لم يكن معسكر"أوشفيتز" سىء الصيت، وحده أقامته النازية لإعتقال وتعذيب وتعقيم اليهود والغجر والعرب واليساريين والإشتراكيين والمهاجرين، وإجراء التجارب المخبرية عليهم لجهة المؤسسة العسكرية النازية، بل أقامت هذه المؤسسة الحربية العدوانية والإجرامية بحق الجنس البشري والغاشمة، الشبيهة بأجهزة البعث المندحرة المنهزمة(التي حلت نفسها ولم يحلها الإحتلال إلا بقرار شكلي كتحصيل حاصل) الفاشية ضد شعبنا وجوار وطننا العزيز، أقول أقامت النازية معسكرات أخرى، مثل؛"ساكسنهاوزن"،"داخاو"، و"رافنزيروك"، ولم يكن (البعث) الوغد إلا نسخة(قومانية) من النازية الأصل، ولم يكن رئيس الحكومة العراقية الجنرال"رشيد عالي الكيلاني" المتهم بالتآمر على أول حكومة جمهورية في العراق حاكمته لاحقا، لم يكن هو ولم يكن مفتي القدس"أمين الحسيني"(وقد إلتقاهما"هتلر" شخصيا في برلين) وتبعه مؤسس (سنة 1946م) صحيفة"الحياة" اللبنانية السعودية اللندنية واسعة الإنتشار التي كانت تطبع بألمانيا، المغدور"كامل مروة" الصحافي اللبناني الذي كان يعمل لدى دار نشر نازية تسوغ وتسوق دعايتها في الشرق الأوسط مع الإعلامي العراقي اللامع"يونس بحري" من القسم العربي بإذاعة برلين، لم يكن هؤلاء العرب يؤيدون هتلر، إلا على أساس/ قاعدة؛ عدو عدوي(الإنتداب البريطاني على العراق وفلسطين، القائم اليوم بقيادةأميركية وفق خارطة طريق توأم) صديقي. ويمكن الرجوع لقراءة تقرير "بيروت برلين، بيروت" الذي وضعه"كامل مروة" كسيرة ذاتية له، وهروبه من لبنان بعد تحريره من حكومة فيشي سنة 1941م، بعد بضعة أشهر من وضع الحرب الكونية الثانية أوزارها بسقوط محور برلين بيد الحلفاء، وبالتالي حقيقة، لم يكن ثمت تأييدا عراقيا خاصا وعربيا عاما للنازية. كما لم تكن اليهود ضحايا النازية فقط لاغير!، بل كانت العرب، سيما حول المسجد الأقصى في فلسطين وسورية ومصر وعموم شمال أفريقيا حتى المغرب الأقصى، وذلك بججة تعاون(القوميين العرب) مع المستعمر الفرنسي لمقاومة النازي، كما كان تعاونهم الخائب مع البريطانيين بإسم(الثورة العربية الكبرى) ضد (الخلافة العثمانية) تحت راية(شريف مكة) المطرود الذي طرد نجله فيصلا من سورية، ليكون أول ملوك العراق. ويمكن أيضا الرجوع لشهادة البروفيسور "غرهادر هويه" من معهد علوم الشرق الحديث، الموسومة بعنوان"العرب والنازية". وقد طالبت إسرائيل في العقد الأخير من القرن الماضي، المانيا، برفع جميع أسماء العرب ضحايا النازية، من"اللوح الحجري" في واجهة معسكر إبادة الجنس البشري"ساكسنهاوزن"، الكائن على مشارف العاصمة برلين، ويدعم "د. رانهارت فين"، هذه الشهادة في دراسة المعهد آنف الذكر، معززة بصور، عن صحيفة"فلسطين" لسنة 1941م، بصدد(مشانق النازي غازي يوغسلافيا). وقد أجريت تجارب مخبرية طبية برعاية المؤسسة النازية للملاحة الجوية، ولتحديد أقصى إرتفاع لفائدة طاقم الطائرات المتضررة من الهبوط بمضلة أمان، بما عرف بتجارب التجميد لإيجاد علاج ناجع لإنخفاض حرارة الجسم بإستعمال غرفة الضغط الواطىء في معسكرات:"داخاو" و"ساكسهاوزن" و"ناتزويلر"، وتعقيم أسرى"أوشفيتز" و"رافنزيروك"!، ولإختبار تحلية مياه البحر، و لتطوير العقاقير الطبية الميدانية لأجل حرب النازية، وتعريض هؤلاء الأسرى لغاز الخردل والفوسجين. في معسكر"أوشفيتز" أجرى"يوسف منجيل" أمصاله على توائم الغجر، وإختبر"فيرنر فيشر" إختلاف الأعراق لفهم أمراض الآخر المعدية للعرق الآري، دعما لأبحاث"أوغست هرت" في "جامعة ستراسبورغ" لإقرار عرق(دوني!) لليهود.

