[i] قصة أمريكا والقاعدة وحريق الرايشستاغ ... (1)

 

علي آل شفاف

 Talib70@hotmil.com

صناعة العدو

 مشهد 1:

"الخامس عشر من تشرين الثاني, 2002:

قدم "بندر بن سلطان", السفير السعودي لدى واشنطن إلى المكتب البيضاوي للقاء الرئيس. وكان هناك كل من "تشيني" و"رايس". سلم بندر الرئيس رسالة خاصة من ولي العهد (آنذاك) . . . عبد الله, مكتوبة باليد وباللغة العربية. قام بندر بترجمتها: "عزيزي جورج بوش . . . في البداية أحب أن أهنئك على النتائج التي أحرزها الحزب الجمهوري تحت قيادتك . . . هناك الكثير من الأشياء التي أتمنى أن تتاح لنا الفرصة لنناقشها وجها لوجه. لكن أهمها هي الأمور التي طلبت من سفيرنا . . . أن يناقشها معك . . . تقبل رجاءا خالص تقديري الشخصي,وانقل تحياتي لزوجتك اللطيفة, ووالديك العزيزين"[ii].  

 مشهد 2:

"آذار, 2003:

عندما شوهد "بندر" (بن سلطان) في المكتب البيضاوي, كان هناك "تشيني", و"رايس", و"كارد"  . . .  ("أندرو كارد", رئيس موظفي البيت الأبيض). كان كارد مندهشا من مظهر بندر . . . (فقد) بدا تعبا وعصبيا وهائجا. وكان يتعرق بغزارة. . . سأل الرئيس (بوش) بندر "ما بك؟ أليس لديك . . . أي شئ للحلاقة؟ عادة ما يشذب (بندر) لحيته بعناية, لكن وجهه (في ذلك اليوم) كان أشعثا (ولحيته مهمله). قال بندر لبوش "السيد الرئيس, وعدت نفسي أن لا أحلق (لحيتي) حتى تبدأ هذه الحرب." (فرد عليه بوش): "حسنا, إذن, ستحلقها قريبا جدا". قال بندر: "آمل ذلك, لكني أعتقد أنه حتى يحين موعد بدء هذه الحرب, سأكون مثل "ابن لادن" مبينا أن لحيته ستطول إلى قدم أو قدمين . . . قال الرئيس: " . . .   سوف لن تنتظر طويلا جدا". . . " . . . بندر, فقط ثق بي" . . . كان تشيني متململا في مقعده, وبدا وكأنه يريد أن يبعث برقية طمأنة لبندر, وكأنه يقول, "لا تقلق, (صاحبي) سيفعلها. . ."[iii]

 مشهد 3:

عبد الله ملك (السعودية), الذي كان ولي عهد في المشهد الأول, والذي طلب من سفيره مناقشة أمور مهمة مع "بوش". وأمام المئات من الصحفيين وعشرات الفضائيات, ووسائل الإعلام الأخرى, يصف الوجود الذي أطال (سعادة السفير) لحيته تصميما وإلحاحا في تحقيقه, في المشهد الثاني . . يصفه بأنه احتلال غير مشروع, بعد أن ألح عليه ووفر له جميع عوامل النجاح, ولكن بصورة أريد لها أن تكون خفية . . . لكن, هل بقيت ـ فعلا ـ خفية؟!

 مقدمة:

 على العكس من التصوير الهلامي الإيهامي التهكمي الذي اختُلِقَ مصطلح "نظرية المؤامرة" على أساسه, والذي يشير إلى:

(جماعات خفية غامضة, تسيطر على السياسيين والمفكرين الكبار, وعلى الأدباء والفنانين والرياضيين الكبار. وتسيطر على شرايين المال والثروات, والاتصالات . .  جماعات خبيثة فتاكة, تراقب كل تحركاتنا وسكناتنا, بل وأنفاسنا! تسيطر على هذا العالم, وتحرك أحداثه بصورة غامضة وخفية . . . إلخ!!)

 على العكس من هذا التصوير الذي يسفه الاستشعار الموضوعي بالمؤامرة, ويحبط محاولة استشفاف وجودها, أو يستخف بمن يحاول أن يجد تفسيرا للأحداث المجهولة السبب, أو التي أريد لها أن تكون مجهولة السبب . . فإن الاعتقاد بأن مؤامرة ما خلف حدث ما, عند عجز التفسير العقلي أمام تبرير حدوثه, أو عند جريانه عكس التتابع (العقلي) للأسباب؛ أو عند تكرار الأخطاء بدون سبب, أو عند استكمال أدلة وجود المؤامرة؛ يسد فراغا معرفيا حقيقيا, بدونه يبطل قانون السببية. فكثيرا ما يؤدي تحليل المعطيات المعلنة إلى نتيجة مفادها عدم إمكان حدوث بعض الأحداث, لكنها ـ بالرغم من ذلك ـ تحدث! وانسجاما مع قانون "السببية", لابد من البحث عن سبب. وعندما يكون هذا السبب مخفيا عمدا, يسمى مؤامرة.

