عراقيون في السويد أزاهير في الذاكرة

خلدون جاويد
khaldoun3@hotmail.com

  كنت قد لبيت الدعوة الى القراءة في مهرجان تأبيني للشاعر سركون بولص اضافة الى دعوات عديدة من اصدقاء كثيرين... كنت ذاويَ الخطى ، مريضا، خارجي وئيد وداخلي مخرّب ، لكن مع ذلك دفعت نفسي دفعا ، كمن يحكم بالإفراج عن سجين في حجرة الكارثة اليومية : اقصد الكومبيوتر، وعن أسيرالأشهر والسنوات . كان يراودني شعور طفولي بأن احلق في فضاء مهرجاني عندما أقرأ الشعر هناك في ستوكهولم وسط أحبتي واصدقائي من العراقيين الذين تعرفت على الكثير منهم في سفرات سابقة .

 كنت امني النفس بأن أنهض بالقصيدة العراقية فهي معركتي اليوم ونبيذي غدا أي في معاكسة وجودية وتراجيدية مع امرئ القيس القائل : اليوم خمر وغدا امر . كلا ، سأقلب أنا الآية : اليوم أمر ٌ وغدا خمر ٌ ، انهم يحاربون بالسلاح ، نحن محاربون ايضا ، لكن من ذوي الكلمات الشعبية التي لابد أن تدخل القلب وتتغلغل في الذاكرة ... نحن مسؤولون مسؤولية خطيرة بل حد كسر العظم . عليّ المشاركة بدوافع المحبة والغيرة الوطنية ، العراق مظلوم لاضاعف جهدي من اجل رفعة رأسه. لقد غدت النبالة الكونية هي ان تقول كلاما هيلينيا لصالح وطنك الذي هو أغلى من الام والحبيبة انه العراق كُنهك ومعناك وثمنك . لابد من قصيدة متفجرة لابد من لوحة بطولية لابد من ذرى حسن وجمال .

 كانت القاعة تضج بالشعراء : العراق هو الأمل ، الشعر هو المحبة والصداقة بين الناس . لا ألف لا للفاشية للظلم للميليشيات لا للقتل نعم للسلام للأمن للحياة لوطنننا الباهر لعراقنا الرائع  .

العراقيون قلوب لهفى الى عناق وطن طالما أرقهم ... العراقيون سوسن دامع على سياج الرافدين

والعراق تتوالى عليه التراجيديات !!!

والى ان يحين الأمان ستعود الحمائم الى احتضان نهر الحياة.

 يومياتي هناك : ( 1 )

 في القطار الذاهب الى السويد ، كنت متناقضا ، ففي قصيدتي انا الآمل وفي دخيلتي انا الكسير. جلست وحيدا وتمنيت ان لايجلس بجانبي أحد لحاجتي اليّ وحديثي الطويل الطويل مع ذاتي .. تذكرت صديقي المخرج السينمائي محمد توفيق حين كان يقول لي : اقضي كثيرا من الأوقات لوحدي، محمد يتحدث مع توفيق وتوفيق يتحدث مع محمد .

 رحت بعينين أسيفتين أتطلع الى مرور المكان السريع تارة والبطيء تارة والقطار يتقدم ، يتقدم في المكان ويراوح في الزمان ! لم استطع لحزن شفيف أن اصطاد من كل ذلك الجمال الباهر وعلى مدى خمس ساعات سوى لقطة عانقتها بقوة وخبأتها في ثنايا قلبي وكتبت عنها قصيدة في البال أي اني لم احققها على الورق .

مخطط القصيدة : كان هناك طريق خال ٍ يقع وراء جدران عالية وواطئة كالحة ترباء هي ظهير لمصنع او اكثر من مصنع .

استلفت ذلك الطريق انتباهتي فلقد كان موحشا غير معبّد محصورا مابين الحائط والغابة الجرداء . انه يشبه دخيلتي الكئيبة او طفولتي اليتيمة بطلاق الام وقسوة الأب . تخيلت نفسي اسير هناك وحيدا ناحلا حزينا اعجفا خارجا لتوي من مستشفى ، وقد هجرتني زوجتي وغادرني الأولاد ولا أحد لي سواي ! وكنت اسير في ذلك الشارع المليئ بالحفر والبرك الصغيرة من الماء ، ومن ثم شعرت بالاعياء والغثيان جراء عودة نوبات المرض لي . رحت ادخل الغابة الجرداء القليلة الاشجار، بحثت عن مكان للجلوس . كان هناك جذع شجرة . القيت بنفسي عليه. رحت أتأمل الأغصان في هذا الجو الشتائي يدبغها البرد بالرمادي والأخضر الداكن القريب الى السواد . نظرت عبر الفراغات مابين الاشجار الى زرقة السماء المطعونة بالألوان الكامدة ، تأملت خيبتي عن بعد وقرب ، تذكرت انتكاستي الأخيرة وكيف تؤدي الوجوه الجميلة بانتحار الارواح ، تأملت الطريق والغابة وتذكرت الموت والمغيسل في جامع براثا !!!! حيث رأيت في ذلك المكان اول ميت عار ٍ في صباي . أحنيت رأسي : الرماد هو الطاغي في مشهد العمر أحنيت رأسي أكثر وأكثر كما يفعل الأسير . صرت كالحلزون حزنا وخيبة . تذكرت اهلي في الماضي البعيد حيث تركتهم منذ29 عاما واهلي – عائلتي الصغيرة -حيث فارقتها هنا منذ 5 اعوام . وظللت وحيدا مثل هذا الشارع الوحيد والغابة التي لاطير ولا فراشة فيها ولها.

