العراق بين رؤية العرافين والسياسين2008

 

د فيصل الفهد

fas_f2004@yahoo.com

 تشير توقعات العرافين ان العراق سيشهد فرزا سياسيا حادا والدولة تتحوّل إلى دويلات تبقى الأوضاع في العراق على ما هي عليه، ولا يبدو أن ثمة ما يشير إلى نهاية للمأساة التي يعيشها الشعب العراقي، بل إنّ دوامة العنف إلى ازدياد، والانقسامات بين الطوائف ستزداد حدّة، كما سيواصل الفساد تفشّيه بصورة كبيرة، وستزداد حركة الهجرة الداخلية وستعرف المناطق فرزاً أكثر حدّة.

ويضيف العرافون ان "سنة 2008 لا تشير إلى أي بوادر لانفراجات قريبة، بل إلى المزيد من التعقيدات واستمرار الاحتلال الأميركي الذي سيدفع بالمزيد من قواته وجنوده إلى العراق".

التقسيم سيكون حقيقة واقعة، وستتحوّل الدّولة إلى دويلات، ولكل دولة رئيسها وقانونها وتشريعها الخاص، ولكن هذا لا يمنع من الاغتيالات والقتل الجماعي.

وقد لانختلف كثيرا عن ما ذهب اليه العرافين فها هو عام 2008 يطل علينا وكوارث نهاية عام 2007 لا تزال تطرق بقوة على رؤوس الشعوب التي ابتليت بها ... ورغم أن ما حدث خلال الفترة الماضية من أحداث ستبقي ضلالها مفتوحة على الأحداث اللاحقة ليس في العراق وأفغانستان والصومال وفلسطين ولبنان والسودان والباكستان وغيرها من بلاد الله فإن الكوارث التي كان وما يزال يبتدعها أصحاب العقول المريضة وفي مقدمتهم بوش وحلفائه في الشر هي الأكثر دماراً وخراباً على البشرية.

كما أن هذه الصورة القاتمة السواد والنهاية المأساوية لعام 2007 لم تلغ وجود المساحات الناصعة البياض التي تألقت لتحجم تأثير المساحات السوداء... ومن هذه المساحات المشرقة ما حققته المقاومة الباسلة في العراق وفلسطين من إنجازات كبيرة تركت بصماتها على كل مايمكن ان يفرزه العام الجديد لاسيما حمى التسابق في الانتخابات الامريكيه للوصول إلى البيت الأسود الأمريكي و ما سيترتب عليها من نتائج على العالم أجمع.

إن قراءة موضوعية في نتائج الصراع على الأرض بين إرادة الشعب العراقي وطليعته المقاومة بكل أشكالها وبين أعدائه من المحتلين الأمريكيين والإيرانيين وشركاؤهم وعملائهم في الجريمة ...تقودنا إلى الملاحظات التالية:

 أولاً: إن عام 2007 كان بحق عاماً للمقاومة العراقية بكل ما تعنيه هذه العبارة فقد استطاعت المقاومة البطلة من تثبيت دعائمها وأن تفرض نفسها كلاعب أساسي وبلا منازع في تقرير شكل وأسلوب الصراع حيث حولت أوضاع قوات الاحتلال من حالة الهجوم إلى حالة الدفاع اضافه الى مسألة مهمة جداً وهي اعتراف المسئولين الأمريكيين بوجود المقاومة وقوتها ودقة تنظيمها وتطورها الكبير ليس في التخطيط حسب بل والتطور في آليات تنفيذ العمليات ضد المحتلين في حين كان المسئولون الأمريكيين قبل ذلك يعتمون أو يصبغون عمليات المقاومة بالعراق بألوان مختلفة بعيدة عن لونها الوطني العراقي المخطط له بشكل سابق لاحتلال بلدنا في 9/4/2003 واستخدام بعض المصطلحات التي يراد منها إبعاد عمليات المقاومة عن حاضنها وداعهما الشرعي وهو الشعب العراقي كما أن هذه المقاومة تزداد في قوتها وتنظيمها وعدتهاً وأصبح الانتماء الى صفوف المقاومة الوطنية ظاهرة تجمع كل الشباب العراقي الوطني الشريف.