على هذا السياق تجري عمليات جميع أجهزة المخابرات في العالم ـ بلا استثناء. ومتابعة بسيطة للوثائق التي يفرج عنها في بعض الدول ـ بعد أن تفقد أهميتها, وتصبح أحداثها في ذمة التأريخ ـ تكشف هذا البعد (غير الخفي) للعمل المخابراتي. وفي هذه الحدود تكون المؤامرة واقعا حقيقيا, لا نظرية زائفة. كما أن الإفراط  بالرؤية (التآمرية) هو مرض عضال, عززه افتعال "نظرية المؤامرة".

 إن الرؤية (التآمرية) للأحداث (Conspiratorial View), والرؤية العرضية (الإعتقاد بالصدفة)  (Accidental View), تتكاملان مع ـ أو تكملان ـ الرؤية العقلية التحليلية (Analytical View)

للتأريخ. لأن كلا منهما تسد جزءا من الفراغ الناشئ من عدم تغطية مساحة التفسير العقلي لكل الأحداث التي شهدها التأريخ.

 قد يكون اختلاق "نظرية المؤامرة" هو لعبة للتسلية, وقد يكون هروبا مقصودا من التتبع العقلي والعملي لأسباب حدوث بعض الأحداث, وقد يكون القصد منه إشاعة عدم إمكان التآمر, أو تسفيه التفكير بوجود المؤامرة. وبالتالي ـ قد ـ يكون القصد منه التكميم النفسي أو المعنوي لكل من يستشعر وجود مؤامرة ما, حتى ولو تكاملت خيوط الإستشعار, وتواترت أدلة الإستدلال.

  صناعة العدو:

 منذ الثمانينات من القرن الماضي ـ وربما قبل ذلك ـ كنا نقرأ عن تحضير حلف "الناتو", وأمريكا بشكل خاص لمرحلة ما بعد "الإتحاد السوفييتي". ربما كان الأمر مبنيا على شواهد واقعية, بقرب سقوط أو تفكك الإتحاد السوفييتي, وبالتالي حلف "وارشو". وربما كان الأمر تحسبا لاحتمالات مستقبلية ممكنة. وقد واجه الباحثون الإستراتيجيون مسألتين مهمتين:

 الأولى هي:

عند سقوط الإتحاد السوفييتي ستخلو الساحة من عدو إستراتيجي لأمريكا, تستطيع من خلال وجوده تبرير وجود الترسانة العسكرية الذرية والكيميائية والبايولوجية والتقليدية الهائلة التي تمتلكها, والتي بها ـ وفقط بها ـ تستطيع أن تكون (القوة العظمى) الوحيدة في العالم[iv]. وبذلك ستواجه مطالبات جدية من دول العالم بنزع أسلحتها وخصوصا ذات الدمار الشامل, لفقدان مبررات وجودها, ولخطورة وقوع الخطأ في إطلاقها, لاسيما وأن التحكم بها رقميا, يجعل الخطأ ممكنا في أية لحظة, وقد يتسبب في كارثة لسكان الأرض جميعا[v].

 والثانية:

إن حدوث الفراغ الناشئ من عدم وجود قوة موازية وموازنة لقوة الولايات المتحدة الأمريكية, وانفرادها بالقوة العظمى في هذا العالم, يفرض واقعا جديدا, لابد أن تمارس فيه مقتضيات القوة التي انفردت بها. لكن, عند انتهاء الحرب الباردة, وانعدام احتمال الحرب (الساخنة)؛ سيتطلع العالم إلى السلم والأمن والتقدم, ولن يرضى بسياسة القوة وشهوة التسلح, لانتفاء مبرراتهما. فكان على القوة الوحيدة أن تدرس كيفية إيجاد المبررات اللازمة لممارسة مقتضيات قوتها العظمى. لتكون الحاكمة والمسيطرة على مصادر الثروة والقوة والنفوذ, ومن قبلها ـ وأهمها ـ  مصادر الطاقة في العالم.