الغابة اروع مكان للدمع . أهدأ مكان للبكاء . لكن من خلال الرقراق الشفيف لما يسيل من جفني رأيت برعما صغيرا او نبتة خضراء خارجة لتوها وصادف ان تكون مابين قدميّ . وقد سعدت اني لم أطأ قامتها الصغيرة صغر الدعسوقة . رحت اتأملها واناغيها قلت لها : بالله عليك بحق هذا الخراب اعتني بي !. رغم هذا الانهيار ارتفعي . انت اعظم نبتة رأيتها في حياتي تتصاعدين ومن حولك تنازلٌ مُريع . سيدتي ها انا اصلي لك بكل خشوع انا صغير وانت معبد الكون الرحيب . اعتني بنا ياايتها الام ياايتها الحبيبة .

 غادرت .. تتشبث روحي بها ورقرقة من ماء ساخن تعلق بموق عيني .

التفت وأنا اغادر الغابة الى النبتة الدعسوقة وانا اهمس ـ

لاتنسني اعتني بي كم أنا بحاجة الى ذرة ناعمة من كلوروفيل أمل ورجاء بظل شجرة حنون .

 يومياتي هناك (2) :

 ظلت عيناي تتطلع بحيرة وألم وأنا استمع لكثير من قصائد النثر في المهرجان ولم أجد من اتشبث بعينيه سوى الشاعر جاسم ولائي الذي أثق بحساسيته المفرطة ازاء الخطأ النحوي وطالما تألمنا ونحن ننظر على مبعدة الى بعضنا البعض . ان قصيدة النثر قد سهلت على كل من يريد الكتابة ان يكون شاعرا . تذكرت مقولة لأليوت حول ان الشاعر الضعيف يهرب من العمود الشعري الى القصيدة الحرة ! وهذا في التطبيق العملي يظهر لنا كون السياب قد عجز عن ان يكون جواهريا واذا تصفحنا مجموعته الكاملة رأينا انه ركيك عموديا . اليوم تألمت كثيرا كثيرا ، فالدعوة موجهة لي الى مهرجان يقتضي فيه ان لايقال للشاعر اختصر !!!!! وهذا ماقيل لسواي من اعلى المنصة وقيل لي همسا وبترّج ٍ . لم أقف مرة في حياتي وفي اية قاعة من دون ان يكون الجمهور معي ! يعلم بذلك القاصي والداني ومنذ قصيدة لمشمسة العينين في كلية التربية ببغداد حتى قاعة كارل ماركس في بلغاريا وجامعة موسكو ونوادي العراقيين في السويد وقاعات الدانمارك وساحة الاندلس بعد 9 نيسان . كنت اثق بروعة احترام الجمهور والشعر معا وان نحلق الى ذرى بروميثيوس وعبقر ! أما هذه المرة فقد كانت قاسية على قلبي وقلت لجمهوري الكريم بأني سأقص بل سأقتطع القصيدة . أتمنى على كل من يحترم الشعر والشعراء ان يعطي وقتا كافيا لمن يستحق وان يحجب من ليس له علاقة بالشعر . كنت قد عكفت على قصيدة لسبع أيام ولسفرة مرهقة كل ذلك من أجل 10 دقائق يقال لي فيها اختصر ! يا إلهي كم شعرت بمرارة . مع ذلك فان اسم العراق هو الأعلى والأجل والأجمل وهذا هو النجاح الباهر للمهرجان وهنا يكمن فرحي في كل الأحوال .

 قرأت على السريع :