كان عالِِم تاريخ الشرق الأوسط"جيرهارد هوب"(توفي أخيرا)، الذي عاش في العاصمة برلين بذل جهدا جبارا في الأعوام الأخيرة لإقتفاء آثار عرب المهجر الذين عاشوا في ألمانيا النازية بعيدا عن التعاون مع النازيين، فإلى جانب المعتقلين من شمال أفريقيا الذين وصل عددهم في بعض الفترات إلى 80 ألف معتقل، كان ثمت الكثيرين من سجناء المعتقلات العسكرية والميدانية الكثيرة، كونهم تابعين للجيش الفرنسي، ويتضح من المصادر أن جل المعتقلات كان بها معتقلون عرب ومسلمون تراوحت أسباب اعتقالهم بين المقاومة والإشتراك في الحرب الأهلية الإسبانية وأعمال التخريب، وجنح الملكية والتعدي على قوانين عمل الأجانب والعمل الإجباري. تتبع"هوب" مصير العرب من ضحايا النازية في معسكرات الإعتقال الكثيرة، وعلى أرض الميدان، يطرح وضع الضحايا العرب الذين بقوا مدة جد طويلة في ”ظل الهلال“ بأسئلة كثيرة، ليس فقط في السياق التاريخي، لكنه يضع أيضا(مناطق الذكرى) أمام تحدٍٍِ من الناحية التربوية، يتجلى في كيفية عرض سياسة النازية المتناقضة في بعض الأحوال إزاء المسلمين العرب بشكل مناسب.

في منطقة الذكرى(نوينجامَ)، مشكل ما إذا كان المسلمون ضحايا بالمعنى المتعارف عليه، يواجه المسؤولين التربويين. فخلال مؤتمر عقد في منطقة النصب التذكاري لضحايا الإعتقال في"نوينجامََ" موضوع ورشة عمل بصدد مصير المسلمين في معسكرات الإعتقال(سياسات الذاكرة التربوية في مجتمع المهاجرين في ألمانيا)، أوضحت المشرفة الاجتماعية التربوية بمنطقة الذكرى"روزا فاڤا"، الفرق بين وضعهم وبين سياسة الإبادة الجماعية المنظمة ضد اليهود وال"سنتي" و"روما"!. وتقول"فاڤا" أن المهم التركيز على جوانب الموضوع المختلفة، فالسؤال الذي يطرح كثيرا من قبل الشباب من الزوار، هو ”أيضا، أكان ثمة مسلمون في معسكرات الإعتقال؟!“، ويمكن الإجابة بـلا تردد بـ”بـلى!“، بـيد أن ينبغي في ذات الوقت التشديد على حقيقة كون المسلمين لم ُيعتقلوا بسبب إعتقاداتهم الدينية. فرغم الإضطهادات العنصرية، فالمسلمون، عكس اليهود، لم يتم تنظيم وترتيب مطاردتهم وقتلهم. وفي المستقبل سيتم التركيز على المعتقلين المسلمين الذين كانوا في تلك المعتقلات. فمعظم المعتقلين المسلمين كانوا أعضاء سابقين في جماعة الوحدات الخاصة الإسلامية التي تدعـى"الخنجر"، وتم تشكيلها لمواجهة الفدائيين في البلقان. وفي عام 1943م تم القبض على أكثر من 800 متدرب هناك وترحيلهم إلى معسكرات إعتقال مختلفة بعد حدوث تمرد. ولتفهم وضعهم في المعسكرات، من الضروري الإشارة إلى التعاون السابق بينهم.

وقد ركز"هوب" اهتمامه لإلقاء الضوء على وضع السجناء العرب في معسكرات الإعتقال ومراكز التجميع. فتوصل(هوب) في أبحاثه عبر الأرشفة المختلفة لأسماء 450 معتقلا عربيا معظمهم من أصل شمال أفريقي، لكن يُرجََّح أن عددهم الحقيقي أعلى من ذلك بكثير.

تجاهل الرأي العام الألماني والعربي لضحايا السياسة النازية دفع قناة قطر(الجزيرة) العربية في كانون الثاني 2003م إلى بث تحقيق من معسكر الإعتقال النازي السابق"ساكسنهاوزن"، الذي أصبح الآن منطقة نصب تذكاري لضحايا النازية، تساءل فيه مراسل الجزيرة في ألمانيا(أكثم سليمان):”أين قبرك أيتها الضحية العربية؟!“، وطالب بتذكر(ضحايا الهولوكوست من العرب) بطريقة مشابهة لتذكر الضحايا اليهود!.

في عام 1935م تم وضع الأساس القانوني للاضطهادات التي تمارسها الدولة عن طريق(قوانين نورنبرغ)، خصوصا عن طريق ”العار العرقي“، الذي كان يُعرض لأقصى العقوبات. وكانت العقوبات المفروضة بموجب قوانين"نورنبرغ" إلى جانب العقم الإجباري ممن أطلق عليهم ”حاملي الدم الدخيل“ هي النتائج المترتبة على نظريات العنصرية النازية. بهذا الشكل أصبح إطار التعامل اليومي مع العرب وكذلك العديد من الشعوب ”غير الآرية“ الأخرى محكوما بالأحكام المسبقة والعنصرية الشوفينية.

وترسم(دراسات هوب) صور مواجهاتهم اليومية مع نظريات الآيديولوجيا العنصرية وعمليات الإضطهاد القائمة على عنصرية. وكما توضح الوثائق التي بنى"هوب" على أساسها دراساته، فإن مظاهر القمع تراوحت بين مضايقات أفراد الشعب والحبس والقتل في معسكرات الإعتقال!.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com