 ثم هناك قضية ثالثة, مثلت حلما أمريكيا قديما, كما اعتبرها الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة "كورت فالدهايم", وهي:

تطبيق فكرة "النظام العالمي الجديد" (New World Order)  (NWO)[vi], بالطريقة التي تجعل القوة الأعظم, هي السلطة العالمية الواحدة والوحيدة, التي لها وسائلها التي تحكم بها العالم, كالديمقراطية, والتجارة الحرة, والقانون الدولي. ولعل تحكمها بالأمم المتحدة ومؤسساتها الدولية (كمجلس الأمن, وصندوق النقد الدولي, والبنك الدولي, وغيرها)  أحد أهم أدواتها, فضلا عن شبكات الاتصالات والإنترنت, ووسائل الإعلام الأخرى . . . حيث يمكن من خلال عولمتها, محو الهويات الاجتماعية والقومية والدينية والعرقية, وحتى المزاج والذوق الفردي, من خلال ثقافة عالمية واحدة, ومزاج وذوق وأسلوب عالمي واحد, هو الأسلوب الأمريكي كما تصوره "هوليوود" (American Life Style). وهذا ما يذكرنا بمحاولات العولمة عبر التأريخ, إبتداءا من أول الإمبراطوريات عبر التأريخ وهي الإمبراطورية "الأكدية", حيث أطلق على "سرجون الأكدي" لقب ملك الجهات الأربع, أي ملك العالم, حتى عصرنا الحاضر؛ إذ أن أغلب الملوك ذوي الممالك الواسعة, يحلمون بحكم العالم كله, وفق المبادئ والقيم والأسلوب الذي يؤمنون به. وكذا الأمر عند الكثير من الحكماء والفلاسفة منذ عصر ما قبل "طاليس" مرورا بـ "الكلبيين" أو "الشكيين" عندما عبر "ديوجينيس" عن عالميته, مجيبا من سأله: من أين أنت؟ بأنه مواطن عالمي (kosmopolitês)؛ حتى عولمة "الكومنتيرن" (Communist International) الشيوعية, وما بعدها.  

 كان الحل الأمثل ـ حينها ـ هو إيجاد عدو جديد, إلا أنه ضعيف ـ قياسا إلى الإتحاد السوفييتي ـ يمكن السيطرة أو القضاء عليه في أي وقت. ويمكن تضخيم خطره إعلاميا أو عن طريق القيام بعمليات كبرى ونسبتها له! وقد اعترف "زبغنيو بريجنسكي" (Zbigniew Brzezinski) مستشار "كارتر" للأمن القومي في حديث طويل مع مجلة "لا نوفيل أوبسرفاتور" الفرنسية (وهو يتكلم عن أنهم جعلوا الإتحاد السوفييتي يذوق في أفغانستان مرارة الكأس التي شربوها هم في فيتنام), عندما سئل: هل تعرف أن ذلك معناه أنكم أعطيتم السلاح للإرهابيين الذين أصبحوا أعداءا لكم؟… أنكم خلقتم بذلك صورة (الإسلام الإرهابي). فأجاب برجينسكي: أيهما أفضل للغرب: انهيار الاتحاد السوفيتي، أو ممارسة الإرهاب بواسطة بعض الجماعات الإسلامية؟ أيهما أخطر على الغرب: طالبان أو الاتحاد السوفيتي؟[vii].

 كانت إيران بعد الثورة الإسلامية فيها, مرشحة لأن توضع في هذه الخانة خصوصا أيام الاندفاع الثوري في مرحلة الفتوة التي تمر بها جميع الثورات في العالم. وقد عمل ـ بالفعل ـ الإعلام الغربي على مقتضيات هذا الترشيح, فضخم الخطر الإيراني على العالم, والمنطقة بشكل خاص ـ كما يفعل الآن ـ ونسب كل ما يحدث من عمليات ضد الولايات المتحدة وغيرها ـ في الثمانينات ـ إلى إيران. إلا أن (حرب صدام الأولى), واستنزافها للقدرات الإيرانية ,وسياسة المرونة والواقعية التي اتخذها "رفسنجاني" بعدها, جعل من الصعب وضع إيران في هذا الدور. فكان لابد من بديل.

 في هذه الأثناء كانت تجري على طرف الشرق الأوسط الشرقي, معركة ضروس أخرى, جند لها الغرب والأمريكان خصوصا ـ بناءا على مبدأ "ريغان"[viii] ـ كل الطاقات الممكنة, وسهلوا مرور مليارات الدولارات, التي تتبرع بها الحكومات والمؤسسات الأهلية الخليجية. في جهد عسكري هائل لصد الغزو السوفييتي لأفغانستان. وفعلا تم ذلك, إذ انسحبت آخر وحدات الجيش السوفييتي من أفغانستان في الخامس عشر من شباط عام 1989. وبدأ (الغول) السوفييتي يترنح. ثم ما لبثت الحسابات أو التوقعات بسقوط الإتحاد السوفييتي أن أصبحت واقعا. وكان ذلك في الثامن من كانون الأول عام 1991, في غابة بالقرب من "مينسك", عاصمة روسيا البيضاء. 