 أيا شاعر النهرين 

أيا شاعر النهرين افقكَ أرحب ُ

اذا ما تهاوى في الزوابع مركب ُ

وان كنت قبطانا شريدا مغيبا ً

فانت الى مهد الحضارات تنسب ُ

وانت عثوق النخل والورد والندى

برغم المنافي حيث تذوي وتشحب ُ

جناحك افقٌ سابح ٌ في غضارة ٍ

بوسع عراق الحب مهما تحزبوا

فانت فسيح الانتماءات مطلق

وهم من فلول الطائفية مذهبُ

 اذا ما احتربنا انت بلسمُ جرحنا

وانت النطاسي ُالحنون المطببُ

وشِعرك للنخل العراقي ينتمي

واسمك بالأرض السواد يُلقّب ُ

ومهما تكن اُمٌ لنا من أرومة ٍ

فان عراق الرافدين لنا اب ُ

ومهما عشقنا من هلال بغربة ٍ

فان هلالا في الرصافة اقرب ُ

ونجما بليل الكرخ مهما تساكبت

مدامعنا في ضوئه فهو طيب

وافخر كوني من بلادٍ عصيبة ٍ

بها مولدي عذب ٌ وموتيَ أعذب ُ

ألا ياعراق الخلد خذني الى الربى

هناك أمام الشمس قبر ٌ مذهّب

على صخرة ٍ من مرمر ٍ اسمك الذي

سيُمحى واسمي في مكانه يُكتب ُ

فأنت خلود الأرض تحضنك السما

وان أشرقت شمسٌ فهيهات تغرب ُ

أيا شاعر النهرين حدّق فروحنا

مقطعة ٌ والقلب منا مشعّب ُ

لقد نخر الشعبَ الجريحَ تمايز ٌ

ودين ٌ غريب ٌ طائفي ٌ مخرّب ُ

عمامته أفعى على قحف هامة ٍ

تلف بأسلاك الجحيم وتعصب ُ

 ففيها اختطاف ٌ واختلاس ٌ وطعنة

لأسمى قرائين الدنا وتعصّبُ

اعيذك منه فهو دين تناحر ٍ

وبعث جديد قاعديٌ محجّبُ

وإنّا ومهما يُحتسى من دمائنا

ينابيع مسك ٍ من ذرى الكون نسكبُ

فشعب العراق الفذ أعتى شكيمة ً

وأقوى من الموت الزؤآم وأصلب

  -  القصيدة  كاملة في هامش هذه المقالة

 يومياتي هناك : (3 )

 الفنان نبيل تومي كناري رفراف في فضاء المحبة . لوحاته في بيته الأنيق تعانق الجمال الطبيعي والعراق النائي بالحنين. خالجني الشوق بأن اكتب عن اللون والضوء والحركة في هالة من الفن لكن لا اقوى ان اكون ناقدا بارعا ازاء براعة لوحاته وسوى كلمة الاعجاب والامتنان له كفنان لا استطيع ان اقول . هناك ارشيف رائع من الصور والتخطيطات المؤثرة كلها تنتظر التحقق والظهور ، وعلى الشهرة التي حققها فناننا ، فان الأمل يحدونا بظهورها الأكثر شهرة ولمعانا بل الأكثر فائدة لأبناء وطنه . لم ادر ِ انه ، فوق كرم ضيافته ، كريم الى الحد الذي يضحي به حاتم الطائي بجواده ! .لقد اهداني اجمل مارأيت انا عنده من لوحة . كم حاولت ان لا اتقبلها لكنه اصر وأصر ، وها هي تتألق في سويد قلبي وفي البوم ذكرياتي الشخصية . انه فنان كبير على طريق عراق جديد زاهر .

 

يومياتي هناك : ( 4 )

 

الكاتب الصديق العزيز رزاق عبود هذا الفارس القديم والبصراوي الطافح بأريج وطننا الغالي . ها هو يحلق معي على جناح الذكرى حيث ايام بلغاريا وصوفيا الحب والحلم ، ويالها من مفارقة حزينة حيث تقتلعنا الأيام كل من مدينته هو من البصرة وانا من بغداد لنلتقي في اروقة الدرفنيتسا في صوفيا ونفترق لنلتقي في ستكهولم في مقهى مطلة من بناء مسرح يقع في القلب منها... هناك ننتقد التطبيقات المشينة للنظرية على واقع لم يصمد بها ولم تتقو َ به . وكأنما لم يفز بالأمر الاّ النموذج الاسكندنافي في المواءمة والتوافق مابين النماذج الاقتصادية المختلفة والاّ فان للفاشيات والدكتاتوريات ان تظهر - المانيا ايطاليا اسبانيا - وبذا فان الحزب الاشتراكي الديموقراطي في زمن ستاوننغ – رئيس وزراء سابق - في الدانمارك قد حل الأمر بسياسة الوفاق والتضامن الشعبي مابين ارباب العمل والعمال وبالضمان الاجتماعي فلكل طفل مرتب بالولادة وللنقابات الحق بالدفاع عن العمال والحياة الاقتصادية في توازنات تاريخية يشاد لها بالبنان وكذلك الامر ازاء دور الاحزاب الايجابي في الحياة السياسية وترقية الانسان . ما اروع رزاق عبود كما ونوعا . انه ذاكرة تستدرج الدروس لترد عليها بالامثلة والمقايسات ازاء معجب مثلي باسلوب الحياة العلمية الجديدة والاكتشافات الساحرة وضرورة المنافسة في السوق مع ضرورة الضوابط المعنية بكرامة الانسان وبإعلاء شأنه . كانت ستوكهولم في جانبها الأكثر بهاء ً مذهلة بالديكور والاناقة . وكانت النساء مصابيح شمس في طقس الشوارع الداكن . كان تجوالنا في العوالم الساحرة مبكياً لي أكثر مما هو مفرح ، اذ اريد لبلدي مثلما اريد لكل ارض المعمورة ، اريد لبنات العراق الباهيات ثوبا موردا بشعاع القمر .اريد للطفل العراقي بيت آمن ومدرسة تعلمه السلام ومحبة الجار والدار . كان تجوالا بل يوما مفعما مع الرائع رزاق عبود بكل المحبة الصادقة والرفاقية والاخوة.

