الموقف الوهابي من الفكر الصوفي

 

رياض البغدادي

Riyadh98@hotmail.com

الوهابية هو المصطلح الأقرب إلى حقيقة  أصحاب المنهج التكفيري في بعض البلاد العربية وعلى رأسهم العربية السعودية . والصفة العامة لأتباع هذا الفكر هي تكفير كل من يخالفهم في الاعتقاد .ونستطيع أن نعرف الفكر  الوهابي  بأنه مجموعة من الأفكار المستندة إلى أقوال بعض العلماء أمثال ابن تيمية وابن القيم الجوزية وابن عقيل تلاقحت مع  أفكار محمد بن عبد الوهاب وبعض علماء الدين المعاصرين  أمثال ابن باز وابن جبرين .

من المواقف التي وقفها هذا المنهج التكفيري في تأريخنا المعاصر هو الموقف السلبي من الصوفية والمنهج الصوفي في الفكر الإسلامي , وقد ساعد التكفيريين في محاربتهم للفكر الصوفي , الماكنة الإعلامية التي يملكونها في إشاعة الكذب والافتراء على شريحة مهمة من أتباع المذاهب السنية السائدة في الساحة الفكرية الإسلامية , وقد سخرت في هذا المجال الكثير من دور النشر الرسمية في المملكة العربية السعودية وبعض بلدان الخليج العربي , فطبعت كراسات ونشرت دراسات ووزعت نشرات تركز على إشاعة روح الكراهية والتكفير ضد أصحاب الفكر الصوفي  من دون أدلة شرعية مستندة إلى الدين والملة , ومن هذه الدراسات  التي تسئ إلى التجارب الصوفية كتاب ( فضائح الصوفية وكتاب مخاطر الفكر الصوفي وكتاب ابن عربي إمام من أئمة الكفر ....وغيرها ) .

يروج علماء الفكر التكفيري لمزاعم اثبت التأريخ والواقع بطلانها خاصة وإنها لا تستند على فهم كامل للإسلام  ووعي وتدبر لآيات القرآن الكريم , وأدلتها الشرعية ضعيفة أو إنهم أولوها لتناسب ما يروجون له من كذب وافتراء .

يقول الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق وهو من كبار الفكر الوهابي التكفيري في الصفحة 2 من كتاب فضائح الصوفية ما هذا نصه (فإني رأيت بعد طول دراسة وتدبر أن الفكر الصوفي هو أشد الأخطار جميعا على أمة الإسلام وأنه الذي حوّل عز هذه الأمة ذلاً ومهانة ) ويقول الشيخ صالح الفوزان عضو هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية  في كتابه حقيقة التصوف  الصفحة 166 ما هذا نصه (فمن القول بوحدة الوجود وأن كل موجود هو الله إلى القول بحلول ذات الله أو صفاته في المخلوقين ، إلى القول بالعصمة ، إلى الزعم بالتلقي من الغيب ، إلى القول بأن محمداً صلى الله عليه وسلم هو قبة العالم وهو المستوى على عرش الله ، إلى القول بأن الأولياء يديرون العالم ويتحكمون في الكون ، وأستطيع أن أقول إنه لا توجد عقدية شركية في الأرض إلا وقد نقلت إلى الفكر الصوفي ، وألبست الآيات والأحاديث )

ويقول ابن جبرين في محاضرة ألقاها في المسجد النبوي الشريف يمكن الإطلاع عليها من خلال موقعه على شبكة الانترنيت ما هذا نصه (أخبرني جماعة من أهل العلم أن في القاهرة  رجلا يعرف بابن خفيف البغدادي شيخ الصوفية هناك  يجتمعون إليه ويتكلم عن الخطرات والوساوس ويحضر حلقته ألوف من الناس فاستغوى الضعفاء منهم إلى هذا المذهب ، قال : فمات رجل منهم من أصحابه وخلف زوجة صوفية فاجتمع النساء الصوفيات وهن خلق كثير ولم يختلط بمأتمهن غيرهن . فلما فرغوا من دفنه دخل ابن خفيف وخواص أصحابه وهم عدد كبير إلى الدار . وأخذ يعزي المرأة  بكلام الصوفية إلى أن قال : قد تعزيت ... فقال لها: هاهنا غير ؟!! فقالت : لاغير .
قال : فما معنى إلزام النفس آفات الهموم ، وتعذيبها بعذاب الهموم ، ولأي معنى نترك الامتزاج لتلتقي الأنوار ، وتصفو الأرواح ويقع الاختلافات وتنز البركات ؟!! قال : فقلن النساء أن شئت قال : فاختلط جماعة الرجال بجماعة النساء طول ليلتهم فلما كان سحر خرجوا ، قال قوله ( هاهنا غير ) أي هنا غير موافق المذهب . فقالت ( لاغير ) أي لا يوجد مخالف).

 إن هذه الاتهامات التي عرضناها غيض من فيض يروج له أصحاب الوهابية المقنعون بغيرتهم على الإسلام وهم الأبعد عن الغيرة  إلا على مصالحهم , وهدفهم هو شق الصف الإسلامي فقط .

فالصوفية لم تتلف العقيدة الإسلامية بل على العكس من ذلك تماما فهي حافظت عليها ولم تخل بأي شرط من شروط صحتها ، والقول إنها جمعت من الفلسفات الهندية والخزعبلات والخرافات فقد اختلط الأمر على كثيرين حين جعلوا سلوكيات بعض الناس أو الجماعات ذريعة لاتهام الآخرين وتكفيرهم.