 ليس من الصدفة أن يأتي هذا الحدث مباشرة بعد (دخول) "صدام" "الكويت", بل كان نتيجة مباشرة لهذا الحدث الخطير, الذي لم يكن ـ هو أيضا ـ مصادفة. فبعد انتهاء (حرب صدام الأولى), ونتيجة للدعم الهائل الذي تلقاه من الكثير من دول المنطقة وأمريكا وبعض دول أوربا, خرج "صدام" من الحرب بترسانة هائلة من الأسلحة. بدا ـ بعد ذلك ـ أنها معدة لهدف أكبر وأعظم. وهنا ـ مرة أخرى ـ لابد لمقتضيات القوة الناشئة أن تتجسد, فتخرج من قيد القوة, إلى فضاء الفعل.

 استطاع الأمريكان تحريك "صدام" (بالمباشر), أو (بقشر الموز), أو بالتحكم عن بعد (بالريموت كونترول)؛ مستثمرين تأريخه الإجرامي, وغباءه ـ كونه اشتهر بحساباته الخاطئة ـ ورغبته التوسعية. وضيق أفقه فيما يتعلق بنظرته إلى العالم. فقد كان يتصرف مع الشأن الخارجي كما يتصرف مع الشأن العراقي الداخلي, جاهلاً القواعد والقيود التي تحكم العلاقات الدولية. لذلك لم يكن صعبا على "أبريل  غلاسبي" السفيرة الأمريكية أن توحي له بطريقة (ذكية) في 25 تموز من عام 1990 أن " ليس لنا رأي في نزاعات العرب فيما بينهم مثل نزاعكم مع الكويت حول الحدود". ثم ليأتي "جون كيلي" مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط, وأثناء إدلائه بشهادته أمام لجنة الشرق الأوسط الفرعية التابعة لمجلس النواب, في 31 تموز أي قبل يومين من دخول "صدام" الكويت, ليقول بأنه " واثق من موقف الحكومة من هذه القضية . ليست هناك معاهدة بيننا وبين دول الخليج". وأذاعت محطة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) تصريحات "كيلي", وسُمعت في بغداد. وفي هذا الوقت الحرج, وعندما كان السلم والحرب في الميزان, أرسل "كيلي" إشارة إلى صدام, يمكن اعتبارها تعهدا بعدم تدخل الولايات المتحدة[ix]. هذا إذا وافقنا على (فرضية قشر الموز) وتجاهلنا الفرضيات الأخرى.

 وما إن دخل صدام الكويت, حتى أخرجته أمريكا بطريقة استعراضية قضت على آمال وطموحات الاتحاد السوفييتي, وكشفت الهوة الواسعة بينه وبينها. إذ أنها استخدمت أحدث ما توصل إليه خبراء أسلحتها بطريقة استعراضية غير متكافئة, في مقابل الأسلحة السوفيتية القديمة ـ في أغلبها ـ التي استخدمها صدام. وهكذا سيطرت أمريكا على الخليج بصورة كاملة, ورمت بكل آمال السوفيت أدراج الرياح. فدار العالم في فلك أمريكا, تاركا السوفييت يئنون تحت وطأة الهزيمة الثانية ـ من النوع الثقيل ـ خلال سنتين أو ثلاث, وتحت وطأة الوضع الاقتصادي المتردي, بالإضافة إلى ضعف القيادة السوفييتية الجديدة.

 وهكذا أثمر مبدأ "ريغان" عن فقدان "السوفييت" لأغلب (مواطئ أقدامهم), في بقاع العالم المختلفة. وبالتالي سقوط أكبر قوة موازنة لقوة الولايات المتحدة الأمريكية في العالم . . وسقط الإتحاد السوفييتي . .

 وحدث الفراغ المنتظر!

 فكيف لأمريكا أن تبقي على ترسانتها الخرافية, دون وجود مبرر مقنع للعالم بأهميتها؟

وإن تمكنت من ذلك, كيف ستمارس مقتضيات قوتها العظمى, في عالم يفترض أنه سيكون مسالما وآمنا؟

ثم كيف لها أن تحقق حلمها في نظام عالمي جديد, وعالم تقوده ـ هي ـ لوحدها؟

 الجواب ـ مرة أخرى ـ هو: لابد من عدو!