 يومياتي هناك ( 5 ) :

  كان لقاء ً بالشاعر الكبير كاظم السماوي ، في بيته ، وحيث يكون التاريخ اخضر في ذهن شاعر واديب مرموق ، هو مفخرة في القلائد والخرائد الشعرية والمواقف والمبادئ الفذة والكبيرة . كان لقاؤنا يتسم بالحميمية الحقة.. وكنت فرحا ان الشاعر السماوي قد رد بقصيدة على قصيدتي المهداة اليه . وكنا قد تصافحنا بحرارة وأنا سعيد غاية السعادة للقياه للمرة الثانية ، مثلما كنت سعيدا ومحظوظا ايضا برؤية الجواهري والعمل عنده. لقد كان الشاعر محاطا برعاية الاصدقاء والمحبين.. وهو في عمر يقتضي الكثير من المتابعة والاعتناء . ولكم تمنيت ان اكون قريبا منه لقمت وبقدر المستطاع بكل خدمة لهذا الطود ، لهذا الرجل الذي دافع عن السلام والأمن للبشرية والسعادة والحرية للعمال والكادحين ، هذا ابن العراق البار الجدير بكل اجلال هو احد اللآلئ المتلامعة في ذاكرتي وهو المثال الذي اتمنى ان اتحلى به لو كنت جديرا بذلك وقديرا . لكم تمنيت تأجير قاعة تجمعنا في امسية ادبية ، في حفلة شاي ندعو اليها العديدين ، مع هذا الشاعر الطود لولا اكتظاظ المناسبات في هذا الشهر مما فوّت علينا ، الفرصة النادرة للاستماع والتعلم من تاريخ حافل بالشعر والسفر والتجارب .

 يومياتي هناك 6 :  

  الفنان عماد الطائي .. التقيته اول مرة في ستوكهولم في دعوة من قبل الإخوة في نادي 14 تموز الديموقراطي العراقي وفي ريستورانت جميل وصادف ان كان قبالتي على طاولة ممتدة الى الأريج الزاكي لولادّة بنت المستكفي " بلقيس " شاعرة الحنان وكروان الشدو ، ومنسابة الى باخوس الكرم وعناقيد الزبرجد وحولنا حورية شقراء بهيأة نادلة ، وكان صوت بلقيس يلهج بأغاني عراقية ، وكان عماد يتدفأ بالأحمر القاني ! وكذلك عدد من ادباء وشعراء وصحفيين .

 وفي بداية المهرجان كان المتألق بشروحاته عن لوحاته الجميلة وعلى شاشة بيضاء وفانوس سحري . كان استاذا اكاديميا بحق . انتهت ايام المهرجان وكنا نجلس بالصدفة قريبين من بعضنا في أكثر من احتفال ، وكنت احب فيه دفئه الفنان ووداعة صوته ووجهه . والحب من (الله) كما يقولون.

 اليوم حللنا ضيوفا عليه في بيته وهو مثل قصر فرساي صغير . كل شذرة فيه تعكس ذائقيته الفنية واسلوب حرمه المصون في اناقات العش الذهبي الذي يسكنون فيه . كانت هناك ياسمين 7 سنوات أو اقل لا أتذكر لكن اتذكر كلمة الحب من الله ... اصبحنا اصدقاء بلمح البصر ... وقرأنا " رازي وزيزي ، قدري قطّ قلمي ! " ورسمنا وكتبنا وضحكنا ولعبنا لعبة " الجلكة ؟!!! " كنت انظر الى شعرها الأسود الفاحم واتذكر اجمل شعر رأيته في حياتي لصديقة عزيزة على قلوب كل العراقيين الآ وهو شعر اعتقال الطائي ...

 عندما اتصلنا باعتقال تلفونيا – في لندن - ، سلمنا بلهفة على بعضنا وتذكرنا الوجوه والأسماء وشوارع بغداد وبابل والاخوة والاهل والاصدقاء وتجوالنا ولقاءاتنا وذكرياتنا .

 وما أخجلني بالأمر أني اردت ان اتحدث مع أخ اعتقال مخلص ! وكان النداء التلفوني الى اعتقال بقصد اخذ رقم تلفونه لكن ، دخلنا في طقس الذاكرة ونسيت انا اسمي ! وكما تقول ام كلثوم " نسينا الدنيا " ...  او كما يقول الشاعر العراقي الكبير محمد على الخفاجي :

 " وقد قالت صباح الخير لمّا

تطاير شعرُها ونسيت ردّي " !

 وقال شاعر شعبي :

 " گالت لي صباح الخير

شجاوبهه

شحاچيهه

اشو ضاعت حچايانه ! "

  انتهى يوم جميل مع الفنان عماد والعائلة الطيبة ... وعدت بأدراجي الى حجرتي في بيت الصديق نبيل تومي الذي احل ضيفا عليه وزوجته الكريمة .

 لم يغمض لي جفن ، نامَ الليلُ ومانمتُ ، " ذكريات داعبت افق خيالي " ... كأنني ملسوع ، اقارب الستين من العمر وأنا ذلك الصبي المفجوع بغياب الوجوه الحبيبة والاصدقاء في غربة طالت بل أسفّت طولا . وجراحات هنا وكدمات هناك ... والأفلام تتوالى على رأسي الواهي فكم من آلام سببتها لغيري علي ّ ان اعتذر لهم ، ولايجدي الاعتذار ! وكم من آلام سببوا لي حيث لا أقوى الأ على أن اشيح بوجهي متجنبا ملامحهم . الذاكرة مستودع الجراح الى آخر لحظة من العمر .