فالصوفية ليست طارئة على الإسلام وليست حمالة سلوكيات رفضها الإسلام بل هي عبادة بمحبة وتذوق روحي عال قلده كثيرون ولكن لم يعرفوا ماهيته ولم يتلمسوا حقيقته . ومما أشاعه أتباع الفكر التكفيري بحق ابن عربي وهو من كبار مشايخ الفكر الصوفي , قضية وحدة الوجود التي فسروها تفسيرا ظاهريا بما يتناسب مع أفكارهم ومفاهيمهم فكان برأيهم كفرا حسب ما فهموه وكان زندقة حسب ما فسروه .
فمحي الدين بن عربي الذي اتهم بما اتهم به بريء من كل اتهام ، وهو لم يكفر ولم يكن زنديقا حين اعترف بأنه واحد خالق لكل شيء جل وعلا ، وإن ما نسب إليه في قول ( إن وجود المحدث هو عين وجود القديم والمحدث هو المخلوق والقديم هو الخالق جل جلاله وهذا باطل نسب إليه لأنه يقول في الفتوحات المكية ص 29 ( يستحيل تبدل الحقائق فالعبد عبد والرب رب والحق حق والخلق خلق ) وهو يقول أيضا ص30 ( لا يجتمع الخلق والحق أبدا في وجه من الوجوه فالعبد عبد لنفسه والرب رب لنفسه فالعبودية لا تصح إلا لمن يعرفها فيعرف أنه ليس فيه من الربوبية شيء والربوبية لا تصح إلا لمن يعرفها فيعرف أنه ليس فيه من العبودية شيء فأوجب على عبده التأخر عن ربوبيته فشرع له الصلاة ليسميه بالمصلى وهو المتأخر عن رتبة ربه ) أما وحدة الوجود كما عرفها ابن عربي بقوله في كتابه (الفتوحات المكية ) أنه ما في الوجود إلا الله ونحن وإن كنا موجودين فإنما وجودنا به تعالى وفي هذا المعنى قول لبيد ألا كل شيء ما خلا الله باطل ) 31 فهل لمحي الدين بن عربي بهذه الأقوال ما يوحي أن ردد أن كل موجود هو الله ‍؟ .

أما في القول إن الصوفية تدعو إلى الفجور والفسق والإباحية وإنها من اختراع الحشيش فهذا كلام مفترى لا أساس له سوى في مخيلة بعضهم وفي بعض قصص رويت عن بعض الناس من ذوي السلوك السيئ .

والتاريخ هو الفصل بين كل ما ادعى أن الصوفية تدعو إلى أمور كهذه , فما عرف عن أهل التصوف أنهم قوم اعتزلوا البشر فكيف بهم يدعون إلى الاختلاط ؟ وكيف بهؤلاء الذين اتخذوا الجبال والخلاء موطنا لهم ابتعادا عن ملذات الدنيا وغرورها يحرضون على الفسق ؟ وهل حقا هناك عقلاء يصدقون هذا الكلام ؟ ، لا نظن ذلك . إن ماروي من بعض القصص والروايات التي – إن وجدت – تم إلصاقها بهذه الفئة من المسلمين وما تعارف عليه التاريخ الإسلامي هو إجماعه أن الصوفيين لعبوا دورا هاما في تجديد الإسلام وإحيائه في نفوس أضلها الشيطان وأبعدتها ملذات الدنيا عن الإسلام وعن الدور الحقيقي الذي يجب أن يمارسه الإنسان كونه مسلما موحدا .

بالرغم من أن فضلها على الإسلام والمسلمين لم يزل يعاش في قلوب وسلوكيات ملايين المسلمين في شرق الأرض وغربها ، فهل نستطيع إنكار دور العز بن عبدا لسلام في إنهاض الأمة ضد التتار ؟ وهل نستطيع أن ننكر دور أبي حامد الغزالي في كتابه إحياء علوم الدين في إعادة ثقة المسلمين بأنفسهم بعد أن تشتت الدولة الإسلامية وتشتت معها المسلمون ؟ ،وهل ينكر ما لمحمد الفاتح الذي تخرج من الزاويا الصوفية وهو الذي فتح القسطنطينية ؟ وهل من منكر لدور عمر المختار خريج الزوايا السنوسية الصوفية وهو الذي دفع روحه رخيصة لإعلاء راية لا إله إلا الله ضد الاحتلال الإيطالي ؟ وهل من منكر لدور الصوفيين في إدارتهم المعارك وجهادهم في إندونيسيا وماليزيا ومصر وبلاد الشام وغيرها من بلاد المسلمين ؟

إن من ينكر دور كل هؤلاء هو منكر للإسلام وعباد الله المؤمنين الذي صدقوا الله وما بدلوا تبديلا.

ولكن هذا هو المنهج التكفيري وعلماء الفكر الوهابي الذين أشاعوا الكراهية والتكفير وروجوا للفتن بين أبناء الأمة , وهاهي افعالهم الرخيصة وفتاواهم الهدامة التي تدعوا إلى إزالة مراقد علماء المسلمين وأئمتهم  والتي توجت بالتفجير الشنيع لمرقد الإمامين العسكريين  في سامراء .

ترى هل سيتنبه العالم   إلى إجرامية هذا الفكر التكفيري وخطره على الإسلام قبل غيره من الأديان والملل ؟؟

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com