|
خمسون عاماً من الابداع *** عالم بين التراث وحداثة التاريخ بين الأصالة والحداثة... تقف كنوز الماضي.. شامخة أمام محترفي فنّ التحقيق والفهرسة ليعيش المحقق بين السطور ويذهب بعيداً ما دار بين الزمنين.. زمن حاضر يتشوق لزمن ولىّ.. لم يبق منه إلا أوراقه الصفراء.. تفتش عن أيدي ماهرة تتقن وتعشق ثقافة التحقيق.. تبحر عميقاً لتكتشف بين طيّات البحر الهائج.. وقد أكل الدهر جزءاً من أوراقها.. تصارع الموت في عالم المجهول.. حينها يأتي المؤلف النجفي والمحقق والمفهرس البارع العالم السيد أحمد الحسيني الإشكوري لينقذ من ذلك العالم الخفي مخطوطات نفيسة يعيد لها رونقها وينبض بين أوراقها وسطورها الحياة.. ويستدل منها أسرار الكتب والكلمات.. ويستكشف فنّ الكتابة ونوع الورق.. لأناس قد رحلوا.. وأمم قد خلت.. كيف كانت تكتب.. وكيف تفكر.. وما هو تأريخها وفنها وعراقتها.. وما مدى مصداقيتها وأسلوبها في نقل الخبر ؟.. حتى يصل إلى الحقيقة الكاملة ويضعها بين يدي العالم الحاضر بأسلوب ذي تقنية خلابة أخذت جانباً من مسيرة عمره في الحياة.. فمن هو العالم أحمد الحسيني ؟.. وما هي نتاجاته ؟.. وما هي منهجيته في الفهرسة والتحقيق ؟.. وما هي مؤلفاته ومطبوعاته ؟.. وما حجم مكتبته ؟.. وهل هو فعلا كما وصفه نجله السيد جعفر الحسيني قائلا « إن الحديث عن التراث والفهرسة والمخطوطات حديث مبتور إن لم يقترن باسم أحمد الحسيني » ؟ عندما دعاني السيد الجليل الحسيني مع زوجي إلى الاستمتاع بمكتبته في مدينة قم بعد أن ترك مكتبة له في النجف الأشرف قبل أكثر من خمس وثلاثين عاماً لظروف حالكة مرّت به وعانى منها، أسس بعدها مكتبةً في قم يناهز عمرها الآن ثمانية عشر عاماً تضم أكثر من خمسة عشر ألف كتاب، قال لي « إن منامي وقراءتي وتحقيقاتي وفهرستي واستقبال ضيوفي تتم كلها في مكتبتي ». وفعلا رأيت مكان منامه ووسادته يأخذ حيّزاً داخل هذا الصرح الثقافي العظيم يعانق الارض بكل تواضع اسوة ببعض كتبه التي لم يوفر لها الحظ قسطاً من الراحة وترتفع مع مثيلاتها عاليةً فوق الرفوف متشامخة تتصدر عناوين مذهلة في اللغة والأدب والمئات من كتب العقائد والفلسفة والتفاسير القرآنية وهناك مجاميع التأريخ والأديان والمذاهب وعلوم أهل البيت والأصول والفقه والحديث « وتملك المكتبة آثار الرسول في جناح الامانات تخص الرسول ( ص ) وأهل البيت ( ع ) حصل عليها من متحف تركيا » وكذلك تحوي الدواوين الشعرية النادرة من العصر الجاهلي وصدر الاسلام والأمويين والعباسيين وحتى عصرنا هذا ( لكن دواوين العصر الجاهلي احتل المرتبة الأولى في العدد والندرة ). هناك مجموعة رباعيات الخيام في ثلاثين لغة. اضافة الى الكتب والمطبوعات النادرة لتأريخ العرب بالعربية فهناك دورتان كل منها في سبع مجلدات لتاريخ العالم وتواريخ عربية أخرى كمروج الذهب و الكامل في التاريخ لابن الأثير و تاريخ الطبري الطبعة القديمة والحديثة المحققة. ومطبوعات عن تاريخ تيمور لنك طبعة جامعة اكسفورد لعام 1780 م، وتحوي المكتبة نسخة من الكتاب المقدس الطبعة القديمة لعام 1895 م التي تضم هوامش مهمة جداً يذكر فيها تأريخ وقوع الحادثة وشرح كامل جزءاً للقضية كما يجمع ويوجد المقاطع المتشابهة. أما فيما يخص اللغة فتحوي المكتبة على