  شجن الذكرى دفاق ، فتحتُ في ليلة 12/12 اربعين بابا له ولم افتح بابه الواحد والأربعين والاّ لم أنم حتى الموت ... وارتأيت ان اشرع نافذة جميلة ، هي حبي لبغداد وتعلقي بجمال اعتقال الخالد ، واعجابي بثقافتها الأدبية والسينمائية الباهرة باعتبارها كانت مقدمة لبرنامج السينما والناس . نعم كانت تعرّفنا بهوليود وذراها ولكنها كانت النجمة الأجمل من كل تاريخ هوليود برمتها ! انها هي ذاتها واعني اجمل نساء الدنيا اعتقال الطائي !!!!!

 هل ياترى يقوى شاعر ما على وصفها في شبابها الزاهر وحسنها الزاهي وروحيتها الصداقية الأخوية الزاكية النقاء.... قلت لاجرب شعرا فكانت القصيدة التي لايمكن اضافة حرف واحد عليها . تلك القصيدة التي نشرت في المواقع الألكترونية والتي تصل مابين القطب والقطب والثرى والثريا :

 قصيدة الى اعتقال الطائي ...

 " الى آلهة الحسن البابلية مها - اعتقال الطائي - وقد طال اشتياق بغداد السبعينات بجسورها وضفافها الى خطاها ، وشمس بابل الى ظلها ، والرافدان الى طلعتها وصوتها وشذاها "

 مازال جسرُ الصالِحِيّة حالما

بشذى مها بجمالها بخطاها

من ياترى ابن الجهْم دون بهائها

ولمن لآلئ شِعره لولاها

هي دجلة ٌبجسورها وشموسها

وهي الفراتُ بحسنها يتماهى

ما كنت احسب انّ مَن يُبصرْ مها

عبدا ً يكن ْ في لحظة ٍ وإلآها

نسيَ اسمَهُ التاريخ ُحين رآها

وبسحرها ضاع الزمانُ وتاها

والأرض كل الأرض تسجدُ مرة ً

كيما تدوس على الثرى قدماها

والشمس ان تحنو على خطواتها

هو حلمُها ومرادُها ومُناها

عشتارُ بابلَ نبعُ كلّ جنينة ٍ

ومياهِها وورودِها ورُباها

هذي مها ابن الجهم افقٌ سابحٌ

بكواكب الدنيا فما أحلاها

 بغدادُ طلعتها وبابلُ جفنها

وزنابق العشّار لونُ لماها

وبوجنتيها نارُ نوروز السنى

والرافدان كأنما عيناها

وبشَعرها آشورُ ترفل بالندى

وبحاجبيها نينوى تتباهى

والله حتى الله في عليائه

إغرورقت عيناه حين رآها

يومياتي هنا 8:

 هذا اليوم مع الصديق شوكت هندي في العش الذهبي أي في دكانه الوسيع وقلبه الأوسع .. انه كما يقول الشاعر الاغريقي عبعوب الطرگاعي : " الدكان ! خيمتنا الأخيرة !!! ".. فحتى نكسر إسار الطوق العائلي نصطخب في هذا العش الذي تليق به تسمية بار الانتعاش . فالضحك على اشده والخطابات الدانتون –وية ، وميرابو الثائر ، وباخوس النبيذ وفودكا الكرملين المخدَّر والنكات بلا ضوابط والأغاني المنبعثة من التلفاز والشعر عن العراق والحنين الجارف والحارق اليه . ومقولة شوكت هندي الخالدة عندما لايسمع الاّ اغاني الحزن العراقي : " أنا الحزن فرحي " . شوكت الذي يلح علي ّ بكل حب الى المجيء الى السويد هو أحد ذوي القلوب الطيبة المفعمة بحب الناس والمبادئ الاولى على مابها من التزام واحترام للانسان وبتزمت. كم تمنى ان نلتقي في بيت ما ولكن لظروف خارجة عن يده فتكون الحجرة الخلفية للدكان هي بقعة صغيرة لانرى جدرانها بل نطل من حافة القمر فيها على فضاء ساحر جميل .

 كم كان يقول : – هذا المفتاح بيدك وتستطيع ان تأتي الى بار الانتعاش متى احببت . والله راح اشتري لك دوش وابنيه في بيت الماء لتستحم . تعال بس . " والله لبنيلك اوده وفوق الاوده طيارة " .

 أنا سعيد بالذهاب الى كيوسك في ستوكهولم افضل الف مرة من أعلى فندق فيها لأن اجرة الفندق دين برقبتي عليّ ان لا افرط بها بل أن ارسلها الى من يحتاجها ، وكل تلك الابهة هي من قبيل الترهات . اما الطعام الذي أتناوله في صحونه الملوكية فهو سُم وغسلين اذا لم يكن سعر الوجبة حوالة بريدية الى فقير وضائع وابن سبيل .

  شوكت هندي احب مخزنك المتواضع احب مقولتك المرحلية الخالدة : حزني هو فرحي ...

  يومياتي هناك 9 :

  اطل علينا الصديق سعد ابو روزا في اليوم التالي . لم يكن ابو روزا اديبا ولا شاعرا لكن كل مفردة فيه ادب جم وكل التفاتة طيبة منه هي قصيدة . اصر على أخذي على جناح السرعة كأني ظامئ ليسكرني بالكوثر وضائع ليأويني الى حنانه الأخوي ولا ينفك عن ان يقول بأن بيته بيتي ، وهو الذي احتفى بي ، بل صاحب المقولة التي لن انساها مدى الحياة " ادباؤنا وشعراؤنا واجب علينا الاعتناء بهم وحبهم واستقبالهم ، ليس لهم احد نحن لهم " هذا ماعلق في ذهني مما قاله ، فكأنه مسؤول بل هو الانسان الغيور على ابناء وطنه شعراء كانوا ام سوى ذلك . كان يوما رائعا مع ابي روزا في كل التفصيلات اليومية الفاتنة .

