في جنوب غربي بولندا التي كانت بداية مغامرات هتلر النازي الغازي، كانت ذكرى(الحل الأخير) في مثل هذه الأيام، 27 ك2 1945م، لتحرير 7 آلاف يهودي، من ضمنهم يهود حلبة Gipsy ملونون، من معسكر الإعتقال النازي Auschwits، وإجمالي(رقم) ضحاياه مليون ونصف المليون إنسان، وقد شيع"زربا" 125 ألف يهودي هولندي، بقطارات الى المحرقة، بعد أن قضى سادن الغستابو " هملر "، ومساعده " هيدرش"، على دوزينة

ملايين أوروبي، عند بحيرة برلين مثل هذه الأيام، مطلع سنة 1942م. وبعد أن فر حتى طبيب هتلر Mengle. "جيفري لنج"، مؤلف كتاب"صراع في سبيل الإيمان" عبر في كتابه هذا، عن رعب زوجته اليهودية، ناهيك عن شهادات يعتد بها، كشهادة الفيلسوفة الألمانية Hannah Arendt Fpllndation.

ابان الحكم النازي لألمانيا من عام 1933 وحتى عام 1945. فرض على السكان اليهود ارتداء النجمة الصفراء. The NAZI لم يتوقف عند حدود القارة الأوروبية عند آخر المعتقلات النازية، "معسكر Auschwits" الذي أقامه النازيون في مدينة Auschwits البولندية لإعتقال وتعذيب اليهود والغجر وغيرهم ممن اعتبرتهم العقيدة النازية غير جديرين بالحياة!. بل بنوا هذه المعسكرات خارجها، حتى في بعض البلدان العربية التي تمركزت فيها القوات الألمانية أثناء الحرب العالمية الثانية. و تمكنت القوات النازية من بناء 100 معسكر اعتقال في كل من تونس والجزائر والمغرب، بني بعضها بالتعاون مع عملاء محليين!.

ورغم وجود متعاونين مع الإحتلال الألماني، فإن هناك أيضا شخصيات عربية ساعدت السكان اليهود في التخلص من ملاحقة النازيين.
ففي تونس، على اليهود ارتداء النجمة الصفراء في مدينة مهدية على الساحل التونسي، ذهب الثري خالد عبد الوهاب الذي علم عن نية أحد الضباط الألمان اغتصاب امرأة يهودية من عائلة يعرفها، إلى معصرة زيت الزيتون التي تم نقل يهود المنطقة إليها قسرا للعمل هناك وقام بتنظيم عملية تهريب لجميع اليهود المتواجدين هناك ونقلهم إلى مزرعة خاصة له لمدة 6 أسابيع إلى أن غادرت القوات الألمانية المنطقة.

Imre Kerész اعتقل بسبب أصله اليهودي عام 1944م في معسكر للاعتقال، إلى أن تمكن الجيش الروسي الأحمر في 27 ك2 1945م من التغلب على النازيين وتحرير من تبقى من سجناء في هذا المعسكر الذي لقي فيه الكثير من اليهود وغيرهم حتفهم. وقد ألقى الكاتب الهنغاري الناجي من أحد معسكرات الاعتقال خلال فترة النازية والحاصل على جائزة نوبل للسلام،(Imre Kerész)، كلمة الحفل الرئيسة. وقد أحيا البرلمان الألماني(البوندستاغ) هذه المناسبة عبر حفل حضره كبار ممثلي السياسة الألمانية الى جانب شخصيات عانت كثيرا.

رواية"قاتل لمدة عام" للكاتب الألماني"فريدريش كريستيان دليوس" صدرت عام 2004م، وترجمها إلى العربية مؤخرا"سمير جريس".صدرت عن دار أزمنة الأردنية في إطار مشروع ليتريكس لدعم ترجمة الأدب الألماني.

رواية تسلط الضوء على عملية المراجعة الغاضبة التي قام بها جيل الشباب في عقد ستينيات القرن الماضي، للطريقة التي تعاملت بها ألمانيا مع الماضي النازي.الرواية تمزج بين الأحداث الواقعية والمتخيلة.

لذلك تشكل الرواية بفضل تسليطها الضوء على عملية المراجعة التي قام بها جيل الشباب بكافة روافدها، وبفضل طابعها الوثائقي المستقى من أحداث وشخصيات حقيقية إضافة إلى مجريات العصر الذي تدور فيه، تشكل مدخلا مفيدا لمن يرغب في الاطلاع على فصل هام من فصول التاريخ الألماني الحديث، وهو مرحلة جيل التمرد والمراجعة، والتي قلما نقرأ عنها في المكتبة العربية.

عندما سمع بطل الرواية خبر اصدار هيئة المحلفين بمحكمة ولاية برلين "حكما ببراءة القاضي السابق بمحكمة الشعب العليا"هانز يواخيم ريزه" من تهمة القتل الموجهة إليه في 7 حالات.“عبر موجات الأثير ليلة عيد القديس نيقولاوس، قبل 40 عام(1968م) تَغير مجرى حياته، فقد فقدَ فجأة صوابه واتخذ قرارا بقتل القاضي"ريزه" بنفسه، مستجيبا بذلك لصوت غامض لم يفقه مصدره. لكن رغبة الراوي في قتل القاضي صاحب الماضي النازي الذي بُرأت ساحته للتو لا تنبع من مجرد الإنتقام الأعمى لوالد صديقه النزيه، بل تأتي في إطار المراجعة الغاضبة التي قام بها جيل الشباب في فترة ستينيات القرن الماضي، للكيفية التي تم بها التعامل مع الإرث النازي في ألمانيا، حيث بُرأت ساحة العديد من العاملين في سلك القضاء أثناء فترة الحكم النازي بدعوى أنهم حكموا بمقتضى القوانين التي كانت سارية آنذاك، كما يزعم منصب رئاسة جمهورية العراق سىء السيرة منذ إستداثه على عجل يوم 8 شباط الأسود 1963م، إضافة إلى استمرار العديد من الموظفين التكنوقراط الموالين للحكم النازي في وظائفهم بجهاز الدولة بعد الحرب.

ذلك الغضب الذي اعتور في نفس الطالب وكشفت عنه الرواية بجلاء كان سمة العصر آنذاك، وشاركه فيه العديد من الحركات الثورية المنتشرة بوفرة في ستينات القرن الماضي، التي اختار بعضها طريق العنف من أجل تغيير المجتمع ومواجهة جيل الآباء، الأمر الذي مهد الطريق لما بات يعرف بالخريف الألماني، الذي وصل إلى ذروته في عقد سبعينيات القرن الماضي، مع ظهور تنظيم الجيش الأحمر الراديكالي وقيامه بعمليات إرهابية أسقطت العديد من الضحايا. بيد أن الراوي لا يبدي تعاطفا مع هذه الحركات الراديكالية ويرفض العنف الإيديولوجي، إنما يمضي عامه في التخطيط لعملية القتل وحيدا منطلقا من التزام أخلاقي ومن رغبة شبه رومانسية في المساهمة في التوعية والديمقراطية والعدالة.

الراوي الذي كان طالبا يدرس الأدب في العاصمة برلين آنذاك، أصيب بصدمة وهو يرى كيف يتم التنكيل بأرملة الطبيب"غروسكورت" من لدو سلطات برلين الغربية بتهمة الشيوعية الملفقة، رغم ماضيها وماضي زوجها في الكفاح ضد النازية، في حين يتم رد الإعتبار إلى القاضي"ريزه" في الوقت ذاته.