 ثانياً: في عام 2007 تأكد عجز الإدارة الأمريكية وحلفائها عن تنفيذ أغلب خططهم العقيمة التي ثبت فشلها في الميدان فالأمريكيين خططوا للعدوان على العراق ولكنهم لم يوفقوا في وضع خطط ناجحة لما بعد الاحتلال وهذا يعني بالضرورة تثبيت حقيقة جهل المسؤلين الأمريكيين في فهمهم واستيعابهم ومعرفتهم بحقيقة الشعب العراقي (تاريخه وعاداته وتقاليده وتراثه) إضافةً إلى عدم تقييمهم الدقيق لقدرات وإمكانيات وذكاء القيادات العراقية(رغم اغتيالهم للرئيس الشرعي للعراق المرحوم صدام حسين) والبناء المؤسسي العلمي والتجربة الثرة للقوات المسلحة والأجهزة الأمنية العراقية البطلة .. فرغم كل المحاولات اليائسة وعمليات الترقيع التي حاولت القيام بها إدارة بوش لمعالجة مأزقها الخطير في العراق فإن النتيجة كانت واحدة وهي فشل إضافي وتخبط أعمى وغرق أكبر في المستنقع العراقي حيث لم تنفعهم تشكيل ما يسمى بقوات الصحوة ولا الإسعافات الاوليه التي تحاول القيام بها الأنظمة العربية الحليفة لتضميد الجراح الأمريكية المثخنة في العراق نتيجة ضربات المقاومة الماحقة.

 ثالثاً: تراجع الاقتصاد الأمريكي حيث ثبت خلال العام 2007 تراجع هذا الاقتصاد رافقة انخفاض مستمر في قيمة الدولار مقابل العملات الأخرى إضافةً إلى انخفاض واضح في معدلات النمو وبقاء مشاكل البطالة التي تقدر بملايين العاطلين عن العمل.

يضاف إلى ذلك أن نسبة التكلفة المالية للإنفاق على الوجود الأمريكي في المدى المنظور(قد تتجاوز التكلفة الإجمالية 2 تريليون دولار ، حسب تقديرات الاقتصادي جوزيف ستيجليتز الفائز بجائزة نوبل) بازدياد مضطرد فاقت كل التقديرات والتوقعات السابقة مما أضاف عبئاً "إضافياً كبيراً على الاقتصاد الأمريكي الذي يعاني بالأساس من مشاكل تراكمية قاتلة وقد زادت عمليات المقاومة شكلاً مضموناً وعدداً من تكلفة الوجود العسكري الأمريكي في العراق إلى أرقام هي أكبر وأصعب من تمكن الإدارة الأمريكية من تلبيتها أو تحملها.

 رابعاً: ان حجم الخسائر البشرية وهي مسألة بالغة الأهمية وأن لم تجد الإدارة الأمريكية مخرجاً يساعدها على التخفيف من حدتها لاسيما وأن هذه الإدارة لم يعد باستطاعتها أن تغمض أعين الرأي العام الأمريكي والعالمي قسراً عن عدم رؤيتها وتلمس نتائجها الكارثية(ويمكن الاطلاع على الاحصائيات التي نشرت في

 فالنعوش التي تصل إلى القواعد داخل أمريكا وعشرات الآلاف من الجرحى الذي امتلأت بهم جميع المستشفيات الأمريكية في أوروبا وفي الولايات المتحدة الأمريكية والذين يواجهون مصيراً مظلماً لأنه ليس بمقدور أغلبيتهم العودة للخدمة أو العيش بشكل طبيعي نتيجة إصاباتهم البالغة هذا عدا الآلاف من القتلى (المرتزقة والمتعاقدين من غير حاملي الجنسية الأمريكية) وهروب أعداد كبيرة من الخدمة في العراق هذا عدا حالات الأمراض النفسية التي أصبحت ظاهرة تلازم غالبية أفراد القوات الأمريكية هذا إذا استثنينا الخسائر الأمريكية الكبيرة في أفغانستان مع ملاحظة أن الوجود ألاحتلالي الأمريكي هناك مدعوم بوجود قوات من حلف الناتو وهذا ربما يخفف من حجم خسائرهم إلى حد ما رغم علمنا أن المجاهدين الأفغان يستهدفون القوات الأمريكية المحتلة أكثر من سواها لأسباب معروفة وان بصمات استنساخ تجربة ألمقاومه ألعراقيه باتت واضح هناك.

خامساً:لم تحقق كل محاولات المحتلون وعملائهم تخفيف أو تقليل حجم هجمات المقاومة ضد قواتهم الغازية(رغم كل محولات حجبها عن وسائل الاعلام) حيث أثبت السنوات ألماضيه من عمر الاحتلال أن ما أسسوه من قوات ورغم التباهي بأعدادهم الكثيرة وتدريبهم في الدول العميلة لم يغيروا من الواقع على الارض شيئا.

ويلاحظ أن بعض الأقزام من العملاء مثل الطالباني والبرزاني والحكيم والمالكي وغيرهم من الذين باعوا أنفسهم للشيطان حاولوا أن يوحوا للأمريكيين أنهم قادرين على أن يفعلوا الكثير في مواجهة المقاومة ولكن الذي حصل أن هؤلاء المجرمين وضعوا أقزامهم في فوهة بركان المقاومة .

سادساً:رغم كل محاولات إدارة بوش في تحقيق أي منجز على ارض الواقع ليخرجها من مأزقها في العراق ومنها :

- إيجاد حكومة ضعيفة منتخبة ظاهراً معينة حقيقيةً تعمل على توقيع صك الانتداب للاحتلال الأمريكي وتعطيه شرعية بقائه في العراق.

- تتمكن قوات الاحتلال من الانسحاب من المدن والانزواء بعيداً في عدد من القواعد وبما يبعدها عن تحمل الخسائر نتيجة هجمات المقاومة العراقية.

- ترك مهمة مواجهة المقاومة العراقية إلى القوات التي أنشئوها وبما يعني حرب بين حكومة صنيعة وبين الشعب العراقي ومقاومته الباسلة.

- تمرير خدعة أمريكا على العالم بأنها نفذت وعدها بالديمقراطية وأوفت بالتزاماتها أمام الرأي العام الأمريكي والعالمي وضربت أكثر من عصفور بحجر واحد. متجاهلة وعي العراقيين للهدف المركزي الأمريكي وهو شرعنه الوجود الأمريكي في العراق وسرقة النفط وثروات العراق وقتل العراقيين وتحطيم قوتهم ومؤسساتهم الاقتصادية و جيشهم بكل ما يملك من تجهيزات و سرقة حضارة العراق.

 توقعات 2008 لقضية العراق

رغم إصرار المجرم بوش على تمرير الأكاذيب على الأمريكيين والعراقيين والعالم ألا أن واقع الحال وبحكم تمكن المقاومة العراقية الوطنية إطباق سيطرتها على مجريات الأحداث وفشل القوات الأمريكية والقوات العميلة في حماية نفسها وعدم معرفة الناس بفشل الاحتلال وعملائه في تنفيذ أي من وعودهم الكاذبة بعكس وعود المقاومة التي نفذت القول بالفعل الشجاع والتفاف غالبية الشعب واحتضانه لمقاومته الباسلة كل هذا وغيره سيؤدي إلى عواقب وخيمة على المحتلين وعملائهم ولن يحصدوا إلا ما زرعوه من خيبة وفشل وخسائر جسيمة جداً ستنقل الصراع إلى حلقات متقدمة تقرب من نهاية الاحتلال وانتصار المقاومة إن شاء الله. 

فالمقاومة وبحكم التطورات الاخيره لاسيما بعد استغلال الاحتلال لما يسمى بالصحوة فأن ألمقاومه ستعتمد تكتيكات جديدة وسيشهد عام 2008 تصعيداً نوعياً في عمليات المقاومة شكلاً ومضموناً أكثر مما تحقق في العام الماضي حيث يحتمل في ضوء تصاعد عملها أن تستخدم المقاومة في عملياتها البطولية أسلحة متطورة كما يتوقع ان تزداد العمليات داخل المدن وتأخذ أشكالاً أكثر تطوراً مما سيزيد من الصعوبات التي يعاني منها المحتل وسيتحول فعل المقاومة العراقية من الإطار المحلي الذي حاولت الإدارة الأمريكية حبسه فيها إلى الاطارالدولي وستحظى باهتمام كبير وبما ينعكس سلباً على وضع الاداره الأمريكية دوليا.