 وكانت المفاجئة هناك حيث تعرفت على رسامة وهي الفنانة فائزة عدنان دبش ام روزا ، وبعد حين أطل علينا الأديب مثنى حميد مجيد في زيارة رائعة . كانت امسية من احلى الأماسي تحدثنا فيها عن الرسم والشعر ودورنا في عناق وطننا والدفاع عنه . كانت لوحاتها على جدران بيتها الجميل مصابيح تنير الذاكرة العراقية . اعجبتني اللوحات وخصوصا الفلاحة التي هي عملاق شامخ القوام متحد ٍ فيها الشكيمة والاقدام والامل فيها الحركة والنيافة والازدهاء فيها القوة الانثوية المعطاء ورائحة الأرض وألوان الغد الزاهر فيها البسالة والمقدرة على لي عنق الظلم . ان الرسامة فائزة عدنان دبش هي فنانة بحق وحقيق ، انها ملفتة للنظر لكن للأسف ان ظروف انتشارها اقل مما في اناملها من عطاء . ان في مغتربات عراقنا الجريح أزاهير رائعة وبراعم اروع وفائزة هي الزهرة والبرعم في عطاء قادم لابد من اطلالته واريجه العابق بالمسك .

  مثنى الأديب الجميل صاحب الجملة المحبوكة والنصوص الجميلة ، كنت فرحا جدا بلقياه ، وفخورا اني قرأت له واعجبت بديباجاته وافكاره وشجنه الشاهق . كان قد اتحفني بلقب او آخر في مجال الشعر اخجلني حقا . نعم سعدت بما قال: " الشاعر الأول في العراق الآن " ...وهذا شيء كبير وكثير علي ّ  قلت للعزيز وللكثيرين ممن يعرفوني بأنني اقل من ذلك بكثير فطالما أحببت ان اختفي بين الناس ولا اكون في الطليعة وعندما اجلس في الأماكن أكون في المقاعد الخلفية وافضل الجلوس على الأرض لا على الكرسي لكي لا اسقط من عليه .

 والآن احب ان اضيف : لم اكن متزاحما مع بشر ما لكيما اكون مديرا او رئيسا لرابطة او اتحاد او جمعية بل تركت كل شئ ورائي . لهم لهم ومن ثم لهم . لقبت بخليفة الجواهري عدة مرات من قبل اشخاص عديدين ورفضت واحيانا اسكت وانا حزين فمن قال ان هذا اللقب جدير بي ؟ .. انا مجرد خلدون جاويد وفي الحجم الذي انا عليه وهذا محط فرحي بلا تبجح . لقد طلبت من موقع او آخر ان يرفعوا مشكورين لقب الشاعر الكبير ... وكم اكدت في كل الأماسي على من يقدمني ان لا يقول جملة واحدة من قبيل المبدع والبارع والرائع . لنترك الأمر كما هو حقا وفعلا  . ان هذا الخوف ليلازمني حقا، وهو اني ربما اكون دائما اقل من اللقب المسبغ علي ّ فأسيء الى نفسي والى لقبي . دعوني اقول الكلام وأمضي بلا رتوش. وهنا ايضا لدي ّ ما اضيفه لبعض الشعراء ممن يلحفون عليّ! بأن أكتب عنهم فأقول قد اجاملكم مضطرا للكتابة عنكم لكن الحقيقة ان المدح والاطراء لايضيف لحقيقتكم شيئا ابقوا مع الجمهور ارفضوا ان يكتب عنكم .

 لكم طلب هذا الشخص وغيره الكتابة عني فرفضت . اللقب لايعني شيئا . وعندما يريد شاعر او شاعرة مني ان اكتب بحقه او بحقها اطراءا ولاالبي فأرجو ان لايتبرم ويقاطعني . ان في قلبي حبا وصداقة جديرة بالتواصل ، اقسم على ذلك ، اللقب والاطراء لا شيء ، لايغني .

  يحضرني ان الجواهري قد عاتب طه حسين في كتابه ذكرياتي ان الأخير وعده بالكتابة عنه وادعى انه انشغل بعمل الوزارة ... لكني اقول لو كان شكسبير قد كتب بدل طه حسين لما اضاف للدرجة الشعرية التي عليها الجواهري او سواه .

 

يومياتي هناك10  :

  ذلك اللقاء الأخير في ليلة السفر مااروعه ! هل كنا عشرة اشخاص ؟.. كانت طاولة الورد والشمع او الكواكب السيارة حيث الوجوه لا تتألق الاّ بالبراءة ولا تتعانق الأ بالطفولة . هيا لنشرب في صحة اللقاء، كانت الأغاني والضحكات والمداخلات وروائع الكلام والقصائد والنكات والآراء والتقاطعات فلا مساطر على الرأس ولا ممنوعات ايديولوجية ولا تناحر في الرأي بل مودة وفرح وتلك لعمري سويعات الهناء التي لا يعرف اسرارها الاّ الندامى واعذب الجلساء بأن في مكان المسرة ونيافة الخمر لايكون الكلام الجاد ولا وقارات القادة المتجهمين والوجوه المنتفخة الاوداج. علينا – الآن - بتحويل كل ومضة جادة تؤدي الى المزعجات والتقاطعات الفكرية الى ابتهاج بالليلة هذه .