الرواية تحمل ملامح السيرة ذاتية، إذ يعود الكاتب إلى ماضيه كطالب للأدب بعد مرور أكثر من ثلاثة عقود، يروي خلالها قصة شخصيات حقيقية ارتبطت حياته بها(على وجه الخصوص قصة والد أقرب أصدقاء طفولته إلى نفسه) وهما الطبيبان"غيورغ" و"أناليزه غروسكورت" اللذان كوّنا حلقة مقاومة أيام النازية. ونجحت الحلقة في مساعدة اليهود والملاحقين السياسيين وامدادهم بالأوراق المزورة على مدار سنوات، حتى اكتُشف أمرها واعتقل أعضاؤها، وقدموا إلى محكمة الشعب العليا التي كانت تنظر قضايا الخيانة في الحقبة النازية، وعقب المحاكمة الصورية أصدر القاضيان"رولاند فرايزلر" و"هانز يواخيم ريزه" أحكاما بالإعدام!، تم بمقتضاها قطع رأس"غيورغ" في حين بقيت"أناليزه" على قيد الحياة لتشهد حربا أخرى فيما بعد.

تدور معظم أحداث رواية "قاتل لمدة عام“ في مدينة برلين. التي شهدت عذابات أرملة"غروسكوت" لاحقا، حيث سقطت ضحية الدعاية الغربية والشرقية إبان فترة الحرب الباردة. ومثلما كانت المدينة ممزقة بفعل الحائط، أصبحت حياة السيدة"غروسكوت" ممزقة بالعمل بين شطريها. ففي فترة الهستيريا المصاحبة للحرب الباردة فقدت السيدة"غروسكوت" مرتبها كأرملة وصدر قرار من القضاء الألماني الغربي بمنعها من مزاولة عملها كطبيبة بسبب التزامها السياسي بنشر السلام، الذي تم تفسيره خطأ بأنه انتماء للشيوعية. واحتفت بها سلطات ألمانيا الشرقية باعتبارها بطلة شعبية وقدمت لها عملا في الشطر الشرقي، الأمر الذي قبلته السيدة"غروسكوت" لضيق حاجتها رغم عدم ثقتها بالنظام الشمولي!.

ما تبقى من خطة الطالب لقتل القاضي"ريزه" هو هذا الأثر "قاتل لمدة عام“، فبعد دخول القاضي إلى مستشفى للقلب ليقضي فيه أيامه الأخيرة توصل الطالب إلى قناعة مفادها أن اطلاق الرصاص على مريض بالقلب ليس شجاعة عظيمة حتى لو كان متقاعد نازي. وتخلى عن خطته معتبرا أن مرض القاضي أعفاه من تمثيل دوره على مسرح الأخلاق. وتنتهي الرواية نهاية سماها كاتبها"شبه سعيدة!"، فبعد عام من التحضير لعملية القتل والإستماع إلى آلام السيدة"غروسكوت" وكفاحها ضد القرارات القضائية المتعسفة ضدها، نجحت(أناليزه غروسكوت) في رد الإعتبار إليها وقضت الدوائر الحكومية بحصولها على مرتبها كأرملة، ثم تم أخيرا الإحتفال بزوجها كرمز للمقاومة وأقيم معرضا في المستشفى الذي كان يعمل فيه عن أعمال حلقة المقاومة، وامتد بها العمر لترى اسم زوجها يطلق على أحد شوارع برلين.

وعبر رحلة قراءة الرواية تتكشف لنا شيئا فشيئا دوافع هذا الطالب المسالم كي يثأر من القاضي صاحب الماضي النازي. في رحلة تقودنا إلى الماضي النازي الألماني، ليس فقط لإظهار بشاعته، إنما للإشارة أيضا إلى لحظات المقاومة فيه، ثم تنتقل بنا الرواية إلى انتقاد الكيفية التي تعاملت بها ألمانيا مع ماضيها بعد عقدين من الحرب العالمية، وأخيرا تطلعنا على أجواء الحرب الباردة والصراع الإيديولوجي العقيم بين شطري ألمانيا في عقد ستينيات القرن الماضي الذي آنذاك، تجلى جليا بأرجاء العاصمة المقسمة"برلين".

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com