 

يتبــــع

 


[i] الرايشستاغ: هو الاسم السابق للبرلمان الألماني (البروسي) فيما قبل عام 1947, والذي يسمى الآن "البوندستاغ". يطلق الأسم أيضا على بنايته التي افتتحت في عام 1894 واحتضنت اجتماعاته حتى عام 1933, عندما احترقت أو أحرقت. كما سيمر فيما بعد.

 [ii]  "بوب وودوردز", "خطة هجوم", صفحة 138, دار "سيمون وشوستر" 2004. (ترجمة بتصرف).

Simon & Schuster. 2004 , Bob Woodward, Plan of Attack, Page 138

 [iii]  المصدر السابق , صفحة 209.

 [iv] قد يقول قائل أن أمريكا قوة عظمى باقتصادها وتكنولوجيتها الراقية,وهذا صحيح؛ لكن المتابع يعرف جيدا أن هناك دولا قد تتفوق على الولايات المتحدة اقتصاديا وتكنولوجيا, فيما لو كانت ساحة المنافسة مفتوحة, وبدون الضغوط الأمريكية التي تعود إلى قدرتها العسكرية. وكمثال على ذلك فإنها تمارس ضغوطا على اليابان والصين من أجل تحديد صادراتها من أنواع معينة من البضائع, وذلك لكونها تشكل خطرا اقتصاديا على المنتج والمصنع والمزارع الأمريكي المحلي, وكذلك تمارس ضغوطا على الكثير من البلدان الأوربية وغيرها لمنع دعمها لمنتوجاتها الصناعية والزراعية, لمنع قدرتها على منافسة المنتوجات الأمريكية, فيما تدعم هي, مزارعيها ـ مثلا!

 [v] يتذكر البعض الرعب الذي حصل عند دخول القرن الحادي والعشرين, حيث تطلب الأمر تغيير البرمجيات التي تتحكم بالأسلحة النووية, خشية عدم قدرتها على التعامل مع الرقم (20) بدلا من الرقم (19) وهو الرقم المصممة للتعامل معه, مما سيعني حصول كارثة على الأرض, فيما لو حدث خطأ ما.

 [vi] النظام العالمي الجديد هو حلم أمريكي (كما اعتبره الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة "كورت فالدهايم", وكما ذكره "جورج بوش" (الأب) نصا كما سيأتي). ربما تعود أصوله إلى أيام الإستقلال عن بريطانيا, حيث أصبحت أمريكا عالما جديدا قائما بذاته. فطبعت عبارة تشير إلى ذلك ـ باللاتينية ـ على الختم الرسمي لأمريكا عام 1782, ثم طبعت نفس العبارة على ورقة الدولار (فئة دولار واحد) عام 1935. وكان أول ذكر صريح لهذا المصطلح باللغة الإنكليزية من قبل الرئيس الأمريكي "وودرو ويلسن" بعد الحرب العالمية الأولى. أما أهم إشارة لهذا المصطلح فكانت في خطبة  الرئيس الأمريكي جورج بوش (الأب), أمام "الكونغرس" والتي عنوانها  "نحو نظام عالمي جديد" (Toward a New World Order) والتي ألقاها في الحادي عشر من أيلول عام 1990. إبان تواجد القوات الأمريكية في (السعودية), استعدادا لإخراج (صدام) من الكويت, والتي ذكر فيها, أنهم يحاربون مع باقي القوات من أجل تطبيق مبدأ وحلم النظام العالمي الجديد. ولعل تطابق تأريخ هذه الخطبة, مع الحادي عشر من أيلول 2001 الذي فجر فيه برجي التجارة في نيويورك, هو تطابق غريب! كما أن "بوش" الابن, و "ديك تشيني" (نائب الرئيس الحالي ووزير دفاع أبيه) هما امتداد واضح لأفكار وتطلعات الأب.

  [vii]  محمد حسنين هيكل "الزمن الأمريكي من نيويورك إلى كابل" ص 248.

 [viii] قدمت الولايات المتحدة بموجب مبدأ "ريغان" دعما سريا وعلنيا (overt and covert aid) للحركات المناوئة للحكومات الشيوعية أو الحكومات الحليفة للشيوعيين في آسيا وأفريقيا وأمريكا الوسطى والجنوبية. ومنها حركة (المجاهدين) الأفغان, وحركة "يونيتا" (UNITA) في أنغولا, وقوات "الكونترا" ضد جبهة "الساندنيستا" (Sandinista), التي أطاحت بحكم "ساموزا" في نيكاراغوا.

 [ix]  "المفكرة الخفية لحرب الخليج", تأليف "بيار سالينجر" و " أريك لوران", ص 49 وما قبلها.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com