 اما على صعيد الموقف الأمريكي سيزداد حجم الشرخ الذي أحدثته عملية احتلال العراق داخل المجتمع الأمريكي بل وإلى داخل الإدارة الأمريكية ذاتها ويحتمل بشكل كبير أن يترك الجمهوريين البيت الأسود نتيجة إخفاقاتهم لاسيما في العراق ولن تتوقف خسائر القوات الأمريكية البشرية والمالية الأمر الذي سيوسع من دائرة المعارضين لاحتلال العراق ويطالب كثيرين إلى جانب عوائل الجنود بسحب القوات الأمريكية من العراق رغم أن إدارة بوش ستعمل ما في وسعها بما في ذلك الترهيب والترغيب لزج أطراف دولية وحلفاء لها في آتون النار العراقية... إلا أن جميع هذه المحاولات ستولد ميتة كما سيشهد موقف الإدارة الأمريكية نفسها تراجع وربما مرونة يمكن أن تؤدي إلى إيجاد حلول ناجحة تنهي الاحتلال الأمريكي البغيض للعراق.

أما عن التجاذبات ألمتوقعه في ألمنطقه لاسيما ما يتعلق منها بالدور السلبي الإيراني في العراق فان ثمة مؤشرات تدفع بالأوضاع لغير صالح غيران ومنها مايمكن أن يحدده الوضع الداخلي للشعوب الايرانيه وتململها الأكثر وضوحا أضافه إلى احتمال تضافر وتفاعل جهود داخليه وخارجية قد تحقق نتائج (ما) تلقي بظلالها على النظام الحاكم في طهران!

 وعلى مستوى الموقف الدولي حيث يتوقع ان تشهد أروقة السياسة الدولية اهتماماً كبيراً بالقضية العراقية وستتوسع دائرة التأييد للمقاومة العراقية وستخرج بعض المواقف من جحور أصحابها إلى العلن وسيكون للدول الكبرى أدواراً أكثر فاعلية لاسيما روسيا والصين وألمانيا وإسبانيا كما ستحاول دول عديدة استغلال التورط الأمريكي في العراق للانتقام لنفسها من الأمريكيين وسيتم ذلك عبر تقديم الدعم اللامحدود للمقاومة العراقية ويحتمل أيضاً ان تلعب بعض الدول دورا لاحتضان محاولات لإيجاد خيوط للتفاوض بين المقاومة العراقية وبين الأمريكان حيث سبق لفرنسا إن كانت حاضنة للمفاوضات الفيتنامية الأمريكية...وبمعنى آخر أن المرحلة القادمة سترى تطوراً نوعياً في الموقف الدولي وخروج الأصوات الرافضة للعنجهية والغطرسة الأمريكية لتشكل حالة إيجابية ستؤثر في الوضع الدولي لصالح قضيتنا.

 اما الموقف العربي فرغم الصورة السلبية للموقف العربي الرسمي والشعبي إلا أن احتمالية حصول نقلة نوعية على كلا الصعيدين ليس بسبب تغير قناعات الساسه العرب ولكن بفعل انتصارات المقاومة العراقية وازدياد شعبيتها بين أوساط الجماهير العربية فلربما يكون دعم المقاومة وشد آزرها عربياً هو أحد أهم المقاييس التي ستحكم العلاقة بين الأنظمة وشعوبها. حيث أنه لا يمكن لهذه الأنظمة أن تستمر في كبت مشاعر الإنسان العربي القومية فأما التراضي مع الشعب العربي بالوقوف إلى جانب المقاومة العراقية التي أصبحت عنواناً قومياً لكل العرب في الشرف والكرامة

وأياً كانت الأحداث وطبيعتها في العراق فإن العام 2008 سيكون عاماً جديداً مضافاً إلى المقاومة العراقية ألمؤمنه بالله وبعدالة القضية التي تقاتل من أجلها لتحرير العراق أرضاً وشعباً وقيماً ودحر المشروع الأمريكي البريطاني الإيراني الصهيوني في المنطقة بعون الله.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com