 الوردة والشمعة وكأس النبيذ والموسيقى والصديق الطيب القلب والاسلوب كلها لاتشكل ميليشيا ولا خطرا على احد !!! ما اروع هذا الكلام وهناك فاجئني " راء " .. بقراءة قصيدة  كنت قد نشرتها في المواقع الألكترونية ... لقد كان الرائع راء قد حفظها عن ظهر قلب وهذا ما اسعدني وعبأني بطاقة روحية وفرح غامر ، انه ينشدني قصيدتي ما أعز هذه اللحظة

في عمر خائب مثلي لايمتلك سوى فرح القصيدة :                               

 

 " صبّوا الخمورَ فهذا العصرُ عصرُ طِلا ً"

ولترفعوا بأبي النوّاس كاساتي 

" ماقال ربُك ويل ٌ للاُلى سكروا "

بل قال ربُك ويلٌ للمِلِشيات ِ

ماذا جنينا من الأسياف تقتلنا

سوى الجماجم في قصر النهايات ِ

ماذا حصدنا سوى دمع ٍ وسفك دم ٍ

من حرق دين ٍ الى تزييف آيات ِ

"صبوا الخمور" فكأس الشوق يجمعنا

من دونما طائفيّات ٍ ولعنات ِ

ولترقص الشمسُ في بغدادَ ثانية ً

شقراءَ ، ولتنقشعْ سُود ُ الغُمامات ِ

وليرفع الشعبُ في الآذان اغنية ً

هي المحبة تُتلى خمس أوقات ِ

محبة الناس  ُطرا ً ان دينهم ُ

هو الصداقة لا حزبُ الولاءات ِ

فالسلمُ في الأرض أرقى من منابرهِمْ

ومن كهوف ثعابين ٍ وحيّات ِ

ما فرّقَ الناسَ في عيش ٍ وبعثرَهُمْ

سوى تطرّف أديان ٍ وتكيات ٍ

"صبوّا الخمور" وخلّيْهمْ بنارهِمُ

فدجلتي خمرتي والنخلُ جنّاتي

فالخمرُ أدبني والكأسُ علمني

أن ْ لست ُ أُعنى بأحقادي وثاراتي 

لن أقربً "الدين " و"الاحزاب" ثانية ً

قد أحرقا لي َ أحيائي وأمواتي

تلذذتْ بالدم الزاكي طوائفهُمْ

أما أنا فنبيذ الكرْم ِ لذاتي

وهم قراصنة ٌ والموتُ لعبتُهمْ

أما أنا فالهوى والعشق زلاّتي

ما أروعَ الشاعر الخيام اغنية ً

تُتلى مع الدهر في أسمى عبارات ِ

ولم تكن اُمّ ُ كلثوم ٍ ملثمة ً

تدعو البرايا الى هوْل ٍ ومأساة  ِ

بل ظل خنجرُ (هولاكو) وعصبتُهُ

خزياً وعاراً ورمزا ً للدناءات ِ

" صبوا الخمور " بأنخاب ٍ مطهّرة ٍ

من احتراب ٍ وقتل ٍ وانقلابات ِ

" صبوّا الخمور " وخلوّا الكأس مترعة ً

نخبا لبغداد حتى فجرها الآتي

" واقعد على دكة الخمار " مبتهجا ً

ودُس ْ على هُبَل ٍ وابصقْ على اللآت ِ

ولتحْي َ كل ّ ُ عثوق التمر في وطني

مادام تفضي الى سُكْري ولذاتي !

ما كنت احرقتُ قرآنا ولاصُحفا ً

لإبن ِ مريم َ أو حرفا ً بتورات ِ

أنا الحُصَيْريُ أعنابي قصيداتي

ورنة الكأس من أسمى كراماتي

الحب ّ ُُديني وعشق الناس قافيتي

والوردُ ذوقي وفوحُ المِسْكِ حاناتي .

 

   كنت عاشقا لأدب السفرات لما تتسم به من لقطات تتخلد في الذاكرة ، في لوحات ادبية جديرة بالاحتفاظ لاناس جديرين ، وآخرين رائعين اتحفوني بكرمهم العراقي الأصيل واعتنائهم الأخوي النبيل . ما أروعهم من اخوة واخوات كانوا بحق وحقيق شذرات لامعة في حدقة عيني وبعضهم في سطور الكلمات والبعض الآخر ارتقى الى مصاف قصيدة فسجل اسمه فيها بلا تدخل مني ، سوى اني كتبت مافاض من روحي على ورق ، وهو فيما تسجله الأيام ملك المحبة والصداقة والامتنان بل جزيل الشكر الى كل الرائعين الذين اتصلت بهم وكنت بهم معجبا ومعهم سعيدا . ادناه كما اشرت لاحقا ادرج القصيدة كاملة والتي لم استطع ان اقرأ منها في مهرجان مدة حجز قاعته ساعتان ونصف وفيه حشد من عشرين مادة وخطابة وقصيدة ... يا إلهي ! .                          

   أيا شاعر النهرين

 أيا شاعر النهرين افقكَ أرحب ُ

اذا ما تهاوى في الزوابع مركب ُ

وان كنت قبطانا شريدا مغيبا ً

فانت الى مهد الحضارات تنسب ُ

وانت عثوق النخل والورد والندى

برغم المنافي حيث تذوي وتشحب ُ

جناحك افقٌ سابح ٌ في غضارة ٍ

بوسع عراق الحب مهما تحزبوا

فانت فسيح الانتماءات مطلق

وهم من فلول الطائفية مذهبُ

 اذا ما احتربنا انت بلسمُ جرحنا

وانت النطاسي ُالحنون المطببُ

وشِعرك للنخل العراقي ينتمي

واسمك بالأرض السواد يُلقّب ُ

ومهما تكن اُمٌ لنا من أرومة ٍ

فان عراق الرافدين لنا اب ُ

ومهما عشقنا من هلال بغربة ٍ

فان هلالا في الرصافة اقرب ُ

ونجما بليل الكرخ مهما تساكبت

مدامعنا في ضوئه فهو طيب

وافخر كوني من بلادٍ عصيبة ٍ

بها مولدي عذب ٌ وموتيَ أعذب ُ

ألا ياعراق الخلد خذني الى الربى

هناك أمام الشمس قبر ٌ مذهّب

على صخرة ٍ من مرمر ٍ اسمك الذي

سيُمحى واسمي في مكانه يُكتب ُ

فأنت خلود الأرض تحضنك السما

وان أشرقت شمسٌ فهيهات تغرب ُ

أيا شاعر النهرين حدّق فروحنا

مقطعة ٌ والقلب منا مشعّب ُ

لقد نخر الشعبَ الجريحَ تمايز ٌ

ودين ٌ غريب ٌ طائفي ٌ مخرّب ُ

عمامته أفعى على قحف هامة ٍ

تلف بأسلاك الجحيم وتعصب ُ

 ففيها اختطاف ٌ واختلاس ٌ وطعنة

لأسمى قرائين الدنا وتعصّبُ

اعيذك منه فهو دين تناحر ٍ

وبعث جديد قاعديٌ محجّبُ

وإنّا ومهما يُحتسى من دمائنا

ينابيع مسك ٍ من ذرى الكون نسكبُ

فشعب العراق الفذ أعتى شكيمة ً

وأقوى من الموت الزؤآم وأصلب ُ

أياابن بلادي والثرى منك مخصب ُ

وغيرك حيٌ ميت الروح مجدب ُ

تبؤأ في الألقاب والشعر منصبا ً

وهل للسنى والشعر والروح منصب ُ

اعيذك من أنفاسهم كم كريهة  ٍ

ومن ذنب ٍ لو تنفث السم عقرب ُ

رفاق المنافي النائمون ، جرابهم

به عطب ٌ ، والروح اردى واجرب

افاقوا على فجر العراق فابصروا

بان صنما يهوي وآخر ينصب

رفاق المنافي محض ليل مقابر

على صمتها الاشباح والبوم ينعب

فما حررونا بل اطاحوا بحلمنا

وصار رفيق اللاجئين المهرب

ولم نحض من فكر الفهود سوى الهبا

وافجعها ان يُصبح الفهدَ ثعلب ُ

رفيق كما التمثال محض حجارة

وورك تراثي وراس معلب

تعالوا نعد ان العراق مآلنا

هلموا بعطر الرافدين تطيبوا

ففي سحر اطياف العراق وشمسه

تلاوين عيد او هلال ترقبوا

متاريسنا تعلو هلموا لدعمها

تعالوا نجوم الناصرية تجذب

وشمس بكردستان تسمو سفوحها

ونيران كاوا فوقها تتلهب

وبابل ترقى للسماء اسودها

واشور بانيبال بالجمر يحطب

ولا ضير ان اهوي الى قعر حفرة

وتطلع عن قلبي غصون وتعشب

وتطلع من عظمي لبغداد نخلة ٌ

عليها فراشات الفراتين تلعب ُ

 فما من يسوع ٍ دون جلجلة الأسى

بأضنى صليب ٍ كتفه يتنكب ُ

وليس حسينا دون سيف ٍ يدقه

يُشك بآلاف السهام وينشب ُ

وهل هو جيفارا اذا يكن دم ٌ

بمشكاة درب الشعب نوراً يُخضّبُ

وما هو بالحلاج من دون نخلة ٍ

على جذعها يردى ويسبى ويصلب ُ

ألآ أيها المنفي ُ عن دم عرسنا

وفجر عراق ٍ وحدك المتغيّب ُ

فتابوت منفانا يضيق ولحمنا

يبور واحلام النوارس تنهب

فتابوت منفانا تحطّم لوحه ُ

غطاؤه مأكول ٌ كسير ٌ مثقّبُ

تسيّل منه الوحل ُ من كل جانب ٍ

كمستنقع ٍ ديدانه ُ تتسرب ُ

لنمضِ الى الأوطان نبن ِ صروحها

لنرفعَ ماقد هدّموه ُ وخربوا

تقدم ْ وضع خطويك في درب عودة ٍ

تجد نبع انكيدو يحن ُ ويدأب ُ

وشوقا الى كعبيك تدنو فسيلة ٌ

وتسجد أقمار ٌ ويركع كوكب ُ

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com