُ عادةَ التّنفّسِ السّرّيّة.

أما قولك تخليت عن عروبتي، فأقول لك أخي الفاضل عروبتي حملتها معي منذ غادرت وطني للدراسة في أمريكا وجئت بعروبتي إلى النرويج وهي تعيش في عروقي وروحي وإلا لما كتبت باللغة العربية وعن قضايا تهم شعبي العربي. إنني ككل كاتبة مغتربة حملت معي هموم  وطني في حقيبة سفري، وعندما وصلت إلى الوطن الثاني الذي أصبح وطني الأول والأخير ، ظل يحن ويبكي وطنه قائلا قول أبا فراس الحمداني.

 فقال أصيحابي الفرار أو الردى          فقلت هما أمران أحلاهما مر.

 القارئ الدكتور الفاضل محمد قصيبات،  يقول: ( صدمني الخبر فأرسلته يوم صدوره إلى دروب كتعليق… لكنني أختلف معك في طريقتك لتناول الموضوع… لا أعرف لماذا كلما تعلق الأمر بالمرأة نضع مشكلة العروبة والإسلام  أمام أعيننا رغم أن المشكلة تختلف من ثقافة إلى أخرى… وفي كلا الثقافتين يبحث المجتمع عن حلول… يبدو أن فقدان الغشاء مشكلة  وبقاءه كذلك. لم أفهم معارضتك للمفتي… كمثقفة تعلمين أن الإسلام يحمي المرأة في أمور الجنس… تعلمين أن الدين يرى الزانية بريئة ما لم يكن هناك دليل قاطع (وهذا طبعًا شبه مستحيل)… والدين لا يربط قط بين البكارة والفتاة البكر… رغم التقارب اللغوي… فيمكن في الشرع أن تكون الثيب ذات بكارة وكذلك العكس لهذا لم يشترط الدين البكارة كدليل للعذرية على الإطلاق… وكذلك الطب لا يربط بين العذراء والبكارة … المشكلة تتعلق بالجهل الذي يقتلنا).

 تحياتي للدكتور الفاضل محمد قصيبات وكل عام وحضرتكم بألف خير. صحيح كلامك عن غشاء البكارة يختلف موضوعه من مجتمع إلى آخر، لكنني مادمت أحمل عروبتي معي وأحمل هم شعبي سواء كان من الرجال أو النساء. لا يهمني الحديث عن  بكارة المرأة الغربية ومعاناتها لإزالتها. ولسن كلهن يجرين وراء إزالتها. والمثل الذي وضعته حول تلك الفتاة يظهر جليا أنها فتاة معقدة ومنزوية مقارنة بفتيات مجتمعها. حيث أنها لم تخبر صديقاتها حتى لا يضحكن عليها بل أخبرت عن مشكلتها مجلة . مشكلة تلك الفتاة عدم استطاعتها الحصول على صديق كغيرها من فتيات مجتمعها وهي لا تمثل كل فتيات المجتمع. ولا ننسى أن هناك كثير من العائلات الأروبية المتحفظة والمتسكة بدينها ولاتقبل العلاقات غير الشرعية مثلنا نحن المسلمين، وقد رأيت الكثير من هذه النمادج المسيحية عندما كنت أدرس في أمريكا. أنا أعي إن الإسلام بريء من هذه العادات المشينة، وأن سلوكيات الكثيرين من المسلمين يحكمها الجهل. أما معارضتي للمفتي فأنا قلت بكل وضوح تلك الفتوى التي أتى بها لم تكن حلا بل هي عكس ذلك. هي فتوى قصد منها تزوير الحقيقة والتزوير في الإسلام وفي كل الأديان السماوية حرام. إن فتوى على  هذا النحو كذب ، فالأجدر بالمفتي أن يفتي ضد هؤلاء الذكور الذين وراء كل ظلم وتعسف واستغلال للمرأة ووراء العار الذي حل بها ولم يزده هو إلا رجولة وبطولة. الدكتور جمعة غض بصره عن الظالم وجاء بفتوى تغطي الجرم بجرم آخر. نحن نريد حلولا والأجدر بمن يمثل الدين الإسلامي أن يكونوا قدوة في كلمة الحق ومثلا أعلى في كشف الظلم أكان من الحكام أو من الأفراد ،  وأن ينادوا بتعليم القيم والأخلاق فإن أردنا مجتمعا صالحا على المرأة أن تكون قدوة ومدرسة أولى والأب أن يكون مثلا لأهله حتى نضمن جيلا نقي الضمير لأن من ذلك الجيل سنضمن ملكا أو رئيسا عادلا وحكومة تمشي حدو الملك رب الأسرة الكبيرة  الوطن وشعب طيب الأعراق. وكما قال الشاعر أحمد شوقي:

        وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت                   فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا

 ونحن الآن نعيش ظرف :

       إذا كان رب البيت بالدف ضاربا           فشيمة أهل البيت كلهم الرقص والطرب

 العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com