الطبعة القديمة من كتاب لسان العرب في خمس عشرة مجلدة و تاج العروس بعشرة مجلدات والطبعة المحققة الحديثة في أربعين جزءاً و قاموس اللغة و الجاسوس على القاموس في طبعة 1299 هـ. و النهاية لابن الأثير و الصحاح للجوهري و معجم مقاييس اللغة لابن فارس و أساس البلاغة للزمخشري وهذه المطبوعات وما أشبهها قلما تجدها مجتمعة في باقي المكتبات. إن من مميزات هذه المكتبة أنها تهتم بالمصادر الأصيلة الأم، فالسيد في شرائه للكتب يعتني بهذه المصادر حتى تكون عوناً له في ما يقوم به من البحث والتحقيق. وتجلب النظر كثرة محققات السيد للتراث العربي، وعلى سبيل المثال رياض العلماء في سبعة أجزاء و مجمع البحرين في ستة أجزاء و أمل الآمل في جزئين. و كشف الريبة في جزء. و نهج المسترشدين في جزء. و تبصرة المتعلمين في جزء، و ضيافة الإخوان في جزء. وديوان أبى المجد في جزء. و الهيئة والاسلام في جزء. والعشرات من قبيل هذه المصادر التراثية الهامة. كما أن للسيد الحسيني من المؤلفات أربعة أجزاء في تراجم الرجال و مؤلفات الزيدية في ثلاثة أجزاء و الامام الحكيم في جزء و الامام الثائر في جزء و الامام الشاهرودي في جزء و إجازات الحديث في جزء و تلامذة العلامة المجلسي في جزء.. وقد أشرف على عشرات الكتب التي تم طبعها في العراق وبيروت وإيران من دون الاشارة إلى اسمه. للعالم الحسيني أكثر من 30 ألف بطاقة غير مطبوعة وبخط يده تخص فهرسة المخطوطات العربية في إيران وتحوي على معلومات موجزة يذكر فيها مواصفات الكتب والنسخ في فهرس عربي شامل، وستمثل للطبع بعنوان « التراث العربى المخطوط في مكتبات ايران العامة ». أما تميّزه في فنّ الفهرسة جعله ينال لوحة أفضل مفهرس بعنوان « المفهرس النموذجي » لعام 1420 هـ من وزارة الثقافة والارشاد في الجمهورية الاسلامية الايرانية، وأصبح أسلوبه السهل الواضح في الفهرسة نموذجاً يحتذى به.. لقد فهرس مكتبة السيد المرعشي في سبع وعشرين مجلداً لـ ( 16797 ) عنوان كتاب ورسالة، وهذه تعتبر من أكبر الفهارس المكتوبة في العالم لمفهرس واحد، وفهرس مخطوطات مركز إحياء التراث الاسلامى في قم لـ ( 4606 ) عنوان، كما فهرس مخطوطات لأكثر من ستة وعشرين مكتبة عربية وفارسية تضم آلافاً من المخطوطات. كما أن للمبدع الحسيني دليلا خاصاً للمخطوطات يعود إلى فهرسة مكتبات خاصة وشبه خاصة التي اطلع عليها بنفسه وأدرج فيه فهارس مختصرة لهذه المكتبات، ويحتوي الدليل على ثلاثة أجزاء كبيرة تضم مخطوطات لـ ( 44 مكتبة ) كمخطوطات لمكتبات السيد الطباطبائي والبروجردي والجزائري وهدايتي والمرتضوي والمهدوي والعشرات غيرهم. الحسيني ابن السابعة والسبعين عاماً لا تقف أمامه ماكنة العمر.. نشاط مفعم.. وعطاء مستمر.. رغم تعب الحياة. وقد أحصى بعض مترجميه المخطوطات التي فهرسها بعد الاطلاع المباشر عليها فكانت سبعة وأربعين ألف عنوان. وأنا أتجول معه داخل مكتبته طرحت عليه بعض الاستفسارات التالية : كيف تعتمد على جمع المطبوعات الحجرية والكتب النادرة ؟ في روما، وأنا كثير السفر لأجل هذا الغرض، كما استطيع أن أحصل على ما أريد من معارض الكتب في مصر والعراق وسورية والمغرب والهند وافغانستان وكثير من الدول الأخرى ؟ ما هو المنهج الذي تتبعه في فهرسة المخطوطات ؟ وضعت منهجاً خاصاً للعمل الفهرسي وأسلوباً أعتقد أنه الطريقة الأسهل والأيسر أمام المحقق والباحث، تتلخص في تعريف كل نسخة أتناولها بالفهرسة إلى قسمين مختلفين وهما : القسم الأول ـ تعريف موجز للكتاب الذي أتناوله تعريفاً علمياً وتأريخياً مع ذكر عدد فصوله وأبوابه إضافة إلى ذكر من ألف له وتأريخ التأليف وخصائص المؤلَّف. القسم الثاني ـ وصف النسخة من الجانب الفني، حيث أذكر في الوصف اسم كاتبها وتأريخ نسخها وما تمتاز به من ميزات التصحيح والقراءة لدى أحد العلماء والتعليقات والبلاغات والاجازات والفنون الزخرفية وما إلى ذلك من الملاحظات الأخرى. كل قسم يطبع بحروف خاصة : فالأول بحروف كبيرة وبأسطر طويلة، والقسم الثاني يطبع بحروف أدق وسطور قصيرة. وفي كلا القسمين حرصت أن يكون الوصف مختصراً وواضحاً يوفي بالغرض والفائدة من دون تطويل فارغ. كيف تقيم مكتبتك مادياً ؟ أنا لا أستطيع أن أقيم مكتبتي في سعر معيّن، فهي لا تقيّم نظراً لأهمية ما فيها من نوادر المطبوعات، لكن ربما قد يصل سعرها إلى مائتي ألف دولار أو أكثر. بعد العمر الطويل لكم هل ستتحول المكتبة إلى وقف يستفيد منها الباحث ؟ لا أفكر في البيع أو الوقف. أولادي سيتولون شأنها. بم تمييز مكتبتك عن باقي المكتبات ؟ بعيداً عن المطبوعات الحجرية النادرة والوثائق واللوحات الملونة والمزخرفة القديمة التأريخية التي يعود قسم منها إلى 400 عام للملوك والرؤساء وكثرة الدواوين الشعرية للعصر الجاهلي وكتب تراجم الرجال التي تعد فوق الألفين، فهناك ميّزة مهمة جداً في مكتبتي وهي أنني اهتم واعتني بالتجليد، حيث يتم التجليد بالطريقة العصرية وبأطارات وزخرفات من ماء الذهب ذات الكلفة الغالية. المكتبة مرتبة بترتيب دقيق حسب الموضوعات العلمية تيسيراً لمراجعاته ومراجعات بعض المحققين من أصدقائه. والكتب باللغات العربية والفارسية والأردوية والتركية والانكليزية والألمانية والايطالية واليابانية. لابدّ من الذكر أن الحسيني هو مؤسس مركز إحياء التراث الاسلامي قبل إثني عشر عاماً ( 1417 هـ ) وهو الآن المسؤول المباشر لادارته وبرعاية الامام آية الله العظمى السيد على السيستاني. ويُعتبر المركز الآن من أنشط المراكز في تصوير المخطوطات ووضعها أمام الباحثين. فانه يضم هذا المركز الشهير مكتبة بنيت وتكونت بمساعي وجهود الحسيني حيث تحوي أكثر من 85 ألف مطبوعة وإحدى عشرة ألف مخطوطة نادرة يرجع البعض منها إلى القرن الخامس الهجري إضافة إلى وجود سبعة آلاف وثيقة تأريخية وسياسية ملونة بخط يد الملوك والرؤساء وبأختامهم الخاصة يرجع أصولها إلى 400 أو 300 عام، وفي المركز أكثر من خمسين ألف مصوَّرة لكتب صُورت من المكتبات الأروبية والعربية وغيرها. وللمركز متحف خاص لوسائل التحرير، فالاختام ترجع أعمارها إلى 400 عاماً وهناك أكثر من ( 12 نوع قلم مع المحافظ المزركشة ) وأكثر من ( 50 ) نوعاً من الأختام التي كانت تستعمل لختم الوثائق الرسمية أو الرسائل الخاصة بدلا عن التوقيع في عصرنا الحاضر. وتحوي المكتبة على أوراق قديمة على الرق من القرآن الكريم ونسخة من المصحف مزخرفة خطت على ورق خاص طوله سبعة أمتار، إضافة إلى وجود ألوف من الكتب بالطبعات الحجرية النادرة.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |